كان لافتاً أن واحداً من قرارات رئيس مجلس السيادة السوداني بعد الإطاحة بحكومة عبد الله حمدوك هو تجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة أعمالها.
وشكلت أعمال لجنة إزالة التمكين إحدى نقاط الجدل الرئيسية في السودان خلال الفترة الماضية، وهي إحدى النقاط التي كانت سبباً لانتقادات موجهة لقوى الحرية والتغيير، من بينها انتقادات من قِبل معارضين تاريخيين للبشير.
وكان حل اللجنة أحد مطالب احتجاجات شرق السودان، كما أنه من الواضح أنها كانت إحدى النقاط التي استغلها المكون العسكري في الحكم الانتقالي للإطاحة بالحكومة المدنية.
وكان رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قد أعلن اليوم الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حالة الطوارئ في البلاد، وحل مجلسي الوزراء والسيادة، وإقالة حكام الولايات، والتمسك الكامل والالتزام بما ورد في الوثيقة الدستورية، وإعفاء وكلاء الوزارات، على أن يتولى المديرون العامون تسيير الأعمال، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين حتى تتم مراجعة أعمالها.
واعتقلت قوات عسكرية مشتركة محمد الفكي عضو مجلس السيادة السوداني ورئيس لجنة تفكيك التمكين، وخالد عمر وزير شؤون مجلس الوزراء، وياسر عرمان مستشار رئيس الوزراء السياسي، وإبراهيم الشيخ وزير الصناعة، وفيصل محمد صالح مستشار رئيس الوزراء الإعلامي.
كما تم اعتقال عضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح، ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر دقير وعروة، ومحمد ناجي الأصم القيادي في تجمّع المهنيين، والصادق عروة القيادي بحزب الأمة، وجعفر حسن الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير، والريح السنهوري القيادي في الحرية والتغيير، وذلك بحسب ما ذكره موقع "سودان تريبيون".
وكان الجيش السوداني قد سحب في نهاية سبتمبر/أيلول 2021، كل القوات النظامية العاملة مع لجنة "تفكيك التمكين" المعنية بمصادرة ممتلكات النظام السابق، فيما أكد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في كلمة اليوم الإثنين، أن الشعب السوداني يعاني ويجب تقديم التضحيات لتحسين الأوضاع المعيشية.
ما هي لجنة إزالة التمكين، وما الأساس القانوني لعملها؟
جرى تشكيل "لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال" إنفاذاً لقانون أقره مجلس الوزراء السوداني، لتفكيك "نظام الإنقاذ" الذي أسسه الرئيس المخلوع عمر البشير، ومصادرة ممتلكاته وحظر نشاط قياداته.
وأصدر رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، في ديسمبر/كانون الأول 2019، قراراً بتشكيل لجنة لإزالة التمكين وإنهاء سيطرة أنصار النظام السابق على مفاصل الدولة استناداً إلى نص المادة 8 البند 15 من الوثيقة الدستورية.
وأسند إلى عضو مجلس السيادة الفريق ياسر العطا رئاسة اللجنة قبل أن يستقيل بعد ذلك، فيما اختير محمد الفكي سليمان نائباً له وأصبح رئيساً بعد استقالة العطا، وعمر مانيس الذي كان وزيراً لمجلس الوزراء، مقرراً للجنة.
وضمت اللجنة في عضويتها ممثلين لوزارات: الدفاع والداخلية والعدل والمالية والحكم الاتحادي، وممثلين للبنك المركزي، وقوات الدعم السريع، وجهاز المخابرات العامة، وديوان شؤون الخدمة، والمراجع القومي.
شملت اللجنة في عضويتها حين إنشائها 5 ممثلين لتحالف قوى الحرية والتغيير، وشمل قرار مجلس السيادة تشكيل لجنة استئناف لقرارات لجنة التفكيك برئاسة عضو مجلس السيادة اللواء الركن إبراهيم جابر، وعضو مجلس السيادة رجاء نيكولا نائباً له، ولكن لم يتم تشكيل لجنة الاستئنافات حتى الآن.
فصل أكثر من تسعة آلاف موظف
تفيد تقارير بأن اللجنة فصلت أكثر من 9 آلاف من الموظفين، وهناك حديث عن فصل نحو ألفي موظف بالكهرباء منهم مهندسون كثيرون، في وقت تعاني فيه البلاد من نقص الكهرباء، وأكثر من 150 دبلوماسياً، من وزارة الخارجية.
وسيطرت لجنة التفكيك على 3200 عقار، ومئات الشركات والمصانع والمزارع من أنصار النظام السابق، لكن تزعم تقارير صحفية أن هذه المواقع لم تسلم حتى الآن إلى الشركة القابضة المكلفة بإدارة هذه الأصول.
وتؤكد اللجنة أنها استردت حتى الآن أكثر من 50 شركة وأكثر من مليون فدان من الأراضي الزراعية و20 مليون متر مربع من الأراضي السكنية وضمنها مقتنيات رئيسية على شاطئ النيل في العاصمة الخرطوم، وأراضٍ زراعية خصبة وشركات رابحة، وكذلك فنادق ومدارس، وتقول إن جميعها ستستمر في العمل.
وقالت اللجنة إنها صادرت مركبات وأصولاً كان لايزال يتمتع بها من يسمون أنفسهم الحركة الإسلامية التي يستهدفها هذا القانون.
وحلت اللجنة نحو 98 جمعية منها جمعيات غير سودانية، أسست في البلاد قبل استيلاء الرئيس المعزول عمر البشير على السلطة، بدعوى أن لها علاقة بالنظام السابق.
وتتحدث اللجنة عن أنها سلمت أكثر من مليار دولار من الأصول غير المشروعة، لوزارة المالية و400 مليون دولار لوزارة الأوقاف، فيما قال عادل الباز رئيس تحرير صحيفة الأحداث، لقناة الجزيرة، إن أربعة وزراء مالية أنكروا استرداد أي مليم من هذه اللجنة، وتسليمها للوزارة.
وقال الباز إن اللجنة فصلت أناساً ليست لهم علاقة بالنظام السابق، حتى إنها فصلت 73 من حمَلة الدكتوراه في يوم واحد، من بينهم من جاءت بهم الثورة، متهماً قوى الحرية والتغيير التي تسيطر على عمل اللجنة بالانتقام وسلوك نفس ممارسات نظام البشير في التمكين وطرد المعارضين السياسيين من وظائفهم، مؤكداً أنها أداة تُستخدم لتصفية الحسابات السياسية، خاصة من قِبل حزب البعث السوداني مع الإسلاميين.
ورفضت المحكمة العليا العديد من قرارات لجنة التمكين بما فيها قضاة صدرت قرارات بفصلهم.
في المقابل، انتقد إسماعيل التاج عضو لجنة إزالة التمكين، في لقاء مع قناة الجزيرة، قرارات المحكمة العليا برفض كثير من قرارات اللجنة التي رأى أنها تجاوزت صلاحيتها، لأنها لم تنتظر عمل لجنة الاستئنافات.
علماً أن لجنة الاستئنافات لم تشكل بعد، ولذا قررت المحكمة العليا أن تقوم بعملها.
واتهم البعض قوى الحرية والتغيير بعدم تشكيل لجنة الاستئنافات عمداً، مما اضطر المفصولين إلى اللجوء للقضاء.
وقال إسماعيل التاج عضو لجنة إزالة التمكين ومكافحة الفساد، إن قرارات اللجنة تتم من خلال مراجعة ملفات التوظيف، والخدمة ودورهم في خدمة نظام المؤتمر الوطني، وموقعهم في ميليشيات المؤتمر الوطني والدفاع الوطني.
اتهامات باستغلال النفوذ
ومنذ أن بدأت الكشف عن ممتلكات نخبة عهد البشير، تحظى إفادات اللجنة التي يبثها التلفزيون الرسمي بمتابعة على نطاق واسع.
وطالت اللجنة اتهاماتٌ كثيرة في الفترة الماضية، بـ"استغلال النفوذ، وتورط بعض منسوبيها في شبهات فساد وابتزاز"، إضافة إلى عدم وجود لجنة لاستئناف قراراتها، كما اتُّهمت بالقيام بدور تنفيذي وقضائي.
وسبق أن دعا ياسر عرمان، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، نائبَ رئيس الحركة الشعبية (شمال) المحسوب على القوى المدنية، إلى "إصلاح منهج اللجنة، وعدم استخدامها لتصفية الحسابات وإبعادها عن شبهات الفساد".
وقال عرمان في وقت سابق، بصفحته على فيسبوك، إنه أدرك "الأخطاء التي ترتكبها اللجنة والطريقة الاستعراضية والمستفزة لعضوها صلاح مناع، والاتهامات التي تدور حوله كرجل أعمال"، لكن عرمان يرى أن الحملة ضده ليست بريئة، وفيها صناعة وخلفها فلول النظام السابق وامتداداتهم.
أكبر معارضي البشير يهاجمها ويتهمها بعدم الدستورية
وكان رئيس حزب الأمة القومي الراحل، الصادق المهدي الذي كان معارضاً للبشير في أغلب عمره السياسي الطويل، قد انتقد عمل اللجنة واعتبر أنّ منح أمر إزالة تمكين للنظام السابق إلى اللجنة الحالية، أحد الأخطاء التي صاحبت التجربة الانتقالية، معتبراً أن تلك المهمة كان يجب أن تخضع حسب الوثيقة الدستورية لمفوضية الفساد.
ويرى بعض أعضاء المكون العسكري للحكم أن اللجنة تجر عليهم سخط أنصار النظام السابق، ويرون أن احتجاجات الشرق بسبب قراراتها بنزع ممتلكات رئيس الوزراء في عهد نظام البشير، محمد طاهر إيلا.
وكان حل اللجنة مطلباً رئيسياً ضمن مطالب أخرى لرئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، الناظر محمد أحمد الأمين ترك، الذي هدد بانفصال شرق السودان ورهن التراجع عن الخطوة بحل لجنة إزالة التمكين.
وتساءل ترك: "من يحكم السودان؟ المجلس السيادي؟ مجلس الوزراء؟ أم لجنة إزالة التمكين؟".
وطالب حزب الأمة بزعامة مبارك الفاضل، في فبراير/شباط الماضي، بحل لجنة إزالة التمكين واستبدالها بـ"مفوضية مكافحة الفساد"، ومراجعة كافة القرارات الإدارية التي أصدرتها.
وانتقد الحزب أداء اللجنة واعتبره "مؤججاً للصراع" في البلاد، واتهمها بارتكاب أخطاء قانونية فادحة والتغول على مهام الأجهزة القضائية.
وأشار إلى أن بعض توجيهات وقرارات اللجنة "تفتقر إلى بُعد النظر السياسي والأمني، وتُفاقم الأوضاع الأمنية الهشة، وتزيد الاحتقان اشتعالاً".
وأكد أن التحقيق وملاحقة وضبط الأفراد المتورطين في جرائم الاعتداء على المال العام والخاص والتخريب ومرتكبي الجرائم ضد الدولة من صميم عمل النيابة والشرطة ولا دخل للجنة به.
من الواضح أن لجنة التمكين تشبه تجربة قوى الحرية والتغيير في كل شيء، فهذه القوى يسيطر عليها اليسار السوداني المشغول بعدائه الأيديولوجي التقليدي للإسلاميين أكثر من أي عداء للاستبداد، والدليل على ذلك أنه لم يقف موقفاً صارماً من مذبحة القيادة العامة التي وقعت في ظل حكم البرهان ويُتهم محمد حمدان دقلو، نائب رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد قوات الدعم السريع، بالمسؤولية عنها.
وحتى بعد هذه المذبحة فإن قوى الحرية والتغيير سلمت السلطة الفعلية إلى المكون العسكري غير الإسلامي في الجيش السوداني وميليشيات النظام السابق، وركزت اهتمامها في القضاء على الإسلاميين سواء كانوا متورطين في جرائم النظام أم لا، ومن المعروف أن جزءاً كبيراً من الإسلاميين قد ابتعدوا عن نظام البشير منذ سنوات.
فقوى الحرية والتغيير تريد استئصال الإسلاميين حتى لو لم يرتكبوا جرائم في الماضي، فيما تتغاضى عن نفوذ العسكريين غير الإسلاميين حتى لو ارتكبوا جرائم في الوقت الحالي، بل إنها فضّلت تسليمهم السلطة على إجراء انتخابات فور عزل البشير؛ خوفاً أن يكون للإسلاميين فيها نصيب.
والنتيجة أن المكون العسكري في الحكم الانتقالي استغل هذا الانشغال من قِبل قوى اليسار بمحاربة الإسلاميين، لتعزيز سلطته ثم الإطاحة بالحكومة المدنية، خاصةً أنها حكومة غير منتخبة، وتستند إلى دعم جزء من الشارع السوداني يمكن مواجهته بشارع آخر، كما حدث في التظاهرات التي سبقت اعتقال حمدوك.