دخل لبنان الأسبوع الثاني من التأزم السياسي الذي بدأ يعكس شللاً وإرباكاً حكومياً، ومزيداً من تعقد المشهد في البلد المرهق اقتصادياً واجتماعياً.
الأزمة تفجرت قبل أكثر من أسبوع على إثر مقاطعة الوزراء "الشيعة" لجلسات مجلس الوزراء، وما رافق ذلك من توترات أمنية.
المقاطعة "الشيعية" دفعت رئيس البلاد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تأجيل عقد جلسات مجلس الوزراء إلى أجل غير مسمى.
وتتألف الحكومة اللبنانية من 24 وزيراً 5 مسلمين سُنّة و5 شيعة، و2 دروز، ومن المسيحيين (5 موارنة، و3 أرثودوكس، و2 كاثوليك، وواحد من الأرمن، وآخر من الأقليات).
يشترط الوزراء الشيعة (محسوبون على "حزب الله" و"حركة أمل") للمشاركة في جلسات مجلس الوزراء أن يبحث المجلس بملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تمهيداً لتنحية المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
وكانت وقعت في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مواجهات مسلحة في منطقة الطيونة ببيروت، جراء إطلاق نار كثيف خلال تظاهرة نظمها مؤيدو جماعة "حزب الله" وحركة "أمل" للتنديد بقرارات بيطار في قضية انفجار المرفأ.
واستمرت المواجهات نحو 5 ساعات متواصلة، وأسفرت عن سقوط 7 قتلى و32 جريحاً.
تعطيل الحكومة وشل البلاد؟
أمام هذا الواقع يرى البعض أن "حزب الله" و"أمل" يعطلان عمل الحكومة وفقاً لمصالحهما من خلال إصرارهما على تنحية البيطار، في المقابل يرى آخرون أن مطلب تنحيته ليس محصوراً بالحركتين.
الكاتب السياسي طوني أبي نجم، يقول للأناضول، إن "حزب الله يشترط الإطاحة بالمحقق العدلي البيطار مقابل استمرار عمل الحكومة، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تكثيف عمل الحكومة في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية".
ويضيف أن "حزب الله وضع نفسه في وجه الأكثرية اللبنانية التي تريد معرفة حقيقة انفجار المرفأ، والتي تعاني أيضاً من الأوضاع الاقتصادية والمعيشية".
ويحذر "أبي نجم" من أن "هذا الواقع قد يؤدي إلى شلل كامل في البلاد، وقد يدفع إلى تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة المقررة في 27 مارس/آذار القادم".
في المقابل، يخالف المحلل والكاتب فيصل عبد الساتر مقاربة أبي نجم للوضع في لبنان، ويقول للأناضول، إن "هناك مساعي تبذل لإيجاد حل للأزمة المستجدة وأن الأمر ليس مرتبطاً بحزب الله وحده".
ويؤكد أن "قرار الوزراء المحسوبين على حزب الله وحركة أمل بتعليق المشاركة في جلسات مجلس الوزراء ما زال سارياً".
ويوضح عبد الساتر أن "مطلب الفريقين بشأن التحقيقات بانفجار المرفأ تتشارك معهما فيه بعض التيارات الأخرى كتيار المردة (مسيحي) إلا أنه لا يجاهر بهذا الموقف".
أين "السُنّة" مما يحصل؟
التوتر السياسي الذي بدا وكأنه صراع بين فرقاء من الشيعة وآخرين من المسيحيين، طرح تساؤلات عدة عن موقف المسؤولين السُنّة في البلاد مما يحصل، لا سيما "تيار المستقبل" بزعامة سعد الحريري.
لا يستغرب أبي نجم من عدم وجود موقف واضح "للفريق السنّي"، وذلك "نتيجة غياب القيادات الفاعلة والمؤثرة، سيما بعد عدم تمكن الحريري من تشكيل الحكومة، ووجوده خارج البلاد بهذه المرحلة" وفق ما يقول.
ويضيف: "حالياً لا توجد قيادات سنّية بديلة تتحمل دورها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن موقف سنّي واضح مما يجري".
أما فيصل عبد الساتر فيقول إن "الأزمة الحالية لا تتعلق بالسنة أو الشيعة أو المسيحيين"، موضحاً أن "الادعاءات التي وجهها المحقق العدلي البيطار طالت شخصيات من مختلف الطوائف".
ويلفت إلى أن موقف "حزب الله من القاضي هو موقف مشترك مع المردة ووزير الداخلية الأسبق النائب نهاد المشنوق (سنّي) وكذلك رئيس الحكومة السابق حسان دياب".
أما بالنسبة إلى "حياد" تيار المستقبل عن المشهد اليوم، فيرجح عبد الساتر أن التيار "قد لا يريد أن يكون جزءاً أو طرفاً من الصراع الحالي، وينتظر الآن على الرصيف حتى يتبلور المشهد بكامله أمامه".
معادلة المئة ألف مقاتل
وعلى وقع التوتر المتصاعد سياسياً وأمنياً، برز إعلان أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله، أن تنظيم حزبه العسكري يضم 100 ألف مقاتل، وذلك في إطار تبادل الردود مع حزب "القوات اللبنانية" بشأن أحداث الطيونة.
هذا الإعلان يرى فيه أبي نجم أنه "رسالة تهويل من حزب الله لكل اللبنانيين".
ويضيف أن "هذا العدد (100 ألف) يبدو أنه للاستعمال داخل الدول العربية للأسف ومن بينها لبنان، وليس على طريق القدس".
لكن عبد الساتر "يرفض مثل تلك الاتهامات لحزب الله"، ويقول إن "رسالة نصر الله كانت واضحة بأنه يريد منع الحرب الأهلية".
ويلفت إلى أن "الإعلان عن رقم الـ100 ألف مقاتل موجه ضد أعداء لبنان وتحديداً العدو الإسرائيلي".
ويرى عبد الساتر أن "معالجة حزب الله لأحداث الطيونة تعتمد على مبدأين، الأول هو أنه لا أحد يفكر بالعودة إلى الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، والثاني محاسبة كل من تسبب بأحداث الطيونة".
والإثنين، قال نصر الله، في كلمة متلفزة، إن "الهيكل العسكري لحزب الله وحده يضم 100 ألف مقاتل، وهؤلاء المقاتلون لم نجهزهم لحرب أهلية، بل لندافع عن بلدنا في وجه الأعداء".
وإلى جانب الملفات الاقتصادية والاجتماعية الشائكة، يعد ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، من أصعب الاستحقاقات التي تواجه حكومة ميقاتي التي تشكلت في 10 سبتمبر/أيلول الماضي بعد 13 شهراً من التعثر عقب استقالة حكومة حسان دياب بعد أيام قليلة من انفجار مرفأ بيروت.
ووقع الانفجار في 4 أغسطس/آب 2020 وأودى بحياة 217 شخصاً وأصاب نحو 7 آلاف آخرين، فضلاً عن أضرار مادية هائلة في أبنية سكنية وتجارية، وذلك لوجود نحو 2750 طناً من مادة "نترات الأمونيوم"، كانت مصادرة من سفينة ومخزنة منذ عام 2014.
وفي 2 يوليو/تموز الماضي، ادعى القاضي البيطار على 10 مسؤولين وضباط، بينهم نائبان من حركة "أمل" (حليفة حزب الله) هما علي حسن خليل وغازي زعيتر (وزيران سابقان)، ورئيس الحكومة السابق، حسان دياب.
إلا أن تلك الدعاوى القضائية رفضتها بعض القوى السياسية اللبنانية، وعلى رأسها جماعة "حزب الله" التي اعتبر زعيمها حسن نصر الله، أن تحقيقات البيطار "مسيَّسة" و"لا توصل إلى الحقيقة".
بدورهما، تقدم خليل وزعيتر أمام محكمة التمييز بطلب لعزل البيطار، متهمين إياه بأنه "خالف الأصول الدستورية، وتخطى صلاحيات مجلس النواب والمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، إلا أن المحكمة ردّت طلبهما مؤخراً.