لماذا يجب أن تهتم الدول والشعوب الإفريقية بنزع السلاح النووي؟ بعد كل شيء، لا توجد أسلحة نووية في القارة. جنوب إفريقيا، كانت الدولة الإفريقية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، قبل أن تتخلى عنها في عام 1989، فيما أوقفت ليبيا برنامج أسلحتها النووية في عام 2003 .
اليوم، جميع الدول الإفريقية أعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. وتعد معاهدة "بليندابا" اتفاقية بين الدول الإفريقية تحظر الاستحواذ والتخزين والاختبار والأنشطة الأخرى التي تروج الأسلحة النووية أو تساعد في إنتاجها، وهو ما حوَّل القارة إلى منطقة خالية من الأسلحة النووية .
ويقول موقع The Conversation الأسترالي، إن الأسلحة النووية قد تبدو كأنها مشكلة بعيدةٌ كل البعد عن الشواغل الأمنية المباشرة لإفريقيا، التي تتركز على الأسلحة الصغيرة والحروب الأهلية وقضايا الأمن البشري. ورغم ذلك، من الضروري أن يظل نزع السلاح النووي على رأس قائمة أولويات السياسة الخارجية للدول الإفريقية.
فالأسلحة النووية تهم كل دول العالم، لأنها تشكل تهديداً على ثلاثة أسس. أولاً، الدول المالكة لهذه الأسلحة تتجاهل اتفاقيات الحد من التسلح. ثانياً، تعمل هذه الدول على تقنيات تزيد من مخاطر الحرب النووية في عصر يزداد فيه التوتر الجيوسياسي يوماً بعد يوم، لاسيما بين الصين والولايات المتحدة وروسيا. ثالثاً، تشكل الحرب النووية تهديداً وجودياً للجميع.
وللدول الإفريقية دور تؤديه في تعزيز الحظر الشامل للأسلحة النووية. إذ بإمكانها دعم مطالبات القضاء عليها بنفوذها الدبلوماسي، واستخدام قوة أعدادها لتعزيز الضغط على الدول المسلحة نووياً لنزع أسلحتها.
الخطر الذي تشكّله الأسلحة النووية
كانت الأسلحة النووية عنصراً أساسياً في الحرب الباردة، الصراع الأيديولوجي الذي بدأ في الخمسينيات واستمر حتى عام 1990 بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وحلفائهما. وحتى في ذلك الوقت، كان الجميع يدرك أنه لا يمكن الفوز بحرب نووية ولا يجب خوضها أبداً. فحجم الدمار والتلوث الناتجين عن تفجير نووي سيحول دون التوصل إلى حل للأزمة التي ستعقبهما.
فهجوم محدود بـ100 قنبلة نووية من النوع الموجود في ترسانات الدول المسلحة نووياً بالعالم- الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة والصين وباكستان والهند وكوريا الشمالية وإسرائيل- سيتسبب في مقتل الملايين بالمناطق المستهدفة. وقد تتسبب الحرائق الناتجة عن هذا الهجوم في شتاء نووي يحجب الشمس ويسبب انقراض جميع البشر.
ومع ذلك، ينتشر ما يقرب من 4000 سلاح نووي حول العالم، في حالة استعداد وجاهزة للاستخدام.
الحد من التسلح النووي
يشير مصطلح الحد من التسلح إلى القيود التي توافق الدول على وضعها على تطوير واختبار وحيازة ونشر واستخدام أسلحة معينة. ومعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1970 تقيّد انتشار الأسلحة النووية في دول أخرى غير الدول الخمس التي اختبرت هذه الأسلحة بحلول عام 1967، الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين. وذلك مقابل الالتزام بمفاوضات نزع السلاح النووي ووقف سباق التسلح النووي.
وقد أدى سباق التسلح، في ذروته عام 1986، إلى انتشار أكثر من 60 ألف سلاح نووي حول العالم أكثر تدميراً من قنبلتَي هيروشيما وناغازاكي، ومعظمها في ترسانات الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي (روسيا اليوم).
وأدت المعاهدات بين هاتين الدولتين إلى الحد من الأسلحة النووية، لكنها لم تكن أكثر من أنصاف تدابير من ناحيتين. أولاً، كانت مبنية على نهج الخفض التدريجي، وليس نهج الحظر مرة واحدة.
ثانياً، افترضت الولايات المتحدة وروسيا أيضاً أن الهيمنة النووية ستظل حكراً عليهما. لكن اليوم انتهت العديد من هذه المعاهدات، وتراجع نهج الخفض بدرجة كبيرة، حيث لايزال يوجد ما يزيد على 13 ألف رأس حربي نووي. وعلاوة على ذلك، فالتقنيات الجديدة والتوترات الجيوسياسية التي تتجاوز القوتين العظميين في الحرب الباردة، على سبيل المثال بين الصين والولايات المتحدة وروسيا من جهة، والهند والصين وباكستان من جهة أخرى، تؤجج سباق تسلح جديداً.
التكنولوجيا المضادة وسباق التسلح النووي الجديد
أحد الأسس التي يقوم عليها الردع هو أن الدول المسلحة نووياً لا بد من أن تكون عرضة للهجوم. لكن منظومات الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية، مثل منظومة إيجيس، التي نشرتها الولايات المتحدة واليابان، تعالج هذا الضعف. وإذا تصورت دولةٌ أن هجماتها الانتقامية قد تعترضها منظومات الدفاع الصاروخية، فهي تتحوَّط لذلك عن طريق الحصول على مزيد من الأسلحة النووية؛ لردع الضربة الأولى لخصومها.
تعمل دول العالم أيضاً على تطوير صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، يمكنها التفوق على منظومات الدفاع، عن طريق الطيران السريع والمنخفض، وهي تتمتع بالقدرة على المناورة. وهذه الأمور تزيد من الضبابية بين صانعي القرار في علاقة الردع، ومن ثم تزيد من احتمالية الإطلاق العرضي لسلاح نووي.
ومعظم الدول المالكة لأسلحة نووية تعمل على زيادة أو تحديث ترساناتها، في انتهاك لقواعد نزع السلاح والالتزامات الواردة في معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وأشارت نشرة علماء الذرة إلى هذه المخاوف حين عدّلت ساعة القيامة؛ لتوضيح مدى اقتراب البشرية من تدمير العالم بتكنولوجيتها أكثر من أي وقت في تاريخها. والعلماء والمحللون ينبهون الساسة والشعوب في هذا المضمار إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتحاشي حرب نووية.
ما الذي بإمكان إفريقيا فعله حيال ذلك؟
كان أحد الجوانب المشرقة في السنوات الأخيرة، التفاوض على معاهدة تحظر الأسلحة النووية بشكل كامل ونهائي، معاهدة حظر الأسلحة النووية. وما يسمى "معاهدة الحظر" نتجت عن مبادرة إنسانية، تضافرت فيها جهود دول ناشطة والمجتمع المدني لتسليط الضوء على العواقب الإنسانية لاستخدام الأسلحة النووية. ودخلت المعاهدة حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني عام 2021، وهي إنجاز دبلوماسي كبير يعكس تأييد الرأي العام العالمي لحظر الأسلحة النووية.
على أن بعض الدول المسلحة نووياً وبعض حلفائها قاطعت هذه المعاهدة، وسَعَتْ جدياً لتقويضها. ولأن هذه الدول لم تنضم إلى المعاهدة، فهي ليست مُلزِمة لها قانوناً. لكن شعوب هذه الدول لا يتوقفون عن ممارسة الضغوط على حكوماتهم للاعتراف على الأقل بفوائد هذا الحظر.
وقد أدت الدول الإفريقية والمجتمع المدني دوراً مهماً في عملية معاهدة الحظر، لكنها بحاجة إلى الحفاظ على هذا الزخم بتأكيد دور إفريقيا في هذه المسألة. وذلك عن طريق إعطاء الأولوية لنزع السلاح النووي في سياستها الخارجية، ونشر الوعي بين الأفارقة بأنَّ نزع السلاح النووي قضية جديرة بالاهتمام.
ويتعين عليها أيضاً تشجيع مزيد من الدول على الانضمام إلى المعاهدة، خاصةً الدول الإفريقية، حيث لم تنضم إلى هذه المعاهدة سوى تسع منها. وتزداد قيمة معاهدة الحظر مع كل دولة تنضم إليها. وبإمكان الدول والشعوب الإفريقية المشاركة أيضاً في شبكات عابرة للحدود لشجب الأسلحة النووية، بهدف توسيع النطاق القانوني لمعاهدة الحظر ليشمل الدول المسلحة نووياً.