غادرت فرنسا الاستعمارية إفريقيا "صوريا" في ستينيات القرن الماضي، لكنها تركت خلفها أكثر من "وحش" فرنسي ومحلي.
كل ما يصبّ في مصلحتها كانت تشتريه بأي ثمن.
بإغراء المال وشراء ذمم النخبة الحاكمة بعد الاستقلال.
بالتهديد والملاحقة، حتى لو وصل الأمر إلى الاغتيال بالسم أو الرصاص.
بتوغل الشركات في أوساط السياسة والاقتصاد، والدفع مقابل الولاء.
وبالتدخل العسكري أحياناً لحماية رئيس صديق من انقلاب، أو لتنفيذ انقلاب لصالح رئيس صديق يحكم لاحقاً.
بدأ النفوذ الفرنسي في إفريقيا مع الحقبة الاستعمارية الفرنسية الثانية في 1524، التي جاءت عقب إخفاق فرنسا في امتلاك مستعمرات في أمريكا اللاتينية والشرق الآسيوي.
ومع منتصف القرن التاسع عشر كانت فرنسا قد استولت على غرب ووسط القارة السمراء، بينما كان التبادل التجاري وتجارة العبيد والصمغ العربي والعاج ومختلف المواد الأولية قد بدأت قبل ذلك بقرنين على الأقل.
مكنت فرنسا من السيطرة على أكثر من 35% من مساحة القارة، واستمر حكمها لها أكثر من ثلاثة قرون، في حوالي عشرين دولة إفريقية.
الاستعمار الفرنسي ثقافي الهوية، كان حريصاً على صبغ الهويات الخاصة للشعوب بألوان المسيحية والفرنكفونية.
لكنه كان أيضاً استعماراً دموياً وحشياً، خلد لفرنسا في ذاكرتها التاريخية فصولاً سوداء في تجارة الرقيق، والمجازر البشرية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، زيادة على نهب الثروات، وتدمير المدن، وحرق المكتبات والمساجد.
بعد الاستقلال توزعت القارة بعد ذلك بين أنظمة فرنسية الصنع والهوى، وأخرى ثورية أو وطنية، سرعان ما تخلصت منها فرنسا، وأقامت وكلاء محليين يحافظون على مصالحها الخالدة.
لم تسمح فرنسا لمستعمراتها السابقة بالخروج من عباءة الزمن الباريسي، وفي سبيل ذلك دأبت فرنسا على إجهاض أي طموح للانشقاق أو اكتساب استقلال ثابت، أو التعامل النِّدي مع الأفارقة.
وقد شهدت القارة الإفريقية منذ العام 1950 حوالي 200 محاولة انقلابية في 7 عقود، كان نصفها على الأقل ناجحاً، وتحكّم منفذوها في مفاصل السلطة.
السطور التالية تشرح كيف حرَّرت فرنسا مستعمراتها شكلياً، وواصلت نهب الشعوب، والتلاعب بالحكام في صناعتهم ووضعهم في مقاعد الحكم بالقوة، أو التخلص منهم عبر الاغتيالات والانقلابات.