العلاقات بين السعودية وإيران في طريقها للتطبيع الكامل، فلماذا يمثل ذلك إخفاقاً كبيراً لإسرائيل؟ وكيف يكشف أخيراً مبالغات بنيامين نتنياهو بشأن تشكيل تحالف مناهض لطهران يضم الرياض وتل أبيب؟
وتناولت صحيفة Haaretz الإسرائيلية المؤشرات على اقتراب الرياض وطهران من تطبيع كامل للعلاقات بينهما وكيف ينعكس ذلك على تل أبيب، في تقرير بعنوان "انفراجة العلاقات بين الرياض وطهران قد تُنهي ائتلاف إسرائيل المناهض لإيران".
كانت السعودية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية بشكل كامل مع إيران مطلع عام 2016، على خلفية قيام متظاهرين إيرانيين بمهاجمة مبنى السفارة السعودية في طهران وإشعال النيران فيه، بعد أن أعدمت الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر.
ومنذ ذلك الوقت، أصبح العداء قائماً بشكل معلن بين البلدين، ووصل في سبتمبر/أيلول عام 2019، إلى تعرُّض منشآت شركة أرامكو السعودية لهجوم شامل بالصواريخ والطائرات المسيّرة، واتهمت الرياض طهران بالوقوف وراء الهجوم، الذي كانت جماعة الحوثي اليمنية- المدعومة من إيران- قد تبنته بشكل رسمي.
تقارب بين السعودية وإسرائيل
وخلال تلك الفترة، شهدت المواقف السعودية والإسرائيلية تطابقاً بشأن برنامج إيران النووي، وسط تقارير إعلامية أشارت إلى قرب توقيع الرياض وتل أبيب اتفاقاً لتطبيع العلاقات، بوساطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر، على غرار التطبيع الإماراتي والبحريني مع تل أبيب.
وخلال العام الماضي أيضاً، سمحت الرياض لطائرة إسرائيلية تحمل مسؤولين من تل أبيب وواشنطن بالعبور في أجوائها للمرة الأولى على الإطلاق، كما تحدثت تقارير إعلامية عن عقد لقاء بين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل السابق والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، في مؤشر آخر على قرب انضمام الرياض إلى اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل.
وفي ذلك الوقت، كان حديث المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، يركز على وجود تحالف مناهض لإيران يضم الدول العربية وإسرائيل، بل تجدَّد الحديث عن تشكيل تحالف عسكري على غرار حلف شمال الأطلسي أو ما عُرف إعلامياً بـ"الناتو العربي".
في القلب من هذه التطورات جميعاً يأتي الاتفاق النووي الذي كانت إيران قد وقَّعته مع الدول الست الكبرى عام 2015 وانسحب منه ترامب منفرداً عام 2018، وكانت الرياض وتل أبيب تعارضان الاتفاق بشكل علني، وإن اختلفت أسباب كل منهما. فالسعودية عارضت الاتفاق النووي من البداية، لأنه لم يتطرق إلى تدخُّل طهران في شؤون الدول العربية، البحرين والعراق ولبنان واليمن وسوريا، ولم يضع حداً لبرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
لكن مع خسارة ترامب الانتخابات الأخيرة ومغادرته البيت الأبيض ومجيء جو بايدن، بدأت دول المنطقة، وخاصةً السعودية، في إعادة النظر بكثير من ملفات السياسة الخارجية لديها وفي القلب منها التحالفات وما ينتج عنها من مواقف.
وكان من ضمن تلك التغييرات الجذرية بدء اجتماعات سرية بين السعودية وإيران على الأراضي العراقية في أبريل/نيسان الماضي، في غياب الولايات المتحدة، وهو ما مثَّل بداية طريق يبدو أنه يقترب بالفعل من تحقيق عودة كاملة للعلاقات بين الرياض وطهران، مع ما يمثله ذلك من تداعيات على تحالفات المنطقة.
هل تعود العلاقات بين الرياض وطهران قريباً؟
واتضح لاحقاً أن المحادثات السرية التي جرت بين مسؤولين سعوديين وإيرانيين كانت قد بدأت في العراق منذ يناير/كانون الثاني، وكانت صحيفة Financial Times البريطانية أول من نشر تقريراً عنها في أبريل/نيسان الماضي، فيما أفاد موقع Amwad.media البريطاني لاحقاً بأنه تم عقد خمسة اجتماعات بين الجانبين، وأن بعض هذه الجلسات ضمَّت أيضاً مسؤولين من الإمارات ومصر والأردن، حول مواضيع تتراوح بين الحرب في اليمن والأمن بسوريا ولبنان.
وتلا ذلك ثلاث جولات من المحادثات بين الجانبين، آخرها كانت في أواخر سبتمبر/أيلول، بعد أن تولى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي منصبه. كما يُتوقع بدء جولة أخرى في غضون أيام قليلة، بحسب هآرتس الإسرائيلية.
وقبل أيام قليلة، عاد وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان من زيارة لسوريا ومصر وروسيا، بأنباء سارَّة، مفادها أن المحادثات بين السعودية وإيران بلغت "مسافة جيدة"، بحسب كلماته.
وكان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، أكثر إسهاباً في التفاصيل، إذ قال إن المحادثات سارت "بلا توقف" وركزت على العلاقات بين إيران وبلدان المنطقة، وبصورة أساسيةٍ دول الخليج. كذلك نوقشت الحرب في اليمن.
وقال خطيب زادة إن الرياض وطهران وقَّعتا فعلياً على عدد من الاتفاقيات. وفق مصادر دبلوماسية تحدثت مع صحفيين عرب، يُتوقع إعادة فتح القنصليات في كلا البلدين، ويُتوقع التوصل إلى اتفاقية تطبيع كاملة في غضون أسابيع، مع فتح سفارتي البلدين بعد ذلك، بحسب تقرير هآرتس.
هل يُنهي ذلك "الحلفَ المناهض لإيران"؟
إذا أسفرت المفاوضات بين السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية عن اتفاقية تطبيع، فسوف تجسد الفصل الأخير في حياة الائتلاف المناهض لإيران، بحسب الصحيفة العبرية، إذ اعتمدت إسرائيل اعتماداً كبيراً على هذا الائتلاف، الذي اعتبرت نفسها عضواً غير رسمي فيه، لدرجة أن القاسم المشترك بين إسرائيل والسعودية أدى إلى تعاظم آمال تجديد علاقات السعودية بإسرائيل.
وربما تزيل العلاقات السعودية الإيرانية العراقيلَ أمام وجود قناة مباشرة بين جميع الدول العربية وإيران. يمكن رؤية أدلة على هذا في بيانات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي قال في الأسبوع الماضي، خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الإيراني: "العلاقات الجيدة مع إيران تعد مصلحة مهمة للأردن".
فعندما وصل جو بايدن إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، بدأ السعوديون إعادة النظر في سياساتهم الإقليمية. روَّج الملك سلمان بن عبد العزيز للعلاقات مع إيران، في أعقاب تراجع العلاقات بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس بايدن، بسبب اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وضغوط بايدن لوقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، لأن السعوديين يستخدمونها بالحرب في اليمن، إضافة إلى تجدُّد المفاوضات مع إيران، في فيينا، حول برنامجها النووي.
فسَّر النقاد السعوديون الأمر بأن المملكة أدركت أنها لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة، وأنه ينبغي لها تنويع علاقاتها الاستراتيجية وإعادة ضبط وضعها في الشرق الأوسط. إذ إن سلسلة من إخفاقات السياسة الخارجية أظهرت للسعوديين أن الحوار مع إيران كان ضرورياً؛ للحيلولة دون تحوُّل بلادهم إلى ساحة حرب دائمة، مما قد يضر الخطط الاقتصادية الكبيرة التي وضعها ولي العهد السعودي من أجل المملكة.
وكلما اقتربت المحادثات النووية من الوصول إلى اتفاقية، سوف تزيد معها حاجة السعودية إلى أن تتدارس مع إيران تأثير مثل هذه الاتفاقية على سوق النفط. يمكن لعودة إيران إلى سوق النفط أن تجرّد السعودية من عملاء كبار، وتؤدي إلى خفض أسعار النفط، وتضر بمصدر الإيرادات الرئيسي للمملكة. وربما تكون مخاوف السعودية مبالَغاً فيها؛ لأن الصين يُتوقع أن تبتاع غالبية النفط الإيراني بموجب اتفاقية استراتيجية وقَّعتها الصين مع إيران في مارس/آذار.
لكن السعودية لا تملك ضمانة بأن إيران لن تسعى إلى استعادة عملاء مهمين، مثل الهند وباكستان وكوريا الجنوبية واليابان. لدى إيران من جانبها مصلحة هائلة في عودة العلاقات مع السعودية، لأن مثل هذه الاتفاقية يمكن أن تعترف، ولو بصورة غير رسمية، بوضعها الخاص تجاه لبنان وسوريا واليمن والعراق. ومن ثم سوف تنفتح على البلاد العربية في الشرق الأوسط، التي كانت أغلبها حذرة من الدخول في علاقات ودية مع طهران، في ظل الضغوط الأمريكية الشديدة.
يجسد تجدد العلاقات الوثيقة بين إيران والسعودية في ظاهره ضربة قاسية في وجه إسرائيل. ليس فقط بسبب وجود خلاف جوهري بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت وبايدن فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني والاتفاق الذي تسعى واشنطن لإبرامه، بل كذلك لأن فقاعة الائتلاف العربي المناهض لإيران -التي ضخَّمها رئيس لبة\وزراء السابق بنيامين نتنياهو بالكلمات الرنانة- توشك أن تنفجر.
فلم تكن الطائرات السعودية ستنضم إلى هجوم مشترك منسق ضد إيران مع إسرائيل بدون موافقة الولايات المتحدة، حتى إن الإدارة الأمريكية في عهد ترامب أوضحت أنها كانت تتجه نحو الدبلوماسية وليس الحرب.
وقَّعت الإمارات على اتفاقية مع إيران منذ عامين، وهي خطوة لم تمنعها من توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل. وتعد قطر شريكاً تجارياً كبيراً لإيران. أما الأعضاء الآخرون لهذا الائتلاف، مثل مصر والأردن، فليسوا في الأساس إلا متفرجين، بحسب هآرتس.
إذ إن الدول العربية، لاسيما المملكة العربية السعودية، التي سعت لتعزيز مكانتها في واشنطن عن طريق الترويج لكفاحها المشترك ضد إيران، كان من الممكن أن تعتمد في عهد ترامب على الضغط الذي تمارسه إسرائيل، وإن لم يكن ناجحاً بدرجة كبيرة. أما الآن، فإنها تدرك أن المعركة ضد إيران لم تعد سلعة رائجة، وأن إسرائيل ليست إلا وسيطاً يتقاضى عمولات لكنه لا يقدم أي مزايا.