جاء إعلان إسرائيل استعدادها للتعايش مع الاتفاق النووي الإيراني ليمثل تطوراً لافتاً قد يؤشر إلى تهدئة قريبة في المنطقة ولكنها تهدئة مشروطة قد يعقبها احتمال تصعيد غير مسبوق.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس -في حديث مع مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية- إن تل أبيب يمكن أن تتعايش مع اتفاق دولي مع إيران بشأن برنامجها النووي.
ولكن غانتس الذي كان قائداً للجيش الإسرائيلي، وضع شرطاً إسرائيلياً لذلك، هو أن تكون هناك خطة بديلة في حال عدم التزام طهران بالاتفاق، بل لم يشترط خطة بديلة واحدة بل خطتين: خطة "ب"، وخطة "ج.
شروط إسرائيل لتقبل الاتفاق النووي الإيراني
أعرب الوزير عن رغبة إسرائيل في أن تكون هناك "خطة ب قابلة للحياة تقودها الولايات المتحدة" بما يشمل ممارسة ضغوط اقتصادية وسياسية ودبلوماسية على إيران من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا وكذلك الصين في حال انهيار التفاوض، مشيراً إلى ضرورة أن يكون لدى بكين دور مهم في هذه الخطة، بالنظر إلى تطور علاقات إيران الاقتصادية مع آسيا.
وأضاف غانتس أنهم في إسرائيل يمارسون ضغوطاً على إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإعداد خطة تشمل "استخدام القوة" ضد طهران في حال فشلت المحادثات، فيما وصف بالخطة "ج" .
وعندما سُئل عن جهود إدارة بايدن للعودة إلى اتفاق مع إيران، أجاب وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه يوافق على "النهج الأمريكي الحالي الذي يتمثل في إعادة البرنامج النووي الإيراني ووضعه في صندوق.. سنقبل بذلك"
ولكنه استدرك قائلاً: "إيران كثفت باستمرار، جهودها النووية منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق".
وقال: "يجب أن تخاف إيران من الولايات المتحدة وشركائها وتفهم أنهم جادون".
إسرائيل تريد تعاون أمريكا معها في أي عمل عسكري، ولكنها ستنفذه في كل الأحوال
وأشار إلى "الخطة ج" الخاصة بإسرائيل، والتي من شأنها أن تتضمن عملاً عسكرياً.
وقدّر وزير الدفاع الإسرائيلي بأن إيران على بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من امتلاك المواد والقدرات اللازمة لإنتاج قنبلة نووية واحدة.
وفي الوقت نفسه، قال بيني غانتس إنه مستعد لوقف تقدم إيران النووي، مضيفاً: "إذا دفعونا فسنصل إلى هناك، ومع أننا لسنا الولايات المتحدة لكن لدينا قدراتنا".
وحذَّر وزير الدفاع الإسرائيلي من أن انسحاب قوات الولايات المتحدة ودول الناتو من أفغانستان قد يصبح تطوراً مشجعاً، على مدى طويل، بالنسبة لإيران ووكلائها في المنطقة، داعياً إلى ضرورة عدم السماح بأن تخلص طهران إلى استنتاج بأن الحزم والقوة يكفيان لإجبار الغرب على الاستسلام.
استراتيجية إسرائيل الجديدة تتخطى إرث نتنياهو
وتأتي محاولة حكومة بينيت لصياغة استراتيجية جديدة إزاء إيران؛ في محاولة لتجاوز مزايدات رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، الذي يقدم نفسه بأنه كان قوياً ضد إيران وحتى ضعف حكومة بايدن معها.
وتعد المسألة الإيرانية إحدى القضايا الشائكة التي تواجهها الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت، وذلك لاعتبارات عدة. فمن ناحية يجد رئيس الوزراء اليميني المتطرف بينيت نفسه مطالَباً بإبراز نزعته اليمينية في خطابه التصعيدي تجاه إيران؛ من أجل الحفاظ على قاعدة ناخبيه اليمينيين، خاصة مع تزايد شكوكهم في ميوله اليمينية نتيجة لمشاركته في ائتلاف يضم (وسط-يسار)، إضافة إلى قطع الطريق أمام معسكر المعارضة الذي يقوده نتنياهو، والذي يحاول من خلاله المزايدة على أداء بينيت الذي وصفه بـ"الضعيف" تجاه إيران. ومن ناحية أخرى، تفرض عليه مقاربته مع الولايات المتحدة الأمريكية التخلي عن "النهج المغامر" الذي كانت تتبعه الحكومة الإسرائيلية السابقة في التعامل مع إيران، وإبداء المرونة تجاه نهج الإدارة الأمريكية في محاولاتها الراهنة للعودة إلى الاتفاق النووي عبر مفاوضاتها مع طهران في فيينا.
إذ تسعى الحكومة الإسرائيلية الحالية لعدم إثارة غضب إدارة بايدن ولكنها تريد في الوقت ذاته، أن تكون أكثر حدة مع إيران.
ومن هنا فإنها بدلاً من معارضة الاتفاق والتهديد بعمل منفرد ضده، تريد جذبها إلى صفِّها والإعلان عن الاستعداد لقبول الاتفاق، بشرط أن تكون لدى واشنطن خطط بديلة تتضمن عقوبات عسكرية واقتصادية، والأهم ضرورة الإسراع بكبح جماح البرنامج النووي الإيراني الذي خرج عن الالتزامات الواردة في الاتفاق منذ الانسحاب الأمريكي منه.
في المقابل، شن نتنياهو هجوماً شديد اللهجة على حكومة خليفته نفتالي بينيت، رداً على تصريحات عن إمكانية تقبُّل إسرائيل لاستئناف الاتفاق النووي مع إيران.
وتردّ قيادات الحكومة الإسرائيلية الحالية، بأن هناك فجوة كبيرة بين كلام نتنياهو عن إيران وسياسته الفعلية.
أما هي فتفضل بدلاً من تحدي إدارة يايدن وإيران في رفض الاتفاق النووي، أن تتحدى إيران بدعم من إدارة بايدن بعدما تثبت طهران أنها غير صادقة في إعلانها رغبتها في العودة لها.
يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت -الذي التقى الرئيس الأمريكي جو بايدن بواشنطن في 27 أغسطس/آب الجاري (2021)- أن يتبنى "مقاربة مرنة" تراعي من أجل تعزيز ثقة الحلفاء في الغرب، خاصةً واشنطن، في كونه شريكاً وثيقاً لا يخوض مغامرات مفاجئة مع إيران تتسبب في إحراجهم على غرار ما كان يفعل نتنياهو.
ومن ناحية أخرى، يحافظ على وضعيته داخل التيار اليميني المتطرف، خاصة مع طموحه إلى أن يخلف نتنياهو في قيادة هذا التكتل اليميني بعدما نجح في أن يخلفه بمقعد رئاسة الحكومة.
الرهان على عدم عودة إيران للاتفاق النووي
وسبق أن ذكر موقع "أكسيوس" الإخباري أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بنيت، قال في لقائه مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ويليام بيرنز: "على الولايات المتحدة وإسرائيل تطوير استراتيجية مشتركة لمواجهة احتمال عدم عودة إيران إلى الاتفاق النووي".
وأشار هذا التقرير إلى أن المناقشات لإيجاد استراتيجية بديلة كانت محور محادثات ويليام بيرنز مع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ووزير الدفاع بيني غانتس، ورئيس الموساد ديفيد بارني.
وبحسب هذا التقرير، يقول المسؤولون الإسرائيليون إنَّ تصورهم من تصريحات بيرنز هو أن احتمال عودة إيران للاتفاق النووي ضئيل.
الموت بألف طعنة
وخلال لقائهما الأخير، قدَّم بينيت لبايدن خطةً متعددة الجوانب لمواجهة إيران عسكرياً، واقتصادياً، ودبلوماسياً. وبدا أن بايدن تقبَّل الفكرة، حيث من المفترض أن خطة بينيت، المسماة "الموت بألف طعنة"، ستُوفِّر ميزة تجنّب الجميع وقوع حدثٍ دراماتيكي منفرد يُشعل صراعاً أكبر في منطقة الخليج.
وأخبر بينيت، بايدن بأنه يعارض العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وأن فاعلية الاتفاق قد تلاشت، بسبب شروط الغروب التي تلوح في الأفق والتقدم النووي الإيراني.
ولكن خلال اللقاء، كان بينيت سعيداً جداً بأمرَين، قالهما بايدن في تصريحاته للصحافة خلال لقائهما، حسب موقع "أكسيوس" الأمريكي.
أولاً: توسُّع بايدن في تصريحاته السابقة بأن إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً في عهده، وقال إنه ملتزم بعدم حيازة إيران أبداً سلاحاً نووياً.
ثانياً، قال بايدن إنه إذا فشلت الدبلوماسية مع إيران، فهو مستعد لاستكشاف خيارات أخرى، مردداً دعوات بينيت إلى "الخطة ب".
ولكن الخطة التي طرحها غانتس يبدو فيها تراجعاً عن الرفض الذي أبده بينيت للاتفاق النووي.
ويبدو أن قادة الحكومة الإسرائيلية يحاولون التأكد من كسب بايدن لفكرة الخطة البديلة عبر إبدائهم الاستعداد لقبول الاتفاق النووي شرط معاقبة إيران في حال عدم الالتزام به، كأنهم يقيمون الحجة على إيران.
اللافت أنه بينما يُفترض أن خطة بينيت ستُوفّر ميزة تجنُّب الجميع وقوع حدثٍ دراماتيكي منفرد يُشعل صراعاً أكبر في منطقة الخليج، لكن تصريحات غانتس الأخيرة فيها تلميح إلى عمل عسكري واسع قد تنفذه إسرائيل.
تأكيد قرب إيران من القنبلة النووية
وتروج تقارير غربية وإسرائيلية لاقتراب إيران بشدة من القنبلة النووية، وهي تقارير يصعب التأكد من صحتها.
فلقد قيل إن خبراء يدرسون البيانات الجديدة الواردة في تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخيرة، حول أن إيران تملك القدرة على إنتاج وقود لصنع رأس نووي في غضون شهر واحد، وفق تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
يشار إلى أن تقريراً صدر الإثنين الماضي، عن "معهد العلوم والأمن الدولي"، وهي مجموعة مستقلة متخصصة في تحليل النتائج التي توصلت إليها الوكالة التابعة للأمم المتحدة، ذكر أن تخصيب إيران لليورانيوم، خلال الصيف، بدرجة نقاء 60% كان له تأثير كبير، فقد جعلها قادرة على إنتاج وقود قنبلة واحدة في غضون شهر واحد، بينما يمكنها إنتاج وقود السلاح الثاني في أقل من ثلاثة أشهر، والثالث في أقل من خمسة أشهر.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، طالب الدول الكبرى، الأحد، بوضع حد لتطور البرنامج النووي الإيراني، مشيراً إلى أن إيران وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً من برنامجها النووي، وتابع قائلاً: "نعرف كيف نواجه إيران وسنقوم بذلك".
لابيد يهدد
المفارقة أن أكبر تصعيد من قِبل الحكومة الإسرائيلية جاء من وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، الذي يجرى الترويج له باعتباره الوجه المعتدل للحكومة الإسرائيلية المتطرفة.
وانتقد لابيد، في حوار مع وكالة "سبوتنيك" الروسية، الجمعة الماضي، استراتيجية الغرب الحالية إزاء إيران والاتفاق النووي المبرم معها عام 2015، مشدداً على أنه "ليست هناك أي مفاوضات في فيينا، وخطة العمل الشاملة المشتركة لا تعمل"، وقال: "أصبحت إيران تقريباً على وشك التحول إلى دولة نووية، ولا نستطيع السماح لها بفعل ذلك".
وأضاف: "يجب أن يدرك الناس أنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي فسوف ينطلق سباق تسلح في الشرق الأوسط، وستبادر السعودية ومصر وتركيا وكل واحد إلى العمل على تطوير (ترسانة نووية)".
وكان لابيد قد هدد بتبني إجراءات ضد إيران إذا فشل العالم في منعها من الحصول على ترسانة نووية.
هل بدأت الخطة الإسرائيلية؟ عمليات عسكرية بشكل أسبوعي سراً وعلانية
وكشف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، مؤخراً عن استراتيجية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لمواجهة إيران، مؤكداً أن العمليات والضربات الإسرائيلية تنفَّذ بشكل أسبوعي، جزء منها سري وآخر علني.
وقال رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، إن لدى الجيش الإسرائيلي "عدداً من خطط العمل المتنوعة" في حال تقرَّر "الهجوم على إيران" من قِبل المستوى السياسي.
وأوضح أن "العمليات الإسرائيلية ضد إيران وأذرعها في الشرق الأوسط تجري في إطار ما يطلق عليه المعركة ما بين الحروب، وكما يعرف أحياناً بالنشاطات السرية للأجهزة الأمنية خارج الحدود".
وتابع: "العمليات التي نقوم بها لها عدة أهداف، لكن الهدف المركزي هو تقليص الوجود الإيراني في الشرق الأوسط بالتشديد على سوريا، وأماكن أخرى أيضاً"، كما أضاف: "تلك العمليات التي تتم في عدة بقاع بالشرق الأوسط، تستهدف أيضاً حماس وحزب الله".
اللافت أن الخطة الإسرائيلية تقوم على افتراض أن إيران لن تعود للاتفاق النووي، علماً بأن تقديرات الخبراء الغربيين الموضوعيين، في الأغلب تميل إلى أن إيران تريد العودة للاتفاق النووي ولا تريد امتلاك أسلحة نووية بقدر امتلاك القدرة على تصنيعها في وقت وجيز.
ولكن إيران تماطل في المفاوضات لتحقيق مزيد من المكاسب، أهمها ضمان ألا تنسحب أمريكا من الاتفاق النووي مجدداً في حال عودة الجمهوريين للحكم.
ولكنّ طرح الخطة الإسرائيلية قد يقلب الطاولة على نهج المفاوضات الحالي، فهي قد تمثل ضغطاً على إيران للعودة إلى المفاوضات، وهو ضغط قد ترفض طهران الانصياع له؛ حتى لا يبدو أنها ضعيفة أمام إسرائيل والغرب، وهذا التمنُّع الإيراني قد يعطي زخماً إضافياً للخطة الإسرائيلية في الأوساط الغربية، وهي الخطة التي لو سارت لنهايتها التي يتوقعها واضعوها الإسرائيليون- لانتهت بعمل عسكري إسرائيلي أو أمريكي ضد إيران قد يتحول إلى حرب واسعة.