منذ تولِّي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في يناير/كانون الثاني 2021، شهدت العلاقات التركية الأمريكية هدوءاً ملحوظاً، وخاصةً بعد اللقاء "الودي" السريع الذي جمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 يونيو/حزيران 2021، على هامش اجتماع قادة حلف "الناتو" في بروكسل، حيث بدا أن تبادل الحديث والضحكات بين الرجلين وكأنه سيطوي صفحة التوتر القائم بين البلدين.
إلا أن ذلك الهدوء كان يُخفي وراءه غضباً تركياً وجفاء أمريكياً، وخاصة فيما يتعلق بأزمة برنامج طائرات إف-35 الأمريكية بين أنقرة وواشنطن، واستمرار الأخيرة بدعم لتنظيمات "ي ب ك/بي كا كا" ورفضها تسليم زعيم تنظيم "غولن".
وقبل الاجتماع المرتقب بين أردوغان وبايدن في قمة مجموعة العشرين في روما في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لا تزال هناك قضايا رئيسية بين البلدين يمكن أن تعرقل العلاقة، ولكن هناك أيضاً علامات على التحسن في العلاقة واحتمال انفراج الأزمة، كما يقول محللون.
نهج بايدن بتجميد المشاكل مع تركيا
لا تزال معارضة تركيا طويلة الأمد لدعم الولايات المتحدة لـ"وحدات حماية الكردية" في شمال سوريا، بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية على صناعة الدفاع التركية، عقبات خطيرة أمام شراكة بين حليفين استراتيجيين. ومع ذلك، كانت هناك مؤشرات على إحراز تقدم، مثل طلب تركيا الأخير شراء 40 طائرة من طراز إف-16 وتشجيع إدارة بايدن على انخراط أنقرة في العلاقات والمحادثات مع طالبان بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، كما يقول الخبير في العلاقات التركية الأمريكية، والمدير التنفيذي لمؤسسة سيتا للأبحاث والدراسات في واشنطن، قادر أوستون.
ويضيف الباحث التركي أن إدارة بايدن حاولت تجميد القضايا العالقة مع تركيا، بحثاً عن فرص للتعاون. مع عدم تقديم حلول سريعة للقضية السورية أو الخلاف حول شراء تركيا لمنظومة الصواريخ الروسية إس-400، إذ كان الطرفان يتقدمان بحذر في هذه المسائل.
وفي تناقض واضح مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي فضل التركيز على العلاقات الشخصية والدبلوماسية الثنائية مع قادة العالم، أعطى بايدن الأولوية لمؤسسات مثل وزارة الخارجية والمؤسسات متعددة الأطراف مثل الناتو. بينما بدت إدارة ترامب مستجيبة للمطالب التركية، إلا أنها غالباً ما كانت ينفد صبرها، كما في حالة القس الأمريكي الذي كان محتجزاً لدى أنقرة.
ومع ذلك، يقول أوستون إن نهج بايدن لتجميد المشكلات التي تبدو غير قابلة للحل قد يكون مفيداً على المدى القصير، إلا أنه غير مستدام على المدى الطويل، مما قد يؤدي إلى تعميق عدم الثقة المتبادل وصرف الانتباه عن فرص التعاون.
هل يمكن لصفقة إف-16 إحياء العلاقات التركية الأمريكية؟
وفي بادرة تبعث على الأمل، كما يقول أوستون، ورد أن عرض تركيا الأخير لشراء طائرات إف-16 الأمريكية جاء وسط تشجيع من إدارة بايدن . في حين أن تفاصيل الصفقة المحتملة غير واضحة، وأشار أردوغان إلى أنه من المحتمل أن تكون هذه الصفقة تعويضاً عن مبلغ 1.4 مليار دولار المستحق لتركيا نتيجة استبعادها من برنامج طائرات إف-35.
فيما أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، السبت 23 أكتوبر/تشرين الأول، عن بدء الأعمال الفنية بخصوص توريد طائرات حربية من طراز إف-16 إلى بلاده من الولايات المتحدة، علاوة على تحديث مقاتلاتها الحالية.
وفي حال إتمامها بنجاح، ستسمح هذه الصفقة لتركيا بتحديث قوتها الجوية وتقليل حاجتها إلى البحث عن مشتريات عسكرية من دول أخرى، مثل روسيا. كما أنه سيساعد في إعادة بناء بعض الثقة المفقودة بين الحليفين نتيجة قضية إس-400.
وكدولة رئيسية ومهمة في "الناتو"، أشارت تركيا مراراً وتكراراً إلى انفتاحها على تبديد مخاوف الولايات المتحدة بشأن صفقة إس-400 من خلال مجموعة عمل مشتركة بين الطرفين، ولكن دون جدوى.
لماذا صفقة طائرات إف-16 مهمة إلى هذه الدرجة؟
يقول أوستون إن صفقة إف-16 لن تحل مشكلة اعتراض واشنطن على صفقة إس-400، إلا أنها قد تمنع الخلاف في المستقبل حول استبعاد تركيا من برنامج طائرات إف-35. ويتعين على إدارة بايدن الآن إقناع الكونغرس بأنه من المصلحة الوطنية للولايات المتحدة تجنب دفع حليفها في الناتو للبحث عن بدائل أخرى لدى خصوم كروسيا.
تحتاج تركيا إلى ترقية وتحديث أسطولها الحالي من طراز إف-16 حتى تتمكن من الاعتماد على أسطولها الخاص من الطائرات المقاتلة الأصلية TF-X. ستلبي صفقة إف-16 هذه الحاجة، مع تقليل احتمالات ذهاب تركيا لشراء طائرات من روسيا أو غيرها في نفس الوقت.
وأظهرت الصناعات الدفاعية التركية قدرة كبيرة على القوة والمنافسة في السنوات الأخيرة، كبرنامج الطائرات بدون طيار، الذي تم إطلاقه بعد أن أصبح واضحاً لدى أنقرة أن الكونغرس الأمريكي لن يوافق على بيع طائرات بدون طيار مسلحة لها. وكما أشرنا سابقاً، عندما يتعلق الأمر بالطائرات المقاتلة الشبحية، فإن تركيا لديها بالفعل برنامج قيد التنفيذ.
وبالتالي، إذا تمت الموافقة على صفقة طائرات إف-16، على الرغم من المعارضة المحتملة من الكونغرس، ستكون إدارة بايدن قد اتخذت أولى خطواتها الإيجابية نحو إعادة بناء العلاقات التركية الأمريكية.
في النهاية، تعد العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا معقدة وستظل كذلك في المستقبل القريب، وسط تحول ديناميكيات إقليمية وعالمية. وهذا سبب إضافي يدفع حليفي الناتو إلى معالجة خلافاتهما الخطيرة حول شراكتهما الدفاعية والصراعات الإقليمية.
وأوضح تعاونهما بشأن أفغانستان واتفاق إف-16 المحتمل أن هناك فرصاً متعددة لتحسين العلاقات الثنائية. في حين أنه قد يكون من السابق لأوانه التفاؤل بلا حذر، فإن المصالح الوطنية لكلا البلدين يمكن أن تخدم بشكل أفضل من خلال التعاون الوثيق على جبهات متعددة.