بعد إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد يوم الأربعاء 29 سبتمبر/أيلول تكليف أستاذة علوم الجيولوجيا نجلاء بودن بتشكيل الحكومة؛ لتصبح أولَ رئيسة وزراء في العالم العربي، تواجه السيدة البالغة من العمر 63 عاماً مشاعر مختلطة في تونس، كما يقول تقرير لموقع DW الألماني.
ففي الوقت الذي يتساءل فيه بعض الناس عما إذا كان بإمكان بودن أن تصبح رمزاً لتفوق المرأة وتمكينها في تونس والشرق الأوسط، يخشى آخرون أن يستغل الرئيس التونسي قيس سعيّد تجربتها السياسية المحدودة لصالحه، لكسب المزيد من الوقت والتعاطف الشعبي والعالمي مع هذا القرار.
نجلاء بودن.. آخر مناورات قيس سعيد؟
من جانبها، تقول لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز أبحاث "تشاتام هاوس" بلندن، إن قناعتها أن اختيار امرأة لهذا المنصب كان خطوةً وراءها استراتيجية ما لسعيّد.
وأضافت الخطيب لموقع DW: "لكن يبقى أن نرى ما إذا كانت خطوةً نحو الاحتفاظ بالسلطة في الرئاسة، مع تسكين الجمهور، أم نحو إعطاء الصلاحية لوجه كفء من خارج الأحزاب السياسية لتجاوز الانقسامات والضعف الذي شوَّه الحكومات التونسية السابقة".
مع ذلك، تشير الأسابيع الماضية إشارة قوية إلى أنها خطوة في مسار الاحتفاظ بالسلطة في الرئاسة. ففي الأسبوع الماضي فقط، أعلن سعيّد أنه سيبدأ في التصرف وفقاً لأحكام الأمر الرئاسي الاستثنائي الذي أصدره، وتشكيل حكومة جديدة، والشروع في تعديل دستور تونس لعام 2014- الذي كان مكسباً بلغته البلاد بشق الأنفس- مستعيناً بلجنة يعيِّنها هو بنفسه. وبموجب الأمر الرئاسي، فهو من لديه أيضاً سلطة تعيين الوزراء، وبودن هي أول تعيين له منذ مرسومه الاستثنائي.
كما أن المرسوم الاستثنائي الذي أصدره سعيّد يتضمن أيضاً، على الأقل إلى الوقت الحالي، تقييدات تعني الإبقاء على سلطة سياسية محدودة لرئيسة الوزراء.
وفي معرض تعليقها على ذلك، قالت هدى صلاح، أستاذة العلوم السياسية بجامعة فرانكفورت الألمانية، لموقع DW: "اختار سعيد أستاذة جيولوجيا غير معروفة إلى حد كبير في الأوساط العامة، وهذا الأمر، وإن كان يبعث الآمال بدرجة ما، لأن بودن شخصية لم يسبق لها أن اتُّهمت بالفساد قط، فإنه مع ذلك يثير الشكوك أيضاً لأن المرء قد يتبادر إليه السؤال حول ما إذا كان سعيّد قد اختارها لمجرد أن تكون واجهة، لا سيما أنها تفتقر بوضوح إلى أي خبرة في المجال السياسي".
مشاعر مختلطة في تونس من تعيين سعيد لنجلاء بودن
على الرغم من الإشادة التي حازها قرار سعيد من بعض المتابعين على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن منظمات سياسية تونسية، ومنها منظمات مدافعة عن حقوق المرأة، ما لبثت أن أبدت شكوكها حيال مستقبل بودن السياسي.
وفي هذا السياق، كتب وزير حقوق الإنسان الأسبق، سمير ديلو، على صفحته بموقع فيسبوك: "تعيين رئيسة للحكومة (هي الجامعيّة نجلاء بودنّ) لأول مرة في تاريخ تونس قرارٌ يستوجب الإشادة، فهل هي لحظة تاريخيّة فعلا..!؟ للأسف تتزامن رمزيّة تعيين امرأة في هذا المنصب "الرَّفيع" مع تعليق الدستور وتفرُّد رئيس الجمهوريّة بصلاحيّات.. فرعونية!".
وأضاف ديلو أن "الفخر بأن تكون تونس سبّاَقة دوماً كلما تعلَّق الأمر بالتمكين للمرأة وبتساوي الحظوظ يبقى مشوباً بمرارة أن تكون رئيسة حكومة بلد يعيش انقلاباً على الشرعية الدستورية!"
بل إن بعض المنظمات النسوية أعلنت صراحة عدم ثقتها بامتلاك بودن صلاحيات سياسية فعلية. وكتبت فداء الهمامي، منسقة حشد التأييد للرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: "الرسالة التي تصرخ في وجوهنا [من هذا القرار] هي أن المرأة لا تحصل على المنصب إلا عندما يصبح المنصب غير مهم".
وتعتقد فداء الهمامي أن "اختيار قيس سعيّد لتمييز المرأة إيجابياً في هذا السياق السياسي بالذات وجعلِها عرضة للفشل ومنحِها تفويضاً باطلاً ليس بادرةً رمزية، إنها مهزلة".
بواعث الأمل واليأس بين التونسيين
حتى الآن، لم تتحدث بودن في العلن كثيراً، ولا يعرض حسابها على تويتر سوى تغريدتين، إحداهما تقول: "يُشرِّفني أن أكون أول امرأة تتقلد منصب رئاسة الحكومة في تونس. سأعمل على تكوين حكومة متجانسة لمواجهة الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد ومحاربة الفساد والاستجابة لمطالب التونسيين المتعلقة بحقوقهم الطبيعة في النقل والصحة والتعليم".
ومع ذلك فإنها لم تقل شيئاً في مقطع الفيديو الذي نشره سعيّد لإعلان تكليفها برئاسة الوزراء.
في العاصمة التونسية، تتباين الآراء بين النساء حول رئيسة الوزراء الجديدة. تقول ألفة القارمصلي، وهي موظفة مقيمة في تونس، لموقع DW: "أنا سعيدة جداً بهذا التعيين، انطلاقاً من مبدأ التضامن النسوي. أول امرأة عربية في هذا المنصب أمرٌ إيجابي، ففي السابق كان المنصب حكراً على الرجال".
في المقابل، تقول كوثر الهمامي إنه "كان من الأفضل لو عيَّن الرئيس رجلاً قوياً يتمتع بالثقة والنزاهة، يعرف احتياجات الناس ولديه القدرة على قيادة الحكومة. فالمرأة دائماً ما تكون في موقف ضعف، وبودن لن تستطيع أن تكون قوية أمام بعض الناس".
"لم يُعرف عن سعيّد أنه مدافع صريح عن حقوق المرأة"
وبودن هي عاشر شخصية تتولى رئاسة وزراء تونس منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي. ومنذ ذلك الحين، يرى بعض الناس أن تونس كانت في طليعة الدول العربية من جهة الدفاع عن حقوق المرأة، ومنحها المساواة القانونية الكاملة، وحظر تعدد الزوجات، ومنحها الحق في الزواج من غير المسلمين وارتداء اللباس الذي تريده.
ومع ذلك، لم يُعرف عن سعيّد في أي وقت أنه مدافع صريح عن حقوق المرأة. وتقول هدى صلاح: "سعيّد سياسي محافظ للغاية. لكن على الرغم من الشكوك، فمن المهم حقاً الإشارة إلى أنه، بوجه عام، يمثل هذا الأمر خطوة رائعة للمرأة العربية أن تتولى سيدة تونسية منصب رئيس الوزراء".
وعبّر نواب تونسيون بالبرلمان، الأربعاء 29 سبتمبر/أيلول 2021، عن رفضهم للإجراءات الاستثنائية للرئيس قيس سعيّد، التي عيّن على إثرها نجلاء بودن رئيسة للحكومة، داعين إلى استئناف العمل البرلماني، لتحديد خارطة طريق للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد، وفقاً لما نشرته مواقع تونسية.
النواب دعوا إلى حضور اجتماع عام، لاستئناف عمل البرلمان في دورته الثالثة، من أجل البدء في التأسيس لانتخابات تشريعية جديدة، معتبرين أن "جميع الإجراءات الاستثنائية باطلة، وليست إلا تأسيساً لحكم فردي ديكتاتوري".
كما دعا النواب، الذين بلغ عددهم 73 نائباً، وفقاً لما نشره موقع الجزيرة، رئيس الجمهورية سعيّد إلى "التراجع عن الإجراءات الاستثنائية والعودة إلى الدستور، وانتهاج الحوار بين جميع الأطراف الفاعلة سياسياً ومجتمعياً"، وأعلنوا "مقاومتهم الصريحة عبر كل الأشكال القانونية لهذه الإجراءات الاستثنائية والأحكام العرفية، التي تمثل تهديداً للجمهورية ومكتسبات الديمقراطية".