تصاعدت دعوات في أمريكا إلى تسليح المعارضين لطالبان، الذين يعتقد أن بقاياهم موجودون بشكل محدود في بعض مناطق البلاد، وذلك بهدف محاربة الإرهاب، ودفع الحركة للانصياع للمطالب الغربية.
وبينما تصر إدارة بايدن على صحة قرارها بالانسحاب من أفغانستان، فإنها تجنبت على مايبدو حتى الآن الضغوط والنصائح التي تدعو إلى تسليح المعارضين لطالبان.
وفي ظلِّ حكم طالبان، يخشى المراقبون الغربيون أن تتحوَّل أفغانستان إلى نقطة جذبٍ للإرهاب، كما كانت قبل 11 سبتمبر/أيلول. ويقدِّر كبار مسؤولي الاستخبارات الأمريكية أنه في غضون عام أو عامين، يمكن للقاعدة أن تعيد تجميع صفوفها.
ولا تزال حماية أمريكا من الإرهابيين، بما في ذلك تنظيم داعش، الذين يمكنهم استخدام أفغانستان كنقطة انطلاق لشنِّ هجمات ضد الغرب، مصدر قلقٍ لصناع القرار الأمريكي في واشنطن، حسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
ولكن كيف يمكن للولايات المتحدة أن تلبي هذه الأولوية بشكلٍ أكثر فاعلية للمُضيّ قُدُماً؟ الآن، بعد أن غادرت القوات الأمريكية تفكَّك الجيش الأفغاني، الذي درَّبه الأمريكيون وسلَّحوه لمدة 20 عاماً، تتراوح الخيارات فقط من سيئٍ إلى أسوأ.
الضربات الجوية الخيار المتوفر لأمريكا حالياً
أحد هذه الخيارات هو الضربات الجوية، والهجمات التي تُطلَق من بلدانٍ مجاوِرة، تلك الهجمات التي شنَّتها الولايات المتحدة بالفعل من قبل.
لكن مخاطر هذا التكتيك واضحة؛ في 29 أغسطس/آب، في مأساةٍ كبرى، قتل الجيش الأمريكي 10 مدنيين أفغان أبرياء، بينهم سبعة أطفال، لأن أفراده لم يتمكَّنوا من التمييز بين عامل إغاثة وعضوٍ في تنظيم داعش. بالطبع ليست كلُّ العمليات غير موثوقة، وفي الواقع يمكن أن تكون دقيقة وفعَّالة بصورةٍ لا تُصدَّق، لكنها تتطلَّب استخباراتٍ محلية وتطويراً صبوراً، وهو ما لم يكن لدى الجيش الأمريكي في تلك الضربة يوم 29 أغسطس/آب.
سياسيون أمريكيون يدعون إلى تسليح المعارضين لطالبان
قدَّم السيناتور ليندساي غراهام والنائب مايك والتز، إلى جانب عددٍ متزايد من المُشرِّعين الأمريكيين المحافظين، خياراً آخر، ألا وهو تسليح ما يسمَّى المقاومة الأفغانية.
قال والتز: "سوف نقود ذلك من داخل الكونغرس إذا رفض البيت الأبيض والإدارة". وفي غضون ذلك، كان غراهام نشطاً في جهود لحشد الدعم في واشنطن لأمر الله صالح، نائب الرئيس الأفغاني السابق الذي يوصف في بعض الدوائر الغربية بزعيم المعارضة الأفغانية.
وبصرف النظر عن الدوافع السياسية لغراهام ووالتز، يمكن للمرء أن يرى لماذا تبدو فكرة توفير الأسلحة للأفغان الذين يمكنهم كبح جماح طالبان ومحاربة الإرهاب جذَّابة.
يتمثَّل الافتراض في أنه من خلال ممارسة الضغط العسكري على طالبان من خلال الأحزاب المحلية، يمكن السيطرة على أسوأ اتجاهات الجماعة. وبشكلٍ أكثر تحديداً، قد يدفع هذا النفوذ الجماعة إلى التعاون بشكلٍ هادفٍ في مكافحة الإرهاب والسعي إلى حوكمةٍ أشمل.
سيهدف تسليح المقاومة الأفغانية أيضاً إلى تنمية شركاء محليين على الأرض يمكنهم تزويد الولايات المتحدة بذكاءٍ بشري بالغ الأهمية، وبالتالي تمكين عمليات أكثر فاعلية.
إنهم يراهنون على أن المعارضة الأفغانية سوف تحمي حقوق المرأة
أخيراً، يُفتَرَض أن مساعدة فصيلٍ أفغاني يعارض تطرُّف طالبان ويدعم حقوق المرأة ظاهرياً تساعد في التكفير عن خطايا الولايات المتحدة وحماية الاستثمارات السابقة في التنمية البشرية الأفغانية.
ومع ذلك، فإن أياً من هذه الحجج مقنعة، حسب تقرير مجلة Foreign Policy.
وكانت حركة طالبان أكدت في 7 سبتمبر/أيلول الماضي، سيطرتها بشكل كامل على وادي بنجشير الذي يقع على مسافة 80 كيلومتراً من كابول، وكان آخر معقل للمعارضة المسلحة ضد طالبان، محذرةً من "أي تمرد ضدها".
وفرّ أحمد مسعود، نجل وخليفة الزعيم الأفغاني الراحل أحمد شاه مسعود، ونائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، اللذان قادا "مقاومة" لمدة قصيرة في وادي بنجشير، عبر الحدود في الأسابيع الأخيرة بعد فشل جهودهما في التصدي لطالبان.
التجربة تثبت أن الضغط يأتي بنتيجة عكسية مع طالبان
تقول المجلة الأمريكية: "لقد أظهرت خبرة أفغانستان، التي امتدَّت على مدار عشرين عاماً، بوضوح أن الضغط العسكري ضد طالبان لم ينجح في ترويضها ولو قليلاً، أو حتى في إجبارهم على قطع العلاقات مع القاعدة".
إن قضية تسليح المتمرِّدين الأفغان المحليين في الظروف الحالية، فيما بعد الانسحاب الأمريكي، لا تستند فقط إلى افتراضاتٍ مشكوك فيها، بل أيضاً محفوفة بمخاطر هائلة، حسب المجلة الأمريكية.
إذا اتَّبَعَت واشنطن هذه السياسة، فإن المسؤولين الأمريكيين بذلك يكادون يضمنون عودة الحرب الأهلية في أفغانستان.
ورغم هزيمة القوات الأفغانية المدججة بالسلاح الأمريكي في أسابيع قليلة، ترى المجلة الأمريكية أنه يمكن للولايات المتحدة هزيمة طالبان عسكرياً بالوكالة بمستوى الدعم المناسب، لكنها لن تكون قادرةً على اجتثاثهم أو كسب السلام.
وتضيف: "قد يجادل البعض بأن المأزق بين طالبان والمقاومة الأفغانية سيكون كافياً. لكن غياب القوات الأمريكية على الأرض سيصعِّب الأمر للغاية نظراً لتصميم طالبان على إقامة حكمٍ بلا منازع".
من الجدير أيضاً تعلُّم الدروس من التاريخ. وجدت دراسةٌ داخلية لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من السنوات السابقة أن تسليح المتمرِّدين نادراً ما ينجح بالفعل، وكان النهج أقل فاعليةً بدون أيِّ دعمٍ أمريكي مباشر على الأرض. بالطبع نجحت المساعدة الأمريكية للمجاهدين الأفغان في طرد الجيش السوفييتي من أفغانستان في الثمانينيات دون وجودٍ عسكري أمريكي مباشر، لكن واشنطن اعتمدت على ضباط استخبارات باكستانيين شاركوا مع المجاهدين الأفغان لإنجاح ذلك.
إذا سلَّحَت الولايات المتحدة الأفغان اليوم، فسوف تكشف باكستان دعمها لطالبان حتى تستعيد السيطرة. وآخر ما تحتاجه واشنطن في أفغانستان هو علاقةٌ أكثر توتُّراً مع إسلام آباد.
والمعارضة التي يراهن عليها الأمريكيون متورطة في خطف واغتصاب النساء
وحتى لو نجح المقاتلون الأفغان في وادي بنجشير في منع طالبان من الاستيلاء على أراضيهم بمساعدة الجيش الأمريكي، فلن يؤدِّي ذلك بأيِّ حالٍ من الأحوال إلى تعزيز حقوق الإنسان أو تحسين حياة النساء في كابول.
علاوة على ذلك، ليس من الواضح تماماً من هم هؤلاء المتمرِّدون الذين يطلبون الدعم الأمريكي. إنهم ليسوا طالبان، لكن هذا لا يعني أنهم مواطنون نموذجيون أيضاً.
وفقاً لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمفتِّش العام الأمريكي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، فإن بعض (وليس كل) هذه الميليشيات تتصرَّف بشكلٍ مُفزِع، وقد اغتصبت نساءً واستخدمت العنف ضد الأقليات العرقية، وسرقت الأراضي، وحوَّلَت الصبية القُصَّر إلى جنود. ومع غياب أفرادٍ أمريكيين على الأرض، كيف إذاً يمكن لواشنطن فحصهم وفرض سيطرتها عليهم بمجرد أن تسلِّحهم؟
وبنفس القدر من الأهمية، هل تريد إدارة بايدن إرسال أسلحة أمريكية متطوِّرة إلى مكانٍ يعجُّ بالإرهابيين الذين يمكنهم الاستيلاء على هذه الأسلحة؟ هناك بالفعل الكثير من الأسلحة التي خلَّفها الأمريكيون كان من المفترض أن يستخدمها الجيش الأفغاني، ولكن طالبان استولت عليها الآن. وسيؤدِّي الانتشار الإضافي للأسلحة إلى زيادة عسكرة المجتمع الأفغاني، وسيسمح بمزيدٍ من أمراء الحرب العدوانيين، ويفاقم الأزمة الإنسانية السيئة.
لا يشير أيٌّ من هذا إلى أن حكم طالبان سينتج السلام أو يقضي على الإرهاب المنبثق من أفغانستان. وهو لا يعني أن على واشنطن أن تتسامح مع ما ثبت من سوء سلوك وخيانة طالبان، حسب تعبير المجلة الأمريكية.
ولكن هناك أدوات أخرى، بما في ذلك الدبلوماسية الإقليمية، وفن الحكم الاقتصادي، والضرب عن بُعد المُصمَّمة بشكلٍ أفضل، لمحاولة التأثير على سلوك طالبان وتحقيق أهداف أمريكية طويلة المدى.
إن تسليح المتمرِّدين الأفغان لا يشكِّل استراتيجيةً أفغانية شاملة تحتاجها الولايات المتحدة بشكلٍ مُلِح. إنه أسلوبٌ يبعث على الشعور بالسعادة أكثر من أيِّ شيءٍ آخر. لقد تسبَّبَت الولايات المتحدة في معاناةٍ لأفغانستان بما يكفي، وأقل ما يمكن أن تفعله حكومة الولايات المتحدة هو ألا تجعل الوضع أسوأ.
اللافت أن الأطروحات الأمريكية في التعامل مع طالبان تقوم على إما مساعدة المعارضة أو معاقبة طالبان، وهي ترجح افتراض أن طالبان ستنكث بتعهداتها في حين أن الحركة الأفغانية التزمت بتعهداتها للأمريكيين رغم أنها كانت في موقف أقوى، وأرسلت إشارات قوية لهم برغبتها، والانضمام للمجتمع الدولي، وقد تعاونت طالبان مع أمريكا في حماية المطار وإجلاء العالقين به والحرب ضد داعش لدرجة أن قادة عسكريين أمريكيين كباراً لم يستبعدوا أن يكون هناك تعاون مستقبلي بين واشنطن وطالبان ضد داعش.
ولكن ما لا يلفت إليه الأمريكيون هو أن المشكلة تكمن فيما ستقدمه واشنطن في مقابل هذا التعاون، الذي تريده الحركة، خاصة أن الحركة يوجد بينها وبين داعش عداء شديد، وهي بطبيعة وجودها على الأرض، وصلابة مقاتليها الذي ظهر في الحرب مع الأمريكيين الأقدر على محاربة داعش.
كما أن الحركة رغم عدم تبرُّئها من تنظيم القاعدة، فإنها كانت واضحة في رغبتها في فصل نفسها عن مشروع القاعدة العابر على الحدود ورغبتها في التركيز على أجندتها المحلية، وهو أمر بدا واضحاً في علاقة الحركة مع دول الجوار الذين كانوا خصوماً سابقين لها خاصة إيران وأيضأً روسيا والصين والهند.