منتصف سبتمبر/أيلول الجاري، تمكنت جماعة الحوثي من السيطرة على آخر معاقل الحكومة اليمنية في محافظة البيضاء الاستراتيجية وسط البلاد.
وأعلن الحوثيون، الخميس 23 سبتمبر/أيلول 2021، استكمال سيطرتهم على ما بقي من محافظة البيضاء، بعد عملية عسكرية واسعة أطلقوا عليها اسم "فجرُ الحرية".
وجاء التقدم الحوثي، بعد سلسلة هجمات تمكنت فيها الجماعة من السيطرة على مركز مديرية الصومعة في البيضاء، آخر معاقل القوات الحكومية في المحافظة، وتهديد محافظتي أبين وشبوة جنوبي البلاد.
وشكّل التقدم العسكري للحوثيين في البيضاء انتكاسة حقيقية لقوات الجيش، التي كانت قبل أسابيع بدأت عملية هجومية لتحرير المحافظة، غير أنها فشلت نتيجة عدم وجود إسناد ودعم، وفق مصادر عسكرية.
وتعد البيضاء واحدة من المحافظات الاستراتيجية، التي يحرص على كسبها طرفا الصراع، بفعل المميزات الكثيرة التي تتمتع بها.
فالمحافظة، التي تتكون من 20 مديرية، توصف بأنها قلب اليمن كونها تتوسط بين شمالي البلاد وجنوبها.
وتحاذي المحافظة أربع محافظات جنوبية هي أبين ولحج والضالع وشبوة، إضافة إلى محاذاتها لأربع محافظات شمالية هي مأرب وإب وذمار وصنعاء.
وجاء تصعيد العمليات العسكرية بعد أيام من بدء المبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ مهامه رسمياً، كرابع مبعوث أممي إلى البلاد التي تعصف بها الحرب منذ سبع سنوات.
وتزامنت معارك البيضاء مع مواجهات عنيفة شهدتها محافظة مأرب النفطية وسط البلاد، استطاع فيها الحوثيون هذا الشهر السيطرة على مديرية رحبة جنوبي المحافظة.
كما تأتي هذه التطورات، وسط استمرار الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي على السعودية، باستخدام صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، ما يشكل عائقاً أمام استمرار الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف الحرب.
أسباب الانتكاسة
تعيش المكونات المناهضة للحوثيين حالة من الانقسام وعدم الانسجام، ما يؤدي أحياناً إلى مواجهات مسلحة، كما حصل في المعارك التي دارت أكثر من مرة بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً في محافظتي عدن وأبين جنوبي البلاد.
ويأتي تقدم الحوثيين في البيضاء، تزامناً مع استمرار ممارسة الحكومة اليمنية مهامها من العاصمة السعودية الرياض، بسبب التوتر مع المجلس الانتقالي الجنوبي المسيطر على العاصمة المؤقتة عدن، جنوبي البلاد، التي تتخذها الحكومة مقراً لها.
ووفق مصدر عسكري حكومي، فإن تقدم الحوثيين يأتي في ظل تراجع كبير في حالة الانسجام بين الحكومة اليمنية والتحالف العربي.
وأضاف لـ"الأناضول"، طالباً عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام، أن التنسيق والانسجام بين الحكومة والتحالف العربي بات شبه غائب، بشكل معاكس لما كان عليه الوضع عند بدء الحرب.
ضعف الترتيبات العسكرية
مسعد الصلاحي، المدير العام لمديرية ناطع في البيضاء، عزا انتكاسة الجيش في المحافظة إلى ضعف الترتيبات العسكرية من جانب القوات الحكومية في الفترة الأخيرة.
وقال لوكالة "الأناضول" إن "تقدم الحوثيين في محافظة البيضاء جاء أيضاً بسبب وجود تخاذل من جانب السلطات الشرعية، إضافة إلى وجود صراعات ومماحكات داخل المكونات المناهضة للحوثيين، ما جعل الأخيرين يستغلونها في تحقيق مكاسب ميدانية".
ولفت إلى أن تقدم جماعة الحوثي لا يعني أنها قوية؛ بل جاء بسبب الخلافات بين أطراف الشرعية.
وأفاد بأن المعارك تتجه حالياً إلى محافظتي أبين وشبوة جنوبي البلاد، بعدما أحكم الحوثيون السيطرة على البيضاء.
وحول جهود المبعوث الأممي الجديد هانس غروندبرغ لحل الأزمة اليمنية، رأى الصلاحي أنها ستكون كالجهود الأممية السابقة التي لم تتمكن من وقف إطلاق النار وتحقيق السلام.
وأضاف: "من الناحية العسكرية، لن يتم الانتصار على الحوثيين إلا بتوحيد جميع المكونات اليمنية والعمل على عودة مؤسسات الدولة".
خلافات وتباطؤ في حسم المعركة
وبشأن استمرار تقدم الحوثيين عسكرياً، علق الكاتب السياسي يعقوب العتواني، قائلاً: "ليس العامل في انتكاسة الجيش الوطني بمحافظة البيضاء خاصاً بطبيعة المعركة التي تدور هناك، بل هو ضمن جملة عوامل عامة وراء انتكاسة القوات الحكومية المستمرة في البلاد منذ 2019 بالتحديد".
وأضاف لـ"الأناضول": "ما يحدث في البيضاء هو امتداد لما حصل قبل ذلك في مديرية نهم، شرقي العاصمة صنعاء، ومدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف، شمالي البلاد، التي سيطر عليهما الحوثيون عام 2020".
وتابع: "أدت العلاقة المعقدة بين مكونات التحالف المناهض للحوثيين والتباطؤ في حسم المعركة، على الرغم من توافر الفرصة خلال السنوات التالية لتدخل التحالف، إلى استعادة الحوثيين زمام المبادرة في الحرب".
وحول مستقبل الأزمة اليمنية، رأى أن "مسار المعارك لا يدعو إلى التفاؤل بالنسبة إلى مؤيدي الشرعية ما لم يتم تحسين أدائها، وما لم تقتنع السعودية بضرورة المضي بالمعركة إلى نهايتها المفترضة: هزيمة الحوثيين تماماً".
ويشهد اليمن حرباً منذ نحو 7 سنوات، أودت بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80% من سكانه البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
وللنزاع امتدادات إقليمية، منذ مارس/آذار 2015، إذ ينفذ تحالف بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية دعماً للقوات الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ 2014.