في أهم أسواق العالم يتنافس السلاح الفرنسي مع الأمريكي، بشكل يتسم بالضراوة أحياناً، وكثيراً ما تلعب السياسة دوراً في حسم هذه المنافسة فمن يتفوق على الآخر؟ ولماذا تلعب السياسة أحياناً لصالح باريس عكس ما يبدو للوهلة الأولى؟
كان أحد أسباب إعلان أستراليا إلغاءها صفقة الغواصات الفرنسية العاملة بالديزل، أن إمكاناتها أقل من الغواصات الأمريكية والبريطانية العاملة بالطاقة النووية.
وبصرف النظر عن أن الغواصات العاملة بالطاقة النووية أكثر قدرة عسكرياً بشكل كبير من الغواصات العاملة بالديزل، فإن الواقع أن الغواصات الأمريكية تتفوق على الغواصات الفرنسية حتى تلك العاملة بالطاقة النووية.
وتكشف هذه الأزمة عن منافسة مستعرة، بين السلاح الفرنسي والسلاح الأمريكي، منافسة حسمها السلاح الأمريكي كثيراً، رغم توافر ميزة نسبية غير عسكرية للسلاح الفرنسي، تجعله يتقدم أحياناً دون منافسة أمريكية.
أشهر هزائم السلاح الفرنسي أمام نظيره الأمريكي
في هذا التقرير نرصد أبرز المنافسات بين السلاح الفرنسي والسلاح الأمريكي ونقاط قوة وعيوب كل من السلاحين.
العطاءات الفاشلة للرافال أغلبها حدثت أمام مقاتلات أمريكية
تتنافس الرافال الفرنسية أمام الطائرات الأمريكية في العديد من الأسواق، ولكن في حال تحييد السياسة، غالباً ما تفوقت المقاتلات الأمريكية عليها، في أغلب المنافسات.
وتم تسويق الرافال للتصدير إلى دول مختلفة، سلط العديد من المعلقين ومصادر الصناعة الضوء على التكلفة المرتفعة للطائرة باعتبارها ضارة بآفاق مبيعات رافال، فعلياً ثمن الرافال -وهي طائرة تنتمي إلى الجيل الرابع والنصف وذات قدرات إخفائية محدودة- أعلى من الطائرة الأمريكية F-35 الشبحية التي تنتمي للجيل الخامس.
بلجيكا: الشقيقة نصف الفرنسية تفضّل الطيور الأمريكية
تعتبر بلجيكا أقرب دول أوروبا سياسياً وثقافياً إلى فرنسا، فنحو نصف سكانها يتحدثون الفرنسية من بينهم سكان العاصمة بروكسل، وهي كانت من أوائل الزبائن للنسخ القديمة من طائرات الميراج الفرنسية الشهيرة وقامت بتصنيع بعضها، ثم تحولت لشراء الطائرات الـ"إف 16″ الأمريكية.
أطلقت بلجيكا رسمياً برنامج استبدال F-16 الخاص بها في مارس/آذار 2017، حيث أصدرت طلبات لتقديم عروض إلى ثلاث شركات أوروبية واثنتين من الشركات المصنعة الأمريكية، حيث تتقدم كل من F / A- 18E / F Super Hornet و F-35 الأمريكيتين أمام الرافال الفرنسية و"يورو فايتر تايفون" الأوروبية و"غريبين" السويدية.
في أكتوبر/تشرين الأول 2018، اختارت بلجيكا رسمياً عرض 34 طائرة من طراز F-35A لتحل محل الأسطول الحالي المكون من نحو 54 طائرة من طراز F-16.
في المؤتمر الصحفي الخاص بإعلان الصفقة، ذكر المسؤولون الحكوميون البلجيكيون أن قرار اختيار F-35 جاء بسبب السعر، وذكروا لاحقاً أن "العرض المقدم من الأمريكيين كان الأفضل في جميع معايير التقييم السبعة"، كما لمحوا إلى أن المنافسة الأساسية كانت مع التايفون وليست الرافال.
كندا: محركات الرافال لا تصلح للأجواء الباردة
كانت رافال من بين العديد من المقاتلات المقترحة لتلبية حاجة كندا لاستبدال أسطولها من طائرات CF-18.
في عام 2005، ووفقاً لموقع Canada.com، أشار تقرير أعدته وزارة الدفاع الكندية لمراجعة العديد من الطائرات، إلى مخاوف بشأن إمكانية التشغيل البيني لطائرة رافال مع القوات الأمريكية؛ لم تتمكن شركة داسو بعد ذلك من تأكيد أداء المحرك أثناء ظروف الطقس البارد. في يوليو/تموز 2010، أعلنت الحكومة الكندية أن بديل CF-18 سيكون F-35.
وبعد إعادة النظر بالصفقة في يناير/كانون الثاني 2013، استجابت داسو الفرنسية لطلب كندي للحصول على معلومات، معلنةً استعدادها لدخول المنافسة مجدداً، تم النظر في العديد من الطائرات لتلبية المتطلبات، وضمن ذلك F-35. في 2014، ورد أن شركة داسو عرضت عقداً بنقل كامل للتكنولوجيا، مما يسمح لكندا بتنفيذ دعم وترقيات الطائرات، وبالتالي خفض تكاليف الخدمة على المدى الطويل.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، انسحبت شركة داسو من المنافسة، بسبب متطلبات التشغيل البيني ومشاركة المعلومات الاستخباراتية الواسعة، لاسيما مع القوات الأمريكية، والتي تعقدت بسبب عدم مشاركة فرنسا في مجتمع تبادل المعلومات الاستخباراتية في العيون الخمس، وهي المجموعة التي تضم الدول الناطقة بالإنجليزية أو الأنجلوساكسونية "الولايات المتحدة، بريطانيا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا".
الكويت: بديل أمريكي وآخر أوروبي
في فبراير/شباط 2009، أعلن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، أن الكويت تدرس شراء ما يصل إلى 28 طائرة رافال. في أكتوبر/تشرين الأول 2009، وفي أثناء زيارة لباريس، أعرب وزير الدفاع الكويتي عن اهتمامه بطائرة رافال، وقال إنه ينتظر شروط داسو.
ولكن الكويت في النهاية اشترت خليطاً من طائرات يورو فايتر، والـ"إف 18″ الأمريكية.
سنغافورة: الرافال تفشل في اختبارات قاسية أمام الـ"إف 15″
في عام 2005، شرعت القوات الجوية لجمهورية سنغافورة في برنامج مقاتلات الجيل التالي (NGF) لتحل محل أسطولها القديم من طراز A-4SU Super Skyhawks. تم النظر في عدد من الخيارات وأجرت وكالة علوم وتكنولوجيا الدفاع تقييماً تقنياً مفصلاً، إضافة إلى عمليات محاكاة واختبارات أخرى لتحديد الاختيار النهائي. بعد ذلك، تم تخفيض القائمة الأصلية للمنافسين إلى الأخيرين الـ"إف 15″ الأمريكية ورافال الفرنسية، وانتهى الأمر إلى تعاقد سنغافورة على 12 طائرة من طراز F-15SG.
كان أحد الأسباب الرئيسية للاختيار هو أنه على الرغم من أن رافال كان تتمتع بديناميكية هوائية متفوقة، فإنها تفتقر إلى المدى والرادار القوي، ولا تحتوي على تكامل كافٍ للأسلحة وأجهزة الاستشعار، وفقاً لصحيفة Defense Industry Daily.
كوريا الجنوبية
في عام 2002، اختارت القوات الجوية الكورية المقاتلة الـ"إف 15″ الأمريكية لتتفوق على الرافال والتايفون والسوخوي 35 التي نافستها في الصفقة.
سويسرا:
أثبتت الرافال تفوقها أمام "الغريبين" السويدية في تقييم سويسري، حسب تسريب للجيش السويسري، ولكن الحكومة فضَّلت "الغريبين"، بسبب تكاليف الرافال العالية، ثم تم إلغاء الصفقة.
في مارس/آذار 2018، أطلق المسؤولون السويسريون مناقصة جديدة تتضمن الرافال، و"الغريبين" والتايفون، والـ"إف 18″، والـ"إف 35″، قامت رافال برحلات تجريبية في قاعدة باييرن الجوية للمقارنة بالعطاءات الأخرى.
ولكن في يونيو/حزيران 2021، اقترح المجلس الفيدرالي السويسري على البرلمان شراء 36 طائرة من طراز F-35A بتكلفة تصل إلى (6.5 مليار دولار أمريكي) ، مشيراً إضافة لذلك إلى الفعالية القتالية للطائرة الأمريكية.
الصفقة الإماراتية الكبرى تفشل
تعتبر الإمارات من أهم زبائن السلاح الفرنسي، فهي الدولة الوحيدة التي اشترت الدبابة الفرنسية لوكلير، وأكبر زبون لطائرات ميراج 2000 بعد القوات الجوية الفرنسية.
وكانت باريس تعول على أبوظبي لتكون أول مشترٍ للرافال، ولكن مصر احتلت هذا المركز، ومع ذلك ظلت فرنسا تتطلع إلى صفقة إماراتية كبرى، تتضمن أيضاً تمويلاً إماراتياً لتطويرات في الطائرة، منها تقوية للمحرك.
ففي عام 2009، كان سلاح الجو الإماراتي مهتماً بنسخة مطورة من رافال بمحركات ورادار أكثر قوة، وصواريخ جو-جو متطورة. في أكتوبر/تشرين الأول 2011، كانت شركة داسو الفرنسية المصنِّعة للطائرة واثقة بتوقيع صفقة بقيمة 10 مليارات دولار أمريكي، تتضمن ما يصل إلى 60 طائرة رافال.
ولكن نائب القائد الأعلى لقوة دفاع الاتحاد بدولة الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، وصف في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، العرض الفرنسي بأنه "غير تنافسي وغير عملي"، وطلبت باريس في عام 2010 من الإمارات دفع 2.6 مليار دولار أمريكي من أجل ترقية الرافال.
وبالتالي، بدأت الإمارات العربية المتحدة في استكشاف شراء يوروفايتر تايفون أو إف/إيه-18 أو إي/إف سوبر هورنت، وانتهى الأمر بأن أصبحت أبوظبي أول دولة عربية وثاني دولة شرق أوسطية تعقد صفقة لشراء الـ"إف 35″ الأمريكية.
الرافال تخسر حتى أمام الـ"إف 16″
لم تخسر الرافال فقط أمام F-35 الطائرة الشبحية من الجيل الخامس، بل خسرت أيضاً أمام جدتها الأمريكية الأصغر والأقدم كثيراً الـF-16 التي تعود جذورها إلى سبعينيات القرن العشرين.
ففي أواخر عام 2007، ذكرت صحيفة لا تريبيون أن صفقة بيع محتملة بقيمة 2.85 مليار دولار أمريكي إلى المغرب قد فشلت، واختارت الحكومة المغربية الـF-16 الأمريكية بدلاً من ذلك.
قال محللو الدفاع إن الحسابات الخاطئة لسعر العرض الفرنسي والتردد بشأن التمويل كانت ضارة بالمفاوضات.
الدبابة الفرنسية لوكلير أمام إم 1 إبرامز الأمريكية
كانت الدبابة الفرنسية لوكلير إحدى ضحايا المنافسة مع أمريكا، فلم تُبع لوكلير للخارج إلا لزبون واحد هو الإمارات، بينما بيعت الأمريكية إم 1 إبرامز إلى عدد كبير من الدول، منها حلفاء مشتركون للبلدين مثل مصر "التي حصلت على عدد كبير ضمن المعونة الأمريكية"، وكذلك السعودية والمغرب.
لم يكن ذلك بسبب قوة التأثير السياسي الأمريكي فقط، ولكن ببساطة لأن الإبرامز متفوقة خاصة في التدريع، وفي معظم الأشياء، ولا تكاد لوكلير تنافسها، إلا في مجال السرعة، وفي الوقت ذاته، فإن لوكلير دبابة باهظة الثمن بشكل مبالغ فيه.
الصفقة اللبنانية
كانت هناك منافسة غير رسمية بين السلاح الفرنسي ونظيره الأمريكي في لبنان، حدث هذا عندما قررت السعودية تقديم هبة مالية قدرها 3 مليارات دولار، للبنان لشراء أسلحة من فرنسا لتقوية الجيش اللبناني، أمام حزب الله.
فكرة الصفقة جاءت، حسبما قالت مصادر في الجيش اللبناني لـ"عربي بوست"، من الرئيس اللبناني السابق العماد ميشال سليمان، الذي كان قائداً للجيش قبل توليه الرئاسة، حيث أقنع سليمان العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله، بأن هذه هي الوسيلة الوحيدة لتقوية الجيش اللبناني أمام حزب الله.
من الناحية الفنية، كان الجيش اللبناني غير متحمس لهذه الصفقة ويعلم أن جدواها محدودة لأسباب عدة، أولها محدودية الخيارات الفرنسية، في الأسلحة الملائمة للجيش اللبناني مثل المدفعية والأنظمة الصاروخية والطائرات المروحية والطائرات الخفيفة التي يحتاجها الجيش اللبناني، وكان الفساد الفرنسي واللبناني على السواء مصدر قلق على فاعلية الصفقة، حسبما قال المصدر لـ"عربي بوست".
وبطبيعة الحال، كان ارتفاع أسعار الأسلحة الفرنسية معناه محدودية الكم، في المقابل كان الجيش اللبناني يعتمد بشكل أساسي منذ مطلع التسعينيات بعد نهاية الحرب الأهلية، على أسلحة أمريكية مستعملة تأتي كمعونة من الولايات المتحدة وهي ملائمة لقدرات وظروف لبنان ومهمة جيشه، وكانت أسعارها جيدة وتأتي أغلبها مجانية، كما أن الذخائر التي تأتي من أمريكا كانت ملائمة للجيش اللبناني تماماً.
كذلك، كان الانضباط المالي الأمريكي وصرامة الرقابة الحكومية فعالَين في مواجهة المخاوف التقليدية من الفساد بلبنان.
والنتيجة: لم تستكمل السعودية الصفقة بعد أن أرسلت جزءاً من الأموال إلى فرنسا، وكان السبب هو تغيُّر الحكم بتولي الملك سلمان السلطة حيث تغيرت السياسة تجاه لبنان، وشعرت الرياض بأنه لا جدوى من تقوية الجيش اللبناني أمام حزب الله بهذه الطريقة، كما أن ملابسات الصفقة وحجم ونوعية الأسلحة المقدمة من الجانب الفرنسي والاختيارات من الجانب اللبناني كانت مُقلقة للجانب السعودي وأشعرته بأنه يتعرض لاستنزاف مزدوج بلا جدوى.
من الناحية الاحترافية، كانت الأسلحة الأمريكية المستعملة أفضل من السلاح الفرنسي الجديد القادم لتوّه من المصنع.
عيوب السلاح الفرنسي
باهظ الثمن
السلاح الفرنسي باهظ الثمن إلى حد كبير، وأحياناً أكثر من الأمريكي مع تفوق الأخير، يُظهر هذا الرافال، والدبابة لوكلير.
ضعف المحرك
هناك تأخر تكنولوجي فرنسي مقارنة ببريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا في مجال المحركات، جزء من هذا ضعف تقليدي فرنسي في هذا المجال حتى إن المحركات الحالية بالطائرات الفرنسية أصولها تصميمات لشركة بي إم دبليو الألمانية، تم الاستيلاء عليها بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
كما أن محدودية قدرة فرنسا على الإنفاق مقارنة بأمريكا وحتى الصين، ومحدودية التعاون الفرنسي مع أمريكا مقارنة بباقي الدول الأوروبية، تُضعفان القدرات في مجال المحركات أمام المنافسين.
ويظهر مدى ضعف المحركات الفرنسية واضحاً، في مقارنة محرك المقاتلة الرافال، بالـ"إف 35″ الأمريكية، فالأخيرة مزودة بمحرك واحدٍ قوته أكبر من قوة المحركين الموجودين في الرافال.
ومشكلة ضعف المحركات الفرنسية بالطائرات تحديداً تظهر في مواجهة المحركات البريطانية وحتى الروسية والصينية، مع تفوق الفرنسيين في الجودة على بكين وموسكو بطبيعة الحال.
عدم التنوع: بصرف النظر عن وصف فرنسا لنفسها بأنها دولة عظمى فواقعياً هي دولة متوسطة، وبالتالي قاعدتها الصناعية أقل حجماً من أمريكا وحتى الصين وروسيا، وألمانيا، كما تفتقد الاندماج الذي تتمتع به بريطانيا مع الصناعة العسكرية الأمريكية، والتنافسية السعرية لصناعة الدفاع التركية.
كل ذلك يأتي في ظل محاولة فرنسا أن تكون مكتفية ذاتياً وألا تعتمد على الولايات المتحدة إلى حد كبير، وهو أمر صعب، لأن حجم الاقتصاد الفرنسي والصناعات الدفاعية لباريس أصغر من أن يغطي مجمل التسليح من ناحيتين:
الأولى: كل قطعة سلاح مثل كل السلع الحديثة معقدة ومتعددة المصادر، وبالتالي فإنها تحتاج مستلزمات من الخارج مهما حاولت أي دولة تحقيق اكتفاء ذاتي، فإنها ستحتاج مكونات خارجية، والدول الأقدر على تحقيق قدر عالٍ من الاكتفاء وليس كاملاً، هي الدول الكبيرة، مثل أمريكا وروسيا والصين، وتعتبر فرنسا الرابعة بعدهم ولكن بفارق كبير.
ثانياً: هناك تنوع في نوعيات الأسلحة الفرنسية، لا تغطي فرنسا بحكم حجمها كل مجالات التسليح بكفاءة معقولة.
ابتزاز الأوروبيين
تحاول فرنسا تعويض ذلك بالتعاون مع باقي الدول الأوروبية، ولكن هناك عراقيل تضعها باريس ذاتها، منها رغبتها في تولي القيادة دوماً حتى لو لم تكن مؤهلة، وظهر ذلك واضحاً في عملية إنتاج الطائرة رافال الفرنسية ويوروفايتر الأوروبية.
ففي البداية كان مشروع الطائرتين واحداً بهدف إنتاج طائرة أوروبية مشتركة، ولكن باريس أصرت على مواصفات معينة، والأهم أصرت على أن يكون المحرك فرنسياً، وليس بريطانيّاً، رغم أن بريطانيا أكثر تقدماً في مجال صناعة المحركات منها.
ومع رفض الدول الأوروبية للطلبات الفرنسية، خرجت باريس من المشروع لتؤسس مشروعها الخاص "رافال"، ورغم أنه قصة نجاح لفرنسا، باعتبار أنها أنتجت وحدها طائرةً مقابل مشاركة أربع دول أوروبية -هي بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا- في اليوروفايتر.
إلا أن المفارقة، أن نقطة ضعف الرافال هي المحرك الذي كانت باريس مُصرة على دمجه في الطائرة الأوروبية المشتركة المقترحة.
مشكلة ضعف المحرك أكبر عائق أمام مبيعات الرافال، كما أنه عيب أثَّر على التصميم العام للطائرة، لأنَّ صغر المحرك أدى إلى تصميم طائرة صغيرة نسبياً بالنسبة للطائرات المزدوجة المحرك، والحجم الصغير أدى إلى أنف طائرة صغيرة لايسمح إلا بإدماج رادار صغير ومداه قصير رغم تقدمه التقني الكبير.
اللافت أن فرنسا تواصل محاولة السيطرة على مشروعات الدفاع الأوروبية بطريقة تغضب الأوروبيين.
فالمشروع الأوروبي المقترح لإنتاج طائرة جيل سادس، تصر باريس على عدم مشاركة التكنولوجيا الخاصة به مع شركائها الأوروبيين مثل ألمانيا، وهو الأمر الذي أغضب الأخيرة التي غالباً ستدفع الجزء الأكبر من الأموال.
مميزات السلاح الفرنسي
للسلاح الفرنسي مميزات عديدة مثل الجودة والتقدم التكنولوجي، ولكن المشكلة أن هذه المميزات أعلى لدى الجانب الأمريكي، قد تستطيع باريس التفوق بهذه المميزات على السلاح الروسي أو الصيني أو حتى البريطاني والألماني ولكن ليس على الأمريكي.
وفي الوقت ذاته فإن السلاح الفرنسي به أكبر عيبين موجودين في السلاح الأمريكي هما ارتفاع الأسعار وتكاليف الصيانة، وكذلك التعقد النسبي مقارنة بالسلاحين الروسي والصيني.
ويضاف عيبٌ يميز السلاح الفرنسي وهو أنه قد يحوي في الغالب مكونات أمريكية أو ألمانية، تجعله رهناً لسياسات برلين ذات الطابع الإنساني، وهي مشكلة أثيرت مع عمليات تصدير السلاح الفرنسي للسعودية، بسبب حرب اليمن.
وأحياناً يكون السلاح الفرنسي رهينة أيضاً للمحاذير والمخاوف والابتزاز الأمريكي عند التصدير لطرف ثالث، مثلما حدث مع تصدير صواريخ سكالب التي تحملها الرافال لمصر، والتي تصنّع أمريكا أجزاء حساسة منها، حيث رفضت واشنطن الموافقة على حصول القاهرة عليها قبل أن توقع اتفاقية تفتح الاتصالات الأمنية للأجهزة الاستخباراتية الأمريكية.
ميزة السلاح الفرنسي الرئيسية أمام نظيره الأمريكي
مقارنة بالسلاح الأمريكي، يتفوق السلاح الفرنسي في نقطة واحدة فقط، وهي ليست عسكرية على الإطلاق.
وهذه النقطة هي براغماتية السياسة الفرنسية الشديدة، فألمانيا والعديد من الدول الأوروبية تفرض محاذير مرتبطة بحقوق الإنسان مثل السويد على سبيل المثال، التي تفرض محاذير أخلاقية شديدة على الدول التي تُصدّر لها أسلحة، حيث تشترط أن تكون ديمقراطية.
وحتى أمريكا، رغم كل مساوئ سياستها، تفرض بعض المحاذير الأخلاقية حتى لو كانت مطاطة ومزدوجة المعايير، مثلما فعلت مع مصر بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي، أو فرض بعض القيود على تصدير السلاح للسعودية بسبب حرب اليمن، أو حتى عرقلة الكونغرس المفاجئة أخيراً لتطوير القبة الحديدية الإسرائيلية.
كما أن أمريكا صارمة نسبياً في فرض المعايير السياسية، التي تتعلق بالدول التي ليست حليفة للغرب.
أما فرنسا فهي تاجر سلاح ملتزم بتعاقداته التي نادراً ما يلغيها لأسباب أخلاقية أو سياسية، ولذلك تبيع فرنسا للدول التي تمتنع أمريكا عن بيع السلاح لها لأسباب أخلاقية أو سياسية، كما أن فرنسا تبيع السلاح للدولة وعدوها في الوقت ذاته بلا أي مشكلة.
وهكذا واصلت فرنسا تزويد الهند وباكستان معاً بالسلاح رغم حظر أغلب البلدان الغربية تصدير السلاح للدولتين بعد تجاربهما النووية في منتصف التسعينيات.
بل إن فرنسا كادت تبيع حاملة مروحيات لروسيا عدو الغرب التقليدي لولا أزمة القرم، وكانت أول دولة أوروبية تبيع السلاح لمصر بعد إطاحة السيسي بمرسي.
ولم تقبل فرنسا مجرد تفكير برلين في فرض بعض القيود على المكونات الألمانية بالأسلحة الفرنسية التي تصدر للرياض، وقبل ذلك بعقود كانت الطائرات الميراج الفرنسية هي صلب القوات الجوية لدولة جنوب إفريقيا العنصرية، وكذلك بالنسبة للقوات الجوية للأرجنتين الدولة التي كانت تعادي بريطانيا شريكة باريس في الناتو.
وكانت فرنسا تتلهف على بيع طائراتها الرافال للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي كان يسعى لذلك، هو نفسه الذي قاد الحملة العسكرية لإسقاط القذافي، علماً أنه يحقَّق معه حالياً من قِبل المدعين العامين في مزاعم بأنه تلقى تمويلاً لحملته في عام 2007 من القذافي.
فالسلاح الفرنسي ميزته الرئيسية أنه متاح إلى حد كبير للدول المستبدة أو تلك التي علاقتها ليست وثيقة بالغرب، بدون محاذير أخلاقية أو سياسية مُرهقة كباقي مُصدري السلاح الغربيين الرئيسيين، في الوقت ذاته فإنه يظل أكثر تقدماً وجودة في كثير من الأحيان من السلاحين الروسي والصيني.
فحينما يغيب الأمريكيون ويتشكك الناس في دقة صناعة الروس والصينيين يحضر الفرنسيون.