يشكو موظفون في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" من تشديدات تفرضها الوكالة الأممية، حول استخدامهم مصطلحات وطنية، ومرتبطة بقضيتي "اللاجئين" و"حق العودة".
من تلك المصطلحات، التي يُحظر استخدامها في المواد التعليمية الإلكترونية، التي يعدها معلمو "أونروا"، أسماء المدن الفلسطينية المُحتلّة منذ عام 1948 كـ"القدس، ويافا، وحيفا، وعكا"، فضلاً عن حظر استخدام بعض الآيات القرآنية التي تنصّ على "الجهاد" أو تصف "المنافقين".
ويأتي هذا "الحظر" وغيره من الإجراءات بعيد قرار الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن إعادة تمويل الأونروا عبر "اتفاقية إطار عمل" جديدة في 14 يوليو/تموز 2021، وقع عليها المفوّض العام للأونروا مع وزارة الخارجية الأمريكية، تتضمن شروطاً سياسية مشددة على إعادة الدعم كما يقول الفلسطينيون.
"شروط قاسية" لإعادة الدعم الأمريكي للأونروا
وتقول فصائل فلسطينية ومنظمات حقوقية أخرى نظمت العديد من الفعاليات مؤخراً لرفض الاتفاق، إنه "يجعل من الأونروا، مؤسسة أمنية تابعة لواشنطن، ويضع العديد من الشروط لنيل التمويل الأمريكي لوكالة الغوث".
وتبين تفاصيل الاتفاق، بحسب المكتب التنفيذي للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وجود "شروط خطيرة"، تفرضها واشنطن على الوكالة مقابل استعادة التمويل، وهو ما يأتي ضمن سعي واشنطن "لتصفية الوكالة، وإنهاء ملف اللاجئين".
فبموجب المادة 301 (ج) من القانون الأمريكي للمساعدات الخارجية لعام 1961، تقوم الولايات المتحدة بإعادة تعريف اللاجئ "اللائق" للاستمرار في تلقي الخدمات من وكالة الغوث. تنص هذه المادة على أنه "لا يجوز تقديم تبرعات من الولايات المتحدة إلى الأونروا إلا بشرط اتخاذ التدابير الممكنة لضمان عدم استخدام أي جزء من المساهمة الأمريكية لتقديم المساعدة إلى أي لاجئ يتلقى تدريباً عسكرياً بوصفه عضواً في فيما يسمى جيش التحرير الفلسطيني، أو أي منظمة حرب عصابات أخرى، أو أي شخص أو جسم شارك/يشارك في أي عمل إرهابي"، بحسب التصنيفات الأمريكية.
كما أن "اتفاق الإطار" هذا يتضمن نصاً آخر ملزماً للأونروا تم اقتباسه من قانون ما يُعرف بالإدارة الفيدرالية للسكان، واللاجئين، والمهاجرين ينص على "إلزام الأونروا بعدم تقديم المساعدة الإنسانية، أو أي شكل من الدعم للاجئين والمؤسسات/المنظمات الفلسطينية المصنفة إرهابية بحسب القانون الأمريكي".
وتفرض اتفاقية التعاون المذكورة أعلاه على وكالة "الأونروا" تنفيذ عدد من الإجراءات كعمليات الفحص والتدقيق لموظفيها والمنتفعين من خدماتها والمتعاقدين معهم والموردين والمانحين كل ستة أشهر. كما أن عمليات الفحص والتدقيق ستطال أيضاً منشورات موظفي الوكالة على وسائل التواصل الاجتماعي للتأكد من التزامهم بـ"مبدأ الحيادية"، وعلى الأونروا أن ترفع تقاريرها بشكل دوري إلى واشنطن.
ويقول الفلسطينيون الرافضون لهذه الاتفاقية إن الأونروا قامت بتوقيف عدد من موظفيها عن العمل مؤخراً بسبب ارتباطهم بالأحزاب السياسية الفلسطينية، أو بسبب منشورات لهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي المحصلة، ستؤدي تلك الإجراءات والتزام الأونروا بتنفيذها إلى حصر اللاجئين الفلسطينيين في أولئك الذين تنطبق عليهم معايير الأونروا لتلقي الخدمات، الأمر الذي يشكّل تكراراً لما نصت عليه خطة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، والتي حاولت بدورها إعادة تعريف اللاجئين المستحقين لخدمات الأونروا.
"استهداف للقيم الوطنية والإسلامية"
في السياق، يستنكر مسؤول في اتحاد الموظفين العرب في "أونروا"، عدم وجود معايير واضحة لمبادئ الحيادية لدى "أونروا"، حيث باتت "تمسّ القيم الوطنية والإسلامية سواء في قطاع غزة، والضفة الغربية".
ويقول محمد شويدح، أمين سر الاتحاد، في حديث خاص لوكالة الأناضول، إن مبادئ الحيادية، التي تطالب بها "أونروا"، غير واضحة أو محددة، وفضفاضة.
وأضاف أن اتحاد الموظفين يؤيد تحلّي أونروا بمبادي الحيادية، ومستعد للالتزام بها، شرط أن تكون واضحة، ولا تمس المبادئ الوطنية والإسلامية. واستكمل قائلاً: "نحن مع أونروا، ومع تطبيق الحيادية، وكنا مشاركين دوماً في هذا الموضوع، لكن أن يتجاوز الأمر ليصل إلى القيم الوطنية والإسلامية، فهذا غير مقبول".
وأوضح أن "أونروا"، ومن خلال تجربة الاتحاد، تُصنّف المواضيع التي تخص كلاً من "اللاجئ الفلسطيني، والقضية الفلسطينية، وحق العودة"، على أنها مواضيع "تمسّ الحيادية".
وتابع: "مثلاً طلبت منا أونروا استبدال سؤال حسابي حول المسافة التي تبعد فيها مدينة حيفا (شمال) عن القدس، بالمسافة بين مدينتي غزة وخانيونس". وبررت "أونروا"، للاتحاد، ذلك الطلب بأن "مدن حيفا والقدس غير فلسطينية، وذكرهما يعدّ اختراقاً للحيادية".
وعبّر عن رفض قبول الموظفين والمعلمين في "أونروا"، لهذه المبادئ التي تخالف "الأسس التي نشأت من أجلها أونروا، والتي تضم مئات الآلاف من اللاجئين المهجرين من مدن كحيفا وعكا ويافا".
وفي ذات السياق، قال شويدح إن "أونروا" وضعت "بعض القيود على استخدام بعض الآيات القرآنية، واعتبرت ذكرها خرقاً للحيادية، وهذه الاستجابة جاءت بناءً على ضغوط إسرائيلية".
ولَام شويدح "أونروا" على "الاستجابة المتكررة للضغوط الإسرائيلية وإن كانت على حساب القيم الوطنية والإسلامية". لكنه قال إن هذه الاستجابة لا تنفي دور "أونروا" العريق في كونها الشاهد الوحيد على قضية اللجوء الفلسطينية والمساعدات التي قدّمتها للاجئين منذ وجودهم.
التدخل في المناهج الفلسطينية بضغوط إسرائيلية
وطالب شويدح "أونروا" بتدريس المنهاج الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، دون أي تدخل، كما تفعل في الدول العربية الأُخرى المضيفة.
وقال في هذا السياق: "أونروا تتبع البلد المضيف، ففي الأردن يتم تدريس المنهاج الأردني، وكذلك في لبنان وسوريا، لذا عليها احترام المنهاج الوطني الفلسطيني والبلد المضيف لها وعدم التغيير فيه".
وأوضح أن "أونروا" تُغيّر وتحذف بعض الدروس والمواضيع في المواد الإثرائية، التي يعدّها معلموها، والتي من المفترض أن تعكس المنهاج الفلسطيني.
وأردف قائلاً: "هناك درس في كتاب للصف الثالث في المرحلة الابتدائية، اسمه (حيفا والنورس)، وحيفا هنا اسم فتاة، طلبت أونروا إقصاء هذا الدرس من المواد الإثرائية، لوجود اسم حيفا".
وأشار إلى أن هذا الدرس كان ضمن الكتاب الرسمي في المنهاج، والمادة الإثرائية انعكاس وشرح لهذا الكتاب، ولا يمكن "التدخل في وضعه".
الأونروا وطمس قضية اللاجئين الفلسطينيين
وقال شويدح إن تشديد "أونروا" على منع استخدام المصطلحات الوطنية يأتي جرّاء ضغوط تتعرض لها من مؤسسات "صهيونية"، ودولية، تراقب عملها خاصة في ظل إتاحة المواد عبر شبكة الإنترنت؛ خلال التعليم الإلكتروني.
وأردف قائلاً: "أونروا في موضوع الحيادية ليست مبادرة، بل تتعرض لضغوط لتغيير المنهاج الفلسطيني، وملاحقة المعلمين، واستجابتها لذلك مجرد رد فعل".
ويعتقد أن هذه الهجمة الإسرائيلية على وكالة "أونروا"، تأتي في إطار رغبة إسرائيل بطمس أقوى "شاهد على قضية اللاجئين الفلسطينيين".
واستكمل قائلاً: "سبق وأن حاولت إسرائيل عام 2018 تغيير مسمى وتعريف اللاجئ واقتصاره على الأفراد الذين هُجروا من أراضيهم عام 1948؛ دون إلحاق هذا الوصف بأبنائهم وأحفادهم الذين لم يعايشوا عملية التهجير".
كما ذهبت إسرائيل -وفق شويدح- إلى الضغط باتجاه تقويض "عمل المؤسسة من خلال السعي لوقف تمويلها من الدول الكبيرة، وملاحقتها في مناهجها وموظفيها".
وأشار إلى أن "أونروا" أوقفت عدداً من موظفيها عن العمل، مؤقتاً، حتى انتهاء تحقيقاتها فيما يتعلق بتقرير رفعته منظمة رقابية دولية، واتهمهم باختراق الحيادية.
ولفت شويدح إلى وجود جهات خارجية تراقب أداء "أونروا"، وموظفيها، ويلاحقونهم فيما ينشرونه عبر وسائل التواصل الاجتماعي من التعبير عن رأيهم فيما يتعلق بالقضايا الوطنية.
كما طالب شويدح "أونروا" بمحاسبة إسرائيل على اختراقها لقيم "الحيادية والإنسانية"، من خلال قتلها للأطفال الفلسطينيين المسجلين في الوكالة ويتعلمون في مدارسها، وآخرهم حسن أبو النيل (12 عاماً)، الذي قتل برصاص إسرائيلي نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، خلال مشاركته باحتجاجات قرب حدود غزة.
وأردف قائلاً: "هل المحاسبة يجب أن تكون للشعب الذي وقع عليه الظلم، هل توجّه للناس التي ولدت وعاشت وكبرت وماتت داخل المخيمات دون أن تعرف كيف الحياة خارجها؟".
تصنيف الوضع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين
في السياق، يقول شويدح إن اتحاد الموظفين العرب يرى أن خدمة "أونروا" تُقدّم للفلسطيني على "أساس اللجوء فقط"، وليس على أساس الحيادية أو حتى الفقر. وأردف قائلاً: "تقديم الخدمة على أساس الحيادية يعني أن أونروا ستقوم بعمل استخباراتي وبحث ميداني".
واستنكر تقديم "أونروا" لخدماتها على أساس التصنيف الاجتماعي للاجئين لقوائم "الفقر"، و"الفقر المدقع"، لافتاً إلى أنه من حق أي لاجئ تلقّي هذه الخدمات أياً كان وضعه الاجتماعي والاقتصادي.
ومطلع أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إعادة الدعم المالي لنشاطات "أونروا" بـ 150 مليون دولار بشروط، بعد سنوات من وقفه على يد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في أغسطس/آب 2018.
بماذا ترد الأونروا؟
بدوره، ينفي عدنان أبو حسنة، المتحدث باسم "أونروا" في غزة، وجود معايير خاصة لمبدأ "الحيادية" لدى أونروا. وقال لوكالة الأناضول: "إنها معايير وقيم الأمم المتحدة، وأونروا جزء من المنظومة الأممية، وهي ملتزمة بالحيادية وقيم العدالة الإنسانية، والقانون الإنساني الدولي، وعدم زرع الكراهية".
وأضاف: "أونروا تطّلع على المواد الإثرائية التي يتم تقديمها، وتفحص إذا كانت تحتوي على مواد تتعارض مع قيم الأمم المتحدة، والقوانين الدولية". ورفض أبو حسنة أي اتهامات تتعلق بتدخل الوكالة بـ"المنهاج الفلسطيني"، مؤكداً التزامها بـ"منهاج السلطة الوطنية كدولة مضيفة".
وأشار إلى تعرّض أونروا لاتهامات مختلفة سواء إسرائيلية أو من الكونغرس الأمريكي بأنها "تشجّع العنف والإرهاب". وقال أبو حسنة إن لـ"أونروا" دور كبير في الحفاظ على "الذاكرة الجمعية للاجئين واستمرارها في تقديم الخدمات، وإبقاء القضية حيّة حتى إيجاد حل عادل للاجئين".
وأُنشئت وكالة "أونروا" عام 1949، بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتنفيذ برامج إغاثة وتشغيل لنحو 800 ألف لاجئ فلسطيني، هجرتهم العصابات الصهيونية إبان نكبة فلسطين عام 1948.