لا يزال تنظيم "داعش خراسان" يشن عمليات دامية في أفغانستان تصاعدت وتيرتها مؤخراً بعد الانسحاب الأمريكي من البلاد وصعود حركة طالبان، حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (ولاية خراسان) مسؤوليته، الأحد 19 سبتمبر/أيلول 2021، عن 3 تفجيرات هزت مدينة جلال آباد في شرق أفغانستان، واستهدفت عربات لحركة "طالبان".
وقال التنظيم في بيان نشره عبر وسائل إعلام تابعة له إن عناصره فجروا السبت 18 سبتمبر/أيلول، 3 عبوات ناسفة استهدفت 3 عربات لمقاتلي حركة "طالبان"، إضافة إلى تفجير آخر نفذوه الأحد.
وزعم التنظيم أن سلسلة التفجيرات أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 35 عنصراً في "طالبان". وسبق أن ذكرت مصادر محلية أن 3 أشخاص على الأقل قتلوا السبت، جراء سلسلة تفجيرات هزت جلال آباد، وهي عاصمة ولاية ننكرهار التي تعتبر أكبر معقل لـ"داعش" في أفغانستان.
وصباح السبت أيضاً انفجرت سيارة ملغمة في العاصمة الأفغانية كابول، ما تسبب في إصابة شخصين، بحسب إعلام محلي، ونقلت قناة طلوع نيوز الأفغانية عن شهود عيان قولهم إن عبوة ناسفة انفجرت في سيارة بالحي 13 في العاصمة كابول، وتجدر الإشارة إلى أن تفجيراً تبناه تنظيم داعش، وقع الشهر الماضي قرب مطار حامد كرزاي بالعاصمة الأفغانية كابول، وأسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصاً.
"داعش خراسان".. عدو طالبان اللدود
بعد الانسحاب الأمريكي، تكشف التهديدات دينامية معقدة بين طالبان من ناحية، وعدوها اللدود تنظيم "داعش خراسان"، فيما يقول المحللون إنَّه ينذر بصراع دموي يضم آلاف المقاتلين الأجانب في كلا الجانبين.
إذ خلُص تقرير للأمم المتحدة، في يونيو/حزيران الماضي، إلى أنَّ 8 إلى 10 آلاف مقاتل من آسيا الوسطى ومنطقة شمال القوقاز الروسية وباكستان تدفقوا إلى أفغانستان في الأشهر الأخيرة. وذكر التقرير أنَّ معظم هؤلاء يرتبط بالقاعدة، لكنَّ كثيرين منهم متحالفون مع تنظيم "داعش خراسان".
وأدان تنظيم الدولة في أفغانستان سيطرة طالبان على البلاد، وانتقدوا رؤيتهم للحكم الإسلامي، باعتبارها ليست صارمة بما يكفي، وتقاتلت الجماعتان في السنوات الأخيرة في أكثر من موقف.
وقال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون إنَّ الهجوم الأكبر على المطار الشهر الماضي كان ضربة استراتيجية لكل من الولايات المتحدة وقيادة طالبان معاً، التي تحاول إثبات أنَّ بإمكانها السيطرة على البلاد. ومن شأن هذا الهجوم تعزيز مكانة تنظيم "داعش- ولاية خراسان" في العالم الجهادي، بحسب هؤلاء المسؤولين.
ما هو تنظيم "داعش- خراسان" في أفغانستان؟
تقول صحيفة نيويورك تايمز إن تنظيم "داعش- ولاية خراسان" يُعَد واحداً من الأفرع العديدة التي أسسها تنظيم الدولة الإسلامية بعد اجتياحه شمال العراق قادماً من سوريا في عام 2014، وإنشاء خلافة بحجم بريطانيا. سحقت حملة بقيادة الولايات المتحدة تنظيم الدولة الإسلامية، لكن يظل هناك أكثر من 10 آلاف مقاتل تابعين لداعش في العراق وسوريا، ويزدهر فرعا داعش في منطقة الساحل الإفريقي وشبه جزيرة سيناء.
لكنَّ المحللين يقولون إنَّه لم يسبق أن كان تنظيم "داعش- ولاية خراسان" قوة رئيسية في أفغانستان، ناهيك عن الساحة العالمية. وتراجعت صفوف التنظيم إلى نحو 1500 إلى 2000 مقاتل بحسب تقديرات غير دقيقة، وهو نصف ما كان عليه التنظيم في مستويات ذروته عام 2016، قبل أن تُلحِق به الغارات الجوية الأمريكية وهجمات القوات الخاصة الأفغانية خسائر فادحة.
لكن خلُص تقرير الأمم المتحدة إلى أنَّ الفرع يبقى منذ يونيو/حزيران 2020 وتحت قيادة قائد جديد طموح، الدكتور شهاب المهاجر، "نشطاً وخطيراً" ويسعى لملء صفوفه بالمقاتلين الساخطين من "طالبان باكستان" والمتشددين الآخرين.
وقال سيث جونز، المتخصص في الشأن الأفغاني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "لم يكونوا فرعاً من الصف الأول لداعش، لكن مع رحيل القوات الخاصة الأفغانية ورحيل الجيش الأمريكي هل سيمنحهم ذلك مُتنفَّساً؟ هذا ممكن".
المناطق التي ينتشر فيها "داعش- خراسان"
بعد أن كان وجود "ولاية خراسان" يقتصر في بادئ الأمر على عدد محدود من المناطق على الحدود مع باكستان، أنشئت جبهة ثانية رئيسية في الأقاليم الشمالية بما في ذلك جاوزجان وفارياب، ومناطق شمال شرق أفغانستان، ولا سيما مقاطعات كونار وننكرهار ونورستان.
كما تمكن التنظيم من إنشاء خلايا نائمة في أجزاء أخرى من باكستان وأفغانستان، بما في ذلك كابول، وفقاً لمراقبي الأمم المتحدة. وقال "مركز مكافحة الإرهاب" في أكاديمية ويست بوينت الأمريكية لرويترز، إن تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان، يضم باكستانيين من جماعات متشددة أخرى ومتطرفين أوزبك إضافة إلى أفغان.
لا توجد إحصائيات دقيقة لأعداد أفراد هذا التنظيم، لكن أحدث التقديرات أن عدة آلاف من المقاتلين النشطين يقاتلون تحت راية "ولاية خراسان"، وفقاً لتقرير صادر عن مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي.
خلايا داعش النائمة في أفغانستان تعود للنشاط
رغم تراجع تعداد مقاتلي التنظيم الإجمالي في السنوات الأخيرة، قال سيث جونز إنَّ "داعش خراسان" أبقى على خلايا من المقاتلين السريين الذين شنّوا هجمات إرهابية.
وقال مسؤولو مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة في تقرير يونيو/حزيران إنَّ داعش شنَّ 77 هجوماً في أفغانستان في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام، بزيادة من 21 هجوماً في الفترة نفسها من عام 2020. ويُعتَقَد أنَّ تنظيم "داعش خراسان" مسؤول عن تفجير مدرسة في العاصمة الأفغانية أسفر عن مقتل 80 طالبة مدرسية في مايو/أيار الماضي.
وقال عبد السيد، وهو خبير في شؤون الجماعات الجهادية في أفغانستان وباكستان، للصحيفة الأمريكية: "كانت كابول هي هدف أكثر هجمات (داعش خراسان) تطوراً وتعقيداً في الماضي".
ويقول محللون أمريكيون إنَّ محاولة تنظيم "داعش خراسان" استقطاب مقاتلين ومنافسة حركة طالبان على النفوذ ستتواصل خلال الفترة القادمة.
وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد تعهد بمنع تحول أفغانستان مجدداً إلى ملاذ للقاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، التي ترغب في مهاجمة الولايات المتحدة.
ويقول قادة الجيش إنَّ هذه ستكون مهمة صعبة، في ظل عدم بقاء قوات على الأرض، وتراجع عدد العملاء ووجود طائرات Reaper المسلحة بدون طيار على بُعد آلاف الأميال في قواعدها بالخليج.
وتعهَّدت طالبان في اتفاقها الذي أُبرِم مع إدارة ترامب، في فبراير/شباط 2020، بعدم السماح للقاعدة باستخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الولايات المتحدة.