تحالفت قوات تيغراي مع قوات من إقليم أورومو معلنة الزحف نحو العاصمة أديس أبابا، فيما طالب رئيس الوزراء آبي أحمد المواطنين بحمل السلاح، فمن الأقرب للانتصار في إثيوبيا؟
كانت الحرب في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا قد اندلعت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، عندما أمر رئيس الوزراء آبي أحمد بشن عملية عسكرية على الإقليم الذي كانت تحكمه جبهة تحرير شعب تيغراي، قائلاً إنه فعل ذلك رداً على هجوم تعرضت له قاعدة عسكرية للقوات الحكومية هناك.
وبعد أقل من شهر، أعلن آبي أحمد الانتصار العسكري وسيطرة القوات الحكومية على الإقليم وفرار قادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، لكن تقارير شككت في تصريحات رئيس الوزراء، وسط تحذيرات من تحول المواجهة إلى حرب عصابات طويلة الأمد.
وهذا ما تحقق بالفعل، إذ عادت قوات إقليم تيغراي للسيطرة على العاصمة ميكيلي بعد هروب القوات الإثيوبية، المدعومة من قوات إريتريا، وذلك في يونيو/حزيران الماضي، مما دفع الحكومة إلى إعلان وقف إطلاق النار. ومع ذلك، قال المتمردون في وقت لاحق إنهم صعّدوا هجومهم وفرضوا سيطرتهم على جزء كبير من جنوب تيغراي.
تحالف تيغراي وأورومو
تتشكل إثيوبيا من عدد من القوميات والأقاليم يتمتع كل منها بما يشبه الحكم الذاتي- أي وجود حكومة محلية تدير الإقليم- تحت مظلة الحكومة الفيدرالية ومقرها أديس أبابا العاصمة. وهذه القوميات أو الأعراق تتكون من الأورومو وتمثل 34.4% من سكان البلاد البالغ عددهم أكثر من 110 ملايين نسمة، وقومية الأمهرة وتمثل 27% والقومية الصومالية وتمثل 6.2% وقومية التيغراي وتمثل 6.1% وقومية السيداما وتمثل 4% وقومية الجوراج وتمثل 2.5%..
وأمس الإثنين 1 نوفمبر/ تشرين الثاني، قال متحدث باسم قوات تيغراي إنها انضمت إلى قوات من إقليم أورومو تقاتل أيضاً الحكومة المركزية، مضيفاً أنهم يدرسون الزحف إلى العاصمة، بحسب رويترز.
وأضاف جيتاتشو رضا، المتحدث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي: "انضممنا إلى جيش تحرير أورومو، وإذا كان تحقيق أهدافنا في تيغراي يتطلب ذلك سنزحف على أديس أبابا"، منوهاً "لكننا لا نقول إننا نزحف الآن إلى أديس أبابا".
ولم يتسنَّ التحقق من تصريحاته بشكل مستقل، لأن الاتصالات الهاتفية في المنطقة معطلة، وفقاً لرويترز، كما لم يرد ليجيسي تولو المتحدث باسم الحكومة، والمتحدث العسكري ومتحدث باسم إقليم أمهرة على طلبات للتعليق.
ومنذ أن شن الجيش الفيدرالي- بأوامر من آبي أحمد- هجومه على إقليم تيغراي قبل عام، بدا أن الحرب في الإقليم الواقع أقصى شمال إثيوبيا، تتمحور حول السيطرة السياسية، وكان الهدف المُعلن للحكومة الفيدرالية هو اعتقال القيادات السياسية والعسكرية للحكومة الإقليمية المخلوعة، في عملية تصر أديس أبابا على أنها لإنفاذ القانون.
لكن بين النخبة السياسية العرقية في أمهرة، يُنظَر إليها على أنها حرب لاستعادة الأراضي التي خسرتها في عام 1991، ولأنها ثاني أكبر مجموعة عرقية في البلاد، فقد اضطلعت ميليشيات الأمهرة والقوات الخاصة بدور محوري في الحرب، وتُدمَج الأجزاء الغربية والجنوبية من تيغراي حالياً تحت إدارة الأمهرة وسيطرتها، على الرغم من احتجاجات الحكومة الإقليمية المؤقتة في تيغراي، بحسب تقرير لمجلةForeign Policy الأمريكية.
آبي أحمد يستغيث بالمواطنين
لكن آبي أحمد رئيس الوزراء وجَّه الدعوة للمواطنين في بلاده إلى حمل السلاح للتصدي إلى زحف "المتمردين" على العاصمة. وتوجه بندائه عبر موقع فيسبوك، بعد تقارير مفادها بأن المتمردين في إقليم تيغراي سيطروا على مدن أكثر في إقليم أمهرة المجاور.
واتهمت الحكومة قوات تيغراي وأورمو بقتل 100 من الشباب في إحدى المدن التي سيطروا عليها، بينما لم يرد الجانب الآخر على الاتهامات، وتقول جبهة تحرير شعب تيغراي إن هدفها هو فك الحصار المضروب على المنطقة الشمالية من البلاد.
وقال آبي أحمد في بيانه إن زحف المتمردين "يدفع بالبلاد إلى حتفها"، وحض المواطنين على "تنظيم أنفسهم بأي طريقة قانونية وحمل أي سلاح أو قوة من أجل التصدي والقضاء على جبهة تحرير تيغراي الإرهابية"، وفق ترجمة أوردها موقع أديس ستاندرد نيوز.
نداء آبي أحمد تزامن مع تقارير عن سيطرة المتمردين على بلدتي ديسي وكومبولتشا الاستراتيجيتين في إقليم أمهرة، على بعد 300 كيلومتر شمالي العاصمة أديس أبابا. وكتبت الحكومة الأثيوبية الإثنين على تويتر أن "المتمردين أعدموا 100 من الشباب" في منطقة كومبولتشا. وبشكل عام يصعب التحقق من مزاعم أطراف النزاع في إثيوبيا لأن وسائل الاتصال مقيدة في البلاد.
هل ينتصر آبي أحمد على خصومه؟
في ظل تقييد الحكومة الإثيوبية للاتصالات في إقليم تيغراي، والسيطرة على وسائل الإعلام في البلاد بشكل عام، من الصعب معرفة ما يدور على الأرض في مناطق الصراع، التي باتت تتسع ولم تعد مقصورة على إقليم تيغراي في الشمال.
وفي هذا السياق، يرى بعض المحللين في دعوة آبي أحمد المواطنين إلى حمل السلاح والاستعداد للدفاع عن العاصمة دعاية مضادة قد لا تعني بالضرورة صحة مزاعم الزحف نحو أديس أبابا. وهذا ما أكده المتحدث باسم قوات أورومو نفسه بقوله إن قرار "الزحف" على أديس أبابا مرتبط بضرورات القتال في تيغراي.
وعلى رغم الاتهامات المتكررة من جانب آبي أحمد للقوات المتمردة بارتكابها جرائم ضد السكان المدنيين، إلا أن مئات التقارير الأممية تشير إلى أن إقليم تيغراي قد شهد انتهاكات ارتكبها الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية بصورة أكثر مأساوية مما تم الكشف عنه، وكشفت تقارير عن مزاعم بارتكاب جرائم اغتصاب ممنهجة بحق نساء التيغراي فيما يوصف بالتطهير العرقي.
الاتهامات الموجهة للجيش الإثيوبي بارتكاب انتهاكات بحق سكان الإقليم ترقى لجرائم حرب صدرت عن عدة جهات دولية منها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والإدارة الأمريكية، رغم نفي حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد لتلك الاتهامات، لكن استمرار منع وسائل الإعلام المحايدة من دخول الإقليم بعد سيطرة القوات الحكومية عليه يضفي مصداقية على تلك الاتهامات، بحسب مراقبين.
وعلى الرغم من الفظائع التي تحدثت عنها تقارير متناثرة من خلال شهادات النازحين من الإقليم سواء في معسكرات لجوء على حدود إثيوبيا أو داخل السودان، إلا أن التقارير التي ترصد استخدام "الاغتصاب" بحق نساء إقليم تيغراي كسلاح من جانب قوات الجيش الإثيوبي والقوات الإريترية يبدو وكأنها سياسة ممنهجة وليست مجرد حوادث فردية، بحسب تقرير لشبكة CNN الأمريكية نشر مارس/آذار الماضي بعنوان "هذا تطهير عرقي"، نقل عن أطباء يعالجون الضحايا شهادتهم بأن الاغتصاب يستخدم كسلاح للتطهير العرقي.
تقرير الشبكة الأمريكية رصد شهادات لنساء من تيغراي تعرضن للاغتصاب، وشهادات من أطباء داخل إثيوبيا وفي معسكرات اللاجئين من الإقليم عالجوا عشرات النساء وتوصل لنفس النتيجة، رغم أن الادعاءات بتعرض كثير من نساء تيغراي للاغتصاب ليست جديدة.
وبحسب سجلات طبية اطلعت عليها CNN وشهادات مسجلة لضحايا وأطباء، تتعرض نساء الإقليم للاغتصاب الجماعي والتخدير ووسائل متعددة لإصابتهن بالعقم، وتعرضت إحدى الضحايا لقيام الجنود بوضع حجارة ومسامير في عضوها التناسلي، بحسب مقطع فيديو اطلع عليه مراسلو الشبكة الأمريكية.
هذه التقارير وغيرها تضع آبي أحمد تحت ضغوط دولية متصاعدة، ومع غياب صورة واضحة عما يجري على الأرض في إثيوبيا، لا أحد يمكنه الجزم بما إذا كانت قوات تيغراي والأورومو وغيرهما من قوات أقاليم أخرى متمردة أيضاً على الحكومة الفيدرالية، تستعد بالفعل للزحف على العاصمة وإسقاط حكومة آبي أحمد أم لا.
لكن الصورة العامة للحرب الأهلية المشتعلة في البلاد منذ أكثر من عام تشير إلى أن تحقيق طرف من الطرفين انتصاراً تاماً على الطرف الآخر على المدى القصير ربما يكون أمراً مستبعداً، بحسب كثير من المراقبين والمحللين.