مصير المساعدات الأجنبية للأردن يمثل المسألة الأكثر للقلق لعمان بعد تسريب بيانات وثائق باندورا بشأن شراء العاهل الأردني الملك عبد الله عقارات في عواصم غربية.
يعيش الأردنيون في ضائقة بائسة، ويعتمدون على مبالغ ضخمة من المساعدات الخارجية، لذا فإن ما تم تسريبه حول أملاك الملك ليس أمراً عادياً، سواء للشعب الأردني أو المانحين الأجانب.
بحسب البيانات المُسرَّبة في وثائق باندورا، اشترى الملك عبد الله الثاني ملك الأردن سراً منازل فاخرة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تتجاوز قيمتها الإجمالية 100 مليون دولار.
قد يبدو هذا طبيعياً إلى حد ما بالنسبة لحاكم عربي، لكن الأردن يختلف عن دول الخليج الغنية. إذ يفتقر الأردن إلى احتياطيات النفط والموارد المائية الكافية، ويعيش حوالي 16% من سكانه في فقر، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft.
وعلّق العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الإثنين 4 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على تسريب "وثائق باندورا" التي أظهرت أنه استخدم حسابات خارجية لشراء عقارات باهظة الثمن خارج المملكة، وقال إنه "لا يوجد ما يتم إخفاؤه".
الملك، خلال زيارة مقررة سلفاً لمنطقة نائية التقى خلالها بزعماء عشائر، قال: "هنالك حملة على الأردن، ولا يزال هنالك من يريد التخريب ويبني الشكوك".
المشكلة الكبرى في تأثير التسريب على المساعدات الأجنبية للأردن
ويعتمد الاقتصاد الأردني اعتماداً كبيراً على المساعدات الخارجية، التي يتلقى الكثير منها للمساعدة في دعم ملايين اللاجئين الذين فروا من الصراعات المتتالية التي عصفت بالشرق الأوسط؛ وبالأخص الفلسطينيين والعراقيين والسوريين. وبسبب فقر السكان المحليين، فضل ملوك الأردن تجنب التباهي بالثروات التي قد يجدها المواطن الخليجي أقل إثارة للقلق، حسب وصف الموقع الأمريكي.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يجتمع مع رئيس البنك الدولي، ويطلب المزيد من الدعم المالي لاقتصاد بلاده المنهك، في وقت قريب قبل كشف مجموعة الوثائق المسربة، حسب تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية.
يقول تقرير الموقع الأمريكي: إنَّ الكشف عن أنَّ الملك عبد الله قد كدّس سراً عقارات في بعض أغلى المدن في العالم يتناقض مع جهوده لتكوين صورة قائد مسؤول وقريب من شعبه. إذ يظهر عبد الله وزوجته الملكة رانيا وأطفالهما الأربعة باستمرار على الشبكات الاجتماعية بوصفهم عائلة عادية: حيث تميل صفحة الملكة رانيا على الإنستغرام إلى تسليط الضوء على عملها الخيري، وكذلك صور عائلتها بملابس غير رسمية.
وبالإضافة إلى الحاجة إلى تجنب ظهور الثروة علناً أمام عيون السكان الذين يعانون من ضائقة، فإنَّ الإدارة الدقيقة لصورة العائلة تعكس على الأرجح حقيقة أنَّ الملك عبد الله يكافح لملء مكان والده الملك حسين، الذي حكم الأردن من عام 1952 إلى 1999. واستطاع الملك حسين العبور بالأردن العديد من التحديات، بما في ذلك حربان مع إسرائيل في 1967 و1973، وحرب أهلية قصيرة ضد منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1970، ومعاهدة سلام نهائية مع إسرائيل أثارت عداوة شعبه لكنها أكسبته مساعدات عسكرية أمريكية بملايين الدولارات سنوياً. يُذكر الملك حسين باعتزاز في الأردن كرجل شعب وأردني حقيقي.
وتمثل وثائق باندورا أحدث تحدٍّ لملك الأردن المُحاصَر بالمشكلات. فقد قضى فيروس كورونا المستجد على صناعة السياحة المربحة في الأردن، وارتفعت معدلات البطالة.
ووفقاً للبنك الدولي، انكمش الاقتصاد الأردني انكماشاً طفيفاً في العام الماضي، في حين ارتفعت البطالة إلى 25%. وتنقسم الدولة التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة بين طبقة صغيرة من الطبقة المتوسطة والعليا تربطها علاقات وثيقة بالحكومة، وجماهير فقيرة تعيش في الأحياء الفقيرة بالمدينة والقرى النائية ومخيمات اللاجئين.
وفي خضم ضغوط فيروس كورونا المستجد، شهد أبريل/نيسان 2021 تحدثت السلطات عن محاولة انقلاب جوبهت بفرض الإقامة الجبرية على الأخ غير الشقيق للملك حمزة، واعتقال اثنين من الشخصيات البارزة المقربين من العرش، الذين انتقدوا النخبة الأردنية بسبب الفساد، لكنهم لم يذكروا اسم الملك عبد الله تحديداً.
من جانبها، لم تتحدث وسائل الإعلام الأردنية، التي يسيطر التاج على معظمها، عن الكشف المتعلق بحيازات الملك الأجنبية. وبدلاً من ذلك، ووفقاً لصحيفة "الغد" الأردنية، التقى الملك بالعديد من الشيوخ والوجهاء يوم الإثنين، 4 أكتوبر/تشرين الأول، ليقول إنَّ "هناك حملة على الأردن ولا يزال هناك من يريد التخريب وإثارة الشكوك. وليس هناك ما أخفيه".
ونفى الملك عبد الله بغضب ارتكاب أية مخالفات، قائلاً إنَّ المنازل ظلت سرية بسبب مخاوف أمنية وإنه اشتراها بأموالٍ شخصية.
وجاء في بيان للديوان الملكي الهاشمي، يوم الإثنين، أنَّ "أيْ مزاعم تربط هذه الممتلكات الخاصة بأموال أو مساعدات عامة لا أساس لها من الصحة ومحاولات مُتعمّدة لتشويه الحقائق".
ووصف البيان أية اقتراحات من هذا القبيل بأنها "تشهيرية ومُصمَّمة لاستهداف سمعة الأردن بالإضافة إلى مصداقية جلالة الملك".
هل توقف الدول المانحة المساعدات؟
وفي هذا الصدد، علَّق المحلل الأردني لبيب قمحاوي قائلاً إنه بالنظر إلى التعتيم الإعلامي ونقص استخدام الإنترنت بين أفقر الناس، فإنه لا يرى أيْ تهديد مباشر تمثله هذه التسريبات على الملك للوقت الحالي؛ لكن في حال انتشر خبر الفضيحة فسيكون ذلك "مدمراً للغاية" على الصعيد المحلي.
لكنه قال إنَّ الأمر الأكثر إثارة للقلق أن هذه الأنباء قد تُغضِب الدول المانحة. فبحسب وكالة الأنباء الأردنية الرسمية (بترا)، تلقت البلاد حوالي 5 مليارات دولار من المساعدات الخارجية العام الماضي، سواء في شكل مساعدات غير مشروطة للميزانية أو منح مخصصة لأهداف معينة. وأكثر من ربع هذه الأموال جاء من الولايات المتحدة وحدها.
وأضاف القمحاوي: "لا بد أنَّ ذلك سيؤثر في قدرة الأردن على طلب المساعدة بسهولة".
ولا تزال الولايات المتحدة أكبر مصدر للمساعدات الخارجية للأردن، يليها البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ودول الخليج الثرية المختلفة، التي تعتمد على الأردن لإيواء اللاجئين ومنعهم من محاولة دخول أوروبا أو الخليج.
ولكن الموقع الأمريكي يرى أنه من غير المرجح أن تخفض أي من هذه الدول أموال مساعداتها نتيجة للبيانات المُسرّبة.
من جانبه، قال ديف هاردن، المسؤول الكبير السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمرشح الحالي للكونغرس بصفته عضواً ديمقراطياً في ولاية ماريلاند: "لن يغض أحد الطرف عن هذا"، مشيراً إلى أنه يتصور حتى إنَّ سوء الإنفاق يمكن أن يؤدي إلى دعوات لفرض مزيد من الرقابة على المساعدة الأمريكية المستقبلية للأردن.
إنه حليف قوي للغرب
وبصفته حليفاً استراتيجياً للغرب ويرتبط باتفاق سلام مع إسرائيل، يظل الأردن أهم من أن يتخلى عنه المجتمع الدولي. ووصف الرئيس جو بايدن الملك عبد الله هذا العام بأنه "صديق مخلص ومحترم".
ولم يُعلِّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس تحديداً على ممتلكات الملك عبد الله العقارية، لكنه قال: "عندما يتعلق الأمر بمساعدتنا للأردن، فإننا نساعد في تحسين حياة الشعب الأردني منذ أكثر من ستة عقود. ونراقب ونقيِّم جميع برامج المساعدة بعناية للتأكد من تنفيذها وفقاً للغرض المقصود منها".
وأضاف برايس أنَّ المساعدات الأمريكية للأردن تصب في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة؛ لأنها تساعد البلاد على تأمين حدودها وتعزيز الاستقرار والمشاركة في مواجهة تنظيم الدولة "داعش".
البديل للوقف هو تعزيز الرقابة
في حين أشار المرشح الديمقراطي ديف هاردن إلى أنَّ إساءة استخدام المساعدات ومعاونة القادة الفاسدين بدلاً من الأشخاص العاديين هما من أكثر مثارات القلق في المهنة. ولتجنب ذلك، أوضح أنه غالباً ما تُخصَّص الأموال لمشروعات تنموية محددة وتخضع لإشراف محكم.
وتوقع هاردن فرض "مراجعة جادة" على أية مساعدات غير مشروطة للأردن، لكنه يتوقع أيضاً استمرار تدفق الأموال إلى البرامج بضمانات مشددة.
ومع ذلك، قال إنَّ الإفصاحات المذكورة في وثائق باندورا تبدو سيئة للملك، منوهاً إلى أنها "تتعارض مع جوهر ما نحاول تحقيقه".