على الرغم من أن التغير المناخي وما يعنيه من تهديد وجودي للحياة على الأرض أصبح واقعاً تعاني منه جميع دول العالم، تسود أجواء التشاؤم على قمة المناخ التي تنعقد في غلاسكو، فما أسباب تشكيك خبراء في فرص النجاح؟
تستضيف المملكة المتحدة قمة الأمم المتحدة للمناخ لمدة أسبوعين، بداية من الإثنين 1 نوفمبر/تشرين الأول، بمشاركة ممثلين لـ200 دولة، والهدف الأساسي من القمة هو الحفاظ على الهدف الذي تم الاتفاق عليه في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015، وهو عدم زيادة درجة حرارة الأرض عن 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050.
والمقصود بمصطلح التغير المناخي هو التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية لكوكب الأرض، وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في نفس الأماكن، مما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة باختصار هي نقص الغذاء.
قمة المناخ نقطة تحول للبشرية
كان بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا قد وصف قمة الأمم المتحدة بشأن التغير المناخي (COP26)، التي تستضيفها بلاده، بأنها تمثل "نقطة تحول للبشرية". كما وصف أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة العام الجاري بأنه يمثل "جرس إنذار" للبشرية قبل أن يفوت أوان إنقاذ الكوكب من تداعيات التغير المناخي.
فبعد أن أصبحت صور الفيضانات والحرائق تتصدر عناوين الصحف حول العالم، سارع خبراء المناخ في الهيئة التابعة للأمم المتحدة بإصدار توقعاتهم الجديدة بشأن مستقبل الكوكب، وهي التوقعات التي مثلت "جرس إنذار للجميع"، بحسب وصف ألوك شارما الوزير البريطاني ورئيس مؤتمر المناخ في غلاسكو.
سيل الكوارث المناخية في أنحاء العالم، من الفيضانات في ألمانيا والصين إلى الحرائق الهائلة في أوروبا وأمريكا الشمالية مروراً بموجات القيظ في كندا، كان السبب في تسريع قيام العلماء بالكشف عن التقييمات الجديدة والتوقعات المرتبطة بارتفاع درجات الحرارة العالمية وارتفاع مستويات المحيطات وحتى اشتداد الظواهر المناخية القصوى.
ويجتمع أكثر من 25 ألف شخص من أرجاء الكرة الأرضية في المدينة الأسكتلندية، بين خبراء وناشطين مهتمين بالبيئة وقضايا المناخ ودبلوماسيين ومندوبين وسياسيين وزعماء أغلب دول العالم.
وعلى الرغم من أن قمة غلاسكو تختلف عن جميع القمم الخاصة بالمناخ التي سبقتها، إلا أن ذلك لا يمنع كونها الأهم على الإطلاق، بحسب خبراء المناخ. ولا توجد معاهدة أو اتفاق محدد يسعى المجتمعون إلى التوافق حوله، بل ستكون القمة محاولة لتحقيق عدد لا يحصى من الانتصارات الصغيرة.
فاتفاق باريس للمناخ الموقع عام 2015 شمل هدفاً أسمى وهو قصر الزيادة في ارتفاع درجة حرارة الكوكب على 1.5 درجة مئوية، وحتى يتحقق هذا الهدف لا بد من تخفيض الانبعاثات الكربونية بصورة لافتة، وهو ما يعني ضرورة التزام الدول، وبخاصة تلك الصناعية منها، بتعهدات جديدة تخص المناخ تعلنها الدول والشركات والمستثمرون خلال المؤتمر.
هل يحدث اتفاق في غلاسكو؟
لكن قبل ساعات من انطلاق أعمال مؤتمر المناخ رسمياً، حذر كثير من الخبراء من أن الأجواء المصاحبة لا تدعو للتفاؤل في أن يتحقق الهدف المرجو، وذلك على خلفية عدد من المؤشرات، أبرزها حتى الآن غياب الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والحالة السياسية العامة المتسمة بالاستقطاب، إضافة إلى ارتفاع أسعار النفط ومطالبة الرئيس الأمريكي الدول المنتجة بزيادة الإنتاج لمواجهة الطلب المتزايد.
وتناولت مجلة Politico الأمريكية تلك العوامل في تقرير لها بعنوان "لماذا لن تنقذ قمة المناخ COP26 كوكب الأرض"، وخلص التقرير إلى أن قمة غلاسكو للمناخ على الأرجح ستفشل في تحقيق الهدف الذي تنعقد لتحقيقه، على الرغم من أن قادة العالم على الأرجح لن يعترفوا بهذا الفشل بعد ختام القمة خلال أسبوعين.
وتحت عنوان "الحفاظ على هدف 1.5 درجة مئوية"، تستضيف المملكة المتحدة قادة أوروبا والولايات المتحدة والدول الأخرى، بهدف قصر الاحترار على 1.5 درجة وإلا فإن موجات العواصف والحرائق والجفاف والحرارة الشديدة سوف تصبح أكثر حدة وتحدث بفواصل زمنية أقل بكثير مما كان معتاداً.
وقال تود ستيرن المفاوض الرئيسي للمناخ في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما للمجلة: "أبواب الجحيم فتحت جميعاً. الواقع الآن هو أن الأمور ستزداد بشاعة عند 1.5 درجة- ناهيك عن الوصول إلى درجتين بالطبع. وأنا مؤمن تماماً بهذه الحقيقة"، مضيفاً: "هذا التقييم بالطبع لا يجيب عن سؤال إذا ما كان ذلك واقعياً أم لا، لكنني أفضل أن أنتظر تحقيق هذا الهدف".
وكان تقرير لصحيفة The Times البريطانية قد ركز تحديداً على أهمية حضور الرئيس الصيني لقمة غلاسكو قائلاً إن الاتجاه الذي تسير إليه الإنسانية لن يتحدّد على يد الدبلوماسيين والمندوبين والناشطين، بل من قِبَلِ رجلٍ واحدٍ هو شي، إذ تُعَدُّ الصين إلى حدٍّ كبير أكبر منتجٍ للغازات المُسبِّبة للاحتباس الحراري في العالم، فهي تمثِّل 28% من الانبعاثات العالمية، مقارنةً بـ15% من الولايات المتحدة، و1% من المملكة المتحدة.
وقال بيت بيتس المفاوض السابق في مجال المناخ في المملكة المتحدة وكان له دورٌ فعَّال في صياغة اتفاق باريس للمناخ قبل ست سنوات، للصحيفة البريطانية: "الصين مهمة أكثر من أيِّ طرفٍ آخر في هذا المجال. وهو مهم بشكلٍ مُضاعَف لأنه في الوقت الذي تنخفض فيه انبعاثات الدول الأخرى، لا تزال انبعاثات الصين آخذة في الارتفاع". وحتى الآن لا يبدو أن الرئيس سيغادر بكين إلى غلاسكو.
أجندة دسمة لمواجهة التغير المناخي.. ولكن!
وبشكل عام، ستكون عملية التقييم النهائي لما تحقق من تقدم على مدار الأسبوعين اللذين تعقد فيهما قمة الأمم المتحدة للمناخ عملية معقدة، فعلى النقيض من القمم السابقة لن تفضي هذه القمة إلى معاهدة ولن تحقق "انتصاراً" كبيراً للبشرية
وسيُقاس النجاح بما إذا كان المجتمعون سيتمكنون معاً من الحفاظ على هدف قصر الزيادة في ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض على 1.5 درجة مئوية. لكن الفجوة هائلة. إذ يقول العلماء إن قصر الزيادة في حرارة الكوكب على 1.5 درجة مئوية يستلزم خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 45% بحلول عام 2030 عما كانت عليه في 2010 والوصول إلى الصافي الصفري بحلول 2050.
أما التعهدات الحالية، التي تنص عليها معاهدة باريس للمناخ، فستؤدي إلى زيادة الانبعاثات بنسبة 16% بحلول 2030. ومن المتوقع أن تستخدم قمة كوب 26 ثلاثة عناصر لمحاولة توجيه العالم لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، بحسب تقرير لرويترز.
أول هذه العناصر هو رسم خطة تعمل الدول بمقتضاها على التعجيل بالوفاء بتعهدات خفض الانبعاثات في السنوات المقبلة. وفي حكم المؤكد تقريباً أن قمة كوب 26 لن تسفر عما يكفي من التعهدات بما يضع العالم على مسار ثابت لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، غير أنه من الممكن أن يؤدي التوصل إلى اتفاق ذي مصداقية إلى تعزيز الطموح بدرجة أكبر في السنوات المقبلة إلى الحفاظ على بقاء الهدف.
وتم تكليف الدنمارك وغرينادا بمهمة وضع خيارات لهذا الأمر كما تدرس بريطانيا اقتراحاً من شأنه أن يفرض على الدول العودة بتعهدات جديدة أكثر طموحاً في موعد قريب ربما يكون 2023.
تعهدات الدول الغنية بشأن المناخ
ويُعد الجانب البريطاني الذي يستضيف المؤتمر مجموعة من الاتفاقات الجانبية تتناول التخلص التدريجي من الفحم وإنتاج السيارات النظيفة والتصحر. وربما تسهم هذه الاتفاقات بعض الشيء في تحقيق أهداف اتفاقية باريس في غياب أي تعهدات جديدة من أكبر الأطراف الملوثة للغلاف الجوي على مستوى العالم.
أما العنصر الثاني فهو المال. ففي الأسبوع الماضي، أكدت الدول الغنية أنها أخفقت في الوفاء بالوعد الذي قطعته على نفسها في 2009 بتخصيص 100 مليار دولار سنوياً بحلول 2020 لتمويل المناخ بما يساعد الدول الفقيرة على الحد من انبعاثاتها وإقامة نظم تتمتع بالمرونة لتحقيق الصمود في وجه الظواهر الجوية الآخذة في التدهور من عواصف وفيضانات وغيرها.
وقد غذّى ذلك مشاعر الغضب والارتياب بين الدول النامية وقوَّض مطالبات الدول الغنية بأن يخفض العالم النامي الانبعاثات بوتيرة أسرع؛ وهو ما يستلزم استثمارات هائلة للتخلص من عنصر الكربون في كل شيء من محطات توليد الكهرباء إلى المصانع إلى وسائل النقل والزراعة.
وستحتاج قمة كوب 26 إلى الخروج بخطة جديدة لضمان الوفاء بهدف تخصيص 100 مليار دولار سنوياً. كما ستبدأ القمة مفاوضات من أجل وضع هدف جديد لتمويل المناخ لعام 2025 والقواعد اللازمة للتأكد من ضمان التزام الدول الغنية بسداد ما عليها.
كذلك تطالب كتلة من أكثر الدول عرضة للتأثر بالتقلبات المناخية على مستوى العالم بأن تبدأ قمة جلاسكو محادثات حول تمويل ما يطلق عليه "الخسارة والضرر" أي تخصيص أموال لتعويضها عن التكاليف المتصاعدة لتغير المناخ من ضياع المحاصيل إلى ارتفاع منسوب مياه البحار.
وأشركت بريطانيا التي تستضيف القمة القطاع الخاص أيضاً وجهزت تعهدات من بنوك ومستثمرين بضخ مليارات في الاستثمارات النظيفة وسد العجز الناتج عن تلكؤ الدول الغنية في تقديم التبرعات.
ويقدر محللون لدى مؤسسة برنستاين أنه لا بد من استثمار ما يتراوح بين تريليونين وأربعة تريليونات دولار في الصناعات منخفضة الكثافة الكربونية كل عام لكي يصل العالم إلى صافي الانبعاثات الصفري بحلول العام 2050. وللمقارنة لم تقدم الدول الغنية للدول الفقيرة سوى 79.6 مليار دولار من التمويل اللازم للمناخ في 2019. ويتفق الاقتصاديون على نحو متزايد على أن ثمن الركون إلى الوضع الحالي والسماح بتداعيات تغير المناخ دون أي ضوابط سيكون أعلى بكثير.
أما الأولوية الثالثة لقمة كوب 26 فهي استكمال المفاوضين القادمين من قرابة 200 دولة موقعة على اتفاقية باريس القواعد اللازمة لتنفيذها. وينطوي ذلك على مناقشات شائكة تتناول أسواق الكربون وكيفية تحديد الدول لأهدافها المناخية مستقبلاً والتمويل اللازم.
وقالت جينيفر مورجان رئيسة منظمة جرين بيس (السلام الأخضر) لرويترز: "باريس كانت حفل الخطوبة. أما الآن فنحن في حفل الزفاف، في انتظار أن تقول الدول الرئيسية والمؤسسات (قبلت الزواج)".