تمتلك كل دولة في الخليج العربي نظامها الخاص للدفاع الجوي، فما مدى إمكانية تجاوز تلك الدول خلافاتها البينية والاندماج معاً، تحت مظلة صاروخية متكاملة لمواجهة صواريخ إيران؟
هذا التساؤل تناولته مجلة The National Interest الأمريكية، في تقرير بعنوان "هل تتناسى دول الخليج خلافاتها وتقبل الانضمام إلى نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل، لتعزيز أمنها وأمن الشرق الأوسط برعاية أمريكية؟".
الطرح الذي قدمته المجلة، المتخصصة في الشؤون العسكرية والاستخباراتية بالأساس، ينطلق بالطبع من كون إيران تمثل تهديداً لدول خليجية أبرزها السعودية والبحرين، إضافة إلى محاولات الولايات المتحدة لاحتواء إيران وبرنامجها النووي، الذي تعتبره إسرائيل تهديداً وجودياً لها.
وفي ظل امتلاك إيران برنامجاً متطوراً للصواريخ الباليستية تعتبره السعودية والبحرين والإمارات أيضاً تهديداً لا بد من تحييده، تقول مجلة The National Interest إن إقامة نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل (IAMD) بين دول الخليج برعاية أمريكية سيجعل هذه الدول أكثر أماناً، كما أنه يعزز سياسة الولايات المتحدة لاحتواء إيران، ومن ثم فقد حان الوقت لجعل هذا المشروع أولوية للسياسة الأمريكية في المنطقة.
ما العقبات التي تواجه فكرة الدفاع الجوي المشترك؟
ويرصد تقرير المجلة العقبات التي تواجه المشروع، قائلة إلى أن الأمر يتطلب عملاً دبلوماسياً كبيراً من وزارة الخارجية الأمريكية، فخطوة كهذه تتضمن كثيراً من التفاصيل الفنية والتعقيدات القانونية والبيروقراطية، وهي أشياء تستغرق وقتاً طويلاً في دول الخليج، كما أنها غير مألوفة هناك، لكنها ضرورية.
بيد أن التحدي الأساسي، وعلى نحو أكثر حسماً حتى من اتفاقية الدفاع المحددة هذه مع واشنطن، هو موقف دول الخليج العربية من الاجتماع معاً من أجل الأمن القومي عموماً والدفاع الجوي الصاروخي خصوصاً. بمعنى أن الأمر يحتاج إلى تحول جذري في طبيعة التفكير حول هذه القضية الحيوية، حتى يُمكن الاتفاق بشأنها وإنجاح الأمر.
وذهب تقرير المجلة الأمريكية إلى أن إيران ستستمر في امتلاك اليد العليا استراتيجياً، ما لم يستوعب قادة دول الخليج العربية استيعاباً كاملاً في تفكيرهم المتعلق بالأمن القومي وتخطيطهم له أن فكرة الاعتماد المتبادل، وليس مجرد القابلية للتشغيل البيني المشترك، هي عمود أمانهم ورفاههم.
فعلى سبيل المثال، يجب أن تدرك الرياض أن الأمن القطري جزء لا يتجزأ من الأمن السعودي، بالضبط كما يتعين على أبوظبي أن تتصالح مع حقيقة أن أمن قطر هو جزء لا يتجزأ من أمن الإمارات، وهكذا في علاقة كل طرف منهم بالآخر.
تحسن العلاقات الخليجية يفتح الباب أمام المشروع
تحسنت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي في أعقاب قمة العلا، في يناير/كانون الثاني 2021. وهدأت حدة الخلاف السياسي الذي كان قائماً خلال السنوات الثلاث الماضية، بعد أن قطعت السعودية والبحرين والإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع قطر إلى حد كبير.
وعقدت قمة العلا في السعودية، يوم 5 يناير/كانون الثاني الماضي، لتنهي رسمياً الحصار الرباعي على قطر، بعد الإعلان عن اتفاق السعودية وقطر على إعادة فتح الحدود والأجواء بينهما، ووصول أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى السعودية، واستقباله من جانب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لتتم المصالحة الخليجية. وقد كان لتلك اللحظة التاريخية تأثير واضح على الشرق الأوسط ككل، وليس فقط منطقة الخليج، بحسب مجريات الأمور منذ قمة العلا وحتى اليوم.
وكان حصار قطر، من جانب الرباعي العربي، قد أدى إلى تغيير درامي في الشرق الأوسط، صب بشكل واضح في مصلحة إيران بالأساس، سواء اقتصادياً أو سياسياً، رغم أن الهدف الذي أعلنته دول الحصار كان العكس تماماً، وبالتالي فإن الحصار لم يؤدّ لتحقيق النتيجة التي أرادتها الدول الأربع، ومع الوقت تعايشت قطر من جانب ودول الحصار من جانب آخر مع تبعات الحصار.
ويظل السؤال المهم هنا، بحسب تقرير المجلة الأمريكية، هل وصل عرب الخليج الآن إلى مرحلة يمكنهم فيها الانخراط في مناقشة جدية بشأن مقتضيات الأمن الجماعي لدولهم، على نحو يفوق أي مناقشة سابقة لهم في الأمر؟
ماذا تعني مظلة الدفاع الجوي الخليجي؟
ولإيضاح المقصود بمظلة الدفاع الجوي الخليجي المشتركة، ضربت المجلة مثالاً باكتشاف قطر لإطلاق صاروخ متجه إلى الرياض، وإطلاعها القيادة السعودية على الفور على ذلك، من خلال نظام دفاع جوي وصاروخي إقليمي هو أمر، على أهميته، يختلف تمام الاختلاف عن إقدام قطر على اعتراض الصاروخ وإسقاطه مباشرة قبل حتى أن يصل إلى هدفه السعودي.
ويقول تقرير The National Interest إن هذا النوع من التعاون سيكون تعاوناً مثالياً. وهي بالضبط الكيفية التي بُني بها نظام الدفاع الصاروخي المشترك في حلف الناتو بين الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين في المعاهدة، مثل كوريا الجنوبية واليابان، ومع ذلك قد يبدو هذا الأمر غير واقعي في الخليج في الوقت الحالي.
سيكون تبادل بيانات الرادار وأجهزة الاستشعار عبر الأقمار الصناعية عبر القوات العسكرية للمنطقة قفزةً هائلة بالفعل، كما قد يمثل الاتفاق حول استخدام القوة النيرانية وربما الترتيب بشأنها (أي من يطلق النار وعلى ماذا وكم عدد المعترضات المشاركة من كل طرف؟) إنجازاً أكبر، خاصة أن دول الخليج تتفاوت بطبيعة الحال في قدراتها وإمكانيات الدفاع والحماية فيها.
على الجانب الآخر، يجب أن يحدث تحول شديد التحدي في رؤية واشنطن وفلسفتها في التعامل مع الأمر. إذ حتى لو تعلمت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخليج بطريقة ما من الأخطاء الاستراتيجية السابقة، ونجحوا في بناء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل، فإن الردع يمكن أيضاً أن يفشل، فماذا يكون الحال وقتئذ؟
في نهاية الأمر، أوضحت إيران في عام 2019، أنها قادرة تماماً على التغلب على دفاعات خصومها الإقليميين عن طريق الاستهداف المركز، والشراك الخداعية، والصواريخ الموجهة، وغيرها من الوسائل.
والسؤال هنا، في حال شنَّت إيران هجوماً ضخماً آخر من هذا النوع، هل تستخدم دول الخليج عنصر "الردع بالعقاب"؟ وهل ستردّ الولايات المتحدة وحلفاؤها في الخليج العربي رداً مشتركاً على العدوان الإيراني من خلال إجراءات هجومية؟
وكانت منشآت شركة أرامكو السعودية للنفط قد تعرضت لهجوم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، فجر السبت 14 سبتمبر/أيلول 2019، أدى إلى تخفيض القدرة الإنتاجية للشركة العملاقة إلى النصف، وإن كان ذلك لم يستمر طويلاً.
ووجهت الرياض وواشنطن، تحت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والاتحاد الأوروبي أيضاً، الاتهام إلى إيران بالوقوف وراء الهجمات، لكن طهران نفت ذلك، وتبنت جماعة الحوثي في اليمن إطلاق الصواريخ.
وكانت مصادر خاصة قد كشفت لـ"عربي بوست" وقتها، أن الهجوم الذي استهدف معملين تابعين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرقي البلاد، يعد "أكبر عملية في العمق السعودي للطيران المسير"، وتم عبر تنسيق مباشر بين الحوثيين "أنصار الله" وقوة "حزب الله" العراقي، وذلك في أول استهداف حقيقي للأمن القومي السعودي من الأراضي العراقية.
التنسيق والرأي الموحد جوهر المسألة
وفي هذا السياق، يذهب تقرير المجلة الأمريكية إلى أن التنسيق الخليجي والاتفاق على المبدأ يعتبر جوهر مسألة إقامة مظلة للدفاع الجوي. فإقامة نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل أمرٌ ضروري لأمن الخليج ومستقبل الشراكة الأمريكية الخليجية، لكنه ليس كافياً.
إذ لن تحل الأجهزة والتكنولوجيا أبداً محل الحاجة إلى المشاورات الاستراتيجية بين واشنطن وعواصم دول الخليج العربية حول مختلف الحالات الطارئة المتمحورة حول إيران.
هذا النوع من التخطيط للطوارئ لم يكن ممكناً، وفي واقع الأمر لم يكن مجدياً القيام به في الماضي، لأن دول الخليج لم تكن لديها قدرات دفاعية وهجومية جادة. لكن الآن، بات بعضها على الأقل لديه هذه القدرات، ومن ثم من المنطقي تماماً دمج جوانب القوة العسكرية لتلك الدول في التخطيط العملياتي للولايات المتحدة، بحسب تقدير ناشيونال إنترست الأمريكية.
إذا حدث هذا الاندماج، والذي يعد أثقل رافعة سياسية للتعاون على الإطلاق، فإنه سيخلق رادعاً أقوى وأكثر موثوقية ضد إيران، ومن ثم حان الوقت لأن تضغط إدارة بايدن من أجل المضي قدماً في هذه الترتيبات، حتى ولو تدريجياً، كما تقول المجلة.