بعد إعلان عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، الفائز في انتخابات المغرب الأخيرة، عن تشكيل ائتلاف حكومي مع حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، أصبح السؤال الأهم: هل تفي الحكومة بوعود أخنوش السخيّة؟
فمنذ أن كلف العاهل المغربي الملك محمد السادس أخنوش بتشكيل الحكومة المقبلة في 10 سبتمبر/أيلول الجاري، يتركز النقاش حول قدرة رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار" على تنفيذ برنامج حزبه الانتخابي الزاخر بوعود في مجالات عديدة.
كان حزب أخنوش، الملقب برجل الملك، قد تصدر نتائج الانتخابات البرلمانية بحصده 102 مقعد من أصل 395 في مجلس النواب (الغرفة الرئيسية للبرلمان)، بينما جاء حزب "الأصالة والمعاصرة" في المركز الثاني (86) وحزب "الاستقلال" ثالثاً (81) وحزب "الاتحاد الاشتراكي" (35) وحزب "الحركة الشعبية" (29)، و"التقدم والاشتراكية" (21) و"الاتحاد الدستوري" (18).
فيما حل حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي، قائد التحالف الحكومي المنتهية ولايته، في المركز الثامن، مسجلاً تراجعاً كبيراً بحصوله على 13 مقعداً فقط مقابل 125 في انتخابات 2016.
وعود انتخابية سخيّة أطلقها أخنوش
وتحت عنوان "تستاهل (تستحق) أحسن"، كان التجمع الوطني للأحرار برئاسة أخنوش أول حزب يعلن برنامجه الانتخابي مطلع يوليو/تموز الماضي، ضمن الدعاية لانتخابات برلمانية وبلدية أُجريت بالتزامن في 8 سبتمبر/أيلول.
ومن أبرز الوعود في البرنامج الانتخابي لـ"التجمع الوطني للأحرار"، "توفير الضمان الاجتماعي (التأمين الصحي) لكل العاملين، وفتح باب الحق في المعاش (التقاعد) لكل العاملين بمن فيهم الممارسون حالياً في القطاع غير المهيكل (منظم)".
وأيضا إحداث "مدخول الكرامة (دخل مالي) لفائدة المسنين، الذين تفوق أعمارهم 65 عاماً بقيمة 1000 درهم (111 دولاراً) في أفق 2026، وتوفير التأمين الصحي المجاني على المرض لفائدة المعوزين من هذه الفئة العمرية".
وفي مجال الصحة، يعد الحزب بـ"مضاعفة ميزانية الصحة العامة على مستوى السنوات الخمس المقبلة، ومراجعة التعويضات الممنوحة للأطباء، وإحداث 4 مراكز استشفائية جامعية جديدة".
وفيما يتعلق بتوفير فرص العمل، يعد بـ"خلق مليون منصب شغل مباشر من أجل إنعاش الاقتصاد غداة أزمة (جائحة) كورونا".
وعلى مستوى التعليم، يعد الحزب بـ"الرفع من (زيادة) أجور المدرسين إلى 7500 درهم (833 دولاراً) كأجرة صافية شهرياً عند بداية مسارهم المهني". حالياً، يتقاضى المعلم 5000 درهم (555 دولاراً).
وخلال مؤتمر صحفي في الرباط، الأربعاء 22 سبتمبر/ أيلول، أعلن أخنوش، الذي كان يشغل منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته، تشكيل ائتلاف حكومي من أحزاب "التجمع الوطني للأحرار" و"الأصالة والمعاصرة" (وسط) و"الاستقلال" (محافظ).
وأضاف أن الأحزاب الثلاثة ستعمل على اقتراح أسماء وزراء "تتمتع بالكفاءة والمسؤولية"، وسيعمل الائتلاف على "تنفيذ البرنامج الحكومي الذي سيكون خارطة طريق عمل التحالف".
ولا ينص دستور المملكة على مدة محددة لمشاورات تأليف الحكومة، التي يتطلب تشكيلها الحصول على موافقة من يشغلون نصف مقاعد مجلس النواب زائد واحد.
وبعد اتفاق أحزاب الائتلاف على توزيع الحقائب الوزارية، يتم رفع التشكيلة الحكومية إلى الملك للموافقة عليها وتعيين أعضائها رسمياً، ثم تطرح الحكومة برنامجها للنقاش أمام البرلمان، ويتم تنصيبها نهائياً في حال التصويت لصالحها بالأغلبية.
الوعود الانتخابية أهدافها "تسويقية"
واعتبر باحث مغربي أن البرامج الانتخابية في بلاده، والتي عادة ما تشمل وعوداً ضخمة، تهدف بالأساس إلى "التسويق"، وليست تعاقداً بين الأحزاب والمواطنين، متوقعاً الوفاء ببعض وعود "التجمع الوطني للأحرار"؛ لأنها توجه استراتيجي للدولة، مثل تعميم التغطية الصحية الاجتماعية.
فيما رأى أكاديمي أن "مصادر التمويل" تمثل التحدي الأكبر أمام أخنوش، ورجح أن يستكمل حزبه برامج أطلقتها حكومات سابقة، معتبراً أن الرهان الحقيقي هو تنفيذ النموذج التنموي الجديد، وأن مصداقية الحزب، البديل للإسلاميين، ستكون على المحك إن لم يفِ بوعوده.
محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات (غير حكومي)، اعتبر أن "البرامج الانتخابية في المغرب هدفها تسويقي أكثر منها تعاقداً مع المواطنين، لذلك من النادر أن يتم الوفاء بالوعود وإنزالها على أرض الواقع".
وأضاف، في حديث للأناضول، أن "التجمع الوطني للأحرار لن يكون مختلفاً هذه المرة عن بقية الأحزاب، خاصة أنه ملزم بتنفيذ النموذج التنموي الجديد".
وكان المغرب قد أعلن، أثناء الحكومة الائتلافية المنتهية ولايتها بقيادة حزب العدالة والتنمية في مايو/أيار الماضي، عن تفاصيل برنامج جديد للتنمية الاقتصادية يمتد حتى عام 2035، ويستحضر النموذج التركي في هذا المجال.
وتابع مصباح أن "البرامج الانتخابية جزء من الروتين الانتخابي الذي يتم خلاله توزيع الوعود، والمواطن المغربي لا يعاقب أو يجازي الأحزاب المشكلة للحكومة انطلاقاً من تنفيذ برامجها".
"لكن هناك قضايا وردت في البرنامج الانتخابي للأحرار ستجد طريقها للتنزيل لأنها توجه استراتيجي للدولة، مثل تعميم التغطية الصحية الاجتماعية وتقديم الدعم للفئات الهشة في إطار السجل الاجتماعي الموحد".
مصادر التمويل.. التحدي الأكبر
أما سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله (حكومية)، بمدينة فاس (شمال)، فرأى أن "التحدي الكبير أمام تفعيل البرنامج الانتخابي للتجمع الوطني للأحرار هو البحث عن مصادر التمويل".
وقال بونعمان، للأناضول، إن "من الأمور التي سيعمل الأحرار على تنفيذها بسهولة هو استكمال تفعيل البرامج التي أطلقتها حكومات سابقة، وكان لكل واحدة منها بصمتها الخاصة، والتي تكاد تصل إلى مرحلتها النهائية".
وأردف: "من أهم هذه البرامج تعميم التغطية الصحية لتشمل كل الفئات الاجتماعية، وهي إحدى أهم النقاط في برنامج الحزب الانتخابي"، معتبراً أن "الرهان المطروح على حكومة أخنوش هو تنزيل النموذج التنموي الجديد وتطبيق محاوره الكبرى".
"حكومة أخنوش في وضعية تجعلها مطالبة بتقديم إنجازات في أسرع وقت، بالنظر إلى حجم تطلعات وتوقعات المواطنين التي ساهموا في ارتفاعها خلال العملية الانتخابية عندما كان الحزب يقدم الوعود بطريقة الواثق من تنفيذها".
ورأى أن "مصداقية الحزب، البديل للإسلاميين، ستكون على المحك، إذا لم يتم الوفاء بالوعود للطبقة الهشة، خصوصاً المرتبطة بالدعم الاجتماعي المباشر".
وبالتالي فإن مهمة "الأحرار" في رئاسة الحكومة ازدادت تعقيداً، بحسب مراقبين، بسبب حجم الوعود الانتخابية التي أطلقها الحزب خلال حملته الانتخابية، والتي ربما تجعل من المرهق أو من المتعذر على أي حكومة في ظل الوضعية الحالية الوفاء بها.
وهذا ما كان عبد الرحيم علام، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض (حكومية)، قد عبر عنه في حديث سابق للأناضول، بقوله إنه على الرغم من أن حزب الأحرار "سيشتغل في ظل انسجام حكومي، على عكس ما كما كان عليه الوضع في السابق من عملية شد الحبل بينه وبين حزب العدالة والتنمية في الائتلاف الحكومي، الأمر الذي سيسهل من مهمته في رئاسة الحكومة"، إلا أن الوعود الانتخابية ستعقد المهمة.
ويرى علام أن تلك الوعود لن يكون حزب "الأحرار" قادراً على الوفاء بها خلال المرحلة المقبلة؛ إذ إن "المرحلة الحالية، خصوصاً على مستوى الأزمة الاقتصادية، تجعل تلك الوعود الانتخابية التي أطلقها الأحرار صعبة التطبيق، خاصة تلك المتعلقة برفع الأجور، والتشغيل، وإلغاء بعض أنماط التوظيف".
مؤشرات وعوامل تنبئ بمهمة صعبة لحزب "الأحرار" خلال الولاية البرلمانية المقبلة، "ولعل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها المغرب تبقى أبرز الصعوبات التي ستواجه عمل الحكومة الجديدة"، وفق علام الذي يرى أنها عوامل تضع أي حكومة "أمام صعوبات كبيرة، بصرف النظر، قوية أو ضعيفة، فكيف الحال بحكومة من دون قواعد اجتماعية".
ويختم الأستاذ الجامعي حديثه بالقول إن "كثيراً من الأحزاب والمصوّتين، وحتى المقاطعين، سيضعون الحكومة المقبلة تحت الرقابة، ولن يغفروا لها أي تقصير ولو كان بسيطاً".