التشابه بين اليمن وأفغانستان قد يكون لافتاً، فكلاهما بلد جبلي معزول فقير وذو موقع استراتيجي، والآن بات السؤال: هل يكرر الحوثيون في اليمن سيناريو أفغانستان عندما استولت طالبان بين عشية وضحاها على مجمل البلاد حتى قبل إتمام الانسحاب الأمريكي؟
وعقب سيطرة حركة طالبان على كابول في الـ15 من أغسطس/آب 2021، توعد الحوثيون القوات السعودية والحكومة اليمنية الشرعية التي تدعمها بمصير مماثل، فهل يستطيع الحوثيون حقاً تكرار تجربة طالبان في اليمن والسيطرة على كل البلاد إذا انسحب السعوديون؟
لسنوات، قلَّلَت الحكومات والمُحلِّلون على السواء من قدرات الحوثيين. هذا على الرغم من أن الحوثيين، طيلة ما يقرب من عقدين من الزمن، قد قاتلوا منافسين يفوقونهم عدداً وتجهيزاً. ولسوء حظ المملكة السعودية واليمن، استمرَّت حكومة المملكة السعودية في سوء التقدير هذا حين قرَّرَت تدشين "عاصفة الحزم" في مارس/آذار 2015، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ما كان من المُفتَرَض أن يكون نجاحاً سريعاً ضد عدو "ضعيف" ورديء التجهيزات، تحوَّلَ إلى مستنقعٍ دامٍ لست سنوات. وبدلاً من هزيمة الحوثيين، أجبرتهم حرب المملكة السعودية في اليمن على التحوُّل إلى قوةٍ قتالية أقوى وأكفأ. والآن، تقترب سريعاً اللعبة النهائية لحرب المملكة السعودية في اليمن، وتلك القوات التي تدعمها -الحكومة اليمنية المُعتَرَف بها دولياً- وفقاً لتقرير الموقع الأمريكي.
تقدُّم مطرد خلال الأشهر الثلاثة الماضية في معركة مأرب الاستراتيجية
خلال معظم الأشهر الثلاثة الماضية، استولى الحوثيون بشكلٍ مُطرد على الأراضي التي كانت تحت سيطرة القوات المتحالفة اسمياً مع قوات الحكومة الشرعية.
عزَّزَ الحوثيون وحلفاؤهم القبليون سيطرتهم على جزءٍ كبيرٍ من محافظة البيضاء، جنوب مأرب. وفي الوقت نفسه، سيطر الحوثيون على مناطق رئيسية في محافظة شبوة المجاوِرة الغنية بالغاز. وفي محافظة مأرب، استولى الحوثيون على معظم المناطق المرتفعة حول مدينة مأرب، وهي العاصمة الفعلية للحكومة اليمنية.
وذكر موقع Voice of America الأمريكي أن المئات من المقاتلين قد قُتِلوا في اشتباكاتٍ عنيفة هذا الشهر، بعد أن جدَّد المتمرِّدون الحوثيون المدعومون من إيران حملتهم على مأرب، آخر معاقل الحكومة المعترف بها دولياً في المنطقة الشمالية الغنية بالنفط. وسوف يغيِّر الاستيلاء على مأرب قواعد اللعبة، ويكمل سيطرة الحوثيين على شماليّ اليمن مع منحهم السيطرة على موارد النفط في أيِّ مفاوضاتٍ للسلام.
مليونا لاجئ مهددون بطرد جديد
ويثير الأمر مخاوف بشأن أكثر من مليونَي لاجئ يعيشون في مخيَّماتٍ في المنطقة، بعد فرارهم من مدن المواجهات الأخرى خلال الصراع.
قال الباحث البارز في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الأرياني، لوكالة France Press، إن "معركة مأرب ستحدِّد مستقبل اليمن". وأضاف: "الحوثيون يسيطرون على معظم المحافظة ويزحفون نحو المدينة".
ويأتي التهديد الخطير لمأرب بعد أكثر من سبع سنواتٍ بقليل من اجتياح الحوثيين العاصمة صنعاء، على بُعدِ 120 كيلومتراً فقط ناحية الشرق، في العام 2014. وقال أحمد ناجي، من مركز كارنيغي الشرق الأوسط، إنهم حقَّقوا تقدُّماً كبيراً بعد فتح جبهاتٍ جديدة حول مأرب في الأسابيع الأخيرة. وقال إنهم في حال استولوا على المدينة، "سوف يستخدمون مأرب للتقدُّم نحو المحافظات الجنوبية المتاخمة لها".
بدأ الحوثيون حملةً كبيرةً للسيطرة على مأرب في فبراير/شباط، وبعد فترة هدوءٍ جدَّدوا حملتهم هذا الشهر، مِمَّا أدَّى إلى قصفٍ جويٍّ مُكثَّف من قِبَلِ قوات التحالف.
آخر مسمار في نعش الحكومة الشرعية
وقالت إليزابيث كيندال، الباحثة في كلية بيمبروك بجامعة أوكسفورد: "خسارة قوات الحكومة الشرعية لمأرب لصالح لحوثيين قد تغيِّر مسار الحرب. سيكون ذلك مسماراً آخر في نعش مطالبة الحكومة بالسلطة، وسيغيِّر نفوذ الحوثيين في أيِّ محادثات سلام مُتوقَّعة".
كان عدد سكَّان المدينة قبل الحرب ما بين 20 و30 ألف نسمة، لكنه تضخَّم مع فرار اليمنيين إلى هناك من مناطق أخرى من البلاد. ومع وجود حوالي 139 مخيَّماً للاجئين في المحافظة، وفقاً للحكومة، فإنها تستضيف ما يقرب من 2.2 مليون شخص، والمدنيون العالقون صاروا الآن عالقين في خط النار مجدَّداً. وقال الأرياني: "مع تفرُّقهم، سيكون من الصعب الحصول على المساعدات الإنسانية، ومع شبح المجاعة الذي يلوح في الأفق، فإن معركة مأرب ستجعل هذا الشبح وشيكاً".
ورغم المقاومة الشرسة من قِبَلِ بعض القبائل المتمركزة في مأرب، والتي تدعم الحكومة اليمنية المعترف بها بدرجاتٍ مختلفة، فقد توغَّلَت قوات الحوثيين نحو الحواف الغربية والجنوبية للمدينة. في 23 سبتمبر/أيلول، نجح الحوثيون في استهداف قاعدة الخشنة العسكرية بالصواريخ. وفي أعقاب الهجوم الصاروخي، جاء هجومٌ بري في 26 سبتمبر/أيلول. وتُعَدُّ قاعدة الخشنة، الواقعة جنوب مأرب في منطقة الجوبة، نقطة إعادة إمداد حيوية بالنسبة لقوات الحكومة المعترف بها دولياً والقوات المدعومة من السعودية. وبالتزامن مع الهجوم على القاعدة العسكرية، أطلق الحوثيون صواريخ على أهداف داخل مدينة مأرب، وكان منزل محافظ مأرب، سلطان العرادة، أحد المواقع التي دمَّرَتها صواريخ الحوثيين.
بين اليمن وأفغانستان.. هل يسير الحوثيون على خُطى طالبان؟
سارع مسؤولون حوثيون إلى التعليق على التقدم السريع لطالبان ضد الحكومة الأفغانية الذي انتهى بسقوط معظم أفغانستان والعاصمة كابول في غضون نحو أسبوع.
إذ ذكّر عبدالملك العجري، عضو وفد المفاوضات الحوثي، التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن بمصير الولايات المتحدة في أفغانستان؛ حيث كتب على تويتر: "دول العدوان (التحالف الذي تقوده السعودية) أمام خيارين في اليمن، إما أن ترحل باتفاق كما فعلت أمريكا في أفغانستان، أو مكسورة الناموس كما في فيتنام".
وقد أظهرت تغريدة العجري رغبة الحوثيين في إنهاء الصراع باتفاق مع التحالف الذي تقوده السعودية، بنفس طريقة اتفاق الولايات المتحدة مع طالبان، حسبما ورد في تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.
الطائرة المسيرة الحوثية أرخص من الصواريخ السعودية التي تسقطها
خارج حدود اليمن، يستخدم الحوثيون هجماتٍ بطائراتٍ مُسيَّرة وصواريخ أكثر تطوُّراً للضغط على المملكة السعودية لمواصلة مفاوضات أحادية الجانب مع قيادة الحوثيين.
وفي أغسطس/آب، تمكَّن الحوثيون من استهداف مطار أبها في منطقة عسير السعودية. وأدَّى الهجوم، الذي كان عبارة عن صاروخٍ وعدة طائرات مُسيَّرة، لإصابة ثمانية أشخاص وإلحاق أضرار بطائرةٍ تجارية متوقِّفة. وفي 4 سبتمبر/أيلول، شنَّ الحوثويون هجوماً صاروخياً على هدفٍ في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة السعودية. وقطع الصاروخ، الذي يزعم السعوديون أنهم اعترضوه، أكثر من ألف كيلومتر من موقع إطلاقه داخل شمال اليمن.
تُظهِر هذه الهجمات، إلى جانب الهجمات الأخيرة على أهدافٍ في مأرب، أن الحوثيين، بمساعدة إيران، يواصلون تطوير صواريخ وطائراتٍ مُسيَّرة أدق وأطول مدى. وبينما تعترض الدفاعات الجوية السعودية معظم هذه الطائرات المُسيَّرة والصواريخ، فإن تكلفة ذلك باهظة.
وتُعتَبَر الطائرات المُسيَّرة والصواريخ التي صنعها الحوثيون أقل تكلفةً مقارنةً بما تضطر السعودية لإنفاقه على الدفاع الجوي. وسوف تزداد هذه التكاليف وعمليات الاعتراض الفاشلة التي لا مفر منها مع تطوير الحوثيين لطائراتٍ مُسيَّرة وصواريخ أكثر تطوُّراً.
لديهم سلاح أكثر فاعلية.. التحالفات القبلية مع استخدام الجزرة والهراوة
وفي حين أن استخدام الحوثيين للطائرات المُسيَّرة والصواريخ هي جزءٌ أساسي من استراتيجيتهم للفوز في اليمن، إلا أنها بعيدةٌ كلَّ البُعدِ عن أن تكون أساسيةً لنجاح الحوثيين. يمنح الحوثيون الأولوية للتحالفات. وتدرك قيادتهم أن التسويات المُتفاوَض عليها هي المفتاح لكسب الحلفاء القبليين. وبدون هذه التحالفات القبلية، لا يمكن لجماعةٍ واحدة السيطرة على شمال اليمن، ناهيكم عن اليمن ككل.
ويُعتَبَر الفوز دون قتال إحدى الركائز الأساسية للحوثيين. ومع ذلك، عندما تفشل المفاوضات، يسارع الحوثيون إلى شنِّ هجماتٍ برية جيِّدة التنسيق يليها المزيد من المحاولات للتفاوض على التحالفات. ويتمثَّل نهج الحوثيين في معظم أنحاء اليمن في تقديم الجزرة، ثم العصا، ثم الجزرة الأخرى، ثم الهراوة.
وإلى حد كبير فعلت طالبان ذلك خاصة بعد الانسحاب الأمريكي، حيث أبرمت تفاهمات مع القبائل وعدد من القوى الأفغانية الرئيسية أدى إلى ضمان سيطرتها على العديد من الأماكن دون قتال، وقد يكون الفرق الرئيسي أن طالبان كانت تتلقى دعماً خارجياً محدوداً بالمقارنة مع الدعم الإيراني للحوثيين
ولقد ساعد نهج التلويح بالعصا والجزرة والهراوة، جنباً إلى جنبٍ مع المكر العسكري للحوثيين، في جعلهم القوة السياسية والعسكرية الأكثر رعباً في اليمن. لقد كافَحَ خصمهم الأساسي، الحكومة المعترف بها دولياً، والتحالف الفضفاض من الجماعات السياسية والقبلية التي تدعم هذه الحكومة، لهزيمة الحوثيين في ساحات القتال حول مأرب وأماكن أخرى، رغم أن العديد من هذه الجماعات تُموَّل وتُجهَّز وتُدرَّب بشكلٍ جيِّد من المملكة السعودية.
كيف أعاق الدعم السعودي بناء قوة قتالية فعالة؟
وتتمتَّع القوات المتحالفة مع الحكومة المعترف بها دولياً أيضاً بدعمٍ جوي قوي من القوات الجوية الملكية السعودية. وبدلاً من تعزيز "قوات الحكومة"، أعاق الدعم السعودي من نواحٍ كثيرة تطوير بديل فعَّال للحوثيين، حسب الموقع الأمريكي.
تماماً مثل الدعم الأمريكي للحكومة الأفغانية السابقة، أدَّى التدفُّق غير المنضبط للأموال والأسلحة من المملكة السعودية إلى وكلائها في اليمن إلى تعزيز التبعية والفساد المستشري وعدم الكفاءة. نادراً ما ينتج عن ذلك النهج إنشاء حكومات وجيوش دائمة.
ويكون هذا هو الحال بشكلٍ خاص عندما تواجه الحكومات والقوات عدواً حازماً وقادراً عسكرياً ومتجذِّراً بعمقٍ في النسيج الاجتماعي والثقافي للبلد، حسب تقرير موقع Responsible Statecraft.
هذا لا يعني أن الحوثيين لا يعانون أيضاً من الفساد وعدم الكفاءة. الفساد مشكلةٌ رئيسية داخل جماعة الحوثيين، ومع ذلك فهو فسادٌ مُقيَّدٌ بالضرورة، وفقاً لتعبير الموقع الأمريكي، الذي يقول: إن هامش الخطأ لدى جماعاتٍ مثل الحوثيين وطالبان ضيِّق. وإذا ارتكبوا الكثير من الأخطاء، أو إذا استمروا في ارتكاب الأخطاء نفسها، فسوف يُهزَمون على يد أعدائهم الأفضل تجهيزاً والأكثر تمويلاً.
القبائل تبحث عن تسوية مع الحوثيين
الآن، اقتربت نهاية اللعبة لخصمهم الأساسي، الحكومة المُعتَرَف بها دولياً. يتفاوض الحوثيون، وفقاً لاستراتيجيتهم، مع القبائل في وقتٍ واحدٍ بينما يواصلون المُضيَّ قُدُماً على الصعيد العسكري. وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة السعودية على تقليل دعمها للحكومة المُعتَرَف بها دولياً وحلفائها. ولقد اتسعت الشقوق في التحالفات القبلية التي تدعم قوات الحكومة الشرعية. ويعرف زعماء القبائل أن هذه الحكومة أضعف من أيِّ وقتٍ مضى ويستعدون لتأمين مصالحهم ومصالح أعضاء قبائلهم قبل أن يعتقد كثيرون أن انتصاراً قد يكون وشيكاً للحوثيين في مأرب. قد يحدث مثل هذا الاستحواذ في غضون ستة أيامٍ أو ستة أشهر، ولكن بصرف النظر عن وقت حدوثه، فإنه سينهي ما تتمتَّع به الحكومة من قابليةٍ ضئيلة للاستمرار.
بعد ست سنواتٍ من الحرب في اليمن، هناك أملٌ ضئيلٌ في أن أيَّ قوةٍ داخل اليمن أو خارجه سوف تهزم الحوثيين عسكرياً. ومثل حركة طالبان في أفغانستان، يمكن للحوثيين وحدهم هزيمة أنفسهم. في مرحلةٍ ما من المستقبل القريب، سيتعيَّن على الحوثيين التحوُّل من القتال الحربي إلى الحكم الحقيقي وتقديم الخدمات والفرص الاقتصادية والأمن لأولئك اليمنيين الذين يعيشون في ظلِّ سيطرتهم. وإذا فشلوا في تحقيق ذلك، وهو أمرٌ مُرجَّحٌ، فإن مهاراتهم العسكرية لن تنقذهم.
وذكر موقع Voice of America أن حوالي 80% من سكَّان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية. وبينما تضغط الأمم المتحدة والولايات المتحدة من أجل إنهاء الحرب، طالَبَ الحوثيون بإعادة فتح مطار صنعاء، المُغلَق في ظلِّ الحصار السعودي منذ عام 2016، قبل أيِّ وقفٍ لإطلاق النار أو تدشين أيِّ مفاوضات.