تزامناً مع وفاة المشير محمد حسين طنطاوي، أطول وزراء الدفاع في مصر بقاء في المنصب، أقسم الرئيس عبد الفتاح السيسي على أن المشير الراحل كان بريئاً من "الدماء" في أحداث محمد محمود وماسبيرو وبورسعيد، فماذا حدث في تلك الأماكن؟
كان المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع المصري الأسبق، قد توفي في ساعة مبكرة من صباح الثلاثاء 21 سبتمبر/ أيلول عن عمر ناهز 85 عاماً بعد صراع مع المرض.
ونال المشير طنطاوي العديد من الأوسمة وشارك في حروب مصر مع إسرائيل في أعوام 1956 و1967 و1973 وظل متولياً لمنصب وزير الدفاع لما يقرب من 21 عاماً، وهو أكثر من شغل المنصب بقاء فيه. كما ترأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي حكم مصر لعام ونصف العام بعد أجبرت ثورة 25 يناير/كانون الثاني الرئيس الراحل حسني مبارك على التنحي في 11 فبراير/شباط 2011.
وكان طنطاوي مقرباً من مبارك بدرجة حالت دون تمتعه بشعبية لدى المحتجين الذين قادوا الثورة في ميدان التحرير، على الرغم من أن تحرك الجيش لتهدئة المتظاهرين من خلال تنحية مبارك أكسب المؤسسة العسكرية قدراً كبيراً من الإشادة، بحسب تقرير لرويترز.
وأحيل طنطاوي بعد ذلك للتقاعد بقرار من الرئيس السابق محمد مرسي في 12 أغسطس/آب 2012 أي بعد أسابيع قليلة من تولي مرسي الرئاسة، إثر انتخابات وُصفت بأنها أول اقتراع حر ونزيه في تاريخ مصر الحديث.
السيسي يبرئ طنطاوي من "الدماء"
ونعى الرئيس عبد الفتاح السيسي، المشير طنطاوي، في بيان رسمي قال فيه: "فقدتُ اليوم أباً ومعلماً وإنساناً غيوراً على وطنه، كثيراً ما تعلمت منه القدوة والتفاني في خدمة الوطن. إنه المشير محمد حسين طنطاوي الذي تصدى لأخطر ما واجهته مصر من صعاب في تاريخها المعاصر".
كما نعت القيادة العامة للقوات المسلحة ومجلس الوزراء القائد السابق للجيش، وأعلنت القاهرة حداداً رسمياً في البلاد لمدة ثلاثة أيام.
وعلى هامش فعالية لافتتاح عدد من المشروعات، تطرق السيسي لوفاة المشير، وقال ضمن ما قال إن "المشير طنطاوي بريء من أي دم سواء في أحداث محمد محمود أو أحداث ماسبيرو أو أحداث استاد بورسعيد أو أحداث المجمع، أو أي أحداث جرت خلال تلك الفترة"، معقباً: "والله هو بريء منها ودي شهادة حق للتاريخ".
وكانت مصر قد شهدت خلال أحداث ثورة يناير وما تلاها، خلال تولي المجلس العسكري مسؤولية الحكم في البلاد، سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين في سلسلة من الأحداث، بدأت منذ يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 واستمرت خلال الأيام الثمانية عشرة من المظاهرات الحاشدة التي كان ميدان التحرير في وسط العاصمة رمزاً لها.
وخلال أيام الثورة نفسها وقع هجوم وحشي على المتظاهرين في الميدان فجر يوم 2 فبراير/شباط سقط خلاله عدد كبير من الشهداء والمصابين، فيما عرف إعلامياً "بموقعة الجمل"، واستمرت تلك الأحداث الدامية وكان أبرزها خلال عام ونصف تقريباً من تولي المجلس العسكري الحكم تلك الأحداث التي أشار إليها الرئيس السيسي وأقسم أن المشير طنطاوي، ومسؤولي البلاد وقتها، أبرياء من الدماء التي سقطت خلالها.
وجرت في مصر محاكمات للرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وقيادات وزارة الداخلية بتهم قتل المتظاهرين خلال الثورة، ليتم لاحقاً تبرئتهم جميعاً من تلك الاتهامات، ولا يزال الجاني مجهولاً فيما يشار إليه من جانب كثير من المصريين "بالطرف الثالث" على سبيل التهكم.
ماذا حدث في محمد محمود؟
محمد محمود هو أحد شوارع وسط القاهرة بالقرب من ميدان التحرير، وشهد أحداثاً دامية بدأت صباح السبت 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 عندما اعتدت قوات الأمن المركزي التابعة لوزارة الداخلية على العشرات من مصابي الثورة وأهالي بعض الشهداء المعتصمين في ميدان التحرير.
وسقط عدد من المصابين على مرأى ومسمع من المارة في الميدان، الذين وقف البعض منهم لتصوير ما يحدث من اعتداء وحشي من جانب قوات الأمن على المعتصمين، فتعرض من يقومون للتصوير إلى اعتداءات لمنعهم من التصوير، واستخدمت قوات الأمن الهراوات وقنابل الغاز المسيل للدموع، ثم الرصاص المطاطي، وهو ما أدى إلى اشتعال الموقف وزيادة أعداد المواطنين الرافضين لوحشية الشرطة.
ومع انتشار أنباء تلك الاعتداءات على المعتصمين السلميين في الميدان، توجه المئات من المتظاهرين إلى الميدان وبدأت المواجهات تزداد اشتعالاً، خصوصاً مع سقوط أحد الشباب قتيلاً بالرصاص الحي من جانب قوات الأمن التي انضمت إليها قوات الشرطة العسكرية التابعة للقوات المسلحة.
وتحولت أحداث محمد محمود (نسبة إلى الشارع الذي شهد تلك الأحداث الدامية) إلى ما وصفه البعض بالموجة الثانية من ثورة 25 يناير/كانون الثاني، بعد أن أدى العنف المفرط للقوات الحكومية المختلفة إلى تأجيج الأوضاع المشتعلة بالفعل، خصوصاً وأن المشهد السياسي كان يغلي بالفعل مع رغبة المجلس العسكري في وضع بنود تفضيلية للمؤسسة العسكرية في الدستور المزمع إعداده ورفض القوى المدنية لذلك.
وعلى مدار أسبوع كامل، قامت قوات الشرطة وقوات فض الشغب بتصفية الثوار جسدياً وليس مجرد تفريقهم، فيما وصفه مركز النديم (مركز تأهيل ضحايا العنف والتعذيب) بالإبادة الجماعية للمتظاهرين، في ظل استخدام القوة المفرطة وتصويب الشرطة الأسلحة على الوجه مباشرة بقصد إحداث عاهات مستديمة واستهداف المستشفيات الميدانية.
وأدت أحداث محمد محمود إلى مقتل المئات بالإضافة إلى إصابة الآلاف، وكانت الكثير من الإصابات في العيون والوجه والصدر نتيجة استخدام الخرطوش، بالإضافة إلى حالات الاختناق نتيجة استخدام الغاز المسيل للدموع.
وعلى إثر تلك الأحداث، قامت منظمة العفو الدولية بمطالبة وقف تصدير الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع للداخلية المصرية حتى إعادة هيكلة الشرطة، بعدما استوردت مصر من أمريكا 45.9 طن من قنابل الغاز والذخائر المطاطية منذ يناير 2011.
ماذا حدث في ماسبيرو؟
وقعت أحداث ماسبيرو (نسبة إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون المصري على كورنيش النيل بالقرب من ميدان التحرير) يوم الأحد 9 أكتوبر/تشرين الأول 2011، فيما يعرف إعلامياً باسم "الأحد الدامي"، وتعود خلفية أحداث ذلك اليوم إلى أحداث وقعت في محافظة أسوان في أقصى جنوب مصر.
والقصة تتعلق بقيام بعض أهالي قرية المريناب في محافظة أسوان بهدم كنيسة قالوا إنها غير مرخصة، على الرغم من أن الكنيسة أو المبنى الذي يستخدمه الأقباط هناك ككنيسة قائم منذ منتصف الثمانينات ولم تقم الحكومة بهدمه أو حظر إقامة الشعائر المسيحية فيه.
وغضب الأقباط في أسوان وفي مصر بشكل عام، حيث يشكل الأقباط نحو 10% من سكان مصر، وزاد من الاحتقان تصريحات محافظ أسوان تعليقاً على ما حدث، والتي اعتُبرت مسيئة للأقباط؛ لتبدأ تظاهرات شارك فيها شباب من الأقباط والمسلمين في تعبير عن الوحدة الوطنية.
وفي ظل عدم تحرك المجلس العسكري- الذي كان يدير البلاد وقتها- لاتخاذ خطوات لتهدئة الاحتقان الناتج عن تلك الأحداث، تصاعدت الأمور والمظاهرات وسط مواصلة القوات الحكومية التعامل بعنف مع المتظاهرين، وأعلن عدد من الأقباط الاعتصام أمام مبنى ماسبيرو مساء 4 أكتوبر/تشرين الأول 2011 حتى تتحرك الحكومة ويتم تقديم الجناة (من هدموا الكنيسة) إلى المحاكمة.
لكن قوات من الشرطة العسكرية قامت بفض الاعتصام بالقوة، وانتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لأفراد من الشرطة العسكرية يعتدون بالضرب بطريقة وحشية على أحد الشباب؛ مما أدى إلى زيادة حدة الاحتقان ودعوة هيئات قبطية إلى التظاهر والاعتصام في عموم البلاد يوم الأحد 9 أكتوبر/تشرين الأول الذي شهد الأحداث الدامية.
ومع وصول المتظاهرين، أقباطاً ومسلمين، إلى منطقة ماسبيرو، تحركت قوات الشرطة العسكرية لتوقف تقدم المظاهرة، وألقى بعض الأفراد الحجارة وزجاجات المياه البلاستيكية على قوات الشرطة العسكرية المتقدمة صوبها، فقامت قوات الشرطة العسكرية بتفريق المتظاهرين باستخدام الدروع والضرب بالعصي الخشبية.
ثم أطلقت الشرطة العسكرية رصاصات صوتية لتفريق المتظاهرين، مما أثار الرعب لديهم، فتسبب ذلك في تراجعهم للوراء بعيداً عن مبنى الإذاعة والتليفزيون (ماسبيرو) بسرعة للهروب من هجمة قوات الشرطة العسكرية. ومع الازدحام والأعداد الكبيرة واستمرار اعتداء قوات الشرطة العسكرية، تساقط الكثيرون من المتظاهرين بعضهم فوق بعض وأصيبوا بإصابات مختلفة.
وخلال ذلك المشهد المضطرب، بدأت المركبات المدرعة في التحرك بعد دقائق قليلة من بداية استخدام الشرطة العسكرية للقوة لتفريق المتظاهرين ومنعهم من التقدم للمنطقة المحيطة بمبنى ماسبيرو، فتحركت ثلاث مركبات مدرعة، الواحدة تلو الأخرى، بشكل متلاحق وسريع بين المتظاهرين بالغة السرعة ودائرية، لتقوم بدهس عدد من المتظاهرين فسقط 12 قتيلاً، بالإضافة إلى خمسة من الجرحى بإصابات بالغة.
ماذا حدث في استاد بورسعيد؟
وقعت أحداث استاد بورسعيد أو "مجزرة بورسعيد" يوم 1 فبراير/شباط 2012، بمجرد انتهاء مباراة الأهلي (ينتمي إلى العاصمة ويعتبر أكثر أندية مصر شعبية) والمصري (أحد أبرز أندية بورسعيد- إحدى مدن القناة في مصر)، حيث هاجمت أعداد كبيرة من جمهور النادي البورسعيدي مدرج جمهور الأهلي (الفريق الضيف)، ليسقط ويفقد 74 من جمهور الفريق الزائر حياتهم، فيما وصفها الاتحاد الدولي لكرة القدم بأنها واحدة من أسوأ كوارث كرة القدم عبر التاريخ.
وفي ذلك الوقت، كان المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي يتولى مسؤولية الحكم في البلاد، وأصدر المشير في اليوم التالي للكارثة التي أصابت مصر والعالم بالصدمة بياناً توعد فيه بملاحقة المتسببين في "المذبحة"، كما توعد من "يخطط لعدم استقرار مصر".
وتوجهت أصابع الاتهام وقتها إلى الأجهزة الأمنية في البلاد، ووجه كثير من روابط المشجعين أصابع الاتهام للمجلس العسكري الحاكم، فيما شكل البرلمان وقتها لجنة لتقصي الحقائق، خلصت نتائجها إلى إدانة أجهزة الأمن والأجهزة الرياضية والإعلام، بسبب ما وصفته بالتشجيع على التعصب وزيادة الاحتقان بين جماهير الفرق الرياضية. وأعلن كمال الجنزوري، رئيس الوزراء المصري آنذاك، أمام البرلمان قبوله استقالة محافظ بورسعيد، وإيقاف مدير الأمن ومدير المباحث، وإقالة مجلس اتحاد الكرة بالكامل وإحالتهم إلى التحقيق.
وبعد سنوات من المذبحة شهدت تحويل 73 شخصاً إلى المحاكمة، بينهم تسعة من قيادات الشرطة بمديرية أمن بورسعيد، مع صدور قرار بحظر النشر في القضية، صدرت أحكام نهائية بإعدام 10 من المتهمين وأحكام بالسجن على آخرين، ليس من بينهم قيادات الشرطة.