تدور معركة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورجل الاستخبارات سعد الجبري، والتي ترتكز على 3 قضايا رئيسية، واحدة في كندا واثنتين في الولايات المتحدة.
شبكة CBS News الأمريكية رصدت في تقرير لها تفاصيل هذه القضايا والأبعاد القانونية لها، وهذه تفاصيلها.
يتهم سعد الجبري، ضابط المخابرات السعودي السابق، في دعوى قانونية، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان باستهدافه بالقتل. ورداً على ذلك، يزعم ولي العهد أنَّ الجبري أهدر أو سرق ملايين الدولارات من الأموال العامة السعودية. وفي غضون ذلك، تخشى رئيسة المجتمع الاستخباراتي الأمريكي أنَّ هذه المعارك القضائية ستكشف أسراراً قومية أمريكية مع تقدم المسار القانوني.
دعوى الجبري ضد محمد بن سلمان
رفع الجبري دعواه في أغسطس/آب 2020 أمام محكمة إقليمية أمريكية في العاصمة واشنطن. ويزعم فيها أنَّ ولي العهد السعودي أرسل فرقة اغتيال إلى كندا لاستهدافه، لكن أعضاءها- المُدرَجين في الدعوى ضمن المدعى عليهم- أُوقِفوا في مطار أوتاوا الدولي ورحّلتهم السلطات.
وكما ورد في شكوى الجبري: "مثل الفريق الذي قتل خاشقجي، كان أولئك الذين أُرسِلوا لقتل الدكتور سعد.. أيضاً أعضاء في مجموعة المرتزقة الشخصية للمدعى عليه بن سلمان، فرقة النمر. وحاملين حقيبتي أدوات تشريح جنائي، ومعهم أفراد جنائيين خبراء في تنظيف مسرح الجريمة.. حاول المدعى عليهم في فرقة النمر دخول كندا سراً بالسفر بتأشيرات سياحية وسعياً لتفادي كشفهم من جانب أمن الحدود الكندية عن طريق الدخول عبر أكشاك منفصلة".
وتذكر الدعوى أيضاً أنَّ بن سلمان منع نجلي الجبري، سارة وعمر، من مغادرة المملكة العربية السعودية؛ حيث يقبعان الآن في السجن. وتزعم الدعوى أنَّ دبي سلّمت صهر الجبري إلى المملكة سراً، وتعرض للتعذيب في سجن سعودي، وأُجبِر على التوقيع على اعتراف.
علاوة على ذلك، تشير الدعوى إلى أنَّ حكومة المملكة استغلت طلبة سعوديين للعثور على الجبري وعائلته في الولايات المتحدة، لكن باءت محاولتها بالفشل.
وتنص الشكوى على أنَّ الهجوم على سعد الجبري وعائلته هو جزء من نمط أوسع يتبعه الأمير محمد بن سلمان لإسكات معارضيه، الذي يشمل تشكيل فرق اغتيال خاصة به.
وتحوي الأدلة الواردة في الشكوى سلسلة من رسائل واتساب يُزعَم أنها بين الجبري وبن سلمان. وطبقاً للدعوى، يسعى الجبري إلى الحصول على "تعويضات عقابية ستُحدَّد قيمتها أثناء المحاكمة".
طلب ولي العهد إسقاط الدعوى
في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قدّم ولي العهد طلباً لرفض دعوى الجبري. ويقدم فيه العديد من الحجج لدعم إسقاط الدعوى، بما في ذلك اتهام رجل المخابرات السابق وشركائه بسرقة أو إساءة إنفاق 11 مليار دولار من صندوق مكافحة الإرهاب التابع للحكومة السعودية.
وإضافة إلى مزاعم السرقة هذه، يقول طلب ولي العهد إنَّ الجبري فشل في إثبات تعرضه لضرر نفسي ومحاولة اغتيال؛ نظراً لأنه لا يزال حياً، ومن ثم ليس لديه موقف قانوني.
وأخيراً، ينص الطلب المقدم من بن سلمان على أنَّ "ولي العهد هو ابن الملك وخليفته المُعيّن. وهو يترأس مع الملك حكومة المملكة العربية السعودية. ويحق له التمتع بحصانة قائمة على مركزه من أية دعوى في محكمة أمريكية. ويحق له كذلك الحصول على حصانة موضوعية لأنَّ مزاعم الجبري تنشأ من التصرفات الرسمية المزعومة لولي العهد".
ولم يصدر القاضي قراره بعد بشأن طلب إسقاط دعوى الجبري.
شكوى شركة سكب القابضة في كندا
كان الجبري يعمل تحت إمرة الأمير محمد بن نايف، رئيس جهاز المخابرات السعودي السابق، الذي قاد معركة مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة.
وكان الجبري والأمير محمد بن نايف يتحكمان في شركة سكب القابضة، التي تأسست هي والشركات التابعة لها بأمر من العاهل السعودي، وجاء التمويل ضمن ميزانية مكافحة الإرهاب، الذي وصل في النهاية إلى مليارات الدولارات.
وقال الجبري في ملفات قضائية أخرى إنَّ الشركات المختلفة التي تسيطر عليها سكب كانت في الأساس شركات واجهة، وهدفها الحقيقي هو تنفيذ عمليات استخباراتية. وكانت هذه العمليات تُنفَّذ في كثير من الأحيان بالاشتراك مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ووكالات استخبارات أجنبية أخرى. وأكد مسؤولون سابقون في المخابرات الأمريكية ذلك في برنامج 60 Minutes.
وتقول الشكوى التي رفعتها شركة سكب ضد الجبري في كندا إنَّ سلسلة من المراجعات المالية كشفت عن سرقة حوالي 3.5 مليار دولار من سكب والشركات التابعة لها. ومن هذا المنطلق، تقول الدعوى إنَّ أكثر من مليار دولار ذهبت إلى بن نايف، فيما اختلس الجبري ما يقرب من 500 مليون دولار.
وجاء في الشكوى أنَّ "مسؤولاً حكومياً رفيع المستوى في حكومة المملكة العربية السعودية استغل الشركات لتنظيم مخطط دولي مع أفراد أسرته المباشرين وعائلته وأصدقائه المقربين للاحتيال على الشركات المدعية وسلب مليارات الدولارات، ثم نقل تلك الأموال سراً إلى المواقع البحرية وأثرى نفسه وعائلته وأصدقاءه. وبعدها فر إلى كندا، والآن لصرف الانتباه عن هذه السرقة الضخمة، أطلق وزير الدولة السعودي السابق، الجبري، حملة علاقات عامة، بما في ذلك التقاضي ضد حكومته السابقة لصرف الانتباه عن سرقته".
واحتج الجبري ومحاموه بأنه ليس محتالاً، وأنَّ هذه الدعوى بعيدة عن كونها نزاعاً تجارياً، بل هي من تدبير ابن سلمان لتخويف عدو سياسي.
ولم يُنظَر في القضية الفعلية بعد، لكن القاضي الكندي حكم ضد الجبري وأيّد الحكم الأصلي بتجميد أصوله، قائلاً إنَّ محامي شركة سكب قدموا أدلة عديدة كافية لتبرير الأمر الزجري.
المخابرات الأمريكية تتدخل
لجأ محامو شركة سكب إلى المحاكم في الدول التي يقولون إنَّ الجبري يمتلك فيها أصولاً، وذلك في محاوبة لتطبيق الأوامر الصادرة عن المحكمة الكندية.
ونظراً لأنَّ الجبري وعائلته يمتلكون ثماني شقق سكنية في بوسطن، رفعت ساكب دعوى قضائية في محكمة ولاية ماساتشوستس لإدراجها ضمن قرار تجميد الأصول الذي أمر به القاضي الكندي. وبرغم اعتراضات محامي سكب، نجح محامو الجبري في الدفع بضرورة إحالة القضية إلى المحكمة الفيدرالية.
وهنا تزداد الأمور تعقيداً.
يأتي في قلب دفاع الجبري ضد سكب ادعاؤه أنَّ أجزاء مختلفة من الشركة هي في الواقع شركات واجهة للمخابرات السعودية لتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب، أحياناً بالاشتراك مع الولايات المتحدة، ضد تنظيم القاعدة. وجادل محامو الجبري بأنه قد يُجبَر على الكشف عن معلومات سرية للغاية حول عمليات وكالة المخابرات المركزية جزءاً من دفاعه.
وهنا، صدر عن الإدارة الأمريكية تدخل غير عادي، إذ قدمت مديرة المخابرات الوطنية، أفريل هينز، إفادة تحت القسم في قضية ماساتشوستس قائلة إنه يتعين عليها التأكيد على قانون "امتياز أسرار الدولة" لمنع الكشف المحتمل عن معلومات سرية.
وتصف أفريل، في إفادتها، المعلومات السرية بأنها "تتعلق بمصادر [مجتمع الاستخبارات الأمريكية] أو أساليبه أو قدراته أو أنشطته أو المصالح الخاصة به، بالإضافة إلى المعلومات التي قد تميل إلى الكشف عن هويات موظفي إدارة الولايات المتحدة، وجهات تابعة لها، أو المكاتب التي قد يكون لواحد أو أكثر من الأطراف أو المملكة العربية السعودية تفاعلات معينة معها، التي قد يؤدي الكشف عنها إلى الإضرار بمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة".
ورداً على ذلك، يجادل محامو الشركة في ماساتشوستس بأنَّ الجبري يحاول إجبار الولايات المتحدة على رفض القضية، من خلال التذرع بأنها تهدد أسرار الدولة. وإذا وجد القاضي أنَّ الجبري لا يمكنه تقديم دفاع فعّال دون الكشف عن معلومات سرية، فيمكن إسقاط القضية.
لكن بدلاً من رفض الدعوى، تطلب الإدارة الأمريكية أن تراجع وزارة العدل، وهيئات حكومية أخرى، أولاً أية ملفات مقدمة إلى المحكمة قد تضم معلومات سرية، وأن تقرر الإدارة ما يمكن استخدامه في المحكمة وما لا يمكن.