أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قراراً بتعيين الفريق أسامة عسكر رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة المصرية، بعد إتمام سلفه الفريق محمد فريد حجازي فترة شغله للمنصب، البالغة 4 سنوات، وهو ما أعاد للواجهة الجدل حول أسباب ترقية عسكر بعد تهميشه سابقاً، وكيفية إدارة السيسي لعمليات التصعيد والترقية داخل المؤسسة العسكرية، وبالأخص في ظل إصدار عدة قرارات جمهورية أعادت رسم حدود صلاحيات وفترات خدمة كبار القادة العسكريين، ما يشير إلى رغبة السيسي في عدم استقرار الأفراد في المنصب لفترات طويلة، حتى لا يُكرر خطأ الرئيس الراحل حسني مبارك مع وزير دفاعه المشير طنطاوي.
ما هي قصة صعود وهبوط أسامة عسكر؟
الفريق أسامة عسكر من مواليد 1957، وقد تدرج في المناصب العسكرية إلى أن شغل منصب قائد الجيش الثالث الميداني، في أغسطس/آب 2012، بدلاً من الفريق صدقي صبحي، الذي تولى آنذاك رئاسة أركان حرب القوات المسلحة.
صعد اسم الفريق عسكر للواجهة عقب هجوم واسع شنّه 100 من عناصر تنظيم ولاية سيناء -الفرع المصري من داعش- في 29 يناير/كانون الثاني 2015، على المربع الأمني بمدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، استخدموا خلاله 3 سيارات مفخخة مزودة بعشرة أطنان من المتفجرات، بالتزامن مع شنّهم هجوماً على سبعة ارتكازات للجيش بالعريش ورفح والشيخ زويد، ما أسفر عن مقتل 31 من أفراد الجيش والشرطة على الأقل.
فعقب الهجوم بيومين فقط انعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في جلسة طارئة، لمناقشة تفاصيل وتداعيات الحادث، وفي نهاية الاجتماع أصدر السيسي قراراً جمهورياً بتشكيل قيادة موحدة لمنطقة شرق القناة ومكافحة الإرهاب، بقيادة اللواء أسامة عسكر، مع ترقيته إلى رتبة فريق، حيث كان عمره آنذاك 58 عاماً، وهي ترقية هدفت إلى تجاوز سن التقاعد المقرر آنذاك للضباط برتبة لواء، والبالغ 58 عاماً، قبل أن يعدله السيسي لاحقاً في عام 2016، ليسمح بمدّ خدمة اللواءات بعد بلوغهم السن القانونية للمعاش أربع سنوات إضافية بقرار تجديد يصدر سنوياً.
تولت القيادة الموحدة التي قادها الفريق عسكر الإشراف على الأعمال القتالية للجيش الثاني الميداني في شمال سيناء، والجيش الثالث الميداني في وسط وجنوب سيناء، وذلك بالتعاون مع الأفرع الرئيسية للقوات المسلحة ووزارة الداخلية، بالإضافة إلى اختصاصها بمهمة متابعة معدلات أداء المشروعات التنموية الجارية والمخطط تنفيذها بشبه جزيرة سيناء.
وفي خطاب شهير للسيسي بمسرح الجلاء، وجّه حديثه إلى أسامة عسكر قائلاً (أنا بشهّد الناس عليك يا أسامة إن أحداث سيناء الإرهابية لا تتكرر مرة أخرى، وأنت مسؤول أمامي وأمام المصريين عن أن هذا الحادث لا يتكرر مرة أخرى، وأنت أيضاً مسؤول بشكل كامل عن تنمية سيناء).
مكث الفريق عسكر في منصبه قرابة العامين، ثم سرعان ما غادره، في ديسمبر/كانون الأول 2016، إثر تعيين السيسي له مساعداً لوزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء، وهو المنصب الذي كفل له البقاء في عضوية المجلس العسكري، في ظل تشكيل المجلس الذي أعاد السيسي هيكلته منذ عام 2014 ليضم في عضويته (مساعدي وزير الدفاع للتخصصات المختلفة)، قبل أن يقصر السيسي عضوية المجلس لاحقاً في 2020 على مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقضاء العسكري، دون غيره من مساعدي الوزير، سوى من يصدر بشأن ضمهم للمجلس قرار خاص من رئيس الجمهورية.
اختفاء أسامة عسكر ثم العودة مرة أخرى للمشهد
خلال الفترة التي شغل فيها أسامة عسكر منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون تنمية سيناء اختفى بشكل شبه كامل عن الأنظار إعلامياً، ولم يظهر سوى مرات معدودة، من بينها مشاركته في يونيو/حزيران 2017، بتشييع جثمان قائد المنطقة الشمالية العسكرية اللواء محمد لطفي يوسف، عقب وفاته بحادث تصادم سيارة. وفي تلك الآونة رددت بعض وسائل الإعلام المصرية المعارضة أن الفريق عسكر قيد الإقامة الجبرية، على خلفية اتهامات مالية موجهة له بالاختلاس وإهدار المال العام بمبالغ تقترب من 500 مليون جنيه، عبر شركات أسسها نجله، حظيت بعدة تعاقدات في سيناء، بشكل مخالف للإجراءات القانونية.
لكن تبدّدت الأقاويل حول تهميش الفريق عسكر مع عودته مجدداً للواجهة، إثر تعيينه في نهاية عام 2019 رئيساً لهيئة العمليات بالقوات المسلحة، في ظل أجواء توتر محلية تسببت فيها مظاهرات سبتمبر/أيلول 2019، التي تزامنت مع دعوات المقاول محمد علي للتظاهر، فضلاً عن تأزم الأوضاع في ليبيا، وانسداد مسار التفاوض مع إثيوبيا في ملف سد النهضة.
ولم يلبث عسكر أن استفاد للمرة الثانية من تعديل أجراه السيسي في عام 2021 على قانون التقاعد والتأمين والمعاشات للقوات المسلحة، سُمح بمقتضاه برفع سن معاش الضباط برتبة فريق من 64 إلى 65 عاماً، وهو ما سمح لعسكر بالبقاء في الخدمة قبل أن يبلغ 64 عاماً بأيام معدودة، ويكأن القرار صدر خصيصاً له.
إن تعيين الفريق أسامة عسكر في منصب رئيس الأركان قدوماً من رئاسة هيئة العمليات قد يشير إلى الرغبة في الاستفادة من خبراته القتالية المكتسبة عبر سنوات طويلة من الخدمة كضابط مشاة، فضلاً عن إشرافه على العمليات القتالية بسيناء لمدة عامين، وصولاً إلى دوره في هيئة العمليات المختصة بالإشراف على رسم الخطط القتالية للقوات المسلحة، وذلك في ظل وجود العديد من التهديدات، سواء الوجودية كما هو الحال في ملف سد النهضة ومياه النيل، أو التهديدات المتصورة من منظور نظام السيسي كما هو الحال في ملف شرق المتوسط والملف الليبي.
العصا والجزرة في مواجهة قادة المؤسسة العسكرية
جاءت الترقية الأخيرة للفريق عسكر رئيساً للأركان بعد قضاء رئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي لأربع سنوات في منصبه، ليغادره عن 67 عاماً، حيث سبق تعيينه رئيساً للأركان في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقب إقالة رئيس الأركان السابق وصهر السيسي الفريق محمود حجازي، إثر حادث الواحات البحرية، الذي قُتل خلاله 16 من أفراد الشرطة، من بينهم 6 من ضباط قطاع الأمن الوطني، وذلك في ظل اتهامات وُجهت للقوات المسلحة بالتقاعس عن نجدة قوات الشرطة التي تعرضت لهجوم مدمر في منطقة الواحات البحرية بالصحراء الغربية.
تحديد فترة خدمة رئيس أركان القوات المسلحة أجرى عليها السيسي تعديلات منذ شهور معدودة، حيث أصدر في يوليو/تموز 2021، قراراً جمهورياً يتضمن قصر مدة بقاء رئيس الأركان وقادة أفرع القوات المسلحة ومساعدي وزير الدفاع في مناصبهم على سنتين، بدلاً من أربع سنوات، مع جواز مدّ خدمتهم بقرار من رئيس الجمهورية لمدة سنة قابلة للتجديد، وبذلك يتضح أن أقصى مدة متاحة للفريق أسامة عسكر في شغل منصب رئيس الأركان لا يمكن أن تتجاوز الأربع سنوات، في حال تجديد السيسي له سنوياً لمرتين بعد انتهاء فترة السنتين من تاريخ تعيينه. وذلك مع العلم أن شاغل منصب رئيس الأركان برتبة الفريق لا ينطبق عليه شرط التقاعد عند بلوغه الخامسة والستين من عمره.
والطريف أن الحكومة في مذكرتها الإيضاحية لتلك التعديلات القانونية على فترات خدمة كبار القادة بررت تقصير فترة خدمة رئيس الأركان إلى سنتين بالرغبة في ضخ دماء جديدة في الوظائف الرئيسية الكبرى في القوات المسلحة، بينما سبق أن بررت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب في تقريرها بخصوص مد فترة خدمة الضباط برتبة فريق إلى عمر 65 عاماً، بأنّ (الخبرات في القوات المسلحة تُكتسب بعد مرور فترة طويلة من الخدمة في صفوفها، ومن ثم لا بد من الحرص على نقل تلك الخبرات من القيادات العليا إلى القيادات الوسطى وصغار الضباط، الذين يحتاجون بشدة إلى تلك الخبرات المتراكمة عبر فترات طويلة من الزمن، حتى يتسنى للقوات المسلحة مواجهة التحديات الراهنة).
وهي تبريرات تتناقض مع بعضها البعض، وتشير إلى أن تلك التعديلات مسيسة تهدف لترقية أشخاص بعينهم وإقصاء آخرين.
العلاقة بين السيسي وقادة الجيش
تلك التغييرات المتتالية تلفت الانتباه إلى طريقة إدارة السيسي لعلاقته مع قادة القوات المسلحة، والتي يراوح فيها بين استخدام العصا والجزرة، مع الحرص على تدوير شاغلي المناصب القيادية، منعاً لتشكل مراكز قوى منافسة له داخل المؤسسة العسكرية. ولعله استفاد في ذلك من تداعيات تجربة حسني مبارك، الذي ترك المشير حسين طنطاوي في منصبه وزيراً للدفاع لمدة عشرين سنة، من عام 1991 إلى 2011، ما أسهم في تعزيز مركزية طنطاوي، وصولاً إلى إجباره لحسني مبارك على التنحي عقب اندلاع مظاهرات يناير/كانون الثاني 2011.
ومن ثم نجد أن السيسي قد أزاح كافة أعضاء المجلس العسكري الذين شاركوه في عزل الرئيس الراحل د. محمد مرسي، إذ لم يتبقّ منهم بالخدمة سوى اثنين، هما الفريق أسامة عسكر، رئيس الأركان الجديد، والفريق ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية.
وبالمقابل، حرص السيسي على ترضية قادة المؤسسة العسكرية، حيث أصدر قراراً جمهورياً قرّر بموجبه إدراج كبار ضباط القوات المسلحة تحت بند "الاستدعاء" بعد انتهاء شغلهم لمناصبهم، ومعاملة كل من لم يشغل منهم منصب الوزير المعاملة المقررة للوزير، مع التمتع بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة، فضلاً عن تحصينهم من الملاحقات القضائية، عبر إصدار قانون يقضي (بعدم جواز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي ضدهم، فيما يخص أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور حتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب لمهامه أثناء تأديتهم لمهام مناصبهم أو بسببها، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة).
قوانين تحد من دور العسكريين
أما العصا فقد قننها السيسي عبر إصداره قراراً جمهورياً يقضي بعدم جواز ترشح الضباط، سواء من الموجودين بالخدمة أو مَن انتهت خدمتهم بالقوات المسلحة، لانتخابات رئاسة الجمهورية، أو المجالس النيابية، أو المحلية، إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وهو القرار الذي أصدره السيسي بعد سابقة سجنه لرئيس الأركان الأسبق سامي عنان، وللعقيد أحمد قنصوة، عقب إعلانهما نيتهما الترشح في انتخابات الرئاسة عام 2018، فضلاً عن ترحيل رئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق على متن طائرة خاصة من الإمارات، بعد إعلانه أيضاً نيته الترشح لذات الانتخابات. وهو ما أوضح لكبار قادة القوات المسلحة أن من سيحركه الطموح السياسي لمنافسة السيسي سيكون السجن بانتظاره، أما من يساير السيسي فسيتمتع بامتيازات متعددة عقب خروجه من الخدمة.
ويلاحظ أن سياسة منع تشكل مراكز قوى لا يتبعها السيسي مع القوات المسلحة فقط، إنما مع سائر الأجهزة السيادية بالدولة، حيث غيّر رؤساء جهاز المخابرات العامة 4 مرات منذ 2013، كما جاء بثلاثة وزراء للداخلية، وأربعة رؤساء للوزارة خلال نفس الفترة. ولم يتردد في الإطاحة بصهره، رئيس الأركان، الفريق محمود حجازي عام 2017، ولا برفيقه في الانقلاب وزير الدفاع الفريق صدقي صبحي عام 2018. ويبقى السؤال مطروحاً: هل ستؤمّن تلك الإجراءات للسيسي المزيد من سنوات الحكم، أم ستزيد من مساحة المتضررين منه والطامحين لإزاحته من المشهد؟.