أصبحت أحداث التغير المناخي المتطرفة أكثر شيوعاً في العالم هذا العام. ففي الصين، أجبرت الفيضانات الشرسة أكثر من مليون شخص على الانتقال، واجتاحت الحرائق اليونان وتركيا طوال الصيف وحجبت أشعة الشمس، تسببت موجات الحر في مقتل ما يقرب من 700 شخص في كندا و600 في أمريكا. في غضون ذلك، أبلغت روسيا عن أكبر حرائق في تاريخها، بينما تصارع تكساس الأمريكية مع ثلوج غير مسبوقة. فيما تم تسجيل درجات حرارة عالية قياسية في كل مكان، من إسبانيا إلى سيبيريا.
ويحاول بحث جديد نُشر في مجلة Science الأكاديمية تقدير عدد الأحداث المتطرفة التي ستواجهها الأجيال الشابة على مدار حياتهم، وذلك مقارنة مع الأجيال الأقدم من آبائهم وأجدادهم.
التغير المناخي.. نتائج مقلقة حول الأطفال والأجيال الشابة
بالاعتماد على نماذج مناخية وديموغرافية متعددة، يقدر الباحثون التعرض مدى الحياة لستة أحداث مناخية قاسية: حرائق الغابات، وفشل المحاصيل، والجفاف، وفيضانات الأنهار، وموجات الحر والأعاصير المدارية، لكل جيل وُلد بين عامي 1960 و2020 في ظل سيناريوهات تتراوح بين 1.5 درجة مئوية و3.5 درجة مئوية من الاحترار فوق مستويات حقبة ما قبل الصناعة.
وكشف البحث عن نتائج مقلقة، إذ سيواجه الأطفال المولودون في عام 2020 زيادة بمقدار ضعفين إلى سبعة أضعاف في الأحداث المتطرفة المتعلقة بالمناخ مقارنة بأولئك الذين وُلدوا في عام 1960، بموجب مستويات تغير المناخ الحالية.
وكشف أيضاً أن طفل يبلغ من العمر ست سنوات في عام 2020 سيواجه ضعف عدد حرائق الغابات والأعاصير المدارية، وثلاثة أضعاف فيضانات الأنهار، وفشل المحاصيل أربع مرات، وخمس مرات أكثر من الجفاف، وموجات حرارية 36 مرة أكثر من أي شخص، من مواليد عام 1960.
كما كشف البحث المنشور في المجلة العلمية المحكّمة، أنه سيكون هناك تفاوتات جغرافية واسعة أيضاً، فالأجيال الشابة من البلدان الفقيرة – خاصة تلك الموجودة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا – ستواجه تعرضاً أكبر للتطرف المناخي من تلك الموجودة في البلدان الغنية.
استطلاع جديد: الشباب حول العالم قلقون بشدة من التغير المناخي
في السياق، أظهر استطلاع عالمي حديث، قادته جامعة "باث" في المملكة المتحدة، وشمل 10 دول بالتعاون مع خمس جامعات، عمق القلق الذي يشعر به العديد من الشباب بشأن تغير المناخ. إذ قال ما يقرب من 60% من الشباب الذين شاركوا في الاستطلاع، إنهم يشعرون بقلق شديد حيال التغير المناخي.
وقال أكثر من 45% من المشاركين في الاستطلاع، إن المشاعر التي تنتابهم حول التغيرات المناخية تؤثر على حياتهم اليومية.
ويعتقد ثلاثة أرباعهم أن المستقبل بات مخيفاً بالنسبة لهم، وأكثر من النصف (56%) يعتقدون أنه محكوم على البشرية بالفناء. وكشف ثلثاهم عن شعورهم بالحزن والخوف والقلق. كما شعر الكثيرون بالخوف والغضب واليأس والحزن والخجل، وكذلك بالأمل.
وشارك الشباب في 99 دولة الأسبوع الماضي في احتجاجات منسقة لمطالبة القادة باتخاذ تدابير أقوى للحد من تغير المناخ قبل قمة المناخ السنوية للأمم المتحدة في غلاسكو.
ويمتد الاحتجاج لخمسة أسابيع قبل قمة الأمم المتحدة للتغير المناخي التي تهدف لاتخاذ إجراء أكبر من جانب زعماء العالم للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وقالت فَرزانا فاروق جمعة، وهي شابة عمرها 22 عاماً، في داكا عاصمة بنغلادش لوكالة رويترز: "الكل يقطع الوعود ولا أحد يفي بها.. نريد المزيد من العمل.. نريد أفعالاً لا مجرد وعود".
انطلقت المظاهرات في آسيا، ومن المزمع القيام باحتجاجات في أكثر من 1500 موقع حول العالم وفقاً لحركة (فرايدايز فور فيوتشر) أو (أيام جمعة من أجل المستقبل).
وفي ألمانيا وحدها، يتوقع المنظمون أن يشارك مئات الآلاف في أكثر من 400 احتجاج. وقالت الناشطة السويدية غريتا تونبري: "كان عاماً ونصف عام في غاية الغرابة مع هذا الوباء. لكن أزمة المناخ لم تختف بالقطع". وأضافت تونبري التي شاركت يوم الجمعة في احتجاج بالعاصمة الألمانية برلين: "على العكس.. أصبح الأمر أكثر إلحاحاً اليوم".
"نداء صارخ لاتخاذ إجراءات عاجلة"
وفي أغسطس/آب الماضي، وجّه تقرير عن منظمة العلوم المناخية صدر عن الأمم المتحدة وصف بـ"الفارق" وحرره مئات من أبرز علماء المناخ في العالم، "نداءاً صارخاً" لاتخاذ إجراءات فورية لخفض غازات الاحتباس الحراري لمواجهة تغير المناخ المتسارع وغير المسبوق.
ويشير التقرير إلى أن نطاق التغيرات المناخية الأخيرة لم يسبق له مثيل منذ آلاف، بل مئات الآلاف من السنين. كما يشير إلى أن العديد من التغيرات الناجمة عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الماضي والمستقبل ستستمر لفترة تتراوح بين مئات إلى آلاف السنين ولا يمكن عكس اتجاهها، وخاصة التغيرات في المحيطات والصفائح الجليدية ومستوى سطح البحر العالمي.
ويفيد التقرير بأن تغير المناخ الناجم عن فعل الإنسان يؤثر بالفعل على العديد من ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة في كل بقعة من بقاع العالم. وقد اتضح منذ آخر تقرير تقييم أصدرته الهيئة (IPCC) في عام 2014 أن هناك ما يعضد الأدلة على التغيرات الملحوظة في الظواهر المتطرفة، مثل موجات الحر والأمطار الغزيرة والجفاف ونسبة الأعاصير المدارية الشديدة، ولا سيما فيما يتعلق بعزو هذه التغييرات إلى تأثير الإنسان.
وأشار التقرير إلى أنه "إلى جانب التخفيف من تغير المناخ، لا بد من الاستثمار في التكيف مع المناخ؛ لأن الاتجاه السلبي في المناخ سيستمر في العقود القادمة، بغض النظر عن نجاحنا في التخفيف".
مخاطر مناخية "مترابطة للغاية" تنتظر دول الشرق الأوسط
وفيما ما يتعلق بالشرق الأوسط، كشفت مسودة تقييم للأمم المتحدة في 6 من أغسطس/آب 2021، أن منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط تعد "مركز التغيّر المناخي"، إذ ستشهد البلدان المطلة عليه موجات حر غير مسبوقة وجفاف وحرائق ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة.
وأشارت المسودة إلى أن سكان منطقة المتوسط البالغ عددهم أكثر من نصف مليار يواجهون "مخاطر مناخية مترابطة للغاية".
وجاء في التقييم أن "دواعي القلق تشمل مخاطر على صلة بارتفاع منسوب البحر وخسارات في التنوع الإحيائي البري والبحري، ومخاطر مرتبطة بالجفاف وحرائق الغابات وتغيّر دورة المياه وإنتاج الغذاء المعرّض للخطر والمخاطر الصحية في المستوطنات الحضرية والريفية، جرّاء الحرارة الشديدة وتبدّل ناقلات الأمراض".
وتتوقع المسودة أن ترتفع درجات الحرارة في أنحاء المتوسط أسرع من المعدّل العالمي في العقود القادمة، ما يهدد قطاعات الزراعة والثروة السمكية والسياحة التي تعد حيوية للغاية.