عاد التوتر الصيني الهندي من جديد على الحدود الوعرة المشتركة بين البلدين، التي تعد من أصعب الجبهات في العالم.
فبينما تصدَّرَت الأنشطة العسكرية الصينية المتزايدة بمضيق تايوان العناوين الرئيسية في الأسابيع الأخيرة، فإنه على بُعد آلاف الأميال غرباً، يبدو من المُرجَّح أن يحتدم نزاعٌ إقليميٌّ آخر على حدود البلاد، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
وقبل 16 شهراً فقط، خاضت القوات الصينية والهندية معركةً مميتةً بالأيدي في جبال الهيمالايا على طول خط السيطرة الفعلية، وهي حدودٌ غير مُحدَّدة بدقة بين القوتين النوويَّتين.
والآن يبدو أن التوتُّرات تتصاعد مُجدَّداً بين الدولتين النوويتين اللتين تعدان الأكبر في العالم من حيث عدد السكان.
احتجاز متبادل للجنود
وفقاً لتقارير لم يُتحقَّق منها، فقد احتُجِزَ جنودٌ من كلا الجانبين فترة وجيزة، في وقتٍ تُعزَّز فيه المواقع العسكرية، ويبدو أن المحادثات الهادفة إلى تهدئة الوضع وصلت إلى طريقٍ مسدود.
في عام 1962، خاضت الهند حرباً على المناطق الحدودية النائية بأعالي الجبال، وأنشأت في النهاية خط السيطرة الفعلية. لكن البلدين لا يتفقان على الموقع الدقيق لهذا الخط، ويتَّهم أحدهما الآخر بتجاوز الخط أو السعي لتوسيع أراضيه. ومنذ ذلك الحين، خاض الطرفان سلسلةً من المشاجرات غير المميتة في الغالب حول الخط، وصولاً إلى اشتباك يونيو/حزيران 2020، وهو الأكثر دموية على طول خط السيطرة الفعلية منذ أكثر من 40 عاماً.
وبعد تلك المعركة، التي راح فيها ما لا يقل عن 20 جندياً هندياً وأربعة جنود صينيين، أجرى القادة العسكريون من كلا الجانبين محادثاتٍ مباشرة لتهدئة التوتُّرات المستمرة.
الهند تتهم الصين بعدم التعاون
عُقِدَ الاجتماع الثالث عشر من تلك الاجتماعات يوم الأحد 10 أكتوبر/تشرين الأول، ولم ينتهِ بشكلٍ جيِّد. أحرزت المناقشات السابقة بعض التقدُّم في تهدئة الجنود، لكن بياناً صادراً عن وزارة الدفاع الهندية يوم الإثنين اتَّهَمَ الصين بتوقُّفها عن التعاون.
وجاء في البيان أن "الجانب الهندي أشار إلى أن الوضع على طول خط السيطرة الفعلية نتج عن محاولاتٍ أحادية من الجانب الصيني لتغيير الوضع الراهن، في انتهاكٍ للاتفاقات الثنائية".
وأضاف: "لذلك قدَّم الجانب الهندي اقتراحاتٍ بنَّاءة لحلِّ المناطق المتبقية، لكن الجانب الصيني لم يوافق ولم يقدِّم أيضاً أيَّ اقتراحاتٍ تنظر إلى الأمام". لكن بكين ترى الأمر بشكلٍ مختلف.
والصين تقول إن مطالب نيودلهي غير معقولة وإنها تتعمد إثارة التوتر
قال العقيد لونغ شاوهوا، المتحدِّث باسم قيادة الجناح الغربي بجيش التحرير الشعبي الصيني: "بذلت الصين جهوداً كبيرةً للتخفيف من حِدَّة الوضع الحدودي وتهدئته، وأظهرت بشكلٍ كاملٍ صدقها من أجل الحفاظ على الوضع العام للعلاقات بين الجيشين. ومع ذلك، لاتزال الهند تصرُّ على المطالب غير المعقولة وغير الواقعية، مِمَّا جعل المفاوضات أصعب".
وصعَّدَ مقالٌ طويل في صحيفة Global Times التي تديرها الدولة الصينية، من حِدَّة الخطاب، مُتَّهِماً الهند بـ"إثارة حوادث جديدة على طول الجانب الشرقي من الحدود".
وبعد تقارير في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري، عن إحراز تقدُّمٍ حقيقي، وضمن ذلك صور الأقمار الصناعية التي تُظهِر تفكيك الصين الحاميات الحدودية، تراجعت نقطة الاشتعال في جبال الهيمالايا إلى حدٍّ كبير عن رادار العالم، بتوجُّه الأنظار أيضاً إلى تايوان.
لكن على مدار الأسابيع القليلة الماضية، نشرت وسائل الإعلام الهندية والصينية قصصاً لم يُتحقَّق منها، عن المواجهات الجديدة على طول خط السيطرة الفعلية، والتي وَرَدَ أنها فُضَّت جميعاً بصورةٍ سلمية.
تحذير صيني من نشوب صراع جديد
وقالت صحيفة Global Times الصينية إن المواجهات التي لم يتم التحقُّق منها أدَّت إلى توتُّر العلاقات على طول الحدود. وذكر تقرير الصحيفة أن "الخبراء الصينيين حذَّروا من مخاطر نشوب صراعٍ جديد، قائلين إنه يتعيَّن على بكين ألا ترفض الانصياع لمطالب نيودلهي المتعجرفة على طاولة المفاوضات فحسب، بل يجب أيضاً أن تستعد للتصدي لأيِّ عدوانٍ عسكري هندي جديد".
وأعقب ذلك ادعاءاتٌ من حاميات جيش الصيني على حدود الهيمالايا، تصف "الظروف المتوتِّرة اليومية" مع انطلاق صفارات الإنذار، وأن القادة يقودون الدوريات في الجبهة، والجنود "يكتبون نداءاتٍ من أجل مهام قتالية"، وفقاً لما ذكرته الصحيفة الصينية.
وأشاد التقرير بالجهود الصينية لتشييد بنية تحتية في المنطقة، مفيداً بأن هذه التحرُّكات عزَّزَت معنويات القوات وقدرتها على الانتقال إلى النقاط الساخنة على طول خط السيطرة الفعلية.
الصين تتهم أمريكا بالمسؤولية
وفيما يتعلَّق بأسباب تصعيد الوضع الراهن بين الهند والصين حالياً، تقدِّم وسائل الإعلام الحكومية الصينية إجابةً مألوفة. تماماً كما هو الحال فيما يتعلَّق بالتوتُّرات حول تايوان -حيث أجرت الطائرات الحربية الصينية أكثر من 150 طلعة جوية هذا الشهر وحده- تشير Global Times بأصابع الاتِّهام إلى الولايات المتحدة.
وبحسب التقرير، قال لين مينوانغ، الأستاذ بمعهد الدراسات الدولية في جامعة فودان الصينية: "ترى الهند أن واشنطن تولي نيودلهي أهميةً كبيرةً، حيث تفاعَلَ الرئيس الأمريكي جو بايدن مراراً مع الحكومة الهندية منذ توليه منصبه، وناقش بشكلٍ مشترك خططاً لإحباط نمو الصين".
في الواقع، انضمَّ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى بايدن ورئيسَي وزراء أستراليا واليابان بواشنطن الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول)، في أول اجتماعٍ مباشر للحوار الأمني الرباعي، المعروف باسم "الرباعي"، وهو منتدى استراتيجي غير رسمي لأربعة بلدان ديمقراطية لها مصلحة خاصة في مواجهة صعود الصين بآسيا.
وفي مقال رأيٍ بعد قمة الرباعي، كتب لي هايدونغ، الأستاذ في معهد العلاقات الدولية بجامعة الشؤون الخارجية الصينية، أن أعضاء الرباعي "لن يتوقَّفوا عن تضخيم نظرية التهديد الصيني".
ووسط توغُّلات القوات الجوية الصينية حول تايوان في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، قالت صحيفة Global Times إن الولايات المتحدة واليابان تدفعان الوضع حول الجزيرة، التي تتمتَّع بالحكم الذاتي، إلى حافة الهاوية، "مِمَّا يخلق إحساساً بحالة طوارئ قد تندلع فيها الحرب في أيِّ وقت".
وذكر عنوانٌ لتقريرٍ نشرته الصحيفة الصينية يوم الإثنين، عن جبال الهيمالايا أن قوات جيش التحرير الشعبي "مستعدة لمواجهاتٍ مقبلة".
يقول تقرير الشبكة الأمريكية: "قد تكون تايوان وجبال الهيمالايا على بُعد 4500 كيلومتر من بعضهما، ويمثِّلان بيئتين مختلفتين، ولكن في كلٍّ من هذين النزاعين الإقليميَّين مع بكين يبدو أن سخونة الوضع آخذة في الارتفاع، ووفقاً للصين فإن الولايات المتحدة هي مركز كلِّ ذلك".