"أسلحة أمريكية بقيمة 83 مليار دولار استولت عليها طالبان التي بات لديها ترسانة عسكرية أكبر من أغلب الدول الأوروبية"، أصبحت مثل هذه التعليقات تثير الذعر في الغرب بعد سقوط كمية هائلة من الأسلحة الأمريكية في أفغانستان في يد الحركة إثر فرار الجيش الأفغاني.
وبات الحديث يدور عن أن الحركة تضاعفت قوتها بشكل كبير، كما تثار مخاوف من خطورة سقوط هذه الأسلحة في أيدي خصوم أمريكا الكبار، مثل الصين، وروسيا وإيران.
وقد تحول موضوع الأسلحة الأمريكية في أفغانستان التي سقطت في يد طالبان إلى إحدى أبرز النقاط التي يرددها المعارضون للانسحاب الأمريكي، ونقاد الرئيس الأمريكي جو بايدن من الجمهوريين خاصة.
ما حجم الأسلحة الأمريكية في أفغانستان التي آلت لطالبان؟
بعيداً عن المبالغات، ما حجم الأسلحة التي استولت عليها طالبان، وما مدى فاعليتها ومدى قدرة الحركة وقدرة أعداء أمريكا على الاستفادة منها؟
يزعم منتقدو إدارة بايدن أن الانسحاب من أفغانستان ترك طالبان ترسانة من الأسلحة المتطورة بقيمة 83 مليار دولار، ولكن حسب تقرير لقسم تقصي الحقائق في موقع Popular Mechanics، تم إنفاق جزء ضئيل فقط من المساعدات الأمريكية المرسلة إلى أفغانستان على الأسلحة والمعدات.
كما أن عشرات الطائرات وآلاف المركبات الأرضية ومئات الآلاف من الأسلحة الصغيرة موضع شك في أحسن الأحوال، وربما لن تكون موضع اهتمام حتى لخصم متعطش للتكنولوجيا مثل إيران، حسب الموقع.
وحسب الأرقام التي ينشرها خصوم الرئيس الأمريكي من الجمهوريين فلقد ورثت طالبان 22107 عربات همفي، و789 عربة مدرعة بعجلات، و169 مركبة مدرعة مجنزرة، و50 ألف مركبة خفيفة وشاحنة.
كما حصلوا على أكثر من نصف مليون رشاش وبندقية هجومية و176 قطعة مدفعية. فيما يتعلق بالإلكترونيات العسكرية، و162 ألف جهاز راديو و16035 زوجاً من نظارات الرؤية الليلية.
كما أن هناك أعداداً كبيرة من الطائرات. ويشمل ذلك 109 طائرات هليكوبتر أمريكية الصنع من طراز بلاك هوك وروسية من طراز "ميل مي 24″، وأربع طائرات نقل من طراز C-130 Hercules، وأكثر من 60 طائرة نقل خفيفة وتدريب وطائرات هجوم أرضي.
هذه هي الأسلحة الأمريكية في أفغانستان التي كانت قد قدمت للجيش الأفغاني والشرطة التابعين للحكومة الموالية لواشنطن.
بالنظر إلى أن طالبان تسيطر الآن بشكل كامل على البلاد، فمن المنطقي أن نفترض أن الحكام الجدد لديهم الآن سيطرة كاملة على هذا المخزون الضخم من المعدات.
ولكن يجب ملاحظة أن هناك بعض الاستثناءات، بما في ذلك القوات الحكومية الأفغانية التي فرت إلى البلدان المجاورة وجيوب المعارضة في وادي بنجشير التي قد تكون أو لا تزال مستمرة.
نقاط ضعف في الأسلحة الأمريكية في أفغانستان
ولكن حتى لو افترضنا أن معظم هذه الأسلحة سقطت في يد طالبان، فإن هذا لن يجعل الحركة مارداً عسكرياً.
فمركبات هامفي الـ22174 هي مركبات نقل عادية، وفي أحسن الأحوال لها قيمة كوسيلة نقل مصفحة، ولكنها لا توفر حماية ضد الأسلحة الثقيلة والمتوسطة مثل الرشاشات الثقيلة وقذائف الـ"آر بي جي"، هي وسيلة نقل في الخطوط الخلفية للمعارك أكثر منها وسيلة فعالة للهجوم على قوة مدججة بالسلاح.
وقد يكون هناك أسلحة أكثر تدريعاً ورثتها طالبان مثل الـ155 مركبة من طراز MaxxPro لدوريات الألغام والسيارات المدرعة 634 M1117 Guardian. في حين أن الدروع الموجودة على هذه المركبات قد تمنع الأسلحة الصغيرة وشظايا القذائف، ولكن غير قادرة على مقاومة الأسلحة مثل الصواريخ المضادة للدبابات أو حتى القذائف الصاروخية العادية.
أما الخمسون ألف شاحنة وسيارات الدفع الرباعي ذات الحماية القليلة أو المعدومة، فهي تمثل أسطولاً كبيراً للمركبات، على الرغم من كبر حجمه، غير قادر إلى حد كبير على القيام بعمل هجومي حقيقي، ولكنه يوفر دعماً لوجستياً للحركة في أي عمليات عسكرية.
تعتبر فئة الأسلحة الصغيرة أكثر إثارة للقلق، حيث تحتوي على 126 ألف مسدس و358 ألف بندقية هجومية و64 ألف رشاش. هذا يكفي لتجهيز عنصر الخدمة الفعلية للجيش الأمريكي.
لكن مشكلة طالبان هي أن معظم هذه الأسلحة تستخدم أجزاء وذخيرة أمريكية الصنع. على الرغم من أن طالبان استولت على مخزون كبير من الذخيرة الحكومية، لا يوجد مصدر محلي للرصاص عيار 5.56 و7.62 ملم للحفاظ على تغذية البنادق. بمجرد أن تختفي الذخيرة التي استولت عليها الحركة، تصبح البنادق عديمة الفائدة.
ماذا عن الطائرات المملوكة للقوات الجوية الأفغانية؟
إن القوة الجوية تحديداً هي ما يثير قلق البعض ويقولون إن طالبان تستخدمها للحفاظ على سيطرة قبضتها على البلاد، بل وحتى إلحاق الأذى بالمنطقة، حسب نقاد الانسحاب الأمريكي.
ولكن الواقع أن القوة الجوية التي ورثتها طالبان قد تكون هي المجال الأصعب عليها في توظيفه والاستفادة منه.
فلقد احتفظ المتعاقدون الغربيون الخاصون بسيطرة على معظم الطائرات بموجب عقود الصيانة، وهؤلاء المتعاقدون الغربيون فروا من البلاد منذ فترة طويلة. كما فر معظم طياري القوات الجوية السابقين إلى حد كبير من البلاد، خائفين من أن تلاحقهم طالبان وتقتلهم لدعمهم الجانب الأمريكي.
من المحتمل أن يؤدي نقص الصيانة والطيارين إلى إعاقة القوات الجوية الأفغانية في غضون أسابيع، خاصة أن احتمال استعانة طالبان بالفنيين الأفغان في القوات الأفغانية الجوية التي أسسها الأمريكيون لن يكون له تأثير كبير لأنهم لم يتلقوا التدريب الكافي لصيانة مروحيات بلاك وحدهم قد الأمر أسهل قليلاً بالنسبة للمروحيات الروسية.
وفي مجال القوات الجوية تحديداً هناك تجربة سابقة لأفغانستان، كان للحكومة الشيوعية في أفغانستان خلال الاحتلال السوفييتي قوة جوية جيدة نسبياً بمعايير عصرها وكانت مهابة إقليمياً، ولكن فور انسحاب السوفييت تضاءل تأثيرها، وعندما سقط النظام الشيوعي كان استخدام المجاهدين الأفغان للطائرات التي ورثوها لا يذكر.
فتشغيل بلد مثل أفغانستان طائرات حربية بدون دعم صانعيها الفني أمر صعب، مع ملاحظة أن الأسلحة السوفييتية أبسط من الغربية.
كما يلاحظ أن الأسلحة الأمريكية في أفغانستان لا تحوي دبابات، أو قطعاً مدفعية ثقيلة، أو صواريخ مضادة للدبابات أو طائرات حربية نفاثة فوق صوتية.
الجيش الأفغاني لم يكن كبيراً ولا متطوراً
ويجب ملاحظة الأسلحة الأمريكية في أفغانستان التي تركها الجيش الموالي للأمريكيين لا تصل قيمتها إلى 83 مليار دولار كما يقال؛ لأن 29% فقط من 83 مليار دولار كانت عبارة عن معدات قدمت للقوات الأفغانية، ذهب الباقي إلى التدريب والرواتب والتكاليف الزائدة.
فالحقيقة أنه رغم ما أنفقته أمريكا في أفغانستان، فالجيش الأفغاني الموالي لها لا يمكن وصفه بالجيش الكبير فهو لا يمتلك طائرات حربية نفاثة، ولا دبابات كثيرة، وخليط من العوامل الجغرافية والسياسية واللوجستية جعله على هذا الشكل.
فبداية الدبابات قد تكون محدودة الفاعلية في بيئة جبلية كأفغانستان وفي حرب عصابات تحتاج إلى السرعة كالتي خاضتها طالبان، أما الطائرات النفاثة فكان لدى الأمريكيين كثير منها، كما أن دورها في مثل هذا القتال لا يختلف كثيراً عن المروحيات، ولا طائرات الهجوم الأرضي غير النفاثة الأقل تكلفة.
بالطبع لا يمكن استبعاد أسباب أخرى لعدم تزويد أمريكا للجيش الأفغاني الموالي لها بأسلحة ثقيلة أكثر تطوراً، منها صعوبة استيعاب هذا الجيش لمثل هذه الأسلحة لأسباب تقنية، وهناك الفساد، وغياب تمويل محلي أيضاً، والأهم قد يكون أن الأمريكيين كان لديهم توقعات باحتمال سقوط النظام والجيش الذي أسسوه وبالتالي فرضوا قيوداً خفية على نوعية الأسلحة التي أرسلوها للجيش الأفغاني.
كيف ستؤثر هذه الأسلحة على موازين القوى بالمنطقة؟
لا يعني هذا أن طالبان لن تستفيد من ترسانة الأسلحة الأمريكية في أفغانستان التي ورثتها عن الجيش السابق، ولكن الأمر المؤكد أن هذه الترسانة لا تمثل انقلاباً في موازين يجعل الحركة قوة إقليمية.
قد تعطي الأسلحة الأمريكية في أفغانستان التي ورثتها طالبان قوة إضافية معززة للحركة أمام منافسيها في الداخل، ولكن هؤلاء المنافسين هزموا في البداية رغم امتلاكهم هذه الأسلحة، ومن الواضح أن مشكلتهم لم تكن في التسليح على الإطلاق.
وقد تعطي هذه الأسلحة لطالبان أيضاً بعض القوة الإضافية المحدودة في مواجهة دولة ضعيفة مثل طاجيسكتان التي يعتقد أنها تدعم أحمد مسعود، ولكن لن تجعل الحركة رقماً في مواجهة محيط إقليمي يعج بالقوى العسكرية الكبيرة مثل الصين وباكستان وإيران، وحتى في مواجهة دولة مثل أوزبكستان تعد أكبر دولة آسيا الوسطى.
هل ستستفيد الصين وروسيا وإيران من الأسلحة الأمريكية في أفغانستان؟
أخيراً، هناك قلق في أمريكا، من مسألة سقوط هذه الأسلحة في يد أعداء واشنطن الذين سيعلمون على تقليدها.
يزعم حساب واحد على Twitter يتابعه 440 ألف متابع أن المعدات هي "منجم ذهب استخباراتي" لخصوم أمريكا. من السهل تخيل الجواسيس الصينيين والإيرانيين والروس يندفعون بالمظلات إلى البلاد حاملين حقائب نقدية، متحمسين لشراء المعدات الأمريكية المهجورة.
ولكن روب لي الحاصل على دكتوراه من كلية كينجز كوليدج بلندن والمتخصص في تتبع الشؤون الروسية قال لموقع Popular Mechanics: "أمريكا سلحت الجيش الأفغاني السابق، لمحاربة طالبان التي كانت حركة تمرد، وليس جيشاً تقليدياً".
ويضيف قائلاً: "عادةً فإن المعدات الأكثر حساسية التي تمتلكها أمريكا مصممة لحرب تقليدية مع خصم نظير -مقاتلين وقاذفات وصواريخ كروز وأصول ذات مستوى استراتيجي- ولم يتم إعطاء أي من هذه الأسلحة لقوات الأمن والجيش الأفغانيين".
وتابع قائلاً: "وضعت كل من إيران وروسيا والصين أيديهم على المعدات العسكرية الأمريكية من قبل بطرق مختلفة، ففي عام 2011، استولت إيران على طائرة بدون طيار محطمة من طراز RQ-170، وسُمح للصين بمشاهدة حطام مروحية بلاك هوك الشبحية المستخدمة في الغارة التي قتلت أسامة بن لادن، التي هي أكثر حساسية كثيراً من أي شيء قدمته أمريكا لأفغانستان".
هذا لا يمنع من إمكانية استفادة الدول الثلاث من الأسلحة الأمريكية في أفغانستان، ولكن يظل هناك طرق أخرى، للوصول لأكثر الأسلحة الأمريكية حساسية التي لم تذهب يوماً إلى أفغانستان.