إفريقيا تتغير بسرعة الصاروخ.. استراتيجية الصين في القارة السمراء تضع بايدن في مأزق

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/10/10 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/10/11 الساعة 04:57 بتوقيت غرينتش
استثمارات الصين في إفريقيا تواكب نمو القارة السمراء

عدد سكان إفريقيا 1.3 مليار نسمة، متوقع أن يتضاعفوا بحلول عام 2050، والنمو الاقتصادي في القارة يتسارع بوتيرة ثابتة، والصين لها استثمارات هائلة بينما تعتمد إدارة بايدن على نفس السياسة البطيئة غير المحددة.

وبحسب تحليل لمجلة Foreign Affairs الأمريكية بعنوان "إفريقيا تتغيّر… لكن الاستراتيجية الأمريكية لا تُواكبها"، فإن القارة السمراء لم تكن يوماً ضمن الأولويات الأساسية للولايات المتحدة على الإطلاق.

وعلى الرغم من أن الرؤساء السابقين بيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما قد دشنوا بعض المبادرات المؤثرة للمساعدة على إحراز التقدم في التجارة والصحة والطاقة وغيرها من المجالات، لكن تلك الإدارات لم تُكرّس لقارة إفريقيا سوى اهتمام محدود ومتقطع.

وكانت إدارة جو بايدن بطيئةً بالقدر نفسه في التعامل مع إفريقيا منذ البداية، فبعيداً عن استجابتها الدبلوماسية المركزة للحرب الأهلية المفجعة في إثيوبيا وبعض اللمحات في مجالات التركيز الأخرى مثل التجارة والاستثمار، لم تضع إدارة بايدن استراتيجيةً للتعامل مع القارة.

لكن التغييرات الكبيرة في التركيبة السكانية والاقتصاد والسياسة بدأت تكتسح إفريقيا، مما يعزّز فرص المشاركة الأمريكية الإيجابية هناك ويؤكّد على الحاجة للارتقاء بإفريقيا على قائمة أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، بحسب تحليل المجلة.

كيف تتغير إفريقيا؟

في خطابٍ ألقاه عشية الألفية الجديدة، وصف رئيس جنوب إفريقيا الأسبق تابو مبيكي القرن الحالي بـ"القرن الإفريقي" -وهو وصفٌ له ما يُبرّره. إذ من المتوقع أن ينمو تعداد سكان إفريقيا الحالي والبالغ 1.3 مليار نسمة، بنحو الضعف تقريباً بين عامي 2020 و2050، وهذا أسرع من معدلات نمو السكان في أي منطقةٍ أخرى من العالم.

ومن المتوقع أن تكسر نيجيريا بمفردها حاجز الـ400 مليون نسمة بحلول عام 2050، متفوّقةً بذلك على الولايات المتحدة في المركز الثالث كأكثر الدول من حيث تعداد السكان. كما أنّ سكان إفريقيا أكثر شباباً على نطاقٍ واسع مقارنةً بالمناطق الأخرى، مما يعني أنّ القارة ستمتلك قوةً عاملة كبيرة في المستقبل.

وربما أدّت جائحة كوفيد-19 إلى إضعاف النمو الاقتصادي على المدى القريب، لكن التوقعات بعيدة المدى إيجابيةٌ للغاية؛ إذ إنّ نمو السكان -خاصةً في المدن حيث يحدث الابتكار عادةً- وقدرة القارة الهائلة على الابتكار والإبداع ستُترجم إلى إمكانات اقتصادية هائلة.

رغم تأثير كورونا على اقتصاد القارة السمراء، إلا أن فرص النمو فيها هائلة/ رويترز

وعلاوةً على ذلك، فإن دول إفريقيا الـ54 قادرة على تشكيل كتلة سياسية قوية على الساحة الدولية، وقد بدأت تتجلى قدرتها المتزايدة على التحرك بشكلٍ جماعي -من خلال منطقة التجارة الحرة للقارة الإفريقية مثلاً. وإذا كانت الدول الإفريقية -وخاصةً أكثرها نفوذاً- قادرةً على توحيد صوتها بحق؛ فسوف تتحوّل إلى قوةٍ سياسية.

وتزيد هذه الاتجاهات السكانية والاقتصادية والسياسية جميعها من أهمية إفريقيا في عيون الولايات المتحدة. وإلى جانب تشجيع النمو والابتكار، تستطيع القارة أن تصير محركاً للتوسّع الديمقراطي -حتى داخل أماكن غير متوقعة مثل السودان وزامبيا-. وهذا من شأنه أن يدعم جهود الولايات المتحدة ودول العالم لعكس مسار التراجع الديمقراطي. كما أنّ الدول الإفريقية البارزة تُعتبر بمثابة حلفاء محتملين للولايات المتحدة في العديد من القضايا العالمية الأكثر إلحاحاً، مثل تغيّر المناخ.

هل يمكن أن تضع واشنطن إفريقيا على أولوياتها؟

إنّ تحسين مكان إفريقيا على قائمة أولويات أجندة السياسة الخارجية الأمريكية سيتطلّب إعادة التفكير في كيفية تصوّر القارة -جغرافياً وجيوسياسياً، إذ ترسُم غالبية أركان الحكومة الأمريكية خطاً بيروقراطياً خيالياً بين منطقة إفريقيا جنوب الصحراء وبين منطقة شمال إفريقيا، وتتعامل مع الأخيرة باعتبارها جزءاً من الشرق الأوسط الأوسع. لكن هذا التخطيط بات غير منطقي بشكلٍ متزايد.

إذ يتنقّل الناس، والبضائع، والأسلحة بكل حرية عبر الصحراء الكبرى، حيث أسهم فراغ السلطة داخل ليبيا مثلاً في عدم استقرار دول الساحل مثل تشاد ومالي والنيجر، مما يعني أنّ القارة الإفريقية بعبارةٍ أخرى هي كيانٌ واحد مترابط.

ويجب أن تُعيد واشنطن تصوّر فهمها الجيوسياسي لإفريقيا، وخاصةً فهمها لعدد الدول الإفريقية المرتبطة بالدول الخليجية على الجانب الآخر من البحر الأحمر. فعلى مدار العقد الماضي شهدت الروابط السياسية والاقتصادية بين دول القرن الإفريقي ودول الشرق الأوسط توسعاً كبيراً.

إذ زادت السعودية والإمارات وقطر استثماراتها المطلوبة بشدة في تلك المنطقة ومنطقة الساحل، لكن التنافس بين الدول الخليجية تم تصديره إلى منطقة القرن الإفريقي -وخاصةً الصومال، مما زعزع استقرار الأنظمة السياسية المتهالكة بالفعل.

الرئيس الصيني شي جين بينغ مع رئيس جنوب إفريقيا السابق جاكوب زوما /رويترز

وقد تأثّرت مسارات التعامل مع إثيوبيا والسودان -أهم أولويات بايدن في إفريقيا حالياً تقريباً- بمصالح دول الشرق الأوسط على نحوٍ كبير، حيث يخشى العديد من السودانيين أن تتعرّض ثورتهم، التي أطاحت بعمر البشير عام 2019، للسرقة على يد القوى الخارجية المُعارضة لقيام الديمقراطية في السودان.

وكان بايدن محقاً في استحداث منصب المبعوث الأمريكي الخاص إلى منطقة القرن الإفريقي، وتكليف الدبلوماسي المُخضرم جيفري فيلتمان بالمنصب. ويجب، بحسب Foreign Affairs، على إدارة بايدن تدعيم هذه الخطوة بتعزيز التعاون بين كافة الوزارات والوكالات البيروقراطية من أجل الارتقاء بجانبي البحر الأحمر إلى محور أولويات الأمن القومي.

وأخيراً، يجب على الولايات المتحدة أن تتخلّى عن الرواية القائلة إنّها تُحارب الصين على الريادة داخل إفريقيا، إذ لا خلاف على وجود عنصر التنافس الاستراتيجي الذي يُحفّز تحركات البلدين هناك، كما أنّ الخطوات الصينية تدعم الأنظمة الاستبدادية في القارة دون شك.

لكن تصوُّر وتأطير السياسة الأمريكية في إفريقيا على النحو التالي، كما فعل ترامب، يعني أن واشنطن تتعامل مع قارة تضم أكثر من 1.3 مليار شخص على أنّهم مجرد متفرجين وسط صدامٍ جيوسياسي أوسع نطاقاً لا يعنيهم في شيء.

كما يتجاهل هذا التصوُّر حقيقة مشاركة الصين داخل إفريقيا بطرقٍ لا تلجأ إليها الولايات المتحدة، من خلال تقديم القروض وغيرها من أشكال الدعم التي لا يُضاهيها أحد. وربما لا تصُب شروط تلك الصفقات في مصلحة الحاصلين على القروض والدعم، لكن الولايات المتحدة لم تعرض بديلاً في العديد من الحالات بكل بساطة، مما يجعل انتقاد السلوك الصيني تصرفاً أجوفاً.

وبالتالي فإن الولايات المتحدة، إن أرادت أن تكون لاعباً مؤثراً على الساحة الإفريقية، فعليها أن تُظهِر للأفارقة أنّها تكترث لأمرهم من أجل قيمتهم وإمكاناتهم الكامنة، وليس من أجل دورهم في لعبة التنافس بين القوى العظمى، مما سيعني التخلّي عن نقاط الحوار المستهلكة وتقديم بدائل منافسة للدعم الاقتصادي الصيني.

بايدن وسياسته الخارجية "غير الواضحة"

خلال حملته الانتخابية، تعهّد بايدن بأن تأتي القيم وحقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية. ومن أجل الوفاء بهذا الالتزام فيما يتعلّق بإفريقيا، يتعيّن على إدارته فعل الكثير وعدم الاكتفاء بإعادة تصوُّر فهمها للقارة. إذ يتعيّن على الإدارة إطالة الجدول الزمني لسياساتها، والتركيز على تقوية المؤسسات أكثر من الحفاظ على علاقاتها مع الزعماء المنفردين، حيث إنّ تعزيز قيمٍ مثل الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان هو مشروعٌ طويل الأمد.

لكن هذه الأهداف كثيراً ما يتم تأجيلها لحساب المصالح قصيرة المدى، خاصةً تلك المرتبطة بالأمن. فحين تلاعب زعماء غينيا وساحل العاج وجمهورية الكونغو ورواندا بطول فتراتهم الرئاسية في السنوات الأخيرة لتمديد حكمهم؛ جاء الرد الأمريكي صامتاً. وأصدرت واشنطن بيانات تمت صياغتها بحذر قبل أن ينقل الدبلوماسيون الأمريكيون مخاوفهم بالطبع خلف الأبواب المغلقة، لكن أولئك الزعماء لم يُواجهوا أي عواقب حقيقية لتعديهم على حدود فتراتهم الرئاسية.

وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن الأفارقة يدعمون على نطاقٍ واسع للغاية تحديد رئاسة زعمائهم بفترتين رئاسيتين. لكن المشرعين الأمريكيين ليسوا مستعدين للمخاطرة بتعطيل العلاقات الأمريكية مع أولئك الزعماء على المدى القريب (والاستقرار المفترض الذي يحفظونه) من أجل الدفاع عن نزاهة المؤسسات الديمقراطية الأمريكية.

كما تُظهر استطلاعات الرأي أيضاً أنّ غالبية الأفارقة يتشاركون نفس القيم التي تسعى إدارة بايدن لتأكيدها، مثل: دعم الديمقراطية، والانتخابات الحرة النزيهة، وحرية التنظيم، وحرية التعبير. لكن زعماء تلك الدول هم من لا يُؤمنون بتلك القيم في العديد من الحالات. وكثيراً ما تقف الولايات المتحدة في صف المستبدين بسبب شكوكها على المدى القريب في هوية من سيخلفهم، ومخافة الانتقال الفوضوي للسلطة، أو رغبةً في الحفاظ على الشراكات الأمنية.

لكن كلما طالت فترة بقاء الزعماء غير المحبوبين في السلطة؛ زادت فوضوية الانتقال السياسي في النهاية. لذا يجب على إدارة بايدن أن تتبنى استراتيجيةً متعددة السنوات للقارة، وأن تُبنى تلك الاستراتيجية على القيم التي يتشاركها الأمريكيون والأفارقة، وأن يكون لديهم ما يكفي من الصبر لإنجاح تلك الاستراتيجية.

والمقصود هنا هو مقاومة الإغراءات التي تسمح للمصالح قصيرة المدى بدفع واشنطن إلى القبول بالوضع الراهن الذي لا يتوافق بشكلٍ واضح مع مشاعر الرأي العام الإفريقي، مع الأخذ في الاعتبار أنّ الالتزام بالمبادئ الديمقراطية هو ما يُميّز الولايات المتحدة عن دول أخرى مثل الصين وروسيا في عيون العديد من الأفارقة، بحسب تقدير المجلة الأمريكية.

أمريكا أفغانستان القوات الأمريكية جو بايدن
الرئيس الامريكي جو بايدن/ رويترز

كما يجب على الولايات المتحدة أن ترتقي بالمؤسسات فوق الأفراد. وقد تعلّمت الولايات المتحدة هذا الدرس حين فعلت العكس. فحين حصل جنوب السودان على استقلاله عام 2011 مثلاً، اعتقد المشرعون الأمريكيون خطأً أنّ علاقاتهم قديمة العهد مع الساسة الأكثر نفوذاً في البلاد سوف تُمكّنهم من إقناع أولئك الساسة بالتنازل وقيادة البلاد نحو الاستقرار والديمقراطية. لكن زعماء جنوب السودان وضعوا مصالحهم الشخصية فوق مصالح الأمة في كل خطوة، ولم ينصاعوا للمطالبات الأمريكية.

والرهان الأفضل والأكثر أماناً الآن هو الرهان على المؤسسات التي تضبط تجاوزات السلطة التنفيذية، وتحفظ سيادة القانون، تفضح الكلِبتوقراطية (حكم اللصوص) -وهذه المؤسسات هي المحاكم والمجالس التشريعية ووسائل الإعلام واللجان التي تُركّز على الانتخابات ومكافحة الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان.

إذ ينسب العديد من مواطني جنوب إفريقيا الفضل إلى المحاكم ووسائل الإعلام -إلى جانب منظمات المجتمع المدني- في مساعدة البلاد على النجاة من فترة رئاسة جاكوب زوما الكارثية. ومنذ رحيل زوما عن السلطة عام 2018، واصلت سلطات جنوب إفريقيا التحقيق في أنشطة إدارته الفاسدة، مما تسبّب في سجن الرئيس السابق مؤخراً لمخالفته أوامر المحكمة -وهذا خير مثالٍ على المساءلة.

وتتلقى المؤسسات من هذا النوع معونةً أمريكية كبيرة لدعمها، لكن السياسة والدبلوماسية الأمريكية بحاجة إلى مواكبة التطورات. ويجب أن يستثمر المسؤولون البارزون قدر المستطاع في علاقاتهم مع تلك المؤسسات بقدر استثمارهم في علاقاتهم مع رؤساء الدول.

إفريقيا تظهر على الساحة العالمية

تُهيمن الدول المتقدمة على المحادثات الدائرة حول القوى التي تُشكّل عالمنا -بدءاً من تغيّر المناخ ووصولاً إلى التقنية والهجرة- رغم أنّ التأثير الحقيقي لتلك القوى لا يقتصر على مواطنيها فقط بل هو تأثير عالمي.

ويجب على الولايات المتحدة أن تضغط من أجل ظهور قيادات إفريقية داخل المؤسسات العالمية التي تُناقش تلك القضايا -قبل الاستماع بحق إلى ما يرغب الأفارقة في قوله. وهذه ليست مسألة شهامة من جانب الولايات المتحدة والدول القوية الأخرى.

الصحراء الغربية مجلس الأمن
هل يمكن أن تحظى أفريقيا بمقعد دائم في مجلس الأمن؟ / رويترز

إذ إنّ مشاركة الدول الإفريقية، المتأثرة بتغير المناخ، في الضغط من أجل الحلول سيخدم مصالح تلك الدول بزيادة الضغط على أكبر الدول المسؤولة عن التلوث. كما أنّ إشراك الدول الإفريقية في النقاشات المتعلقة بالعوامل التي تدفع إلى الهجرة، مثل قلة الفرص الاقتصادية، يخدم مصالحهم أيضا.

وإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل منح إفريقيا دوراً أكبر سيكون بمثابة خطوةٍ أولى جيدة. فمن الصعب أن يصل مجلس الأمن إلى مرحلةٍ من الخلل الوظيفي بالدرجة التي هو عليها الآن؛ لذا فإنّ الإصلاحات ستُوفّر عنصراً تشتد الحاجة إليه، مع التطرق إلى الطلب الإفريقي المهم بوجود مقعد دائم للقارة في مجلس الأمن.

تحميل المزيد