بينما تواجه أوروبا خطر التجمد هذا الشتاء بعدما ارتفعت أسعار الغاز خمس مرات مسجلة أرقاماً غير مسبوقة، تصر ألمانيا على عدم تشغيل خط السيل الشمالي 2 الذي ينقل الغاز من روسيا إليها إلا بعد تمرير سلسلة من الموافقات الإجرائية، رغم تأكيدات موسكو أن تشغيل الخط من شأنه حل أزمة الغاز بالقارة.
ويبدو أن هناك حرب غاز باردة تجري بين البلدين، والمواطن الأوروبي قد يدفع ثمنها المواطن الأوروبي هذا الشتاء.
واكتمل ربط 1200 كيلومتر في قاع بحر البلطيق بين روسيا حتى ألمانيا، وبدأ الخط يستقبل الغاز في مرحلة اختبار. وحصلت شركة "غازبروم" المصدِّرة على موافقة دنماركية لبدء تشغيل أحد الخطوط هذا الأسبوع، وأصبح جاهزاً لضخ الغاز الروسي إلى أوروبا، لكن لا شيء يتدفق بعد لأنه لا يزال ينتظر الموافقة من هيئة الطاقة الألمانية.
واجه خط السيل الشمالي الذي تقوده شركة الغاز الروسية العملاقة غازبروم وتكلف نحو 11 مليار دولار، مقاومة من الولايات المتحدة وأوكرانيا ودول أخرى، حيث ترى كييف أنه يفقدها مئات ملايين الدولارات كرسوم عبور إذا أوقفت موسكو ضخ الغاز عبر الخط الذي يمر عبر أراضيها، فيما تقول الولايات المتحدة إن الخط يجعل أوروبا أكثر اعتماداً على روسيا في مجال الطاقة، بينما ترد الأخيرة بأنها تحاول إزاحة موسكو من سوق الغاز الأوروبي الذي تتطلع أمريكا للتوسع فيه، كما استغربت موسكو معارضة واشنطن لتشغيل الخط قائلة: تطالبوننا بزيادة الغاز لأوروبا وتعارضون "نورد ستريم 2".
روسيا تستخدم أزمة الغاز للضغط على أوروبا لتشغيل خط السيل الشمالي 2
ترسل روسيا إشارات بأنها لن تبذل قصارى جهدها لضخ غاز إضافي للمستهلكين الأوروبيين لتخفيف أزمة الطاقة الحالية ما لم تحصل على الموافقة التنظيمية لبدء إرسال الشحنات عبر خط أنابيب "نورد ستريم 2" المثير للجدل، حسبما ورد في تقرير لموقع بلومبيرغ الشرق.
إذ يقول التقرير في مقابل زيادة الإمدادات من الغاز، تريد روسيا الحصول على موافقة ألمانيا والاتحاد الأوروبي لبدء استخدام خط الأنابيب لنقل الغاز المتجه إلى أوروبا، وفقاً لأشخاص مقربين من "غازبروم" شركة الغاز العملاقة التي تديرها الدولة والكرملين.
وفي إشارة إلى التأكيد على هذا الأمر، قالت الشركة المشغلة لخط الأنابيب، الإثنين، إن خطها الأول مليء بما يسمى بالغاز التقني وجاهز لبدء التشغيل، على الرغم من أنه لا يمكنها شحن الغاز لحين الحصول على موافقة الجهات التنظيمية.
جاء هذا الإعلان بعد ساعات من ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بعد أنباء عن أن شركة غازبروم قد عرضت مرة أخرى كمية صغيرة فقط من القدرات لشحن الوقود إلى أوروبا عبر طرق أخرى.
وقالت وكالة الإعلام الروسية الثلاثاء 19 أكتوبر/تشرين الأول إن ممثل روسيا لدى الاتحاد الأوروبي حث السلطات الألمانية على المصادقة على خط أنابيب السيل الشمالي قبل الموعد النهائي في الثامن من يناير/كانون الثاني 2022، لأن مثل هذه الخطوة ستعود بالنفع على المستهلكين الأوروبيين.
ونفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة مع CNBC بأن "تكون موسكو تستخدم الغاز كسلاح".
ما أسباب عدم تشغيل خط غاز السيل الشمالي؟
يجب أن تقتنع الجهة التنظيمية الألمانية باستيفاء الشركة المشغِّلة "نورد ستريم 2" (Nord Stream 2) متطلَّبات لوائح الاتحاد الأوروبي التي تلزم بالتفريق بين نقل الغاز عن الإنتاج والمبيعات، والمعروف باسم "الفصل".
تحرك المنظم الألماني المختص بالأمر الأسبوع الماضي ليطلب من مشغل خط الأنابيب، نورد ستريم 2 إيه جي ومقره سويسرا، الحصول على تأكيدات بأنه لن يخالف قواعد المنافسة يشير إلى أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر أخرى قبل أن يحصل خط الأنابيب بطول 1200 كيلومتر على الضوء الأخضر، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters.
أمام وكالة الشبكات الفيدرالية الألمانية -التي تنظم قطاعات الكهرباء والغاز والاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد والسكك الحديدية في البلاد- حتى أوائل يناير/كانون الأول لتقديم توصية بشأن ما إذا كانت ستصدق على خط الأنابيب الذي يمتد من روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق أم لا، سترسل ألمانيا التوصية إلى المفوضية الأوروبية للمراجعة، ويكون لدى الاتحاد الأوروبي بعدئذ شهران للتصرف، وهو إطار زمني يمكن تمديده إلى شهرين آخرين، مما قد يمدِّد العملية حتى مايو/أيار 2022، حسب بلومبيرغ الشرق.
وقالوا مشرعون أوروبيون إنَّ المشروع لا يفي بعد بمعايير الفصل، وحثوا على ضرورة وجود "رأي واضح وقوي للمفوضية في إجراءات التصديق".
وفي حين تم استيفاء المتطلبات الفنية، فإن النقطة الشائكة الرئيسية هي ما إذا كانت غازبروم ستمتثل لقواعد التفكيك الأوروبية التي تتطلب من مالكي خطوط الأنابيب أن يكونوا مختلفين عن موردي الغاز المتدفق فيها لضمان المنافسة العادلة.
تدعي شركة Nord Stream 2 أن القواعد تهدف إلى نسف خط الأنابيب وحققت الأسبوع الماضي نصراً جزئياً عندما أوصى مستشار المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي بأن شركة غاز بروم يمكنها الطعن في قواعد الاتحاد الأوروبي.
إذا توافقت الجهات الألمانية والأوروبية على أن خط الأنابيب يفي بجميع المتطلبات التنظيمية، فيمكن إصدار الشهادة بسرعة نسبياً، ولكن إذا لم يكن الأمر كذلك، فقد تتأخر العملية أكثر، وقد يمر الشتاء دون تشغيل خط السيل الشمالي، حسب رويترز.
هل يمكن لروسيا ضخ الغاز دون موافقة الوكالة؟
هناك مخاوف لدى البرلمان الأوروبي من أن تبدأ "نورد ستريم 2" بتمرير الغاز دون الموافقات اللازمة، نظراً لأنَّ الحصول على التصديق يتطلَّب شهوراً، ولأنَّ أوروبا تواجه هذا الشتاء بأدنى مستويات مخزون غاز لأكثر من عقد.
ودعا كبار المشرِّعين مؤخراً المفوضية الأوروبية لممارسة جميع سلطاتها لضمان الامتثال لقانون الاتحاد الأوروبي.
ورغم ضرورة الحصول على موافقة الوكالة الفيدرالية الألمانية للشبكات لضخ الغاز، فإن سلطة الوكالة محدودة للغاية في منع شركة غازبروم من البدء ببساطة في ضخ الغاز على الفور.
أقوى أداة لديها هي غرامة قدرها مليون يورو (1.2 مليون دولار) لمرة واحدة على المشغل إذا بدأ التشغيل بدون شهادة.
بصفتها جهة تنظيمية، يمكنها أيضاً إجراء تحقيق ولكن من المتوقع أن تكون أي عملية قانونية طويلة ولن تؤدي إلى منع قصير الأجل لتدفقات الغاز.
وبعدما أعلنت الشركة الروسية أنَّها باشرت ملء أحد الخطوط بالغاز، سعت الجهة التنظيمية الألمانية أيضاً لضمان عدم بدء التدفُّقات قبل الحصول على الموافقات المطلوبة، وقالت في 4 أكتوبر/تشرين الأول: "وفق المعلومات المتاحة للوكالة الاتحادية للشبكات، لا يمكن استبعاد أن تشغِّل (نورد ستريم 2) الرابط البيني في المستقبل القريب".
وقال المشرِّعون الأوروبيون في رسالة لمفوَّض الطاقة في الاتحاد الأوروبي كادري سيمسون، إنَّ الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي يجب أن تكون مستعدة لاستخدام "تدابير مؤقتة" إذا بدأ خط "نورد ستريم 2" شحن الغاز إلى ألمانيا قبل الحصول على الموافقات اللازمة.
لم يتضح ما إذا كانت الشركة المشغِّلة على استعداد للمخاطرة بغرامة، متعللةً بحاجة أوروبا الماسة للوقود، وقالت "نورد ستريم 2" عدَّة مرات، إنَّها ستتبع جميع الإجراءات اللازمة قبل بدء تشغيل الخط، حسبما ذكر موقع بلومبيرغ الشرق.
هل وكالة الشبكات الفيدرالية الألمانية مستقلة سياسياً؟
لا، بالنسبة لإصدار توصيتها الخاصة، تحتاج الوكالة إلى تقييم ملزم لأمن الإمداد من قبل وزارة الاقتصاد والطاقة الألمانية، والتي تعد جزءاً منها.
وقال متحدث باسم الوكالة: "لا يمكن منح الشهادة إلا إذا قررت الوزارة الاتحادية للشؤون الاقتصادية والطاقة أن منح الشهادة لن يعرض أمن إمدادات الغاز لجمهورية ألمانيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي للخطر".
وقالت وزارة الاقتصاد إنها تعمل حالياً على هذا التقييم، لكنها لم تحدد جدولاً زمنياً لموعد استكماله.
ماذا تريد ألمانيا من تأخير الموافقة على خط السيل الشمالي؟
قال مصدران حكوميان مطلعان إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أوضحت للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في الأشهر الأخيرة، أن الالتزام بالقواعد أمر حيوي لضمان استمرار الدعم السياسي لخط الأنابيب، حسبما ذكر تقرير Reuters.
وقالت ميركل صراحة إن الأساس السياسي لتشغيل خط غاز السيل الشمالي 2 هو التزام روسيا بمواصلة استخدام أوكرانيا كطريق لنقل الغاز في المستقبل أيضاً.
ومن المعروف أن أوكرانيا اعتبرت إقدام ألمانيا على تنفيذ هذا الخط بمثابة خيانة لكييف التي كانت تستفيد مالياً من مرور الغاز الروسي على أراضيها، إضافة إلى أنها وسيلة ضغط في يدها على موسكو.
وقال أحد المصادر إن بوتين ذكي بما يكفي ليعرف أن المشاعر السائدة بين السياسيين الألمان بشأن المشروع ستصبح إشكالية إلى حد ما، لذا لا ينبغي أن يقدم أي سبب لتعريض العمليات للخطر.
هل يمكن أن توقف الحكومة التي ستخلف ميركل الخط؟
يقود وزارة الاقتصاد الألمانية بيتر ألتماير، عضو حزب ميركل المحافظ، الذي دعم خط الأنابيب.
وتحت قيادة ميركل، التي لا تزال تدير البلاد حتى تشكيل تحالف جديد، أبرمت ألمانيا مؤخراً اتفاقاً مع واشنطن للسماح بخط الأنابيب المثير للجدل بالمضي قدماً.
نتيجة لذلك، فإن قدرة الحكومة المقبلة على وقف الاتفاق محدودة للغاية، حتى في حالة احتمال أن يصبح حزب الخضر -الذين عارضوا المشروع بشدة- جزءاً من الائتلاف الحاكم المقبل، حسبما قال شخصان مطلعان على الأمر.
بالإضافة إلى ذلك، كان أولاف شولتز، الذي قاد الاشتراكيين الديمقراطيين للفوز في انتخابات الشهر الماضي ولديه فرصة جيدة لخلافة ميركل كمستشارة، يؤيد خط أنابيب السيل الشمالي 2.
هل يؤدي تشغيله إلى حل أزمة الغاز في أوروبا؟
لا يزال بعض متتبعي القطاع، بدءاً من "بنك أوف أمريكا" إلى "خدمات استخبارات السلع المستقلة" (ICIS)، يرون إمكانية أن يبدأ تشغيل خط "نورد ستريم 2" العام الجاري، خاصة إذا أدت أزمة الطاقة في أوروبا لتسريع الموافقات التنظيمية، وفقاً لبلومبيرغ.
وقال توم مارزيك مانسر، المحلل في "ICIS": "لمجرد أنَّ الجهة التنظيمية أمامها مهلة أقصاها أربعة أشهر للموافقة على الطلب؛ لا يعني بالضرورة أنَّ الأمر سيستغرق أربعة أشهر".
بينما يرى كثيرون غيرهم أنَّ التشغيل سيؤجَّل إلى العام المقبل.
ولكن حتى إن بدأ تشغيل خط الأنابيب قريباً؛ لا يتضح ما إذا كانت لدى روسيا طاقة إنتاجية احتياطية كافية لزيادة الصادرات إلى أوروبا سريعاً أم لا، خاصة في ظلِّ ارتفاع الطلب المحلي.
يصرُّ معارضو مشروع خط السيل الشمالي على أنَّ "غازبروم" تملك بالفعل طرقَ توصيل كافية عبر دول أخرى. قال محللون إنَّ نقص الإمدادات مشكلة تتعلَّق بالقدرة الإنتاجية، وليس بطرق التوصيل.
استناداً لذلك؛ من المحتمل أن يساعد خط السيل الشمالي فقط في التخفيف من نقص الغاز الحاد في المنطقة لا القضاء عليه. وبالتالي؛ سيكون التأثير على الأسعار على المدى القريب محدوداً مع اعتماد أوروبا على عدد من عوامل العرض والطلب لتخفيف الأزمة.