تداعيات الأزمة السودانية قد تنتقل إلى خارج البلاد، وقد تؤدي إلى مزيد من التأزيم للوضع في منطقة القرن الإفريقي، وخاصة العلاقة بين السودان وإثيوبيا.
وقوبلت أنباء الإطاحة بالحكومة السودانية المدنية بمعارضة شديدة من سكان المدن؛ حيث خرج آلاف المحتجين إلى شوارع الخرطوم. وقال مجدي الجزولي، المحلل بمعهد الأخدود العظيم، وهو منظمة بحثية، إنَّ الأمة بعد عزل الديكتاتور عمر البشير قد "ذاقت طعم الحريات الجديدة. وهي الآن تمارس هذه الحريات، لذا قد يتطلَّب الأمر قدراً كبيراً من قمع الجيش حتى يبسط حكمه".
وقد يكون حدوث توتر بين السودان وإثيوبيا وسيلة لحشد التأييد الشعبي خلف الجيش السوداني، وإضعاف موقف المعارضة في الأزمة السودانية.
وتنخرط إثيوبيا في حرب دموية مع المتمردين في إقليم تيغراي الإثيوبي الذين يضغطون للاقتراب أكثر من أي وقتٍ مضى من العاصمة أديس أبابا.
واتُّهِم الجيش السوداني بإمداد المتمردين هناك، وقد يزيد دعمه متشجِّعاً في ذلك بسيطرته على البلاد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
كيف ستنعكس الأزمة السودانية على النزاع مع إثيوبيا؟
قاد الجيش السوداني أيضاً جهود استعادة رقعة من الأرض تُسمَّى "الفشقة" من إثيوبيا. واندلع القتال في المنطقة هذا العام، 2021، وسيطر السودان على معظم المنطقة، فيما كان الجيش الإثيوبي ملهيّاً بالحرب في تيغراي.
وقال مجدي الجزولي، المحلل بمعهد الأخدود العظيم، وهو منظمة بحثية، إنَّ حكام السودان العسكريين قد يسعون لتصعيد النزاع مع إثيوبيا لإثارة المشاعر القومية في الداخل وتعزيز الشرعية المتضعضعة لحكمهم. وقال: "الأعداء الخارجيون مفيدون في أوقاتٍ كهذه، وبالتالي لن يكون خلاف حدودي صغير بالضرورة ضاراً للجيش. فبإمكانه مساعدته على مد حالة الطوارئ".
وأعلن السودان قبل شهر التصدي لمحاولة من جانب الجيش الإثيوبي، للتوغل في الأراضي السودانية، ورد القوات المهاجمة.
وقال رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، إن ما حدث يثبت أن الجيش يقوم بمسؤولياته في حماية أراضي الوطن، بعد إحباط محاولة الانقلاب في الأسبوع الماضي.
ودعت إثيوبيا في بيان بشأن التطورات في السودان "جميع الأطراف إلى الهدوء ووقف التصعيد وبذل كل الجهود لإنهاء الأزمة بالطرق السلمية"، وأكدت مجدداً على ضرورة احترام التطلعات السيادية لشعب السودان وعدم تدخل جهات خارجية في شؤونه الداخلية".
وحذر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد "من خطورة انزلاق السودان لهاوية الخلافات ودوامة الاستقطاب السياسي".
وقال: "نثق في الحكمة والخبرة السودانية لاستكمال استحقاقات الوثيقة الدستورية واتفاق جوبا للسلام".
ولكن آبي أحمد حذر مما وصفه بـ"تدخلات قوى الشر التي تخطط لفرض هيمنتها على المنطقة"، وهو ما قد يفهم أنه تلميح إلى مصر التي يحاول رئيس الوزراء الإثيوبي إبعاد السودان عنها في الخلاف حول سد النهضة.
القاهرة تتصارع مع أديس أبابا على كسب السودان
ويؤيد كل من مصر وإثيوبيا طرفاً مختلفاً في الأزمة السودانية.
وتنخرط مصر، حليفة السودان من الشمال، في حربٍ كلامية مع إثيوبيا حول بناء سد للطاقة الكهرومائية على النيل الأزرق. وهي تنظر إلى المشروع باعتباره تهديداً لمواردها المائية وهددت بتفجيره، ما أدَّى إلى تهديدات مقابلة. دعم السودان، العالق في المنتصف، إثيوبيا في البداية، لكنَّه انحاز إلى صف مصر بعد ذلك.
وقال جوناس هورنر، محلل كبير وخبير في شؤون السودان في مجموعة الأزمات الدولية لموقع صوت أمريكا "Voa News" إن مصر تفضل الحكم العسكري في السودان، بينما من المرجح أن تدعم إثيوبيا القوى المدنية.
وتوسط آبي أحمد في الخلاف السابق بين القوى المدنية وبين العسكريين وقوبلت جهوده بترحيب نسبي من القوى المدنية، ولكن شعبيته تراجعت في أوساط المعارضين السودانيين والمصريين على السواء، بعد مواقفه المتعنتة في أزمة سد النهضة.
وقال هورنر: "مصر حريصة للغاية على رؤية إعفاء عسكري في السودان لأنهم يعتقدون أنهم سيهتمون بالمصالح والمخاوف المصرية بشأن السد".
إثيوبيا قلقة
يمكن أن يؤثر انفراد الجيش بالسلطة في السودان على أزمة إثيوبيا المستمرة في منطقة تيغراي، والتي تنتشر وشهدت تصعيداً مؤخراً.
وقال هورنر إن الحكومة الإثيوبية قد يكون لديها ما يدعو للقلق إذا ظل الجيش السوداني في السلطة.
وقال: "القلق أن الجيش السوداني، إذا كان بالفعل في صعود ولم يكن هناك وساطة من المدنيين، فإنهم ربما يدعمون بقوة أكبر التيغراي وهم يقاتلون الحكومة المركزية في أديس أبابا".
مخاوف من تسبب الأزمة السودانية في انقسام الجيش
وقال بعض المحللين إن الإطاحة بحكومة حمدوك تبدو أنها تحظى بدعم القوات المسلحة السودانية وجماعة شبه عسكرية تعرف باسم قوات الدعم السريع بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو.
لكن هدسون حذر من أن الجيش قد ينقسم بسبب الأزمة السودانية الحالية، وقال: "ما لا نعرفه وما يجب أن نخاف منه هو وجود انقسامات داخل الجيش، خاصة في الرتب الأصغر سناً"، "لا ينبغي أن نتفاجأ إذا رأينا انقلاباً مضاداً ينفذه ضباط عسكريون شباب يقاومون ما حدث".
ويبدو أن عملية استيلاء الجيش السوداني على السلطة جاءت متسرعة وسيئة التخطيط، وقد تكون لها عواقب وخيمة، بما في ذلك عنف الشوارع، الذي تصاعد يوم الإثنين، وفقاً لهدسون.
وقال: "إنه وضع خطير للغاية، لأن لديك الجيش يحاول تأكيد سيطرته، والآن هناك أشخاص نزلوا إلى الشوارع للاحتجاج".
وأضاف هورنر إن جيران السودان يراقبون عن كثب، وربما يخشون انتشاره، وهناك الكثير من الحكومات الاستبدادية الموجودة في الجوار المباشر للسودان وعبر البحر الأحمر وأماكن أخرى أيضاً، والذين سيقلقون من التأثير الملهم الذي قد يحدثه انتقال مدني ناجح للسلطة على شعوبهم.