ربما لم يكن قراراً مفاجئاً أن يعيد الأردن فتح معبر جابر الحدودي مع سوريا، في ظل التطبيع المتسارع لعلاقات البلدين، والسؤال الآن: من المستفيد وكيف سينعكس ذلك على الأوضاع في درعا بشكل خاص؟
فقد قرر الأردن اليوم الإثنين 27 سبتمبر/أيلول إعادة فتح المعبر الحدودي -جابر من ناحية الأردن ونصيب من ناحية سوريا- اعتباراً من بعد غدٍ الأربعاء، وذلك وفق ما أعلنه وزير الداخلية الأردني مازن الفراية في بيان تلقت الأناضول نسخة منه.
وأوضح البيان أن إعادة فتح الحدود ستكون "وفق مصفوفة الإجراءات الفنية واللوجستية الخاصة بإعادة فتح هذا المركز أمام حركة الشحن والمسافرين"، مشيراً إلى أن "القرار يأتي لغايات تنشيط الحركة التجارية والسياحية بين البلدين الشقيقين مع مراعاة الإجراءات الأمنية والصحية المطلوبة (…)".
معبر جابر بين الإغلاق وإعادة الفتح
يتشارك الأردن وسوريا حدوداً بطول 375 كيلومتراً، يوجد بهما معبران حدوديان رئيسيان، هما "الرمثا" و"جابر" الأردنيان، اللذان يقابلهما "الجمرك القديم" و"نصيب" على الترتيب من الجانب السوري.
ومنذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد عام 2011، حرص الأردن على أن يلتزم الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع جارته الشمالية، رغم أن ذلك لم يجنبه اتهامات النظام السوري المستمرة بدعمه "للإرهاب".
وفتح الأردن حدوده لاستقبال آلاف اللاجئين السوريين الفارين من بطش النظام، عبر عشرات المعابر غير الشرعية على حدوده، محملًا بذلك اقتصاده المأزوم عبئاً إضافياً.
إلا أن المملكة قررت إغلاق الحدود بطولها البالغ 375 كلم مع سوريا بعد تفجير الرقبان الذي استهدف نقطة متقدمة للجيش الأردني على الحدود الشمالية الشرقية في حزيران/يونيو 2016، وأودى بحياة 7 عسكريين.
وتبلغ أعداد السوريين في الأردن نحو 1.3 مليون، قرابة نصفهم يحملون صفة "لاجئ"، فيما دخل الباقون قبل بدء الثورة بحكم النسب والمصاهرة والمتاجرة. وحاول الأردن أن يلعب دوراً سياسياً إيجابياً تجاه أزمة جارته الشمالية، إلا أن النظام السوري تمسك بنغمة التشكيك، واتهم عمَّان بدعم الفصائل المسلحة.
وأدت الأحداث الدامية في سوريا إلى إغلاق معبري جابر والرمثا، بعد أن سيطرت فصائل المعارضة على مساحات واسعة من محافظة درعا (جنوب سوريا) المحاذية للمملكة.
وأدت المعارك الطاحنة إلى تدمر معبر الرمثا الحدودي بالكامل، وبقيت السيطرة على المعبر الثاني (معبر جابر) وهو الرئيس بيد المعارضة لمدة 3 أعوام، قبل أن يستعيده النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران وميليشيات حزب الله اللبناني.
وفي منتصف آب/أغسطس عام 2018 أُعيد فتح معبر نصيب – جابر، لكنه أغلق بعد ذلك مرتين، الأولى بسبب ارتفاع إصابات كورونا في 2020، وكانت الثانية قبل نحو شهرين إثر التطورات الأمنية الأخيرة في درعا في يوليو/تموز الماضي.
ففي أغسطس/آب 2020، أغلق الأردن المعبر بسبب ارتفاع إصابات كورونا المسجلة على الحدود، وأعاد تشغيله جزئياً مرة أخرى مؤخراً، معتمداً قيوداً تضمنت نظام نقل تبادلياً للركاب والبضائع (باك تو باك)، وبعدد 150 شخصاً يومياً.
زيارة ملك الأردن إلى روسيا
منذ كثفت قوات النظام السوري قصفها لدرعا رداً على الاحتجاجات المناهضة للنظام هناك، ورغبة قوات النظام، المدعومة من روسيا وإيران، في تجريد المعارضين في درعا، مهد الثورة السورية، من الأسلحة الخفيفة بعد أن تركوا أسلحتهم الثقيلة في إطار اتفاقية السلام الموقعة في 2018، وجد الأردن نفسه مهدداً بموجة لجوء جديدة من درعا المجاورة لحدوده.
وفي هذا السياق، بدأت عمَّان تحركات مكثفة تهدف إلى إيجاد حل لتلك التطورات الدامية، ومن ثم توجه الملك عبدالله الثاني إلى روسيا والتقى بالرئيس فلاديمير بوتين الاثنين 23 أغسطس/آب الماضي لبحث الأزمة السورية.
وتدرك موسكو، الحاضرة بقوة وتدعم النظام السوري منذ بداية الأزمة عام 2011، أهمية الدور الأردني في حسم الملف، وخاصة في القطاع الجنوبي، لذا فإن اتصالات القادة والمسؤولين من البلدين لم تنقطع طيلة السنوات الماضية.
ومطلع سبتمبر/أيلول الجاري تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في درعا، دخلت بموجبه الشرطة العسكرية الروسية ولجنة أمنية تابعة للنظام السوري إلى المنطقة بغرض تثبيت وقف إطلاق النار.
وتضمّن اتفاق وقف إطلاق النار عدم تهجير أي شخص خارج المنطقة، وتمركز قوات النظام وفرع الأمن العسكري التابع له في 4 نقاط من المنطقة كقوى أمنية، وعودة مخفر الشرطة وعناصره للمنطقة، بعد خروجهم منها جراء الأحداث الأخيرة. كما تضمن الاتفاق انسحاب الفرقتين الرابعة والتاسعة التابعتين للنظام من محيط منطقة درعا البلد، وفك الحصار عنها.
ويبدو أن تلك التطورات في الملف السوري ليست قاصرة فقط على درعا ولا حتى سوريا وحدها بشكل عام، بل تمتد إلى إعادة ترتيب الأوراق في المنطقة بشكل عام، وهذا ما يفسر، بحسب كثير من المحللين والمصادر المطلعة، الهرولة نحو التطبيع مع نظام بشار الأسد.
ففي الأسبوع الماضي أجرى وزير الدفاع السوري العماد علي أيوب زيارة غير مسبوقة إلى الأردن التقى فيها رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية اللواء يوسف الحنيطي، في أول لقاء من نوعه منذ بدء الصراع في سوريا قبل 10 سنوات.
وقالت مصادر خاصة من الأردن لـ"عربي بوست" إن اللقاء الذي جمع وزير الدفاع السوري مع رئيس هيئة الأركان الأردنية، ركز على القضايا الأمنية السياسية المتعلقة بين الطرفين، إذ أثار وزير الدفاع مسألة خط الغاز والكهرباء اللذين سيمران من الأراضي السورية، ووجه طلبه لنظيره الأردني بالكف عن تقديم أي دعم بالسلاح للتنظيمات المسلحة في الجنوب السوري عبر الرمثا، الأمر الذي قوبل بالإيجاب من رئيس هيئة الأركان الأردني، على اعتبار أن الأردن يولي اهتماماً كبيراً نحو إتمام مرور خط الكهرباء والغاز المصري.
كما برزت قضية دعم الأردن للمسلحين في الجنوب السوري، وخصوصاً درعا، حيث كان الأردن يقوم بدعم تنظيمات الجنوب السوري ويمدها بالسلاح والمال عبر مدينة الرمثا الأردنية الحدودية، ومنها إلى درعا بحكم قرب المسافة، وبفعل الترابط الاجتماعي والعشائري بين الرمثا الأردنية ودرعا السورية.
تطبيع أردني مع النظام السوري
ولم تكن زيارة وزير الدفاع السوري لعمان هي اللقاء الرسمي الوحيد خلال الأيام القليلة الماضي، إذ جرى عقد لقاء بين وزراء خارجية البلدين أيمن الصفدي وفيصل المقداد في نيويورك الأربعاء الماضي، كما يزور 4 وزراء سوريين الأردن اليوم الاثنين، تزامناً مع إعلان عمان إعادة فتح معبر جابر الحدودي بعد غد.
ويعد هذا تطوراً جذرياً في علاقات البلدين يعد سنوات الجفاء من 2011 حتى 2014 حين اعتبرت عمَّان سفير النظام السوري السابق بهجت سليمان "شخصاً غير مرغوب فيه"، وأمرته بمغادرة المملكة خلال 24 ساعة، بسبب "إساءاته المتكررة" بحق المملكة ومؤسساتها الوطنية.
رغم تلك الخطوة الأردنية، فإن العلاقات الدبلوماسية لم تنقطع، واستمر عمل سفارات الأردن والنظام السوري محصوراً بموظفين إداريين عاديين. لكن في يناير/كانون الثاني عام 2019، أعلن الأردن رفع مستوى تمثيله الدبلوماسي لدى النظام السوري إلى درجة قائم بالأعمال بالإنابة.
وجاء القرار الأردني في سياق خطوات عربية متصاعدة للتطبيع مع نظام بشار الأسد بدأت خلال ديسمبر/كانون الأول 2018، بينها زيارة أجراها الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير إلى دمشق، وإعلان الإمارات والبحرين عودة العمل في سفارتيهما لدى النظام السوري.
وأخذ تطبيع العلاقات بعد ذلك يسير بشكل متسارع، حيث أعقب الخطوة الدبلوماسية للأردن، مشاركة رئيس برلمان النظام السوري في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي بعمان في فبراير/شباط 2019.
وفي مارس/آذار 2020، شهدت العاصمة السورية دمشق أول لقاء رسمي يعقده مسؤول حكومي أردني حيث التقى وزير الصناعة الأردنية حينها طارق الحموري بنظيره لدى النظام محمد سامر الخليل، وتم التباحث في مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الجانبين وسبل تطويرها لا سيما في عدد من المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك.
وأواخر يونيو/حزيران الماضي، بحث الأردن والنظام السوري تعزيز التعاون في مجال الطاقة، في لقاء بالعاصمة عمَّان جمع وزيرة الطاقة هالة زواتي، مع وزيري النفط والثروة المعدنية والكهرباء لدى النظام السوري بسام طعمة وغسان الزامل.
وبعد تلك اللقاءات ارتفع مستوى التنسيق بين البلدين وأخذ التعاون يزيد في سبيل حل مشاكل المنطقة، فعقد اجتماع أردني مصري لبناني، إضافة إلى النظام السوري على مستوى وزراء الطاقة، لبحث آلية توصيل الغاز المصري إلى لبنان.
هذا التطور الملحوظ في علاقات البلدين، مرده الأساسي، وفق مراقبين أردنيين، العامل الجيوسياسي بين عَمَّان ودمشق، فكلاهما "ينظر إلى الآخر كعمق جغرافي، يحتاج إلى تناغم سياسي لاكتمال حلقة التعاون الذي انقطع فيما بينهما طيلة السنوات الماضية"، بحسب الأناضول.
الخلاصة هنا أن إعادة فتح معبر جابر الحدودي تصب، بحسب مراقبين، في صالح النظام السوري أولاً والأردن ثانياً، كما تصب في صالح مصر أيضاً؛ لأن ذلك يمثل خطوة مهمة على طريق تشغيل خط الغاز العربي، كما سيستفيد لبنان أيضاً من تلك التطورات.