تهدد أزمة الكهرباء في الصين بحدوث أزمة في توريد السلع العالمية، وقد نجد قريباً نقصاً في بعض السلع أو زيادة في أسعارها.
وتضطر المصانع في الصين، أكبر دولة مصدِّرة في العالم، لتقليص استهلاك الطاقة من خلال كبح الإنتاج، مما أحدث صدمة لسلاسل التوريد العالمية، تضاف إلى أزمة الرقائق الإلكترونية وتداعيات أزمة ديون شركة إيفرغراند العقارية العملاقة.
وتأتي هذه الاضطرابات في الوقت الذي يتسابق فيه المنتجون وشركات الشحن لتلبية الطلب على كل شيء، وذلك بدءاً من الملابس إلى الألعاب، في موسم التسوق بعطلة نهاية العام، ويتصارعون مع خطوط الإمداد التي انقلبت رأساً على عقب بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام، والتأخيرات الطويلة في الموانئ، ونقص حاويات الشحن، حسبما ورد في تقرير لموقع بلومبيرغ الشرق.
وفي الأيام الأخيرة، عانت المصانع في 20 من أصل 31 مقاطعة في الصين من انقطاع التيار الكهربائي، مما أجبر العديد منها على إيقاف الإنتاج، على الأقل لساعات في المرة الواحدة. كما انقطع التيار الكهربائي عن ملايين المنازل في شمال شرق البلاد، ووجدوا أنهم لا يستطيعون استخدام الكهرباء لتدفئة منازلهم أو إنارتها، حسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
أزمة الكهرباء في الصين ستؤدي إلى نقص الإنتاج خاصة في هذه السلع
حذرت الشركات الصناعية الصينية من أنَّ التدابير الصارمة لخفض استهلاك الكهرباء من شأنها تقليص الإنتاج في المحرِّكات الاقتصادية، مثل: مقاطعات جيانغسو، وجيجيانغ، وغوانغدونغ -التي تمثِّل مجتمعة ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي للدولة- وربما سترفع الأسعار، وتأمر الحكومات المحلية المصانع بخفض استهلاك الكهرباء، في حين تواجه بعض المصانع نقصاً فعلياً في الكهرباء.
قال كلارك فنغ، الذي تشتري شركته "فيتا ليجر" خياماً وأثاثاً من المصنِّعين الصينيين لبيعه في الخارج، إنَّ القيود المفروضة على الكهرباء في مقاطعة تشجيانغ الشرقية، حيث يقع مقر الشركة، وجَّهت صفعة أخرى للشركات. وقال، إنَّ صانعي الأقمشة في المقاطعة، الذين يعانون من تعطُّل الإنتاج، بدأوا يرفعون الأسعار، حسبما ورد في تقرير لموقع بلومبيرغ الشرق، وقاموا بتأجيل تلقي طلبات خارجية جديدة.
قال فنغ: "كنا نعاني بالفعل عند شحن البضائع إلى الخارج، والآن مع قيود القدرة الإنتاجية، ستكون هناك بالتأكيد فوضى كبيرة.. واضطررنا بالفعل إلى التعامل مع العديد من العوامل غير المؤكَّدة، والآن هناك عامل آخر، وسيكون من الصعب تسليم الطلبيات خاصة في موسم العطلات".
قال تشين يوبينغ، مدير في شركة "سوتشو بريا تكستايل تكنولوجي"، وهي مُصدِّرة لأقمشة البوليستر والنايلون، ومقرّها في تشجيانغ، إنَّ شركته تعرَّضت "لخسائر فادحة" بسبب تعليق القدرة الإنتاجية، ولم يُسمح لخطوط إنتاج الشركة بالعمل إلا ثلاثة أيام في الأسبوع، بدءاً من أوائل سبتمبر، كما أنَّ أحدث طلبية يوم الإثنين الماضي تعني أنَّه سيُسمح لها بالعمل مدة يوم من كل يومين، وتأتي نصف مبيعات الشركة من عملاء في الخارج.
ويقول المحللون إنَّ نقص الطاقة سيؤثِّر حتماً على كلٍّ من الصناعات الثقيلة، مثل: الألومنيوم والصلب وغيرهما من الصناعات المكملة. وفي المركز الصناعي، قوانغدونغ، أصدرت إدارة الطاقة بالمقاطعة إشعاراً يوم الأحد الماضي قالت فيه إنَّه تمَّ بالفعل تنفيذ تخفيضات واسعة النطاق في استهلاك الكهرباء بالمصانع.
اضطرابات الموانئ
تأتي مشكلات الطاقة بعد الاضطرابات بالموانئ الصينية في الآونة الأخيرة، التي تسلَّلت تداعياتها عبر سلاسل التوريد العالمية، وظلَّ جزء من ميناء "نينغبو"، أحد أكثر الموانئ ازدحاماً في العالم، عاطلاً عن العمل لأسابيع الشهر الماضي بعد تفشي فيروس كوفيد، في حين تمَّ إغلاق ميناء "يانتيان" في شينزين في مايو/أيار.
وستؤثِّر أزمة الطاقة على الاقتصاد الصيني في وقت يتباطأ فيه بالفعل بسبب عوامل، مثل التدابير الصارمة لمكافحة الفيروسات، والقيود الأشد لكبح سوق العقارات.
وقامت "نومورا هولدينغز"، و"تشاينا إنترناشونال كابيتال كورب"، و"مورغان ستانلي" إمَّا بتخفيض توقُّعاتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي، أو حذَّرت من احتمالية تراجع النمو نتيجة اضطرابات الطاقة.
وقال لو تينغ، كبير اقتصاديي الصين في "نومورا هولدينغز" في هونغ كونغ: "ستشعر الأسواق العالمية بوطأة نقص المعروض بدءاً من المنسوجات، والألعاب، وقطع غيار الآلات.. وسيتحوَّل الموضوع الأكثر سخونة المتعلِّق بالصين قريباً جداً من إيفرغراند إلى أزمة الطاقة".
وبالتأكيد، ما يزال التأثير الكامل على الإنتاج غير معروف.
الصين تقدم معاملة تفضيلية لآبل بينما تيسلا تغلق أبوابها لفترة
وقالت شركة "بيغاترون كورب"، الشريك الرئيسي لشركة "آبل"، وأحد مجمّعي أجهزة "آيفون"، يوم الإثنين الماضي، إنَّ عمليات تجميع "آيفون" في الصين بدأت في تقليل استهلاكها للطاقة، وقالت الشركة إنَّها تتخذ التدابير لتوفير الطاقة للامتثال لسياسات الحكومة المحلية في هذا الشأن.
ومع ذلك؛ تجنَّبت الشركات المسؤولة عن إنتاج هاتف "آبل" التخفيضات الكبيرة في الإنتاج حتى الآن، ويبدو أنَّها تحصل على معاملة تفضيلية في الوصول إلى الطاقة من أجل استمرار العمليات، وفقاً لما نقل موقع بلومبيرغ الشرق عن أشخاص مطَّلعين على الموقف.
أما شركة صناعة السيارات الأمريكية تيسلا، التي لديها مصنع كبير في الصين، فهي من بين العديد من الشركات الصناعية التي تم إخطارها بإغلاق أطول الأسبوع المقبل حيث يصبح نقص الكهرباء حاداً في بعض المناطق.
ويعتقد معظم المحللين أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر حتى تتمكن السلطات الصينية من السيطرة ومواءمة إنتاج الطاقة مع الطلب المتزايد.
الأسعار يتوقع أن ترتفع
تراقب السلطات أي اضطراب، وقالت صحيفة "بيبلز دايلي" الرسمية التابعة للحزب الشيوعي الصيني، في افتتاحية يوم الأحد الماضي، إنَّ النقص سيجبر الشركات على رفع أسعار السلع على المستهلكين الصينيين، وحثَّت حكومة مقاطعة لياونينغ شمال شرق البلاد المنظِّمين المحليين على منع قيود الطاقة من التأثير على الإنتاج والاستخدام السكني، بحسب ما نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية.
وفي ظلِّ انتقال أزمة الطاقة من المصانع إلى منازل الناس، قالت شركة الكهرباء "مؤسسة الشبكة الحكومية الصينية"، يوم الإثنين الماضي، إنَّها ستبذل قصارى جهدها لتجنُّب انقطاع التيار الكهربائي، وتلبية الطلب الأساسي السكني.
وقال هاو هونغ، رئيس الأبحاث وكبير الاستراتيجيين في "بوكوم إنترناشونال": "لا أحد يعرف متى سيتمُّ التغلُّب على عقبات سلسلة التوريد.. لكن يبدو الشتاء المقبل مشؤوماً".
تعمل شركات الطاقة، على تقنين الكهرباء للمستخدمين الصناعيين والمحليين بناءً على أوامر من مسؤولي الرئيس الصيني بعدم تمرير التكاليف المرتفعة من ارتفاع أسعار الفحم المستورد.
وتشعر بكين بالقلق من أن يؤدي ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة التضخم التي بدورها ستؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة وتسبب الاضطرابات الاجتماعية. وقالت ديانا تشويليفا، الخبيرة في الشؤون الصينية ورئيسة Enodo Economics، إن ارتفاع التضخم لديه القدرة على الإضرار بجميع الموارد المالية للأسر وتوحيد الشعور بالمعارضة ضد شي.
وقالت إن التقنين في المناطق الأكثر تضرراً في الشمال الغربي أفضل من زيادة الأسعار على نطاق أوسع.
ما أسباب الأزمة، وهل هناك نقص في إنتاج الكهرباء؟
لا، هناك قدرة على توليد الكهرباء، ومنذ بداية العام، زاد إنتاج الكهرباء بنحو 10%، حيث انتعش الاقتصاد من الوباء، لكن المشكلة تأتي بسبب نفاد مخزون الفخم لدى شركات الطاقة الصينية.
وحدث هذا لأسباب عدة.
خفضت الصين استهلاكها من الفحم بشكل كبير منذ عام 2017، وخفضت النسبة المستخدمة لتوليد الكهرباء من أكثر من 80% إلى 51.8% في عام 2019. شكلت الطاقة المتجددة، بما في ذلك طاقة الرياح والطاقة الشمسية، معظم الفارق. ولكن مع استمرار إنتاج أكثر من نصف الكهرباء باستخدام الفحم، لا تزال المولدات تعتمد بشكل كبير على المادة السوداء.
على مدى سنوات، نما استهلاك الكهرباء في الصين بمعدل أبطأ بالكاد من معدل نمو الاقتصاد نفسه. يواجه هذا النموذج مشاكل مع بدء تنفيذ طموحات الرئيس شي جين بينغ إلى تخفيض الإنبعاثات الحرارية.
في حال رغبة الصين الإبقاء على زيادة الطلب على الكهرباء عند 5% سنوياً من المستويات الحالية دون حرق المزيد من الفحم، فستحتاج إلى توليد 100 غيغاوات من الطاقة الشمسية و50 غيغاوات من الرياح كل عام. ولكن وتيرة النمو المستهدف أقرب إلى نصف هذا المستوى.
وقال ديانا تشويليفا، الخبيرة في الشؤون الصينية ورئيسة Enodo Economics، إن الرئيس الصيني كان قلقاً أيضاً من أن خطط إدارته لإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة الصينية وتقليل التلوث ستخرج عن مسارها من خلال السماح لشركات الطاقة بمواصلة إنتاج الكهرباء بالفحم القذر.
وأدت الضوابط المفروضة على الانبعاثات إلى زيادة تكاليف إنتاج الطاقة، وتعني أن العديد من المنتجين سيتكبدون خسارة، وفقاً لجوليان إيفانز-بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيين في شركة الاستشارات كابيتال إيكونوميكس.
يواجه المسؤولون في المقاطعات أو الأقاليم مهمات متناقضة أو لا يمكن التوفيق بينها، تتمثل في الحفاظ على تدفق إمدادات الكهرباء لنمو الاقتصاد، مع الحفاظ على الحد من انبعاثات الكربون، على الرغم من أن خططاً رفيعة المستوى بالنسبة لقطاع الكهرباء ليست واعدة بما يكفي.
تعبر الأسعار القياسية المسجلة لعقود الفحم الصينية الآجلة خلال الأسبوع الماضي عن نظام يكافح للتعامل مع المتطلبات المتناقضة.
الخلاف مع أستراليا يفاقم الأزمة
ازداد الوضع سوءاً بالنسبة للصين بسبب الخلاف العام الماضي مع أستراليا بشأن دعوة كانبيرا لإجراء تحقيق دولي في أصول جائحة الفيروس التاجي. فرضت بكين حظراً غير رسمي على الواردات من أستراليا، ثاني أكبر مصدر في العالم، ما جعلها أكثر اعتماداً على الفحم الأعلى سعراً من الموردين المحليين وأماكن أخرى.
وتتطلع شركات الطاقة أن ترفع بكين جميع القيود البيئية التي تزيد من تكلفة إنتاج الكهرباء بالفحم أو أن تنخفض الأسعار العالمية، بينما خففت بكين بعض أهداف الانبعاثات، استمرت الأسعار العالمية في الارتفاع.
والصين أكبر مستورد للفحم في العالم قبل الهند، وارتفعت أسعار الفحم في الأشهر الأخيرة استجابة لارتفاع الطلب.