يعتبرونه سبب “جميع الكوارث”.. قصة المطالبة بتنحي زوكربيرغ وهل يمكن أن يوافق قريباً؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/02 الساعة 13:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/02 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
فرانسيس هوغن المديرة السابقة بفيسبوك وصاحبة التسريبات/ رويترز

مطالبة مارك زوكربيرغ بالتنحي عن منصبه كمدير تنفيذي لشركة فيسبوك سابقاً، "ميتا" حالياً، ليست وليدة الكوابيس التي يواجهها العملاق الأزرق مؤخراً، فما الأسباب، وهل يقبل مارك فكرة الاستقالة؟

كان العطل العالمي الذي أصاب فيسبوك وإنستغرام وواتساب قبل أقل من شهر قد تزامن مع تسريبات واتهامات وجّهتها مديرة سابقة في عملاق منصات التواصل الاجتماعي للشركة، بأنها تسعى للربح على حساب سلامة المستخدمين، وهو ما أعطى دفعة هائلة لمحاولة تفكيك إمبراطورية زوكربيرغ.

وأعلن قيصر منصات التواصل الاجتماعي قبل أيام عن تغيير اسم الشركة من "فيسبوك" إلى "ميتا"، وهو الاسم المختصر للميتافيرس أو العالم الافتراضي، التقنية التي باتت الآن، بحسب خبراء التكنولوجيا، تمثل مستقبل الإنترنت ككل، فيما رآه البعض من منتقدي زوكربيرغ "هروباً إلى الأمام" من المشاكل التي تحيط بالعملاق الأزرق في عالم منصات التواصل الاجتماعي.

مطالبات متجددة باستقالة زوكربيرغ

فرانسيس هوغن، المديرة السابقة في فيسبوك، المبلغة عن المخالفات وصاحبة التسريبات التي تثبت أن عملاق التواصل الاجتماعي يجعل الربح أولوية على توفير الأمان والسلامة للمستخدمين البالغ عددهم ما يقرب من 3 مليارات شخص شهرياً، خلال العام الجاري، أعادت المطالبة بضرورة تنحي مارك زوكربيرغ عن منصبه كمدير تنفيذي لشركة "ميتا" أو "فيسبوك" سابقاً.

وشنت هوغن هجوماً لاذعاً على زوكربيرغ، خلال قمة الويب في لشبونة، متهمة قراره بالاستثمار في تقنية "الميتافيرس"، بدلاً من التركيز على إصلاح المشاكل الحالية في الشركة بأنه "غير معقول"، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وفي رد على سؤال مباشر من أحد الصحفيين بشأن إذا ما كانت تعتقد أن زوكربيرغ عليه أن يستقيل من منصبه، قالت هوغن: "أعتقد أن فيسبوك ستكون شركة أقوى إذا ما تولى إدارتها شخص يرغب في التركيز على سلامة المستخدمين، لذلك ردي على السؤال هو نعم".

ولا يعتبر موقف هوغن، التي مثلت تسريباتها وشهادتها أمام الكونغرس أخطر تهديد لفيسبوك ولزوكربيرغ نفسه، متناقضاً، إذ حرصت المديرة السابقة في الشركة، منذ اللحظة الأولى، على أن تؤكد أن هدفها ليس تشويه صورة فيسبوك في أعين العامة، بل هدفها هو تصحيح مسار وطريقة إدارة عملاق منصات التواصل الاجتماعي الحالي.

مؤسس فيسبوك مارك زوكربيرغ خلال جلسة استماع سابقة في الكونغرس/رويترز

وبررت هوغن ما أقدمت عليه بالقول لصحيفة وول ستريت جورنال: "لو تسبب ما أقدمت عليه في أن تزداد كراهية الناس لفيسبوك فهذا يعني أنني فشلت. إنني أؤمن بالحقيقة والتصالح، ولا بد أن نعترف بالواقع، وأولى خطوات هذا الطريق هي التوثيق".

وترى هوغن أن الوسيلة الوحيدة لمساءلة فيسبوك هي بالكشف عن الدائرة الصغيرة التي يتواجد في مركزها مؤسس فيسبوك والمدير التنفيذي للشركة مارك زوكربيرغ. "لقد تقدمت للشهادة لأنني توقفت أمام حقيقة مرعبة: لا يعرف أي شخص تقريباً خارج فيسبوك ما يدور داخل فيسبوك"، مضيفة في شهادتها للكونغرس: "ما دام فيسبوك يستمر في العمل في الظلام سيظل غير مسؤول أمام أي شخص أو جهة، وسوف يواصل اتخاذ القرارات التي تضر بالصالح العام".

هل هوغن أول من يطالب زوكربيرغ بالاستقالة؟

كلا. فالانتقادات الموجهة إلى فيسبوك وطريقة إدارته التي تركز على الانتشار وتحقيق الربح أكثر من الاهتمام بسلامة وأمن المستخدمين والمجتمعات تبدو مركزة حول زوكربيرغ نفسه، وكيف أنه مهندس تلك الطريقة، ومن ثم المطالبة بإبعاده عن إدارة الشركة وتفكيك الدائرة الصغيرة التي يحيط نفسه بها ويدير الأمور من خلالها.

ونشر موقع Harvard Business Review، التابع للجامعة الأمريكية العريقة، تقريراً في يناير/كانون الثاني 2019، عنوانه "هل يجب أن يستقيل مارك زوكربيرغ؟"، تناول بالتحليل طريقة تفكير الشاب الذي بات أقوى شخص على الكوكب من خلال قدرته على التأثير في حياة نحو سكان الأرض بطريقة مباشرة.

وخلص ذلك التحليل إلى أن السؤال المركزي بات يتعلق بما إذا كان زوكربيرغ قادراً على تغيير طريقة تفكيره بدرجة كافية، لأن يبدأ مرحلة جديدة كمدير تنفيذي لفيسبوك، أم أنه يمكن فقط أن يفعل ذلك (يغير طريقة تفكيره) بعد أن يغادر فيسبوك. وكيف يمكن أن يكون شكل هذا التغيير؟

وذهب تحليل هارفارد إلى أن مارك زوكربيرغ بالأساس لا يركز إلا على كيفية تعظيم الاستفادة المادية من كل مستخدم لمنتجات شركته (فيسبوك وإنستغرام وواتساب)، بدلاً من أن يكون تركيزه الأساسي مُنصباً على إظهار الاحترام المستحق لهؤلاء المستخدمين لأنهم الثروة الحقيقية.

وكان زوكربيرغ، ولا يزال، مصراً على أن شركة فيسبوك (ميتا) ليست مؤسسة إعلامية، بل هي منصة تكنولوجية محايدة، وهو ما يرى منتقدوه أنه مخالف للواقع الفعلي، بعد أن تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى أضخم وسيلة إعلامية على الإطلاق. ويرى منتقدو زوكربيرغ أن إصراره على التمسك بذلك المنطق دليل آخر على أنه يفضل مواصلة طريقة إدارة الشركة كما هي دون تغيير.

ويرفع المطالبون باستقالة زوكربيرغ، بحسب تحليل هارفارد، الحجة الخاصة بطريقة إدارته لفيسبوك، والتي يرون أنها أصبحت سيئة لدرجة يستحيل معها استمراره، بينما في المقابل يرفع المدافعون عنه حجة كونه صاحب مشروع ناجح من الضروري أن يكون قراره مستقلاً لمواصلة هذا النجاح.

فيسبوك أمريكا تلغرام
صورة توضيحية فيسبوك – رويترز

لكن هناك فريق ثالث ينظر إلى الأمر نظرة وسطية ومختلفة، تتعلق بالأساس بشخصية زوكربيرغ ونظرته للنجاح وكيفية قياسه وأدوات تحقيقه. ويركز هذا الفريق على أمرين رئيسيين، الأول تغليب الربح المادي على اعتبارات السلامة والأمن للمستخدمين، والثاني سحق المنافسين والقضاء على أي مشروع قد ينافس فيسبوك كتطبيق تواصل اجتماعي، إما بالشراء أو التضييق على أي تطبيق منافس.

ولم تكن تلك أيضاً أول مرة تظهر مطالبات لزوكربيرغ بالاستقالة، ففي أبريل/نيسان 2018، قال سكوت سترينجر، المشرف على صندوق المعاشات في نيويورك وصاحب أسهم في فيسبوك قيمتها مليار دولار وقتها إنه على مارك أن يستقيل.

ينبغي على مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، الاستقالة من منصبه كرئيس للشركة، وفقاً لمستثمر يملك حصة تبلغ مليار دولار في عملاق المواقع الاجتماعية.

وفي حديث مع شبكة CNBC، على خلفية فضيحة تسريب فيسبوك بيانات شخصية لملايين المستخدمين لشركة كامبريدج أناليتيكا البريطانية، قال سترينجر إنه يجب أن يكون هناك المزيد من الإشراف المستقل على مجلس الإدارة في فيسبوك: "أعتقد أنه يجب أن يكون هناك رئيس مستقل للمجلس، ونحن بحاجة إلى المزيد من المديرين والمخرجين المستقلين، الذين لديهم خبرة فيما يتعلق بالبيانات والأخلاقيات وكل الجوانب التي تحتاج إليها هذه الشركات الضخمة الناشئة في ضوء ما حدث".

هل يقبل زوكربيرغ الاستقالة؟

إذا كانت المطالبة باستقالة زوكربيرغ ليست جديدة ولا وليدة الفضائح الأخيرة التي طاردت فيسبوك، فالمؤشرات على أن مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي قد يقبل التنحي لا تبدو قوية.

واعترفت هوغن نفسها، أحدث المطالبين بتنحي زوكربيرغ، بصعوبة تحقق هذا الأمر، إذ قالت إن سيطرة زوكربيرغ على "ميتا" تمثل تحدياً بالنسبة لحملة الأسهم المستقلين الراغبين في رؤية تغيير في مركز القيادة. فمارك يسيطر على آلية اتخاذ القرار من خلال امتلاك الأغلبية من الأصوات في "ميتا" ما يجعل منصبه محصناً تماماً.

"يمتلك مارك 54% من الأسهم التصويتية في فيسبوك، إنه رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي، وأعتقد أن الحد الأدنى من حقوق حملة الأسهم يتمثل في قدرتهم على اختيار المدير التنفيذي، لذلك لا أعتقد أن الشركة قد تتغير إذا ما ظل في منصبه كمدير تنفيذي".

مايكروسوفت بيل غيتس
مؤسس شركة مايكروسوفت بيل غيتس/ رويترز

لا توجد طريقة إذن لإجبار مارك زوكربيرغ على التخلي عن منصبه من خلال التصويت الداخلي، فهل يمكن أن يستقيل الرجل طواعية ويتخلى عن إدارة "ميتا" ليؤسس شركة أخرى أو يفعل شيئاً آخر؟ يتجه إلى العمل السياسي مثلاً أو إدارة الأعمال الخيرية كما فعل بيل غيتس وجيف بيزوس وغيرهما من مؤسسي شركات عملاقة ناجحة؟

تناولت دراسات كثيرة هذا الاحتمال، ورغم أن أياً منها لم يستبعده بشكل قاطع، إلا أن جميعها خلصت إلى ما يشبه الإجماع على أن تخلي زوكربيرغ طواعية عن منصبه يبدو قراراً غير مرجح، على الأقل في المدى القصير والمتوسط.

ونشر موقع ADN الأمريكي تحقيقاً استقصائياً حول هذه القصة بعنوان "القضية ضد مارك زوكربيرغ: المطلعون على الأمور يقولون إن المدير التنفيذي اختار النمو على حساب السلامة"، رصد الصورة من داخل فيسبوك نفسه، وخلص إلى نتيجة مفادها أن التنحي ليس وارداً في تفكير مارك من الأساس.

فزوكربيرغ يبلغ من العمر 37 عاماً فقط، وأسس فيسبوك قبل 17 عاماً في غرفته بالمدينة الجامعية، واليوم تحولت الشركة إلى ما تحولت إليه، ويمتلك فيها المؤسس منصب رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي وأغلبية الأسهم التصويتية، مما يجعله محكماً قبضته على الإدارة بطريقة حديدية. هذه الطريقة لا تشير لأي نية أو تفكير بأن (زوكربيرغ) قد يقبل فكرة التنحي من الأساس.

ويقول مارك جولدشتاين، رئيس معهد الأبحاث في شركة خدمات حاملي الأسهم، إن هيكل الملكية الذي يعطي قائداً واحداً سيطرة مطلقة على صنع القرار "أمر غير مسبوق في شركة بهذا الحجم. فيسبوك (ميتا) في هذه المرحلة هي أكبر شركة تتركز فيها كل تلك السلطة في يد رجل واحد".

الخلاصة هنا هي أن كثيراً من الناس، داخل فيسبوك وخارجه، يطالبون زوكربيرغ بالتنحي عن منصبه ويحملونه مساوئ فيسبوك جميعاً، دون أن يمتلك أحد، حتى الآن على الأقل، القدرة على إجباره على الاستقالة، كما لا توجد مؤشرات على أن الشاب ذا الـ37 عاماً قد يفعلها من تلقاء نفسه، فالميتافيرس مستقبل الإنترنت باتت، هدفه المقبل.

تحميل المزيد