كشفت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، الأسبوع الماضي، أن وحدة العمليات الخاصة الأمريكية وفرقة من مشاة البحرية الأمريكية تعملان سراً في تايوان لتدريب القوات العسكرية هناك، كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز دفاعات الجزيرة مع تزايد القلق بشأن تصاعد غزوها من الصين.
وقال مسؤولون للصحيفة، إن نحو عشرين من أفراد العمليات الخاصة الأمريكية وقوات الدعم يجرون تدريبات لوحدات صغيرة من القوات التايوانية. حيث يعمل مشاة البحرية الأمريكية مع القوات البحرية التايوانية على تدريب الزوارق الصغيرة. وأضاف المسؤولون إن القوات الأمريكية تعكف على هذه التدريبات الخاصة منذ عام على الأقل. فهل تقوم واشنطن بتدريب القوات التايوانية سراً؟ وماذا يعني ذلك؟
هل تقوم أمريكا بتدريب القوات التايوانية سراً؟
في تأكيد على صحة المعلومات التي نشرتها "وول ستريت جورنال"، نشرت وكالة رويترز، في 9 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تقريراً نقلا عن مصادر خاصة، قالت فيه إن مجموعات متعددة من المدربين الأمريكيين انتقلوا إلى تايوان لتدريب القوات المحلية هناك.
ويعد نشر العمليات الخاصة الأمريكية علامة على القلق داخل البنتاغون بشأن القدرات التكتيكية لتايوان، في ضوء التعزيزات العسكرية للصين على مدار سنوات والتحركات التهديدية الأخيرة ضد الجزيرة.
وأعرب مسؤولون من تايوان والولايات المتحدة عن قلقهم بشأن إرسال الصين "رقماً قياسياً" من الطائرات الحربية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية على مدار الأسبوع الماضي؛ إذ قالت وزارة الدفاع التايوانية إن الصين أرسلت أكثر من 150 طائرة حربية لمجال دفاعها الجوي.
وتضمنت الطائرات الصينية مقاتلات نفاثة من طراز J-16 وقاذفات قنابل استراتيجية من طراز H-6 وطائرة رصد الغواصات Y-8، وسجلت رقماً قياسياً لمثل هذه الطلعات الجوية، وفقا لما ذكرته حكومة تايوان.
وكانت الرحلات الجوية الصينية، رغم عدم دخولها المنطقة التي تعرفها تايوان على أنها مجالها الجوي، بمثابة تذكير برؤية بكين لتايوان كجزء من الصين. إذ تعهدت بكين مراراً بالسيطرة على الجزيرة بالقوة إذا لزم الأمر.
وشهد كبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين في وقت سابق من هذا العام أن بكين من المحتمل أن تحاول استخدام القوة في خططها في تايوان خلال السنوات المقبلة، وقال مسؤولون آخرون إن الجدول الزمني للصين قد يكون أسرع من ذلك.
ليست المرّة الأولى
في السياق، تقول مجلة National Interest الأمريكية، إن التقارير التي تتحدث عن وجود قوات أمريكية في تايوان ليست جديدة. ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، زعمت وسائل إعلام تايوانية أن مدربين عسكريين أمريكيين وصلوا إلى الجزيرة لتدريب مشاة البحرية التايوانية على عمليات برمائية. ومع ذلك، نفت وزارة الدفاع الأمريكية هذه التقارير، بينما لم تقدم تعليقاً على وجود القوات الأمريكية بشكل عام.
ولم يؤكد المسؤولون الأمريكيون أبداً تقارير وسائل الإعلام الآسيوية، العام الماضي، التي أشارت إلى احتمال انتشار مشاة البحرية الأمريكية في تايوان. ولم يسبق الإبلاغ عن وجود قوات العمليات الخاصة الأمريكية.
وبشكل عام، حافظت القوات الأمريكية على سياستها المعتادة المتمثلة في الغموض بشأن القضايا المتعلقة بتايوان. وأشار المتحدث باسم البنتاغون، جون سوبلي، في 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، إلى أن "الدعم الأمريكي والعلاقات الدفاعية مع تايوان لا تزال متماشية مع التهديد الحالي الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية"، حاثاً بكين على "احترام التزامها بالحل السلمي للخلافات".
هل جاء الإعلان عن إرسال قوات أمريكية خاصة إلى تايوان بعد تحذيرات ومناشدات تايبيه؟
كان وزير الدفاع التايواني، تشيو كو تشنغ، قد حذر الأربعاء الماضي، من أن الصين ستكون قادرة على شن هجوم واسع النطاق على تايوان بأقل قدر من الخسائر بحلول عام 2025.
وفي أشبه بنداء استغاثة، حذرت رئيسة تايوان، تساي إنغ-ون، في مقال، نشر الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2021، من "عواقب كارثية" في حال سيطرت الصين على الجزيرة، وتعهدت بالقيام "بكل ما يلزم" لمواجهة تهديدات بكين، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية.
تساي أشارت في مقالها الذي نشرته في مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية إلى أن الفشل في الدفاع عن تايوان سيكون "كارثياً" على الجزيرة والمنطقة، وقالت: "يجب أن يتذكروا أنه إذا سقطت تايوان، ستكون العواقب كارثية على السلام في المنطقة وعلى نظام التحالف الديمقراطي".
أضافت أنه "ستكون تلك إشارة إلى أنه في المواجهة العالمية بين القيم اليوم، يسود الاستبداد على الديمقراطية"، مؤكدة في ذات الوقت أن تايوان تأمل في تعايش سلمي مع الصين، ولكن "إذا تعرضت ديمقراطيتها وأسلوب حياتها للتهديد، فإن تايوان ستفعل كل ما يلزم للدفاع عن نفسها".
ورفض مسؤولو البيت الأبيض والبنتاغون التعليق على نشر القوة العسكرية الأمريكية. ولم يكن هناك رد فوري على طلبات للتعليق من تايبيه لرويترز.
فيما قال مسؤولون أمريكيون لصحيفة وول ستريت جورنال، إن نشر المدربين الأمريكيين يتم بالتناوب، ما يعني أن أعضاء الوحدات الأمريكية يخدمون وفقاً لجدول زمني متغير.
من جهتها، قالت وزارة الخارجية الصينية في بيان إنها حثت الولايات المتحدة على الالتزام بالاتفاقيات السابقة ووقف المساعدات العسكرية لتايوان. وأضافت أن "الصين ستتخذ جميع الخطوات اللازمة لحماية سيادتها ووحدة أراضيها".
ماذا يعني نشر وحدة العمليات الخاصة الأمريكية في تايوان؟
يعد إرسال وحدة من العمليات الخاصة ووحدة بحرية جهداً صغيراً ولكنه رمزي من قبل الولايات المتحدة لزيادة ثقة تايبيه في بناء دفاعاتها ضد الغزو الصيني المحتمل، كما تقول صحيفة WSJ الأمريكية.
وتضيف أن المسؤولين الحكوميين الأمريكيين الحاليين والسابقين والخبراء العسكريين يعتقدون أن تعميق العلاقات بين الوحدات العسكرية الأمريكية والتايوانية أفضل من مجرد بيع المعدات العسكرية التايوانية.
وباعت الولايات المتحدة معدات عسكرية بمليارات الدولارات لتايوان في السنوات الأخيرة، لكن المسؤولين الحاليين والسابقين يعتقدون أنه يجب على تايوان أن تبدأ في الاستثمار في دفاعها بشكل أكبر وأكثر ذكاءً.
ويقول مات بوتينجر، الباحث الأمريكي في معهد هوفر بجامعة ستانفورد والذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي خلال إدارة ترامب، إن تايوان أهملت بشكل سيئ دفاعاتها الوطنية خلال الخمسة عشر عامًا الأولى من هذا القرن، حيث اشترت الكثير من المعدات باهظة الثمن التي ستتعرض للتدمير في الساعات الأولى من الصراع مع الصين، بالإضافة إلى القليل من الأنظمة الأرخص تكلفة -ولكنها مميتة- من الصواريخ المضادة للسفن"
ويضيف بوتينجر للصحيفة الأمريكية إن "القوات البحرية الذكية وقوات الاحتياط والقوات المساعدة المدربة تدريباً جيداً في تايوان يمكن أن تؤدي إلى تعقيد خطط بكين الحربية بشكل خطير".
مردفاً أن الإنفاق العسكري العام لتايوان كان مشابهًا للإنفاق العسكري في سنغافورة، التي يبلغ عدد سكانها ربع سكان تايوان "ولكنها لا تجعل الصين تتنفس بسهولة"، حسب تعبيره.
وفي مايو/أيار الماضي، أخبر كريستوفر ماير -الذي أصبح فيما بعد مساعد وزير الدفاع للعمليات الخاصة الأمريكية- لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ خلال أن الولايات المتحدة يجب أن تدرس بقوة مثل هذا النشر للقوات، لمساعدة تايوان على تعزيز قدراتها. ولم يقل ماير، الذي عمل في البنتاغون تحت إدارة ترامب ، أن قوات العمليات الخاصة كانت تعمل بالفعل هناك.
وقال ماير لأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إن وحدات العمليات الخاصة الأمريكية يمكن أن تظهر للقوات في تايوان كيفية الدفاع ضد هبوط برمائي أو التدريب على عشرات العمليات الأخرى اللازمة للدفاع عن الجزيرة.
كيف ترى الصين انتشار قوات أمريكية في تايوان؟
وفي الوقت الذي يتم التعامل فيه مع بعض جوانب الانتشار الأمريكي في تايوان على أنها سري، إلا أنه يعتبر أيضًا حساسًا سياسيًا نظرًا للعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة والصين، وفقًا لمسؤولين أمريكيين.
وتوترت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين بسبب التبادل التجاري وفيروس كورونا وحقوق الإنسان والأمن الإقليمي، بما في ذلك بحر الصين الجنوبي.
ومن المرجح أن تنظر الصين إلى وجود القوات العسكرية الأمريكية على أنه انتهاك للالتزامات التي تعهدت بها واشنطن في الاتفاقات السابقة. ففي عام 1979، وافقت واشنطن على قطع العلاقات الرسمية مع تايوان، وإنهاء اتفاقية الدفاع، وسحب قواتها من الجزيرة، وقالت الولايات المتحدة في وقت لاحق إنها ستخفض مبيعات الأسلحة لتايوان.
وأشار متحدث باسم البنتاغون مؤخراً إلى قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979 الذي أقره الكونغرس، وقال إن "القانون ينص أيضاً على تقييم الاحتياجات الدفاعية لتايوان والتهديد الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية".
وخففت إدارة ترامب القواعد التي قيدت الاتصالات بين تايوان والمسؤولين الأمريكيين، في خطوة أشاد بها المسؤولون التايوانيون في ذلك الوقت. وواصلت إدارة بايدن بعض تحركات سابقتها، فأرسلت وفدًا أمريكيًا إلى تايبيه في أبريل/نيسان الماضي.
وقبل ترك منصبه، رفعت إدارة دونالد ترامب السرية عن الإطار الاستراتيجي الأمريكي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي وثيقة من 10 صفحات تحدد على نطاق واسع أهداف واشنطن في المنطقة.
يقول القسم الخاص بتايوان في الوثيقة، إن "الصين ستتخذ خطوات حازمة بشكل متزايد لفرض الوحدة مع تايوان" ويوصي التقرير "بتمكين تايوان من تطوير إستراتيجية وقدرات دفاعية غير متكافئة فعالة من شأنها أن تساعد في ضمان أمنها وتحررها من الإكراه والمرونة والقدرة لإشراك الصين بشروطها الخاصة". كما تدعو الاستراتيجية إلى وجود عسكري أمريكي "ذو مصداقية قتالية" لمنع الهيمنة الصينية في المنطقة التي تشمل تايوان.
تقول صحيفة WSJ، إنه لم يتم استبدال الوثيقة هذه باستراتيجية إدارة بايدن الجديدة، ولا يتم تنفيذها من الناحية الفنية، فيما أقر مسؤولو إدارة بايدن بوجود مجالات تواصل بين الإدارتين بشأن سياسات الصين.