على مدى أسابيع، تصدَّرَت المجموعة العقارية الصينية المتعثِّرة إيفرغراند عناوين الصحف، داخل وخارج البلاد، بينما ينتظر المستثمرون ليروا ما سيحدث إذا ما انهارت الشركة وكيف يمكن أن تدير الصين هذا الانهيار؟
وقبل الدخول إلى تفاصيل الخطة المحتملة لبكين للتعامل مع تبعات زلزال انهيار إيفرغراند عملاق شركات التطوير العقاري، من المهم الإجابة عن أسباب هذا الاهتمام، داخل وخارج الصين، بتعثر شركة عقارات مهما كانت ضخمة.
لكن القصة هنا ليست بهذه البساطة، إذ يمثل قطاع العقارات في الصين أكثر من 30% من اقتصاد التنين. ويمثل الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصادات العالم، بعد الولايات المتحدة، ويؤثر اقتصاد التنين على جميع نواحي الحياة حول الكرة الأرضية، إذ إن الصين تمثل مصنع العالم وشريانه الرئيسي، وبالتالي فإن أي هزة اقتصادية في بكين يتردد صداها في أركان المعمورة، بحسب خبراء الاقتصاد.
وعلى الرغم من التعافي السريع للاقتصاد الصيني في ظل الأزمة الصحية العالمية التي انطلقت من مدينة ووهان أواخر عام 2019 عندما تفشى فيروس كورونا، فإن هذا التعافي بدأ يواجه أزمات متعددة كأزمة الطاقة وأزمة قطاع العقارات.
تداعيات عالمية لتعثر إيفرغراند
موقع Business Insider الأمريكي تناول قصة عملاق العقارات الصيني في تقرير بعنوان "ما الذي سوف يحدث إذا انهارت شركة إيفرغراند، وكيف سوف تدير الصين هذا السقوط؟"، رصد التعثر الذي تواجهه الشركة، وهي ثاني أكبر شركة تطوير عقاري في الصين، واحتمالات تدخل بكين لمحاولة إنقاذها من هذا السقوط.
صحيح أن الشركة العملاقة قد نجحت مؤخراً في تجنب الإعسار المالي عندما دفعت مبلغ 83.5 ملايين دولار فائدةً على السندات بصورة غير متوقعة وفي اللحظة الأخيرة. لكنها تواجه مستحقات مدفوعات قادمة على السندات في مواعيد نهائية فوتتها بالفعل، فضلاً عن أن حجم إجمالي الدين المستحق عليها لا يزال ضخماً بما يكفي ليسد أي آفاق أمامها، إذ يصل إلى 300 مليار دولار.
ويحمل انهيار شركة إيفرغراند تداعيات عالمية. مؤخراً نشرت كاتبة العمود لينيت لوبيز أنه إذا انهار الاقتصاد الصيني، فسوف تُستشعر العواقب في أماكن بعيدة وعلى نطاق واسع. ومن المعروف أن الاقتصاد الصيني يتكئ على قطاعه العقاري الضخم البالغ حجمه 52 تريليون دولار.
أما على المستوى المحلي، إذا انهارت شركة إيفرغراند، فسوف يكون لدى الحكومة ثلاثة ترتيبات للأولويات عندما يتعلق الأمر بإدارة هذا السقوط، وذلك حسبما أوضح الدكتور شين صن، المحاضر الكبير في شؤون الأعمال الصينية وشرق الآسيوية في كلية كينغز لندن، خلال حديثه مع موقع Business Insider.
قال الدكتور صن: "ترتيب الأولوية بالنسبة للحكومة هو تحديداً مشتري المنازل أولاً. المستوى الأدنى هم حاملو الأسهم الحاليون، فسوف يُقضى على هؤلاء. ويأتي في المنتصف الدائنون، الذين سوف يتفاوضون على صفقة حول كم من الديون المستحقة لهم سوف يحصّلونها".
الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي
قال صن: "الأولوية بالنسبة للحكومة في إدارة حالات الإفلاس أو الإعسار هي دائماً ضمان الاستقرار الاجتماعي والتفاوض على صفقة مع الدائنين"، وسنجد ذلك إذا فحصنا انهيار الشركات الصينية الكبيرة في الماضي.
وتابع قائلاً إنه من أجل تحقيق هذه الغاية، سوف تضع الحكومة مشتري المنازل في المرتبة الأولى ضمن الأولويات. في نهاية سبتمبر/أيلول، تعهد البنك المركزي الصيني بحماية مصالح مشتري المنازل، مما خفف مخاوف المستثمرين من أن مشاكل إيفرغراند قد تنتشر أصداؤها حول الأسواق المالية.
وأوضح صن أن الحكومات المحلية سوف تتدخل لتسليم المنازل بدلاً من إيفرغراند. وقال: "إذا انهارت إيفرغراند، سوف تحاول الحكومات تأمين الأصول المتبقية للشركة في محيط مناطقها المحلية وتطالب المطورين بالاستيلاء على الأصول ذات القيمة العالية. سوف يقترضون الأموال من البنوك ويواصلون تسليم المنازل إلى المشترين السابقين لعقارات إيفرغراند".
تقع نسبة كبيرة من سكان الصين تحت هذا التصنيف، إذ إن أكثر من 90% من الأسر في الصين هم من ملاك المنازل، وذلك وفقاً لورقة بحثية حول ملكية المنازل في الصين أعدها المركز الوطني لمعلومات التقانة الحيوية في أمريكا.
وبالمقارنة مع الولايات المتحدة، تشير الأرقام إلى أن نسبة ملاك المنازل هناك هي 65% فقط. يضاف إلى هذا أن العقارات تختص بجزء كبير من ثروات المواطنين. ففي المتوسط، يُحتَفظ بـ 70% من ثروات الأسر في الصين في هيئة عقارات.
ويقول الموقع الرسمي لشركة إيفرغراند إن العقارات التي طورتها تؤوي أكثر من 12 مليون شخص حول 280 مدينة في الصين. ولدى الشركة كذلك 1.6 مليون شقة لم تسلمها بعد ولا تزال في وضع غير مؤكد، وهي وحدات سكنية دفع الأشخاص فعلياً دفعات مقدمة لشرائها.
الدائنون خصوصاً خارج الصين
قال صن إن الأولوية الثانية للحكومة سوف تميل إلى المقرضين، بما في ذلك حاملي سندات إيفرغراند الدوليين، والمصارف المحلية، وموردي الشركة الذين تدين لهم بالمال.
يأتي مصرف Shengjing Bank من ضمن المقرضين الرئيسيين لشركة إيفرغراند، لكن الكاتب مات ليفين أوضح فيما نشره لدى وكالة Bloomberg في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أن إيفرغراند اقترضت المال من الجميع.
كتب ليفين: "حصلت إيفرغراند على تمويلها من الجميع بكل تأكيد- المصارف والمستثمرين والموردين والعملاء والموظفين- ويبدو من غير المرجح أن جميعهم يعرفون ما كانوا يتعاملون معه".
كذلك تواجه الشركة المستقرة في مدينة شنغن اقتراباً متسارعاً للمواعيد النهائية المنتظرة نهاية العام، التي يُستحق فيها دفع أكثر من 500 مليون دولار إلى الدائنين.
قال صن: "سوف يواجه هؤلاء الأشخاص مرحلة مفاوضات. بعض قروضهم التي أقرضوها لإيفرغراند قد تُرد إليهم، لكن نسبة هذا الاسترداد تعتمد على المفاوضات".
وأخيراً أصحاب أسهم إيفرغراند
قال صن إن أي انهيار لشركة إيفرغراند لن يأتي بلا معاناة. وأوضح: "الأشخاص الذين سوف يعانون أشد معاناة هم حاملو الأسهم الحاليون. سوف يُقضى على أسهمهم. تعود ملكية 70% من الأسهم إلى عائلة المالك، وهذه سوف يُقضى عليها".
وبالفعل شهد هوي كايان، رئيس ومؤسس شركة إيفرغراند، ضياع نسبة كبيرة من ثروته هذا العام. حقق هوي 5.3 مليار دولار من الأرباح في الأعوام الأربعة الماضية، ويبلغ صافي ثروته الحالية 7.3 مليارات دولار، أي بانخفاض قدره 16 مليار دولار منذ بداية العام.
وثمة مزيد من العقبات المالية التي تنتظر هوي. فقد أبلغته الحكومة باستخدام ثروته الشخصية لدفع جزء من أعباء الدين الهائلة المستحقة على إيفرغراند، وذلك حسبما أفادت وكالة Bloomberg نقلاً عن أشخاص مطلعين على المسألة.
ويأتي بعد عائلة هوي في قائمة أكبر حملة الأسهم في شركة إيفرغراند، الشركة الاستثمارية القابضة Chinese Estates Holdings Ltd، التي تملك 4.6% من الأسهم في الشركة. كذلك تملك عديد من الشركات الاستثمارية الأمريكية الرئيسية أسهماً في شركة إيفرغراند، ويأتي من بينها مجموعة فانغارد للاستثمار (0.6%)، وشركة Dimensional Fund Investors للاستثمار (0.2%)، وشركة BlackRock Fund Advisors الاستثمارية (0.2%).