سر إصرار البحرين على التطبيع مع إسرائيل رغم الرفض الشعبي الكبير

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/10/24 الساعة 21:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/24 الساعة 21:44 بتوقيت غرينتش
وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مع ولي العهد البحريني سلمان بن حمد آل خليفة/رويترز

قوبل التطبيع البحريني مع إسرائيل بمعارضة داخلية متعددة الأطياف، أظهرت أن قرار المنامة بالتطبيع ليس سهلاً، ولا يلقى قبولاً شعبياً، فلماذا تصر المملكة الخليجية على هذا المسار.

وزار وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، في أواخر الشهر الماضي، سبتمبر/أيلول، البحرين لافتتاح سفارة بلاده في المنامة. وقد التقى الملك حمد آل خليفة، ونظير لبيد، عبد اللطيف بن راشد الزياني، ومسؤولين بحرينيين آخرين رفيعي المستوى.

لكنَّ كثيرين في الأرخبيل العربي كانوا منزعجين، إذ خرج عشرات البحرينيين إلى الشوارع في المنامة وسِترة (وهي جزيرة تُوصَف بأنَّها "معقل للمقاومة الشيعية" ضد النظام) احتجاجاً على زيارة لبيد، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وطالبوا المحتجون أيضاً بإغلاق البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية. وأظهرت اللقطات إحراق علم إسرائيلي واحد على الأقل. وأصدرت "جمعية الوفاق"، وهي جمعية المعارضة البحرينية الشيعية الأقوى والتي حلَّتها الحكومة في عام 2016، بياناً يدين زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي.

التطبيع البحريني مع إسرائيل يلقى تأييد 20% من الشعب فقط

لا تمثل هذه الاحتجاجات والغضب صدمة بالنظر إلى أنَّ أقل من 20% من البحرينيين دعموا تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بحسب استطلاع رأي أوردته قناة ILTV الإخبارية الإسرائيلية. 

مع ذلك، كانت الاحتجاجات تذكرة لكل الدول العربية الأخرى بأنَّ فلسطين تظل مهمة "للشارع العربي"، وهي حقيقة لا بد أن يفكر فيها القادة في المنطقة قبل سلوك مسار التطبيع مع إسرائيل.

واجهت الإمارات والبحرين، باعتبارهما أول دولتين عربيتين في اتفاقيات أبراهام، مستويات مختلفة جداً من التهديدات الداخلية والإقليمية من جراء قرارهما إضفاء الصفة الرسمية على العلاقات مع تل أبيب. وكانت مخاطر حدوث إشكاليات ناجمة عن اتفاقيات أبراهام أعلى بكثير في المملكة الجزيرة عنها في الإمارات، التي تتمتع باستقرار سياسي وثروة أكبر من البحرين.

التطبيع البحريني مع إسرائيل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ووزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني ووزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في البيت الأبيض/رويترز

وتشهد البحرين حوادث متفرقة من العنف المسلح في ظل عدم حل المشكلات السياسية والاجتماعية المستمرة منذ سنوات. وتعرَّض العقد الاجتماعي الذي يقوده حاكم البلاد لضغط شديد، وأصبحت البلاد معتمدة على المساعدة المالية والأمنية الخارجية (السعودية والإماراتية).

وهذا يعني أنَّ وضع البحرين فريد حين يتعلَّق الأمر باتفاقيات أبراهام "لأنَّ النظام الملكي يواجه معارضة من جزء كبير من السكان بالفعل"، على حد قول ريان بول، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط في شركة Stratfor/Rane لاستشارات المخاطر خلال مقابلة مع صحيفة "العربي الجديد".

تاريخ من التأييد للقضية الفلسطينية

ولدى البحرين تاريخ من النشاط السياسي في الشارع. فمقارنةً بالإمارات، تملك البحرين مجتمعاً مدنياً قوياً، لطالما كان مهتماً بالقضية الفلسطينية.

وتقول إلهام فخرو، الباحثة الزائرة بكلية إكستر في المملكة المتحدة: "اندلعت تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين عند كل منعطف: خلال الحروب العربية الإسرائيلية أعوام 1956 و1967 و1973، وخلال الحصار والقصف الإسرائيلي لبيروت، وخلال الهجمات الإسرائيلية المتتالية على قطاع غزة في 2002 و2006". وخلال احتجاجات الربيع العربي في 2011، كانت هناك حالات لوَّح فيها بحرينيون بكلا العلمين البحريني والفلسطيني.

واحتج المواطنون البحرينيون حتى قبل اتفاقيات أبراهام على ما ينظرون إليه باعتباره تخلي حكومتهم عن النضال الفلسطيني حين كانت المنامة تساعد إدارة ترامب على الترويج لـ"صفقة القرن" لدى جمهور عربي أكبر.

ثم وبعدما انضمت البحرين إلى اتفاقيات أبراهام، وقَّعت 17 منظمة سياسية ومجتمع مدني تمثل شرائح واسعة من المجتمع البحريني (سني وشيعي، علماني وإسلامي، ومجموعات عمالية، ويساريين وغيرهم) بياناً يندد بالتطبيع.

قال كريستيان كوتس أولريخسن، وهو زميل الشرق الأوسط بمعهد بيكر، لصحيفة العربي الجديد: "الاحتجاجات والتظاهرات السياسية في البحرين ليست أمراً جديداً، ولو أنَّه من وجهة نظر السلطات ربما ليس من المثالي إضافة مصدر مظالم آخر إلى مزيجٍ قابل للاشتعال بالفعل، لا سيما إن كان مصدراً يمكن أن يتجاوز الانقسامات الطائفية وغيرها من الانقسامات في البلاد".

وأضاف: "لطالما كان لدى البحرين تيار عروبي وإسلامي قوي في سياستها الداخلية يعود إلى المراحل الأولى للصراع العربي الإسرائيلي، والاحتجاجات الأخيرة تشير إلى أنَّ القضية لا تزال تحتفظ بقدرتها على حشد المواطنين البحرينيين من خلفيات متعددة".

لماذا تُبقي البحرين على مسار التطبيع؟ فتِّش عن أمريكا وإيران

وعلى الرغم من المخاطر المحلية، من الصعب توقع تراجع المنامة عن مسارها في ما يتعلق بإسرائيل. وتظل البحرين، باعتبارها الدولة الخليجية الوحيدة التي أحجمت عن القيام بأي بادرة دبلوماسية لإيران هذا العام، قلقة للغاية بشأن (ما يرى المسؤولون في المنامة أنَّه) تهديد كبير للأمن البحريني من جانب إيران.

وتنظر البحرين إلى الدولة اليهودية باعتبارها لاعباً مهماً يجب على المنامة الاقتراب منه.

وهذا هو الحال بشكل خاص في ظل المخاوف المتنامية حيال التزام واشنطن تجاه المنطقة عقب الانسحاب الأمريكي الفاشل من أفغانستان.

فضلاً عن ذلك، سيعزز تطبيع المملكة الخليجية للعلاقات مع إسرائيل وتواصلها مع المنظمات اليهودية في أمريكا الشمالية سمعة نظام المنامة في واشنطن.

أمريكا ستواصل السعي إلى توسيع اتفاقيات أبراهام

ورغم ذلك، بالنظر إلى المستقبل، وفي ظل عمل الولايات المتحدة وإسرائيل على ضم مزيد من الدول العربية إلى اتفاقيات أبراهام، تواجه حكومات المنطقة معضلة. فهل يجب أن تلحق بالإمارات والبحرين في محاولتهما إضعاف القضية الفلسطينية في مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟ أم يجب أن تقف إلى جانب "مبادرة السلام العربية (التي تربط التطبيع مع إسرائيل بعودة إسرائيل إلى حدود عام 1967 والقبول بدولة فلسطينية ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية)؟

يزعم كاتب التقرير "سواء كانت البلدان العربية تركز على العلاقات العسكرية أو التجارة أو الاستثمار أو التكنولوجيا أو الطاقة أو الزراعة أو السياحة أو التعليم أو المجالات الأخرى التي لا تحصى، فإنَّ بإمكانها أن تستفيد من الشراكات الرسمية مع إسرائيل، البلد الثري المتعلم المبتكر"، حسب قوله.

وتسعى الدول العربية التي طبَّعت مع تل أبيب العام الماضي للاستفادة من العلاقات المُطبَّعة حديثاً مع إسرائيل ببعض السبل الطموحة.

لكن مؤخراً باتت إحدى المشكلات التي تواجه بعض هذه الحكومات على الأقل أنَّ الكثير من سكان البلدان العربية يُستبعد أن يتجاهلوا المحنة الفلسطينية تماماً. وكانت هذه الحقيقة ظاهرة في البحرين عقب زيارة لابيد الأخيرة إلى البحرين. وقد برزت أيضاً في مايو/أيار الماضي حين وقعت احتجاجات مناهضة لإسرائيل في 46 مدينة مغربية في خضم حرب غزة-إسرائيل.

وبينما تعمل الولايات المتحدة على ضم المزيد من البلدان العربية والإسلامية إلى طريق التطبيع، سترغب واشنطن في مساعدة حكومة البحرين وحكومات أخرى على احتواء أي نتائج مزعزعة للاستقرار نتيجة قرارهم إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.

وعلى الأرجح فإن أمريكا ستسعى إلى حدٍّ كبير إلى تشجيع الدول الأخرى في الشرق الأوسط و/أو إفريقيا على أن تنظر إلى تجربة بلدان اتفاقيات أبراهام وتتشجَّع على الانضمام إليها. وكما ذكر مسؤولو إدارة بايدن مراراً، فإنَّ توسيع اتفاقيات أبراهام هو هدف للإدارة في ما يتعلق بالشرق الأوسط.

تحميل المزيد