“ثلث كوب من الدقيق”.. آبي أحمد واثق من هزيمة تيغراي رغم نكبة جيشه، إنه يراهن على سلاح شديد الوحشية

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/09/18 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/18 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش

رغم هزيمته الكبيرة على يد تيغراي، ما زال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد واثق من النصر، ويخبر القادة الأفارقة بأنه لديه خطة لتحقيق الفوز.

على الأرض، فإن الوضع في إثيوبيا يتدهور والجيش يلجأ لمتطوعين ضعيفي التدريب، فيما الأسلحة الوحيدة المتوفرة بجعبة آبي أحمد لهزيمة التيغراي ليست عسكرية بل أساليب وحشية غير قتالية.

وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، اليوم السبت 18 سبتمبر/أيلول، أمراً تنفيذياً يصف الحرب والأزمة الإنسانية وأزمة حقوق الإنسان في إثيوبيا بأنها "تهديدٌ استثنائي وغير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة"، ويضع وفقاً لذلك آلياتٍ لفرض عقوباتٍ على الأفراد والكيانات المتورِّطة في الانتهاكات وفي الحرب. 

لا يأتي ذلك في وقتٍ سابقٍ لأوانه، فمن العناوين الرئيسية للصحف، كانت الحرب الأهلية مستعرةً بالفعل. يموت الآلاف في معارك دامية بين مقاتلي المقاومة التيغرانيين والمجنَّدين ذوي التدريب الرديء الذين تنشرهم الحكومة الإثيوبية لدعم جيشها المُحطَّم، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي. 

وُثِّقَ أكثر من 200 موقع لمذابح ارتُكِبَت في تيغراي، وتعرَّضَت آلاف النساء للاغتصاب بوحشية. وهناك مجاعةٌ تولَّدَت عن هذه الحرب، فيما تهدِّد الكراهية العرقية التي تثيرها الدعاية الحكومية بتمزيق أوصال البلاد. 

آبي أحمد لديه ثقة غريبة في النصر

هذه الحقائق القاسية تحجبها الثقة الغريبة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بأنه مُقدَّرٌ له استعادة أيام المجد الأسطورية للإمبراطورية الإثيوبية، علاوةً على الحملات الدعائية العدوانية التي يشنُّها الموالون له. 

اتَّخذت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي الطريق الأقل مقاومةً، ولم ينظرا إلى إهانات إثيوبيا الدبلوماسية إلا في ظاهرها فقط، فيما ندَّدَت الولايات المتحدة بخداع آبي أحمد وتدميره نفسه. يُعَدُّ هذا موقفاً صحيحاً، لكن ليس ثمة قوةٌ خارجية يمكنها إنقاذ بلدٍ يقوده زعيمه بلا مبالاةٍ إلى كارثة. 

بدأت الحرب ليلة 3-4 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عندما وقع خلافٌ سياسي بين الحكومة الاتحادية في إثيوبيا، برئاسة رئيس الوزراء آبي أحمد، والحكومة الإقليمية في تيغراي، بقيادة جبهة تحرير تيغراي الشعبية، وتحوَّل الخلاف إلى عنف. 

أسباب الحرب مُعقَّدة ومثيرة للجدل. تنازَعَ الجانبان حول حقوق الولايات داخل الاتحاد الإثيوبي، إذ أجرى التيغرانيون استفتاءً ضد قرار الحكومة الفيدرالية بتأجيل الانتخابات بسبب جائحة كوفيد-19، وشجب كلُّ جانبٍ الآخر باعتباره غير شرعي. أُطلِقَت الطلقات الأولى من جانب التيغرانيين، وفي غضون أيام شُنَّ هجومٌ بريٌّ وجويٌّ مُعَد جيِّداً من قِبَلِ مجموعةٍ من القوات الاتحادية الإثيوبية وميليشياتٍ من منطقة أمهرة المجاورة والقوات الإريترية في الشمال. وقبل انتهاء الشهر، استولى هذا التحالف على ميكيلي، عامة تيغراي، ما أجبر القيادة التيغرانية على الفرار إلى الجبال. 

المذابح وحدت التيغراي ليقلبوا الطاولة

وطيلة الأشهر السبعة التالية، أكدت الحكومة الإثيوبية للعالم مراراً أنها على وشك القضاء على فلول الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. ورغم التعتيم الصارم على المعلومات، تسرَّبَت معلوماتٌ مُزعِجة حول انتهاكاتٍ جسيمة لحقوق الإنسان، وبالتأكيد جرائم ضد الإنسانية. 

وُصِفَت القوات الإثيوبية والإريترية بأنها ارتكبت جرائم حرب. ودفعت هذه الفظائع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وغيرها من القوى إلى التوحُّد في المقاومة المسلَّحة. وظلَّت الحرب قائمةً، مع تزايد الخسائر في ساحة المعركة، بعيداً عن أنظار وسائل الإعلام. 

وفي يونيو/حزيران الماضي، قلب مقاتلو تيغراي الطاولة العسكرية على الجيش الإثيوبي، وحقَّقوا انتصاراتٍ حاسمة، وأجبروا الجيش الاتحادي على التخلي عن معظم تيغراي، بما في ذلك مدينة ميكيلي. ومع ذلك، احتفظت الحكومة بالسيطرة على غرب تيغراي وهي منطقةٌ متاخمةٌ للسودان، حيث يتواصل التطهير العرقي ضد التيغرانيين، فيما انسحب الإريتريون إلى خطوطٍ دفاعية على طول الحدود الدولية. 

آبي أحمد
الرئيس الإريتري أسياس أفورق مع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد/رويترز

بعد هذه الهزيمة، أعلن آبي أحمد وقف إطلاق النار، لكنه أوضح أنه ينوي إعادة التعبئة والعودة بالقوة في أقرب وقتٍ ممكن. وكان ذلك لسببٍ وجيه، إذ رفض المتحدِّث باسم الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، غيتاشو رضا، الذي اشتهر بتغريداته الاستفزازية، إعلان وقف إطلاق النار ووصفه بأنه "مزحة سخيفة". 

ثلث كوب من الدقيق.. أقوى سلاح لدى رئيس وزراء إثيوبيا هو التجويع

والأهم من ذلك هو أن آبي أحمد استمرَّ في استخدام أقوى سلاح لديه، ألا وهو التجويع، حسب الموقع الأمريكي. 

إذ تطوِّق إثيوبيا وإريتريا تيغراي وتفرضان حصاراً عليها. البنوك مُغلَقة، وحركة المرور التجارية متوقِّفة، والمساعدات الإنسانية محدودةٌ للغاية. ويحتاج أكثر من خمسة ملايين شخص في تيغراي مساعداتٍ طارئة، ما يُقدَّر بنحو 4 آلاف طن في اليوم. 

ومنذ أن استعاد سكَّان تيغراي السيطرة، سُمِحَ بدخول ما مجموعه 435 شاحنة فقط، وهذا يعني متوسط حصة يومية للفرد الواحد تبلغ حوالي 40 غراماً، أي أقل قليلاً من ثلث كوبٍ من الدقيق. ولا تكمن العقبة في انعدام الأمن العام، بل في سياسة الحكومة المتمثِّلة في استخدام التجويع ضد السكَّان المدنيين، وهي جريمة حرب. 

التيغراي يقولون إنهم يدافعون عن الدستور، وأحمد يحاول إحياء الإمبراطورية الحبشية بالكراهية

تقول حكومة تيغراي الإقليمية إنها تدافع عن دستور إثيوبيا الاتحادي. اعتُمِدَ هذا الدستور عام 1995، عندما كانت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في الحكومة، وينص هذا الدستور المثير للجدل على أن لكلِّ منطقةٍ في إثيوبيا الحقَّ في تقرير المصير، بما في ذلك الاستقلال. وهذا هو بالضبط ما تسعى رؤية آبي أحمد لإثيوبيا الموحَّدة إلى إنكاره، فقد أصبح أحمد قومياً متطرِّفاً، يسعى لإحياء أيام مجد الإمبراطورية الحبشية. 

بعد استعادة ميكيلي، لم ينتظر التيغرانيون هجوماً مضاداً، فقد قاموا بالهجوم، مستخدمين الدبابات والمدفعية التي استولوا عليها، بينما كان خصمهم في حالةٍ من الفوضى. اجتاحوا تيغراي إلى منطقتيّ عفار وأمهرة، لكن القادة لم يشرحوا أهدافهم الحربية. هل سعوا لكسر الحصار وتأمين الطرق للمساعدة؟ هل أرادوا إطاحة الحكومة في أديس أبابا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يريدون إعادة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي إلى السلطة أم تشكيل تحالف مع المتمرِّدين في جنوب إثيوبيا؟ 

إقليم تيغراي محاصر من الحكومة الإثيوبية وإريتريا/ويكيبديا

ومع تدمير نصف جيشه وتبدُّد مزاعمه حول الانتصار، قد يُتوقَّع من القائد أن يُصاب بالذعر أو يفر هارباً. لكن آبي أحمد ليس مثل هذا القائد. بثقةٍ هادئة، أعلن أنه مُقدَّر له أن ينتصر. يؤكِّد آبي للقادة الأفارقة أن لديه خطةً للانتصار في الحرب، وهو واثقٌ من ذلك. 

رَفَعَ آبي أحمد الخطاب القومي إلى الحدِّ الأقصى. وأصبحت رسائل الكراهية، والتي غالباً ما كانت صريحةً، لكن مقتصرةٌ على جماعات الشتات الهامشية، سائدةً الآن. يصف آبي أحمد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والتيغرانيين بصورةٍ عامة، بالضباع والسرطانات والأعشاب الضارة التي يتعيَّن اجتثاثها. ويستجيب الكثير من الإثيوبيين لدعوته لكلِّ إثيوبي قادر جسدياً على حمل السلاح للقتال من أجل الأرض ضد "الخونة" والإرهابيين" التيغرانيين، على حدِّ وصفه. 

تحميل المزيد