لماذا تختبر كوريا الشمالية إطلاق صواريخها من غواصة وقطار؟ هذه رسالة كيم لأمريكا

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/10/22 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/22 الساعة 12:27 بتوقيت غرينتش
زعيم كوريا الشمالية كيم جون أونغ/ رويترز

في الشهر الماضي، أجرت كوريا الشمالية تجارب إطلاق لسبعة أنواع مختلفة من الصواريخ. كان أحدها محمولاً على طائرة شراعية تفوق سرعتها سرعة الصوت، وأُطلق صاروخ ثانٍ من قطار، وثالث من غواصة، ورابع يبلغ مداه نطاقاً يصل به إلى أي بقعة في الولايات المتحدة؛ فما الذي يجري؟

مجلة Slate الأمريكية سلطت الضوء على هذا القرار، باعتبار أن هذه الخطوة لها ما وراءها ومقاصدها ورسائلها التي أراد الزعيم الكوري إيصالها للأطراف الخارجية.

أولاً، تجدر الإشارة إلى بعض التنبيهات: لم ينتج الكوريون الشماليون هذه الصواريخ بأعداد كبيرة (أو، في معظم الحالات، بعددٍ يزيد على الصاروخ الذي أطلقته)، كما أنهم لم يزودوا أياً منها بأسلحة نووية ولم يقم دليلٌ على أنهم قادرون على صناعة رأس حربي نووي صغير بما يكفي لتركيبه في الجزء السفلي من الصاروخ، علاوة على أنه باستثناء نموذج تجريبي، لم يبنوا أي غواصات يمكنها حمل صواريخ باليستية. بعبارة أخرى، لا داعي لتهويل الأمر أو حاجة إلى النزول إلى ملجأ أو نحو ذلك.

ماذا يريد الكوريون؟

ومع ذلك، هناك شيء واضح في كل ذلك: إنهم لا يبنون قدرات الضربة الأولى، بل الأرجح أنهم يحاولون بناء القدرات التي تجعل من الصعوبة بمكان على الولايات المتحدة شنّ هجومٍ نووي على كوريا الشمالية.

ويستعين الكوريون الشماليون لفعل ذلك بطريقين: أولاً، يجعلون بعض صواريخهم متحركة -وهو ما يبدو واضحاً في تجارب الإطلاق من القطارات والغواصات- حتى تواجه الولايات المتحدة (أو أي عدو) صعوبة في العثور عليها وتتبُّعها واستهدافها. ثانياً، يحاولون بناء القدرات التي تكفل لهم التيقن من أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على استهدافهم بأسلحة نووية دون خشية من أن تبادلهم كوريا الشمالية الإطلاق بصواريخ نووية، وفي هذه الحالة ربما ترتدع الولايات المتحدة عن فكرة استهدافهم بالأسلحة النووية في المقام الأول.

كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية
عرض عسكري في كوريا الشمالية/رويترز

يعني ذلك أن كوريا الشمالية تفعل ما تفعله جميع القوى النووية في الأصل: وهو محاولة ردع أي هجوم نووي عليها. ومع ذلك، فإن هذه ليست استراتيجية دفاعية بحتة. إذ يمكن استخدام هذا الرادع كغطاء للعدوان غير النووي. كما يحتمل أن يكون الهدف من تكثيف برامجها للصواريخ النووية هو الرد على برنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي. (بافتراض أنها -على سبيل التوضيح- تحتاج 60 صاروخاً مثلاً لضمان مرور 10 منها عبر هذه الدفاعات).

إن القدرة على إطلاق نووي من غواصة تمنح كوريا الشمالية ميزتين فريدتين: أولاً، يُتيح تحميل الصاروخ النووي على غواصة القدرةَ على توسيع مدى هذا الصاروخ وتسهيل مهاجمة كوريا الشمالية للولايات المتحدة، وإن كان هذا مرتبطاً بقدرتها على بناء صواريخ وغواصة يمكنها الذهاب إلى هذا الحد. ثانياً، تُتيح الغواصة التسللَ مباشرة إلى شواطئ العدو، ثم إطلاق صاروخ يصيب الهدف دون أي تحذير، وهو جانب يخيف اليابانيين على نحو خاص، ودفع بعضهم إلى التفكير في بناء نظام دفاع صاروخي أو ترسانة نووية هجومية.

ماذا تفعل الدول النووية؟

ومع ذلك، فإن نموذج الغواصة التجريبي الذي بنته كوريا الشمالية جاء صاخباً للغاية ويسهل كشفه، علاوة على أنها غواصة تعمل بالديزل والكهرباء، ما يعني أنه لا يمكنها الإبحار لمسافات طويلة دون صعود إلى السطح أو الاختفاء بالطريقة المتاحة لدى الغواصات الحديثة التي تعمل بالطاقة النووية.

النقطة الأساسية في كل هذا أن الدول المسلحة نووياً تبني ترساناتها، على الأقل في بعض أسبابها لذلك، كردِّ فعلٍ على ما يفعله خصومها المسلحون نووياً أو لما يعتقد أن هؤلاء المنافسين يفعلونه.

صواريخ كورية شمالية خلال عرض عسكري/رويترز

على سبيل المثال، تشير بيانات مبنية على اختبارات إلى أن برنامج الدفاع الصاروخي الأمريكي لديه قدرة قليلة على إسقاط الصواريخ الباليستية طويلة المدى، ومع ذلك فإن  وكالات الاستخبارات تميل إلى المبالغة في قوة العدو، وابتكار سيناريوهات لأسوأ الاحتمالات والأوضاع، تبريراً لإنشاء برامجها الخاصة. لذلك قد لا يكون من قبيل المصادفة أن كوريا الشمالية اختبرت إطلاق صاروخٍ باليستي من غواصة بعد شهرٍ واحد فحسب من اختبار كوريا الجنوبية صاروخها.

وبهذا المعنى، فإن عوامل السياسة الداخلية لها دور أيضاً. فقد شدد كيم جونغ أون مجدداً على أهمية برنامجه الصاروخي. لكن التكلفة باهظة جداً، ومن ثم فهو يبرر تلك التكلفة العالية بالدعاية المكثفة بأن كوريا الشمالية محاطة بأعداء عازمين على تدمير الجنة التي يعيش فيها شعبه. لذلك لا يمكنه السماح لكوريا الجنوبية، على وجه الخصوص، بالحصول على درجةٍ من التفوق النوعي في سباق التسلح دون المسارعة باللحاق بها في أسرع وقت ممكن.

ما نتيجة ما يفعله الكوريون؟

يمكننا أن نخلص من كل هذا إلى استنتاجين أساسيين: أولاً، لا توجد طريقة لإجبار كوريا الشمالية على نزع صواريخها أو أسلحتها النووية، فهي كل ما يمتلكه النظام بوصفها رمزاً لقوته، ولكونها، على نحو أكثر واقعية، درعه التي تحميه من الهجوم الأجنبي. ومن ثم، فإن الموقف الرسمي للولايات المتحدة -وهو أن كوريا الشمالية يجب أن توافق على نزع كامل ونهائي لسلاحها النووي- ليس إلا حلماً وهمياً. بمعنى أنه إذا أرادت الولايات المتحدة أن تكون المفاوضات سبيلها إلى خفضِ التوترات وتقليل التهديدات للحلفاء الإقليميين، فإن عليها أن تبتكر صيغة أخرى لما تطالب به في هذه المفاوضات.

جاء هذا الحفل بعد يوم من عرض عسكري ليلي غير مسبوق استعرضت فيه كوريا الشمالية مجموعة كبيرة بشكل غير عادي من الأسلحة الجديدة.

ثانياً، في أبريل/نيسان 2009، لم يكن قد مضى إلا بضعة أشهر على تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، وفي أثناء رحلته الخارجية الأولى إلى براغ، أدلى بهذا التصريح المترفِّع: "لكي نضع حداً لطريقة تفكير الحرب الباردة، سنقلل من دور الأسلحة النووية في استراتيجيتنا للأمن القومي، ونحث الآخرين على أن يحذوا حذونا". لم يحدث ذلك، جميع البلدان التي كانت تمتلك أسلحة نووية في ذلك الوقت، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تخطط لتحسين وتعزيز ترسانتها النووية.

وحتى الدول الأخرى التي كانت لديها القدرة، منذ فترة طويلة، على تطوير أسلحة نووية لكنها كانت ممتنعة لسبب أو لآخر، بدأت تفكر جدياً في المضي قدماً لتطويرها. وأحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن العالم أصبح مكاناً أشد اضطراباً وفوضى. والدول التي حصلت من قبلُ على تأكيدات بحماية "المظلة النووية" للولايات المتحدة لها، وأن واشنطن على استعداد لاستخدام أسلحتها النووية رداً على هجوم مماثل على حلفائها، هذه الدول باتت أقل اقتناعاً بأن الولايات المتحدة ستفي حقاً بهذا التعهد. ومن ثم، فالحلُّ هو التفكير في تطوير مظلاتها الخاصة للوقاية من اليوم العاصف.

الخلاصة أن صواريخ كوريا الشمالية ليست إلا أوهج علامات الخطر سطوعاً في الأفق، لكن لا يُشترط أن تكون أشدها بلاءً وإنذاراً بالسوء. فالأمور تتفلت في كل مكان، ويحتاج الأمر إلى بعض البصيرة الثاقبة والدبلوماسية العبقرية لإعادة تجميع المُشتت معاً أو تشكيل نظام دولي جديد يجعل العالم أكثر أماناً.

تحميل المزيد