جاء إعلان روسيا عن احتمال قيامها بتزويد إيران بمنظومة صواريخ إس-400 الدفاعية، ليثير قلق الدوائر الأمريكية والإسرائيلية بشأن زيادة قدرة طهران على التصدي لأي غارات أمريكية أو إسرائيلية، خاصةً تلك التي قد تستهدف برنامج طهران النووي والميليشات التابعة لها بالمنطقة.
وأبلغ السفير الروسي لدى إيران، ليفان جاغاريان، صحيفةً إيرانيةً أن بلاده قد تبيع منظومات صواريخ إس-400 إلى إيران، برغم المخاوف الأمريكية، وذلك في الوقت أفادت فيه تقارير بأن إسرائيل تستعد لضرب منشآت إيران النووية.
إذ قال جاغاريان في حديثه مع وكالة تسنيم الدولية للأنباء: "نحن لا نخشى التهديدات الأمريكية، وسوف نفي بالتزاماتنا".
ويأتي ذلك في وقت كثّف الجيش الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة جهوده لإعداد خطط لهجوم عسكري على منشآت طهران النووية، في ضوء حالة عدم اليقين المتزايدة بشأن عودة إيران إلى الاتفاق النووي.
وكشفت مصادر إسرائيلية أن سلاح الجو الإسرائيلي سيبدأ العام المقبل، التدرب على توجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني، بعد أن خصص التمويل وتم تحديث جدول تدريباته لذلك.
وأوضحت المصادر لموقع "ذا تايمز أوف إسرائيل"، أن سلاح الجو يبحث تكتيكات جديدة لقصف المنشآت النووية الإيرانية المشيَّدة تحت الأرض، مع الاستعداد لردٍّ إيراني.
وقال الموقع إن بعض جوانب خطة سلاح الجو الإسرائيلي، والتي لا تزال في مرحلة "المسودة"، يمكن أن تكون جاهزة في غضون فترة زمنية قصيرة، في حين أن البعض الآخر من جوانب الخطة قد يستغرق أكثر من عام ليكون قابلاً للتنفيذ بشكل كامل.
ولكن المخاوف الإسرائيلية الأمريكية بشأن احتمال تزويد إيران بمنظومة إس-400، لا تقتصر على قدرة المنظومة على حماية البرنامج النووي الإيراني والأجواء الإيرانية، بل تمتد إلى تساؤلات بشأن قدرة المنظومة على تهديد الحرية الواسعة التي يتمتع بها الطيران الإسرائيلي على قصف أتباع إيران بالعراق وسوريا ولبنان، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ما هي قدرات إيران الجوية الحالية؟
قطعت الدفاعات الجوية الإيرانية شوطاً طويلاً منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة. فآنذاك، كانت تلك الدفاعات، على سبيل المثال، عديمة الجدوى في رصد أو تعقُّب، فضلاً عن اعتراض، الطائرات التي تنتهك مجالها الجوي.
بل كانت طائرات التزود بالوقود التابعة لسلاح الجو الأمريكي تقضي أحياناً ما يصل إلى ساعتين داخل المجال الجوي الإيراني دون رصدها. وكانت صواريخ الدفاع الجوي الإيراني تتألف إلى حدٍّ كبير من صواريخ MIM-23 القديمة أمريكية الصنع والتي اشترتها طهران في السبعينيات خلال عهد الشاه.
ولكن اشترت إيران منذ ذلك الحين صواريخ الدفاع الجوي إس 300 S-300PMU-2″ من روسيا وطوَّرت أيضاً صواريخ شبيهة بنفسها.
وكشفت طهران في عام 2014، النقاب عن منظومة "3 خرداد". ويبدو أنَّ بإمكان المنظومة، المزودة بصواريخ "طائر-2 بي" محلية الصنع، استهداف طائرات العدو من على بُعد أكثر من 25 ميلاً (40 كيلومتراً تقريباً). وأسقطت منظومة خرداد في يونيو/حزيران 2019، طائرة بدون طيار أمريكية من طراز Northrop Grumman RQ-4 Global Hawk NOC خلال التوترات المتصاعدة مع الولايات المتحدة في الخليج.
كما تحاول إيران تقليد صواريخ إس-400، حيث كشفت في عام 2019، النقاب عن منظومة "باور-373"، التي تمثل الرد الإيراني على منظومة S-300 الروسية وصواريخ باتريوت الأمريكية. وتزعم إيران أنَّ المنظومة بمقدورها رصد ما يصل إلى 300 هدف في الوقت نفسه من على بُعد يزيد على 180 ميلاً (290 كيلومتراً تقريباً)، والاشتباك بصواريخ "صياد 4" مع 6 أهداف، وهي الصواريخ التي يُزعَم أنَّ مداها يصل إلى 120 ميلاً (193 كيلومتراً تقريباً).
ورغم أنَّ هذا التقدم مثير للإعجاب، فإنه يجب ملاحظة أن الإيرانيين يميلون إلى المبالغة، كما أن أداء منظومة صواريخ إس 300 كان سيئاً في سوريا أمام الطائرات الإسرائيلية رغم أنه يُعتقد أنه يتم تشغيلها من قِبل الروس أو على الأقل يشرفون على تشغيلها.
ما الذي قد يعنيه امتلاك صواريخ إس-400 المتطورة بالنسبة لإيران؟
يعتمد الجواب على مدى تحديث المنظومة الدفاعية الروسية. إذ إن البدائل الأحدث لمنظومة إس-400 تستخدم جيلاً جديداً من المعالجات الرقمية والشبكات الحاسوبية وأساليب كشف الترددات الرادارية، مما قاد بعض الأشخاص في وسائل الإعلام الروسية إلى ادّعاء أنها قادرة على تدمير مقاتلات الجيل الخامس الشبحية وقاذفات الصواريخ بي-2.
وعندما يتطرق الحديث إلى المنظومات الدفاعية الروسية القديمة أو الحالية، التي يُعرف أن إيران تحوزها، فإن الادّعاء القائل بأن المقاتلات الشبحية غير محصنة بدرجة كبير ضدها، يمكن وصفه على أقل تقدير، بأنه ادّعاء مشكوكٌ في صحته للغاية، حسب المجلة الأمريكية.
بيد أن منظومات إس-400 المُحدّثة، وكذلك بكل تأكيدٍ منظومات إس-500، يمكن أن تطرح سيناريو مختلفاً بدرجة بسيطة. ومع ذلك، يحتاج ذلك الادّعاء هو الآخر أن يخضع للتحقق من صحته.
نقطة تفوُّقها في المعالجة الحاسوبية.. فهل تحمي الميليشات التابعة لإيران؟
أشارت إدارة ترامب سابقاً إلى أن الأسلحة المقدمة من إيران قد تغمر العراق واليمن ولبنان ومناطق أخرى، حيث تُسلح طهران الميليشيات التابعة لها.
مع وجود مزيد من منظومات إس-400 في المنطقة، فإن هذا يشكل احتمالات تهديد إضافية للطيران الإسرائيلي خلال غاراته على أهداف تابعة لإيران وأتباعها في سوريا والعراق ولبنان، وكذلك يُحتمل أن يساعد في تحصين الجماعات شبه العسكرية أو الأنواع الأخرى من قوات حرب العصابات الهجينة المُعادية للولايات المتحدة وإسرائيل.
وعلى الأرجح فإن الخطر الحقيقي الذي تشكله منظومات إس-400 المُحدّثة على الطائرات الإسرائيلية والأمريكية، يتعلق بأن المعالجة الحاسوبية سوف تسرّع من نطاق تشبيك المنظومات بعضها ببعض.
فإذا كانت قدرة إحدى المنظومات على مواصلة "تعقُّب" طائرة ما، تتحسن وبسرعات كبيرة على مدى مساحات أوسع، بسبب قدرة هذه المنظومة على دمج وتشبيك المعلومات بصورة أسرع.
إذن يمكن أن تكون الطائرات غير حصينة بدرجة أكبر حتى لو لم تتغير المعدات أو الذخائر كثيراً.
على سبيل المثال، فإن تكنولوجيا ربط البيانات بسرعات عالية تُحسِّن قدرة إحدى المنظومات الدفاعية في موقع ما على العثور على تفاصيل ومشاركتها مع "موقع" آخر في إطار منظومة تغطي مساحات أوسع، ومن ثم قد يقل تحصين الأماكن الواسعة التي تتسع فيها المساحة التي تربط بين نقطتين، وكذلك قد تتقلّص ميزة تفادي أجهزة الرادار الاعتيادية التي تكتسبها الطائرات عبر الطيران بسرعات عالية.