هل تستفيد الإمارات من التنافس الاقتصادي مع السعودية؟ نعم وهذه هي الطريقة لتحقيق ذلك

عربي بوست
تم النشر: 2021/10/27 الساعة 14:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/20 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
التحول الاقتصادي السعودي قد يعود بالنفع على الإمارات أيضاً/ (الرياض ودبي) تعبيرية (رويترز)

عندما أعلنت المملكة العربية السعودية، في فبراير/شباط 2021، عن خطط تطالب الشركات الدولية بأن تكون لها مقارها الإقليمية بالمملكة في شرط مسبق للمشاركة في العقود الحكومية اعتباراً من عام 2023 فصاعداً، فسَّر كثيرون هذه الخطوة بأنها طلقة تحذير لحليفتها السياسية الإمارات، لأنَّ دبي هي المكان المفضل لمعظم الشركات العاملة في المنطقة. 

والمقر الإقليمي هو ما يسميه الاقتصاديون الأصول غير القابلة للتجزئة، والتي لا يمكن تقسيمها إلى أجزاء أصغر؛ مما يعني أنَّ مكاسب الرياض يجب أن تأتي بخسارة على دبي. ومهَّد هذا الطريقَ لسرد سيناريوهات عن حرب اقتصادية بين السعودية والإمارات. فما حقيقة ذلك؟

هل هناك نتائج إيجابية من التنافس الاقتصادي بين السعودية والإمارات؟

يقول موقع The Atlantic Council الأمريكي، إنَّ العديد من الأنشطة التي جعلت دبي نقطة جذب للمواهب في المنطقة- مثل الفنون والمطاعم والضيافة والفنادق الفاخرة والتسوق- استهدفها صناع السياسة الاقتصادية في المملكة العربية السعودية بصفتها مجالات للتنمية داخل المملكة. وقد أدى ذلك إلى تعزيز الرأي القائل بأنَّ البلدين يتجهان نحو تصادم اقتصادي.

لكنَّ إلقاء نظرة سريعة على بعض الاقتصادات الرائدة الأخرى في العالم يشير إلى أنَّ هذه الرواية قد تكون "مفرطة في التبسيط". على سبيل المثال، بينما تتنافس المدينتان الأمريكيتان، نيويورك وسان فرانسيسكو، بشدة في العديد من المجالات، يستفيد اقتصاد كل مدينة عامةً من نجاح الأخرى، لأنه يخلق أعمالاً للمنافس المُفترَض. وبالمثل، داخل الاتحاد الأوروبي، تنافست باريس وفرانكفورت- ولندن سابقاً- لعقود على لقب العاصمة المالية لأوروبا، ومع ذلك يبدو أنَّ المنافسة كانت بنّاءة وليست مدمرة، إذ يؤدي نمو كل منهما إلى زيادة الطلب على خدمات الآخرين.

وفي حالة أكبر اقتصادين بالشرق الأوسط، هناك عدة أسباب تدعو إلى التفاؤل بشأن تأثيرات المنافسة. ويدور معظمها حول الاقتراح القائل بأنَّ سياسات السعودية ستجعل الكعكة الاقتصادية للمنطقة أكبر. بعبارة أخرى، لا يُشترَط لحصول المملكة على قسم أكبر منها أن تصبح شريحة الإمارات أصغر.

كيف يمكن للسعودية تحقيق ذلك؟

يقول الموقع الأمريكي إن هناك إمكانات اقتصادية كبيرة غير مُحقَّقة في المنطقة. ويمكن للنمو الذي يقوده التحرر في أكبر اقتصاد بالشرق الأوسط -المملكة العربية السعودية- المساهمة بدور إيجابي للغاية في رفع مستويات المعيشة لدى جيران المملكة من خلال قنوات مختلفة.

تتمثل القناة الأولى في طريق التجارة المباشرة. ففي ظل ارتفاع مستويات المعيشة للسعوديين، تزداد فرص التجارة المربحة مع الرياض، والدول المجاورة للمملكة هي الأفضل لاستغلال الفرص الناشئة، كما يقول الموقع الأمريكي. سواء كان السائحون السعوديون ينفقون دخلهم في أسواق البحرين، أو يصطادون في بحر العرب قبالة عُمان، أو يشترون العطور الفاخرة المنتجة بالإمارات العربية المتحدة، فهناك مساحة واسعة لتنمية الأسواق الاستهلاكية الحالية. 

وتتوافر فرص هائلة للاستثمار المتبادل، مثل تلك المتاحة لأعضاء رابطة دول جنوب شرقي آسيا، والكتلة التجارية لأمريكا الجنوبية (ميركوسور)، وغيرها من التكتلات الاقتصادية الإقليمية القائمة.

بينما المسار الثاني هو التأثير غير المباشر على جودة صنع السياسات والحوكمة في جميع أنحاء المنطقة. ستستفيد بعض الحكومات من تجربة السعودية المتطورة في إنشاء "اقتصاد شرق أوسطي ديناميكي"، بينما ستواجه الحكومات الأكثر تشدداً ضغوطاً أكبر لتحديث اقتصاداتها لمواكبة ذلك. وحتى الإمارات -التي كانت في طليعة الحوكمة الاقتصادية على مدار السنوات العشرين الماضية- لديها مجال للتحسين، وسيؤدي التعرض لتجربة المملكة في الإصلاح الاقتصادي إلى دفع صناع السياسة الإماراتيين إلى تطوير سياسات أفضل.

إضافة إلى هذه القنوات الاقتصادية في المقام الأول، هناك أيضاً مكاسب مرتبطة بالأمن والدفاع، نابعة من النظرية الليبرالية الكلاسيكية للعلاقات الدولية، بحسب The Atlantic Council.

خفض التصعيد وتحويل الموارد بعيداً عن الأسلحة والحروب

لقد عصف الصراع العنيف بأجزاء من الشرق الأوسط لعدة قرون، وينعكس انعدام الأمن العام الناجم عن ذلك في المليارات التي تنفقها السعودية والإمارات على الأمن والدفاع سنوياً. هناك مكاسب اقتصادية ضخمة يمكن جنيها من خفض التصعيد في المنطقة وتحويل الموارد بعيداً عن الأسلحة وتوجيهها نحو التنمية الاقتصادية. 

ويجسد الاتحاد الأوروبي مثالاً على هذه المكاسب. على سبيل المثال، كان هناك انخفاض في الإنفاق الدفاعي من قِبل الدول الأعضاء عندما اندمجت أوروبا الغربية خلال النصف الأخير من القرن العشرين وانضمت أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي خلال الألفية الجديدة.

أخيراً، ستعود الزيادة المعرفية للسعودية بالنفع على الإمارات مع سعي كلا البلدين إلى أن يصبحا رائدين في الابتكار. تعد البيئة الفكرية المتنوعة والمتعددة الأقطاب أمراً بالغ الأهمية لإنشاء مركز أبحاث ديناميكي في دبي أو الرياض؛ ويقف شاهداً على هذا المبدأ برنامجُ تبادل الباحثين بالاتحاد الأوروبي الناجح على نطاق واسع Erasmus، والذي ينقل العلماء والطلاب عبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمساعدة المِنح والأدوات الأخرى؛ مما يسمح للباحثين بتبادل الأفكار، إن أرادت هاتان الدولتان ذلك.

تحميل المزيد