مع وصول الشحنة الأولى من النفط الإيراني إلى لبنان، الخميس الماضي، ظهر العديد من التساؤلات حول صمت واشنطن تجاه الخطوة، لا سيما أنها لطالما أشهرت سلاح العقوبات ضد طهران وذراعها في لبنان "حزب الله"، فهل تفرض واشنطن عقوبات بحق لبنان أم أن هناك صفقة وراء الأمر؟
ونفّذ أمين عام جماعة "حزب الله" حسن نصرالله وعده باستقدام المازوت الإيراني إلى لبنان، في محاولة لتخفيف أزمة المحروقات الحادة التي تعيشها البلاد.
ووصلت السفينة الأولى من إيران إلى مرفأ بانياس السوري، وتم تفريغ حمولتها فيه، ثمّ نُقلت المواد النفطية، الخميس الماضي، إلى منطقة بعلبك (شرق لبنان) لتخزينها، وتوزيعها لاحقاً على الفئات المستهدفة.
وتنتهك صادرات النفط الإيرانية الحظر الأمريكي المفروض على إيران، وتخاطر الناقلات التي تحمل نفطاً إيرانياً باحتمال إيقافها ومصادرتها من قبل القوات الأمريكية، ومعاقبة البلاد المتجهة إليها.
وتوزع المواد وفق قسمين، الأول كهِبات للمستشفيات الحكومية، ودور المسنين، ودور ذوي الاحتياجات الخاصة، ومؤسسات المياه، والبلديات، وأفواج الإطفاء الرسمي والصليب الأحمر.
أما الثاني، فيتم بيعه بالليرة اللبنانية، وفق جدول أسعار وزارة الطاقة اللبنانية، إلى المستشفيات الخاصة والمطاحن ومعامل الأمصال، والاستهلاكيات والتعاونيات الغذائية لتأمين الكهرباء، ومعامل الصناعات الغذائية، والمعامل الزراعية التي لديها مولدات.
ويعاني لبنان، منذ أشهر، شحاً شديداً في المحروقات، ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي وأزمة في قطاعات حيوية عدة.
ومع وصول الحمولة الأولى، انقسم الرأي العام اللبناني بين مؤيد ومعارض، كما تباينت الآراء حول غض واشنطن الطرف عن تلك الشحنات، ما اعتبره البعض نوعاً من التسهيل لدخولها.
موقف أمريكا من جلب الوقود الإيراني إلى لبنان
وكان رد الفعل الأمريكي على إعلان حزب الله هادئاً، بل يمكن وصفه بالإيجابي، فلقد أعقبه إعلان واشنطن عزمها العمل على نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا إلى لبنان.
وعلقت السفيرة الأمريكية دورثي شيا على صفقة النفط الإيرانية قائلة في مقابلة على قناة "الجديد" عبر برنامج "هنا بيروت"، إن "تفريغ النفط الإيراني في مرفأ بيروت ليس حلاً بالفعل، وإن تخلصتم من الفساد المستشري في قطاعي الطاقة والكهرباء فستُحلّ نصف المشكلة على الفور".
وأضافت شيا قائلة: "وما تتطلّع إليه إيران هو نوع من دولة تابعة يمكنها أن تستغلها لتنفيذ جدول أعمالها، وتتوفر حلول أفضل بكثير من اللجوء إلى إيران".
ونشرت السفارة الإيرانية في بيروت تصريحها عبر منصة التواصل الاجتماعي "تويتر"، وجاء فيه: "وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى بيروت بغنى عن تفاهات السفيرة الأمريكية دورثي شيا".
تحدٍّ للعقوبات الأمريكي أم خرق مقبول؟
المحلل السياسي اللبناني سركيس أبوزيد يقول إن "خطوة حزب الله تحمل دلالات عدة، فهي خرقت قانون العقوبات الأمريكي، والحظر المفروض على سوريا ولبنان من جهة، ومن جهة أخرى، فبمجرد وصول المحروقات للبلاد، تم كسر احتكار الشركات التي تتاجر في المازوت".
ويعتبر في حديث لـ"الأناضول" أن لهذه الخطوة دلالة سياسية أكثر منها اقتصادية.
كلام أبوزيد يتوافق مع كلام المحلل السياسي قاسم قصير، الذي يرى أن "إدخال المازوت الإيراني من سوريا كسر الحصار الأمريكي على لبنان وشكّل حافزاً للأمريكيين وللدول الأخرى للإسراع بحل الأزمة اللبنانية".
ويشير في حديث لـ"الأناضول" إلى أن "الفراغ في لبنان يجب أن يملأه أحد، ففي حال قصرت الدولة اللبنانية والدول الخارجية لم تساعد، ستظهر حتماً جهة تسد هذا الفراغ".
بالمقابل، يقول المحامي والمحلل السياسي جوي لحود إنه "لا حصار أمريكياً على لبنان، إنما هناك حصار على حزب الله الذي هو يحاصر لبنان".
ويبرّر فكرته بالقول في حديث لـ"الأناضول: "لو كان هناك حصار على لبنان، لما كنا رأينا المساعدات المالية الهائلة المقدمة للجيش اللبناني وللجمعيات غير الحكومية وللمجتمع اللبناني".
ويطرح أسئلة عدة حول دخول الصهاريج للأراضي اللبنانية: "كيف دخلت؟ هل تم فحص نوعية المواد النفطية التي تحملها وإن كانت تتناسب مع المعايير المعتمدة في لبنان؟ هل تمّ دفع الرسوم التي تتوجب عليها؟".
وكان إعلام محلي لبناني ذكر أن الشاحنات قد دخلت عبر معابر غير شرعية موجودة بين الحدود اللبنانية والسورية.
ويعتبر لحود أن "هذه المشهدية مضرة جداً للدولة اللبنانية ومضرة لموضوع السيادة في البلاد".
إدخال المحروقات جرى عبر مؤسسة خاضعة أصلاً للعقوبات
وتحدث قصير عن طريقة إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان، مشيراً إلى أنه "لم يتم اعتماد مؤسسة رسمية لبنانية لإدخال المواد النفطية، أي أنها لم تدخل عبر المرافئ اللبنانية ولا عبر الشركات اللبنانية، وأن الشركة الوحيدة التي تتولى توزيعها هي شركة "الأمانة" وهي أساساً تحت العقوبات الأمريكية".
ورغم ذلك، وفق قصير، فإن الموقف الأمريكي كان هادئاً ولم يكن سلبياً بالمطلق.
وفي عام 2019، وضعت واشنطن شركة "الأمانة" على لائحة الإرهاب، وفرضت عليها عقوبات.
ودائماً ما تفرض الولايات المتحدة عقوبات على أشخاص أو شركات موالية لحزب الله وحلفائه، كما أنه بموجب "قانون قيصر" الأمريكي بات أي شخص أو كيان يتعامل مع النظام السوري معرضاً للقيود على السفر أو العقوبات المالية بغض النظر عن مكانه في العالم.
رئيس الحكومة اللبنانية لا يخشى العقوبات الأمريكية
وفي مؤشر على وجود صفقة أو تطمين أمريكي للبنان، قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في مقابلة على قناة "سي إن إن" الأمريكية، إنه "ليس خائفاً من عقوبات على لبنان، لأن العملية تمت في معزل عن الحكومة".
المفارقة أن ميقاتي حاول تبرئة ذمته كلامياً من إدخال النفط الإيراني إلى لبنان، قائلاً: "إن إدخال النفط الإيراني انتهاك للسيادة اللبنانية".
وقالت الأكاديمية والمحاضرة في الجامعة اللبنانية، الدكتورة تمارا برّو، لموقع "الرؤية"، إنه لا يمكن الجزم حول ما إذا كانت الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على لبنان بسبب السفينة الإيرانية أم لا، فمثلاً البواخر الإيرانية التي وصلت إلى فنزويلا فرضت عليها عقوبات، ولم تفرض على فنزويلا بسبب النفط الإيراني.
هل تسهل أمريكا صفقة المحروقات الإيرانية؟
وحول موقف واشنطن من استقبال لبنان ناقلة نفط قادمة من إيران رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها، قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني محمد سعيد الرز لـ"الرؤية"، إن الولايات المتحدة، وكما جاء على لسان سفيرتها في لبنان دوروثي شيا، تتعامل بمنطق إنساني دون اعتراض صريح، بل الإعلان عن خطة لاستقدام الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأردن وسوريا.
وأضاف الرز أن تصريحات السفيرة الأمريكية في بيروت دفعت بالعديد من المراقبين إلى طرح عدة تساؤلات، أبرزها: هل يعود تجاهل الولايات المتحدة لسفينة النفط الإيراني إلى توافق بين طهران وواشنطن تحت شعار إبداء حسن النوايا؛ تمهيداً لاستئناف المفاوضات بين الطرفين الشهر المقبل، أم أن الضغوط غير المعلنة التي يقوم بها حسن نصرالله مع رئيس الجمهورية لتسريع تشكيل الحكومة تدخل في هذا الإطار؟
وأشار الرز إلى أن الموقف الأمريكي لا يمكن توقعه في هذا التوقيت، فكل الاحتمالات مطروحة، خاصة إذا توالى مجيء السفن الإيرانية الإغاثية إلى لبنان، ولم يعد مستغرباً وجود أي خطوة أمريكية في هذا المجال بعد الانسحاب من أفغانستان بالشكل الذي تم وبتسليم طالبان زمام الحكم، لافتاً إلى أن الأيام المقبلة سوف تكشف الكثير من الحقائق.
ويوضح أبوزيد أن "هناك موازين قوى جديدة في المنطقة"، لافتا إلى أن "أمريكا تتكيف مع الوقائع الجديدة لترسم خطة جديدة لها، ليست واضحة حتى الآن".
ويؤكد أن "أمريكا لا تريد الذهاب لمواجهة عسكرية في المنطقة، لذا تقوم اليوم بأداء مختلف عن السابق، فهي تعدّل بأسلوبها، والدليل على ذلك موافقتها على خط الغاز العربي، وتأمين غطاء للوفد اللبناني الذي زار سوريا، وغض النظر عن المازوت من إيران".
وفي مطلع أغسطس/آب، حل وفد لبناني بدمشق، في زيارة تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، ضمن مساعي تخفيف أزمة الكهرباء في لبنان.
وكان المسؤولون اللبنانيون يتجنبون زيارة سوريا رسمياً منذ بدء الثورة عام 2011، حيث تبنت بيروت سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الإقليمية، رغم خرق جماعة "حزب الله" تلك السياسة بالقتال إلى جانب نظام بشار الأسد في مواجهة قوات المعارضة.
ويعتبر أبوزيد أن "الولايات المتحدة الأمريكية تفتح الأبواب لكل التسويات الممكنة"، لافتاً إلى "أننا في مرحلة انتقالية لم تتضح صورتها بعد".
أما قصير فيضيف أن "المزيد من الحصار كان سيجعل لبنان في حضن إيران والصين وروسيا وسوريا، لذا أسرعت أمريكا للتعاون مع حلفائها بالمنطقة في الأردن ومصر لجلب الغاز والكهرباء إلى لبنان".
ووافقت الإدارة الأمريكية على متابعة مساعدة لبنان لجلب الطاقة الكهربائية (جلبها عبر خطوط) من الأردن عبر سوريا.
ويتوافق كلام المحللين عن وجود مرونة أمريكية تجاه حزب الله، ويقول لحود: "الظاهر هناك تغيير بالسياسة الخارجية الأمريكية وهي تعتمد أسلوباً مختلفاً عما كان معمولاً به خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب".
ويعتبر أن "أمريكا رأت أن عملية مواجهة حزب الله تضر بالشعب اللبناني، وتعود بالنفع على الحزب، لذا ستعتمد على مقاربة جديدة، وذلك بالتزامن مع انعقاد آخر جولة تقريباً بين أمريكيين وإيرانيين (المفاوضات الجارية بفيينا بشأن النووي الإيراني)".
ويشير لحود إلى أن "كل ما يحصل في لبنان هو عملية تكيّف مع ما يحصل في فيينا (المفاوضات الأمريكية الإيرانية)، وهناك تسهيل من الجانبين (أمريكا وحزب الله) في لبنان".