"أوكوس" هي شراكة أمنية ودفاعية بين أمريكا وبريطانيا، هدفها غير المعلن هو حصار الصين، لكن فرنسا اعتبرت ذلك "طعنة في الظهر"، والسبب صفقة غواصات خسرتها باريس وفازت بها واشنطن ولندن.
اتفاقية أو مبادرة "أوكوس" هي اختصار للبلدان الثلاثة- أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة- باللغة الإنجليزية AUKUS، وتم الإعلان عنها من جانب قادة تلك الدول مساء الأربعاء، 15 سبتمبر/أيلول 2021، وهي عبارة عن شراكة دفاعية وأمنية جديدة قالوا إن هدفها "حماية مصالحهم" في المحيطين الهندي والهادي.
لكن الإعلان عن تلك الشراكة قد تسبب في ردود فعل غاضبة جداً من جانب فرنسا، وتحذيرات من "عقلية الحرب الباردة" من جانب الصين، رغم أن موريسون رئيس وزراء أستراليا، وجونسون رئيس وزراء بريطانيا، وبايدن رئيس أمريكا لم يذكروا "الصين" في إعلانهم عن "أوكوس".
علامَ اتفق أطراف "أوكوس"؟
قبل الدخول إلى كواليس وغايات وتداعيات تلك المبادرة أو الاتفاقية بين العواصم الثلاث، نتوقف أولاً عند ما أعلن من بنود "أوكوس"، وأهدافها المعلنة من جانب الزعماء الثلاثة.
بحسب بيان نشره الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية، فإن "قادة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا اتفقوا على إطلاق شراكة دفاعية وأمنية تاريخية"، وأضاف البيان أن هذه الشراكة "ستحمي وتدافع عن مصالحنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادي".
وأطلقت الدول الثلاث على هذه الشراكة اسم "تحالف أوكوس AUKUS"، وقالت إنها "ستعمل على تعزيز تطوير القدرات المشتركة ومشاركة التكنولوجيا، ما يضمن حماية موظفينا من أي أذى، وتعزيز أهدافنا المشتركة".
وبحسب البيان، "يعكس التحالف المستوى الفريد من الثقة والتعاون بين البلدان الثلاثة، التي تشارك بالفعل معلومات استخبارية واسعة من خلال تحالف العيون الخمس"، (في إشارة إلى التحالف الاستخباراتي بين دول الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا).
وستكون المبادرة الأولى في إطار التحالف التعاون بشأن توفير غواصات تعمل بالطاقة النووية في المستقبل للبحرية الملكية الأسترالية، وأضاف البيان أن "هذه القدرة ستعزز الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وسيتم نشرها لدعم قيمنا ومصالحنا المشتركة".
بينما قال جونسون إن "المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة حلفاء طبيعيون، في حين أننا قد نكون منفصلين جغرافياً إلا أن اهتماماتنا وقيمنا مشتركة"، وأضاف أن "تحالف أوكوس سيقربنا أكثر من أي وقت مضى، ما يخلق شراكة دفاعية جديدة ويقود الوظائف والازدهار. ستصبح هذه الشراكة حيوية بشكل متزايد للدفاع عن مصالحنا في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وبالتالي حماية شعبنا في الوطن".
أما بايدن فقد تحدث كثيراً عن "القيم المشتركة التي تجمع البلدان الثلاثة"، واستطرد في الحديث عن "الحروب التي خاضوها معاً في القرن العشرين من الحرب العالمية الأولى للثانية إلى الحروب في الخليج وأفغانستان وغيرها"، واصفاً الاتفاق بأنه "تاريخي ويهدف إلى ضمان الاستقرار في العالم".
ومن جانبه، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي موريسون في نفس السياق، معلناً عن اتفاقية للحصول على غواصات تعمل بالوقود النووي من جانب واشنطن ولندن، وإلغاء اتفاقية لشراء غواصات فرنسية.
فرنسا تستشيط غضباً
ولم يتأخر رد الفعل الفرنسي على ذلك الإعلان من جانب الدول الثلاث، فيما ينذر بوقوع شرخ عميق في التحالف الغربي التقليدي، إذ وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان ما حدث بأنه "طعنة في الظهر"، ووصف ما أقدم عليه بايدن بأنه تصرف من نوعية تصرفات سلفه في البيت الأبيض دونالد ترامب.
فقد كانت أستراليا قد اختارت مجموعة نافال جروب الفرنسية لصناعة السفن في 2016، لصنع أسطول غواصات جديد بقيمة 40 مليار دولار، ليحل محل غواصات من الطراز كولنز، يبلغ عمرها أكثر من 20 عاماً. وتم توقيع العقد بالفعل في الصيف الماضي، وقبل أسبوعين فقط، جدّد وزيرا الدفاع والخارجية الأستراليان التأكيد على الصفقة.
وبالتالي رأت فرنسا في إقصائها من واحدة من أكبر الصفقات العسكرية في العالم "خيانة للثقة" من جانب أستراليا، و"طعنة في الظهر من جانب بايدن والتصرف مثل "ترامب".
وقال لودريان في تصريحات بثتها إذاعة فرانس إنفو "هذا القرار الجائر الأحادي وغير المتوقع يذكرني كثيراً بما كان يفعله السيد ترامب". وأضاف "أشعر بالغضب والمرارة، هذا أمر لا يحدث بين الحلفاء".
واعتبر بيان صادر عن الخارجية الفرنسية أن "هذا قرار مخالف لنصّ وروح التعاون الذي ساد بين فرنسا وأستراليا"، مضيفاً أن "الخيار الأمريكي الذي يؤدّي إلى إقصاء حليف وشريك أوروبي مثل فرنسا من شراكة مزمنة مع أستراليا، في وقت نواجه فيه تحدّيات غير مسبوقة في منطقة المحيطين الهندي والهادي (…) يشير إلى عدم ثبات لا يمكن لفرنسا إلا أن ترصده وتأسف له".
وقالت الوزارة أيضاً إن "القرار المؤسف (…) يؤكّد فحسب ضرورة إثارة مسألة الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بصوت عالٍ وواضح. ما من طريقة أخرى جديرة بالثقة للدفاع عن مصالحنا وقيمنا في العالم".
وهذه الفقرة الأخيرة هي إشارة ضمنية لسعي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تأسيس قوة عسكرية خاصة بالاتحاد الأوروبي، بعيداً عن حلف الناتو، وهي الفكرة القديمة التي باتت تتردد كثيراً مؤخراً، ومن الواضح أن باريس الغاضبة بشدة من خسارة عقد الغواصات سوف توظف ما حدث لإعطاء مزيد من الزخم للبدء في تأسيس جناح عسكري للاتحاد الأوروبي.
الصين الحاضر الغائب في "أوكوس"
لكن إذا كانت "أوكوس" قد أشعلت غضب فرنسا بسبب عقد الغواصات الذي فسخته معها أستراليا، فإن الصين لم تتأخر أيضاً في الإعلان عن تنديدها بتلك الاتفاقية العسكرية بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، فيما يتعلق بمنطقتي المحيط الهادي والهندي.
ورغم أنه لم يذكر أي من الزعماء الثلاثة، ولا البيانات الرسمية الصادرة، الصين تصريحاً في أي سياق، فإن بكين هي "الحاضر الغائب" في "أوكوس"، بحسب تحليل لشبكة CNN الأمريكية.
فالإعلان عن "أوكوس" هو أحدث الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة لمواجهة الصعود الصيني عسكرياً وتكنولوجياً، وسوف يستضيف بايدن الأسبوع القادم قادة أستراليا واليابان والهند في البيت الأبيض، في قمة "كواد" (الرباعية) التي تجمع الدول الأربع، وهو تجمع آخر يهدف إلى تأكيد "الزعامة الأمريكية" في آسيا، وسعى بايدن بالفعل لضم دول آسيوية أخرى للرباعية، وأرسل نائبته كامالا هاريس الشهر الماضي إلى سنغافورة وفيتنام لهذا الغرض، بحسب تقرير CNN.
وكان بايدن قد أجرى اتصالاً هاتفياً بشي جين بينغ، الرئيس الصيني، في الأسبوع الماضي، استمر 90 دقيقة، وهو الاتصال الأول بينهما منذ سبعة أشهر، ولم يطرح الرئيس الأمريكي مع بينغ قصة "أوكوس" من الأساس، بحسب مصادر البيت الأبيض.
وتحدثت تقارير عن أن شي "رفض" عرضاً من بايدن للقاء قمة بينهما، لكن الرئيس الأمريكي نفى تلك التقارير، بينما قالت مصادر أمريكية إن مسؤولي إدارة بايدن ما زالوا يعملون على عقد قمة بين بايدن وشي بشكل شخصي، وإن كانت فرصة عقدها على هامش اجتماع قمة العشرين أواخر أكتوبر/تشرين الأول المقبل لا تزال غير مؤكدة.
وفي ظل ارتفاع حدة التوترات بين القوى العظمى مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، كان بايدن حريصاً- لدى إعلانه عن "أوكوس"، على أن فرنسا لا تزال "شريكاً رئيسياً في منطقة المحيطين الهندي والهادي".
لكن التأكيد الأبرز على أن الصين هي الهدف الرئيسي من وراء مبادرة أو اتفاقية "أوكوس" يمكن رصده من خلال رد فعل بكين على الإعلان الثلاثي من أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا.
فقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية، الخميس 16 سبتمبر/أيلول، أن التعاون بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا حول الغواصات النووية "يضر بالنظام الدولي لحظر انتشار الأسلحة النووية".
بينما أصدرت السفارة الصينية في واشنطن بياناً قالت فيه إنه على الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا "التخلص من عقلية الحرب الباردة والتحيز الأيديولوجي".
الخلاصة هنا هي أن "أوكوس" تهدف بالأساس إلى تضييق الخناق على الصين في المحيطين الهندي والهادي، لكن من ناحية أخرى تسببت تلك الاتفاقية في إثارة أزمة حادة بين فرنسا من جهة وبين أستراليا والولايات المتحدة من جهة أخرى، ولا أحد يمكنه توقع تداعيات ذلك الإعلان الذي فاجأ الحلفاء قبل أن يمثل مفاجأة لبكين نفسها.