فاجأت الحكومة الأفغانية المؤقتة التي شكّلتها حركة طالبان العالم بإعلانها، الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول 2021، عن تغيير الدستور الأفغاني واستبداله بدستور العهد الملكي الذي يدعم الحقوق المدنية وحقوق المرأة والحياة الديمقراطية، وذلك بـ"استثناء منه ما قد يتعارض مع الشريعة الإسلامية" كما قالت الحركة. فما هو هذا الدستور؟
ما هو دستور الملك محمد ظاهر شاه التي ستطبقه طالبان؟
يعود الدستور الذي استدعته حركة طالبان إلى العهد الملكي من القرن العشرين، حيث قالت طالبان إن "الإمارة الإسلامية ستطبق القانون الدستوري للملك محمد ظاهر شاه لفترة مؤقتة، دون تطبيق أي محتوى يتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومبادئ الإمارة الإسلامية".
وتمت إعادة سن دستور عهد الملك محمد ظاهر شاه خلال الحكومة المؤقتة في أعقاب سقوط نظام حركة "طالبان" الأول في عام 2001، قبل أن تتبنى البلاد دستوراً جديداً في عام 2004.
وخلال فترة حكمهم الأولى في الفترة الممتدة بين عامي 1996 و2001، لم يكن لدى حركة طالبان دستور، إلا أنهم حكموا من خلال مراسيم تستند إلى الشريعة.
ومحمد ظاهر شاه هو آخر ملك حكم أفغانستان قبل إسقاط نظامه السياسي عام 1973، وتركزت ملامح دستوره على تحقيق ديمقراطية عصرية، وإجراء انتخابات برلمانية، وإقرار حقوق المرأة والحقوق المدنية.
الملكية الدستورية والحريات السياسية في عهد ظاهر شاه
ومنذ عام 1933 حتى عام 1973، حكم الملك ظاهر شاه أفغانستان بعد اغتيال والده، حيث تقلد الملك وقد كان عمره 19 عاماً، لكن الحكم الفعلي كان في يد اثنين من أعمامه هما محمد هاشم وشاه محمود اللذان حكما البلاد حكماً ديكتاتورياً لعدة سنوات.
ظل الملك محمد ظاهر شاه على سدة الحكم 40 عاماً، وفي عهده صدر دستور جديد وأجريت أول انتخابات برلمانية واسعة في أفغانستان في سبتمبر/أيلول 1965 وفقاً لذلك الدستور، وحصل الشيوعيون في تلك الانتخابات على 4 مقاعد فقط من أصل 216 مقعداً يتكون منها البرلمان.
وبتدشينه دستور عام 1964، كان محمد ظاهر شاه قد أطلق فعلياً سياسة نشطة تدفع نحو اعتماد مبدأ الملكية الدستورية وتقع الحريات السياسية في قلبها، حيث تأثر بالتقاليد الديمقراطية الغربية نتيجة التعليم الذي تلقاه في المدرسة الفرنسية بكابل ثم في باريس.
لكن آخر ملوك أفغانستان رغم كل إجراءاته الإصلاحية، اتخذ موقفاً متشدداً حيال تشكل الأحزاب السياسية وكذا نشاطها، والذي يفسّر بأنه عائد لطبيعة النظام السياسي الملكي، حيث كانت هناك مجموعة شروط معقدة أمام نشاط الأحزاب السياسية، وفقاً لما أقرته المادة 34 بالدستور.
طالبان تعكف على دستور أفغانستان الجديد
وبعد سيطرتها على البلاد وانهيار حكومة الرئيس الهارب أشرف غني، وتشكيلها حكومة تصريف أعمال برئاسة الملا هبة الله آخوند زاده، أعلنت طالبان أنها تعكف على عمل دستور جديد للبلاد.
ونشرت وكالة "آماج" الأفغانية للأنباء في 17 سبتمبر/أيلول 2021، مسودة قالت إنها تضم المبادئ الأساسية للدستور الذي تعمل على إنجازه الحركة. وبموجب المسودة، ستفرض طالبان تعليم اللغة العربية في المدارس لطلاب المرحلة الثانوية، وستنظم الخدمة العسكرية وفقاً للقانون، كما ستمنح الصحافة حرية النشر "وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية".
وستستمد الحركة مرجعيتها السياسية والقانونية من الفقه الحنفي، موضحة أيضاً أن شرعية النظام ستقوم على الولاء والتصويت.
وذكرت المسودة التي جاءت في 15 بنداً، أن "المجلس الأعلى لإمارة أفغانستان الذي يتكون من 5 إلى 6 أعضاء عن كل محافظة، هو مجلس صنع القرار في أفغانستان".
وسيجري تعديل النظام المصرفي في أفغانستان "وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية"، كما سيكون أساس عمل الجهات الحكومية وفق التقويم القمري، مع التأكيد على المساواة دون تمييز بين جميع المواطنين الأفغان.
وخلال حديث إلى إذاعة "صوت أمريكا" في 16 سبتمبر/أيلول، قال المتحدث باسم طالبان، سهيل شاهين، إن الحركة لا تستبعد إجراء انتخابات في الوقت الذي تتحرك فيه لتشكيل حكومة دائمة "على أساس الشريعة الإسلامية".
وأضاف شاهين: "بخصوص الانتخاب أو عدمها، فلننتظر.. لدينا دستور يتم العمل عليه، وستجرى مناقشات مستقبلية حول موعد صياغته"، حسب تعبيره.
وكانت حركة طالبان قد أعلنت خلال مؤتمر صحفي في كابل يوم 7 سبتمبر/أيلول 2021، عن تركيبة الحكومة الأفغانية الجديدة، لتصبح حكومة تصريف أعمال مؤقتة في أفغانستان.
حيث سمّت الحركة الملا محمد حسن رئيساً للوزراء بالوكالة، الذي سيكون له نائبان هما الملا عبد الغني برادر، والملا عبد السلام حنفي. وتشكلت حكومة تصريف الأعمال في أغلبها من قيادات وكوادر طالبانية من ذوي العرقية البشتونية، دون أن تسند أي وزارة لعناصر نسائية.
ومنذ صعودها، تحاول حركة طالبان طرح خطاب تطميني للمجتمع الدولي مع التمسك بثوابتها الشرعية، حيث أعلنت أنها تحرص على بناء علاقات إيجابية مع كافة الدول، بما فيها الولايات المتحدة، دون السماح للآخرين بالتدخل في شؤونها الداخلية. وقالت الحركة في أكثر من مناسبة أنها تتوقع أن يضع العالم حداً للعداوة مع أفغانستان، وأن يمد يد العون للشعب الأفغاني.