تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في سحب بطاريات صواريخ الباتريوت من السعودية، في الوقت الذي لا تزال المملكة تتعرض لهجمات مكثفة من قبل الحوثيين، الأمر الذي يدفع الرياض للبحث عن خيارات جديدة وعاجلة، في ظل استمرار خوضها الحرب في اليمن.
وكشفت وكالة "أسوشيتد برس"، الأسبوع الماضي، أن الولايات المتحدة سحبت في الأسابيع الأخيرة بطاريات صواريخ "باتريوت" من "قاعدة الأمير سلطان الجوية" بالسعودية. واستضافت هذه القاعدة، خارج العاصمة الرياض، عدة آلاف من القوات الأمريكية عقب هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة المفخخة عام 2019 على شركة "أرامكو" السعودية للطاقة.
ومنذ يونيو/حزيران الماضي، كشفت الصحافة الأمريكية، أن إدارة بايدن "قررت تقليص عدد الأنظمة الأمريكية المضادة للصواريخ، بسحب 8 بطاريات من العراق والكويت والأردن والسعودية، رغبةً في إعادة تنظيم وجودها العسكري، للتركيز على (مواجهة) الصين وروسيا".
خيارات السعودية الجديدة بعد سحب أنظمة باتريوت الأمريكية
رداً على الخطوة الأمريكية، وافق مجلس الوزراء السعودي، برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز، على إنشاء "الهيئة العامة للتطوير الدفاعي"، بهدف تطوير مجالات الأنظمة الدفاعية.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، في 14 سبتمبر/أيلول الجاري، أن هذه الهيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري وترتبط برئيس مجلس الوزراء.
وتهدف إلى "تحديد أهداف أنشطة البحث والتطوير والابتكار ذات الصلة بمجالات التقنية والأنظمة الدفاعية، ووضع سياساتها واستراتيجياتها"، وفق الوكالة.
وفي اليوم التالي، أعلنت رئاسة الأركان اليونانية، أن فريقاً من قواتها المسلحة توجه إلى السعودية لتسليم بطاريات دفاع جوي موجهة تستخدم في أنظمة صواريخ "باتريوت".
وأوضحت الأركان اليونانية، في بيان، أن وزير الدفاع نيكوس بانايوتوبولوس، ونائبه نيكوس هاردالياس، ورئيس الأركان كونستيندينوس فلوروس، شاركوا في حفل توديع الفريق.
وفي أبريل/نيسان الماضي، كشف وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، عن توقيع بلاده اتفاقاً لتزويد السعودية بنظام "باتريوت" للدفاع الجوي، بهدف "حماية منشآت الطاقة الحيوية" في المملكة.
وكثفت جماعة الحوثي اليمنية، في الآونة الأخيرة، إطلاق صواريخ باليستية ومسيرات مفخخة على مناطق سعودية، وسط إعلانات متكررة من التحالف العربي بتدميرها، واتهام الجماعة بأنها مدعومة بتلك الأسلحة من إيران.
اللجوء إلى روسيا
يقول أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، علي باكير، إن "خيارات السعودية صعبة، وهي تحاول أن تتجاوز المأزق عبر الانفتاح على روسيا، لكن لا أعتقد أن ذلك سيحل مشكلتها".
وأرجع باكير في حديث لوكالة الأناضول ذلك إلى أن "الرياض تعتمد على واشنطن بشكل كبير سياسياً وعسكرياً، وبالتالي من الصعب إيجاد بديل ما لم تصلح علاقاتها معها أو تقوّي الجبهة الداخلية وعلاقتها الإقليمية".
وزاد بأن "السعودية تفتقد إلى علاقات جيدة مع إيران وتركيا، وهاتان الدولتان تشغلان حيزاً إقليمياً مهماً، ومن دون إصلاح علاقاتها مع واحدة على الأقل منهما، سيكون وضع الرياض صعباً".
وتتهم دول خليجية، تتقدمها السعودية، إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، بينها اليمن ولبنان، وهو ما تنفيه طهران وتقول إنها تلتزم بعلاقات حسن الجوار.
وذهب باكير إلى أن "الرياض تحاول الاستعانة بما هو متاح، كبطاريات الدفاع الجوي لدولة مثل اليونان، لكن هذا ليس خياراً بقدر ما يعبر عن حراجة موقف السعودية، فاليونان تحتاج إلى من يحميها". واستطرد: "لا يمكن استبدال واشنطن بخيارات من هذه الدول، نظراً لاعتماد الرياض الكبير على واشنطن عسكرياً".
ورأى باكير أنه "حتى لو افترضنا جدلاً أن مثل هذا الخيار لن يواجه مشاكل ولا عقبات سياسية، فإن استبدال معدات واشنطن يحتاج لسنوات طويلة، وهي عمليات غير ممكنة دون أن تكون لها تبعات".
الخروج الأمريكي من المنطقة
من جهته، يقول ياسر عبد العزيز، كاتب وصحفي مصري، إنه "مع وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن للبيت الأبيض (في 20 يناير/كانون الثاني الماضي) انقلبت إدارته على كل الأعراف في السياسة الخارجية الأمريكية".
وأضاف عبد العزيز للأناضول: "ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) في حال لا يحسد عليه، بالتزامن مع حالة الانكماش التي يعيشها الأمريكان، والوضع في أفغانستان أثر في العلاقات، وأظهر أن أمريكا عازمة على الخروج من بعض المناطق التي تنفق عليها كثيراً".
وأردف الكاتب: "الشهر الماضي، وفي ظل الصخب الذي صاحب انسحاب أمريكا من أفغانستان، كانت السعودية قد بدأت تتحرك تحسباً لموقف أمريكي مماثل في (منطقة) الخليج".
وتابع: "السعودية وقّعت اتفاق تعاون عسكري مع روسيا، وطلبت (شراء) منظومة الدفاع (الصاروخية الروسية) إس 400، ولم يأخذ الاتفاق حتى الآن منحى جدياً، لكن هناك طلبات موجودة".
"رافق ذلك منظومات طائرات بدون طيار ومروحيات عسكرية دفاعية، فالسعودية تحاول قدر الإمكان التحرك باتجاه روسيا، وجرى حديث عن منظومة دفاع جوي إسرائيلية مضادة للطائرات من دون طيار، عبر غزل موجه من تل أبيب باتجاه الرياض". وأضاف الكاتب: "لا أستبعد أن تتجه السعودية باتجاه الكيان الصهيوني حتى لو من خلال طرف ثالث وسيط".
أسلحة تودُّ السعودية شراءها من روسيا بينها منظومة S-400
وبحثت السعودية بشكلٍ متكرِّر، في احتمال شراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400 تريومف. ووردت أخبار في عام 2009، ومرة أخرى في 2017، عن توصُّل السعودية إلى صفقةٍ مع موسكو لشراء عدة دفعات من منظومة إس-400، لكن لم يتم الانتهاء منها حتى عام 2019.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في صيف 2019: "نحن على استعدادٍ لمساعدة السعودية في حماية شعبها". وأضاف: "إنهم بحاجةٍ إلى اتِّخاذ قراراتٍ ذكية، كما فعلت إيران بشراء إس-300 مِنَّا، وكما فعل أردوغان حين قرَّرَ شراء نظام الدفاع الجوي الأكثر تقدُّماً S-400".
واعتباراً من العام الجاري، يبدو أن القيد الوحيد على صفقة استيراد نظام S-400 التي يتم توقيعها، هو مخاوف السعودية من انتقامٍ أمريكي وشيك في شكل عقوباتٍ وتخفيضاتٍ بإنفاق المساعدات الخارجية، كما يقول تقرير لمجلة National Interest الأمريكية.
في السياق، تتألَّف قائمة التفوُّق الجوي للقوات الجوية الملكية السعودية من أقل من 200 طائرة من طراز إف-15 إيغلز. في العام 2017، عَرَضَ الكرملين تحديث مخزون الرياض بطائرة سو-35، وهي واحدةٌ من أفضل منصات التفوُّق الجوي في روسيا، ومن بين أنجح المقاتلات التي تصدِّرها.
وفي العام 2017 وقَّعَت الشركة السعودية للصناعات العسكرية عقداً كبيراً مع شركة روس أوبورون إسكبورت، وهي وكالة الأسلحة الروسية الرئيسية، للإنتاج المحلي لأنظمة قاذفات اللهب الثقيلة، أو راجمة الصواريخ توس-1 إيه، المُصمَّمة على أساس دبابة القتال الرئيسية السوفييتية تي-72.
هل يمكن للسعودية الاعتماد على ذاتها بصناعة أسلحة محلية؟
وأعلنت المملكة في وقت سابق من العام الجاري، خططاً لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعة الأسلحة محلياً، مع الوصول في عام 2030 لهدف إنفاق نحو 50% من ميزانيتها العسكرية على المصادر المحلية. وبطبيعة الحال، من شأن بناء المزيد من أنظمة الأسلحة في الداخل تقليل حاجة الرياض إلى استيراد الغالبية العظمى من عتادها العسكري وذخائرها وقطع غيارها، كما تفعل حالياً.
وفي الوقت الحاضر، تعتبر المملكة واحدة من أكبر مستوردي المعدات العسكرية في العالم. ويقول تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، إن اعتماد المملكة الكبير تحديداً على الولايات المتحدة والدول الغربية في توريد أنظمة الأسلحة يضعها في موقف ضعف في بعض الأحيان.
وجمَّدت إدارة بايدن مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات إلى الرياض مطلع 2021، بسبب حربها المدمرة في اليمن، وتفكر في بيعها أسلحة "دفاعية" فقط في المستقبل. ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تساعد المملكة بنشاط في بناء قدراتها الدفاعية، ودعم جهودها لتوطين تصنيع الأسلحة.
بعد وقت قصير من تولي الرئيس بايدن منصبه، أسست الشركة السعودية للصناعات العسكرية -وهي شركة دفاع مملوكة للدولة- شراكة مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية العملاقة للطيران والفضاء، التي وفقاً لبيان الشركة السعودية للصناعات العسكرية: "ستطور القدرات المحلية من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة، وتدريب القوى العاملة السعودية على تصنيع المنتجات وتقديم الخدمات للقوات المسلحة السعودية".
إضافة إلى ذلك، ستساعد "لوكهيد مارتن" السعودية في إنشاء نظام دفاع صاروخي بقيمة 15 مليار دولار، إذ تتعرض المملكة لهجمات من صواريخ وطائرات بدون طيار تابعة للحوثيين.
وتقول إميلي هوثورن، محللة منصة Stratfor للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لموقع Middle East Eye: "لقد أحرزت السعودية تقدماً كبيراً في بناء صناعة الأسلحة محلياً، لاسيما فيما يتعلق بتطوير أنظمة الأسلحة الأرضية والإلكترونيات والقنابل الذكية". وأضافت: "لكن هدف إنفاق 50% من الميزانية العسكرية للمملكة في الداخل لا يزال بعيد المنال وغير مُرجَّح".
وأشارت إميلي إلى أنَّ المملكة لا تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على المصادر والواردات الأجنبية من أجل "الأسلحة والطائرات والسفن ذات التكنولوجيات المتطورة".
وتابعت: "نجحت الرياض في تحويل بعض الأموال التي كانت مخصصة سابقاً للواردات إلى تطوير بدائل محلية، وجنت الفوائد من حيث توظيف السعوديين، لكن الهدف المتمثل في الانتقال من الإنفاق المحلي بنسبة 2% في 2018 إلى 50% بحلول عام 2030 غير واقعي، إذا كانت الرياض تريد تعزيز قدراتها والحفاظ على ترسانة من أفضل المعدات".