يعد القبض على سامي الجبوري الرجل الذي جعل داعش أغنى تنظيم إرهابي في التاريخ نقلة نوعية في الحرب على الإرهاب، في وقت تتزايد المخاوف من عودة تنظيم داعش في أماكن عدة.
ولم يسبق أن أسفر اعتقال أو تصفية إرهابي واحد عن تفكيك واحدة من أخطر شبكات الإرهاب في العالم، لكن القبض على سامي الجبوري يمثل بداية جيدة، حسب وصف تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
من هو سامي الجبوري الذي أعلن العراق القبض عليه؟
لم يكن سامي الجبوري نائب زعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في عهد الراحل أبو بكر البغدادي فحسب، بل كان أيضاً رجل المال، الذي استغل احتياطيات الوقود الأحفوري في العراق وسوريا لتأمين عمليات التنظيم، وفقاً لتقرير للصحيفة البريطانية.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أمس الإثنين، إلقاء القبض على سامي جاسم الجبوري، نائب الزعيم السابق لتنظيم "الدولة الإسلامية" أبو بكر البغدادي، في عملية "مخابراتية خارج الحدود". وتعتبر بغداد الجبوري "أحد أهم المطلوبين دولياً ومقرباً من اللجنة المفوضة لإدارة التنظيم ومقرباً من زعيم التنظيم الحالي" عبد الله قرداش.
وحسب بيان لخلية الإعلام الأمني التابعة لوزارة الداخلية العراقية فإن الجبوري "أحد أهم المطلوبين دولياً ومقرب من اللجنة المفوضة لإدارة التنظيم ومقرب من زعيم التنظيم الحالي" عبد الله قرداش. وتابعت أنه "شغل مناصب قيادية وأمنية ومالية داخل التنظيم"، من بينها منصب نائب أبو بكر البغدادي، "كما تولى أيضاً ما يسمى ديوان بيت المال في التنظيم ونائب والي دجلة".
وحددت واشنطن مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن "سامي جاسم محمد الجبوري الذي كان له دور فعال في إدارة الشؤون المالية لعمليات" تنظيم داعش بحسب برنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. وقال البرنامج إن الجبوري "كان يشغل منصب نائب داعش في جنوب الموصل في عام 2014″ و"شغل منصب وزير مالية داعش، حيث أشرف على عمليات المجموعة المدرة للدخل من المبيعات غير المشروعة للنفط والغاز والآثار والمعادن".
من المؤكد أنَّ القبض على الجبوري يمثل ضربة لـ"داعش"، لكن ليس الضربة القاضية التي كان سيمثلها اعتقاله في أوج قوة التنظيم.
كيف جعل الجبوري داعش أغنى تنظيم إرهابي في التاريخ؟
وساعدت العائدات التي ضخها في تحويل "داعش" إلى أغنى وأنجح مشروع إرهابي في التاريخ.
وهذه المكانة هي التي تجذب المجندين الجدد إلى التنظيم الذي أصبح اسمه علامة.
ويلفت تقرير الصحيفة البريطانية إلى أن أذرع "داعش" القائمة بذاتها في أماكن أخرى من العالم لا تعتمد على التنظيم الرئيسي للحصول على دعم مادي، لكنها تعتبره مصدر إلهام.
وجمع تنظيم "داعش" ثروته نتيجة سيطرته الواسعة على الأراضي في العراق وسوريا؛ التي مكنته بدورها من التوسع أكثر. وقد وجهت خسارة تلك المنطقة ضربة كبيرة إلى موارده المالية وقدرته على تنظيم صفوفه، ومع ذلك استمر رجال مثل الجبوري في الحفاظ على تدفق الأموال إلى خزائن التنظيم.
وفي أوج سلطة "داعش"، أنتجت الجماعة عائدات تقارب ملياري دولار سنوياً، معظمها من النفط، بالإضافة إلى جمع الضرائب من الملايين الذين يعيشون تحت سيطرتها. وفي حين أنَّ داعش فقدت "الخلافة" الأرضية الخاصة بها، إلا أنها لا تزال قوة نافذة. ويحذر القادة العراقيون بانتظام من خطر عودة الجماعة إلى مناطق العراق التي كانت تسيطر عليها سابقاً.
وأتاح الانسحاب العسكري الغربي من أفغانستان فرصة جديدة للجماعة للسعي إلى التوسع. ويتمثل أحد اهتمامات الغرب الرئيسة في الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع طالبان في منع "داعش" من استغلال فرصة الانخراط والنمو في أفغانستان.
عنف صدم زعيم القاعدة
وبرز تنظيم "داعش" لأول مرة من فرع القاعدة في العراق، وعاث فساداً وعنفاً في الأرض.
المفارقة أن العنف الذي أطلقه تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي انبثق منه داعش بلغ درجة صدمت حتى مؤسس التنظيم الأصلي، أسامة بن لادن، ولكن داعش كان أكثر شراسة من القاعدة في بلاد الرافدين.
واحتُفي بمقتل زعيم القاعدة باعتباره نقطة تحول في ما يسمى بالحرب على الإرهاب، لكن في غضون ثلاث سنوات من مقتله، رسّخت "داعش" نفسها في جميع أنحاء العراق وسوريا واستولت على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، إلى جانب ثلث البلاد.
واستغرقت القوات العراقية والأمريكية ثلاث سنوات لاستعادة الموصل، في عام 2017، وسنتين أخريين بعد ذلك لاسترجاع آخر منطقة مهمة من التنظيم الإرهابي، حيث انتحر البغدادي بحزام ناسف.
وكان الهجوم الانتحاري الأكثر دموية لداعش على أهداف غربية منذ ذلك الحين هو التفجير الانتحاري خارج مطار كابول أثناء الإجلاء السريع للقوات الأمريكية؛ مما أسفر عن مقتل 13 عسكرياً أمريكياً وما لا يقل عن 169 مدنياً أفغانياً. وتفرعات داعش ونفوذها الواسع جعلتها على الأرجح أنجح شبكة إرهابية في التاريخ؛ فقد صدَّرت اسم الجماعة إلى ما هو أبعد من أراضيها الأصلية. وصار يُنظَر إلى منطقة الساحل في إفريقيا على أنها واحدة من البؤر المثيرة للقلق لعودة ظهور "داعش" خارج البلدان التي ترسخت فيها لأول مرة.