“العلا” والدرعية مقابل “اللوفر”.. لماذا تنزعج الإمارات من التقارب الثقافي بين السعودية وفرنسا؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/15 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/15 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
زيادة المنافسة تشهد تصادماً بين السعودية والإمارات بسبب النفط والاستراتيجيات السياسية الأخرى/ عربي بوست

تصاعدت في الآونة الأخيرة الخلافات بين الإمارات والسعودية حول مجموعة من القضايا، بما في ذلك تلك المتعلقة باليمن والتعامل مع قطر وأسعار النفط.

وبعيداً عن الخلافات السياسية والاقتصادية يدور تنافس آخر حول الملف الفني والثقافي، حيث تسعى كل دولة منهما لاستقطاب بعض مظاهر الثقافة الفرنسية، فبعد عامين ونصف من افتتاح متحف اللوفر في أبوظبي، وتمويل الإمارات لتجديدات واسعة النطاق في قصر "شاتو دي فونتينبلو" -الذي يقع على بعد 55 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من وسط باريس- حوّل المسؤولون الثقافيون الفرنسيون والشركات الخاصة أنظارهم صوب المملكة العربية السعودية، التي تخطط لإنشاء مشاريع تراث ثقافي طموحة خاصة بها.

متحف اللوفر بأبوظبي / رويترز

أكبر هذه المشاريع هو تحويل مدينة العلا القديمة، المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، إلى منطقة جذب سياحي، وهو المشروع الذي تقدر قيمته بمليارات الدولارات، ويهدف إلى تعزيز الصورة الثقافية للسعودية واقتصادها بما يتماشى مع رؤية ولي العهد محمد بن سلمان (رؤية 2030). 

جدير بالذكر أن فرنسا والسعودية قد وقّعتا اتفاقية مدتها 10 سنوات في عام 2018 تمنح فرنسا دوراً بارزاً في المشروع الذي يقام على أراض منطقة بحجم بلجيكا تقريباً.

كذلك يضع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ثقلاً كبيراً في مشروع آخر بقيمة 20 مليار دولار لتطوير "بوابة الدرعية"، الموقع التراثي الكائن في ​​ضواحي الرياض، والذي يرجع للقرن الثامن عشر الميلادي حيث كان عاصمة للدولة السعودية الأولى، حيث يهدف ولي العهد إلى بناء حي جديد حول الموقع لجذب السعوديين والمغتربين العائدين، وذلك كجزء من طموحاته لمضاعفة عدد سكان المدينة البالغ 5 ملايين نسمة إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030.

لجنة مَلَكية تقود الدفة

حظيت "الهيئة الملكية لمحافظة العلا التي يترأسها بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، المقرب من محمد بن سلمان، بتدفق مستمر للزيارات الرسمية الفرنسية على مدى السنوات الثلاث الماضية على خلفية إشرافها على مشاريع الثقافية الطموحة. فقد سبق أن أبرمت الهيئة في عام 2019 شراكة مع منظمة "بانثيرا" غير الحكومية، لحماية الفهد العربي المهدد بالانقراض حيث وقع الاتفاقية كل من بدر آل سعود كممثل عن الهيئة، وقطب التعدين توماس كابلان رئيس ومؤسس منظمة بانثيرا التي تضم ضمن مجلسها الاستشاري محمد خاشقجي، الابن الأكبر لرجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي الذي عمل لصالح صناعة الدفاع الأمريكية في السعودية لسنوات عديدة. وعدنان هو ابن عم الصحفي الشهير الراحل جمال خاشقجي.

قطر مصر
الصورة التذكارية لقمة المصالحة الخليجية في العلا بالسعودية/ رويترز

ويعد توماس كابلان الأمريكي من أصول سويدية مقرب من العديد من العواصم الغربية، ومقرب كذلك من ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، الذي يموّل بانثيرا. ويُعد كابلان أيضاً من كبار الداعمين لمنظمة شؤون الضغط الأمريكية "متحدون ضد إيران النووية (UANI)" التي تنشط في كل من الولايات المتحدة وأوروبا بهدف بالضغط على الشركات الغربية لثنيها عن القيام بأعمال تجارية في طهران . 

وتضم "متحدون ضد إيران النووية (UANI)"، شخصيات معروفة بموقفها العدائي تجاه إيران، مثل يوسف العتيبة سفير الإمارات لدى واشنطن، ورئيس الاستخبارات المركزية الأمريكية السابق ديفيد بترايوس، وإسحاق دار الذي عمل لصالح شين بيت (جهاز الاستخبارات الداخلية الإسرائيلي). كما يرأس توماس كابلان "التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ALIPH)". ذلك التحالف الذي تأسس في جنيف عام 2017، بمبادرة من الشيخ محمد بن زايد والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بهدف حماية التراث الثقافي في سوريا والعراق. 

ولاحقاً انضم إلى مجلس إدارة  ALIPH  بدر بن عبد الله آل سعود. كما شارك كابلان في تأسيس منظمة "العدالة للأكراد" مع الفرنسي الشهير برنارد هنري ليفي الذي لعب عدة أدوار في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، وفي أفغانستان مؤخراً حيث ظهر مع أحمد شاه مسعود الابن في وادي بنجشير عقب سيطرة طالبان على العاصمة كابول.

ومن جهتها تعمل "الهيئة الملكية لمحافظة العلا"، التي يقدم لها الاستشارات جاك أتالي المستشار الفرنسي والرئيس السابق للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (EBRD)، في فرنسا مع "الوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العلا (AFDU)"، التي توظف جيشاً من الاستشاريين. فبالإضافة إلى المستشارين الاقتصاديين توظف الوكالة شركة العلاقات العامة "Publicis"، التي يشغل مديرها السابق كليمنت ليوناردوزي حالياً منصب مستشار الاتصالات للرئيس إيمانويل ماكرون. أما الكندية فرانس ديسماريه، التي شغلت لفترة وجيزة منصب نائبة رئيس منظمة "ALIPH"، فتعمل حالياً لدى "هيئة تطوير بوابة الدرعية (DGDA)" في السعودية، حيث تتولى مسؤولية الترويج للموقع التراثي.

سباق على الصفقات

بالنظر إلى ما وراء المشاريع الثقافية السخية في المملكة العربية السعودية، يلاحظ أن هناك عقوداً كبيرة يتعين تأمينها. فمن جهتها، ترى سلسلة الفنادق الفرنسية "أكور Accor"، التي يقدم الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي لها الاستشارات، السعودية كسوق يمكن أن تنمّي فيها أعمالها بالمنطقة. ومن المقرر أن تقوم السلسلة التي يرأسها سيباستيان بازين، بتطوير "منتجع وادي عشار"، وهو مجمع خيام بدوية فاخرة في العلا، بالتعاون مع شركتي "إيجيس جروب Egis Group" و"إيكوم تكنولوجي كوربوريشن AECOM"، والتي يشغل أحد المديرين فيهما حالياً منصب مدير مخطط العلا. ويشترك مجمع الشركات الذي يدير العلا مع شركة العقارات السعودية "نسما العقارية للتنمية والتطوير المحدودة"، التي عُين رئيسها التنفيذي، صالح علي التركي، محافظاً لمحافظة جدة في يوليو/تموز الماضي من قبل الملك سلمان بن عبدالعزيز. وتجدر الإشارة إلى أن أسهم الأقلية في شركة "نسما" مملوكة من قبل "مجموعة عذيب"، وهي المجموعة التي أسسها عبد العزيز بن أحمد آل سعود، نجل شقيق الملك سلمان، أحمد بن عبد العزيز، الذي يعتبر على خلاف مع الأمير محمد بن سلمان.

الاكتشاف الأثري الجديد في السعودية
الاكتشاف الأثري الجديد في السعودية/ مواقع التواصل

من جانبها، تأمل عدد من شركات الإنشاءات والخدمات الحضرية الفرنسية أيضاً في الاستحواذ على عقود مع "الهيئة الملكية لمحافظة العلا"، بما في ذلك شركتا "فينيتشي Vinci" و"فيوليا Veolia"، اللتان أدى استحواذهما على ذراع الشرق الأوسط التابع لشركة "سويز Suez" إلى تعزيز حضورها في السعودية.

ولتعزيز موقفها، تستثمر الحكومة الفرنسية أيضاً بعض المستشارين العاملين في وزارة الثقافة السعودية، بمن فيهم الباحثة في "المركز الوطني للبحث العلمي (CNRS)"، فرجينيا كاسولا المستشارة السابقة بالسفارة الفرنسية في الرياض، والتي عملت لدى جاك لانج، وزير الثقافة السابق الذي انخرط في العديد من المفاوضات الدبلوماسية والمالية بالقطاع الثقافي بصفته رئيساً لمعهد العالم العربي (IMA) الكائن في باريس. وقد درست كاسولا، التي نظمت محتوى "معهد الثقافة العربية" في العلا، في "جامعة السوربون بأبوظبي" لبضعة أشهر.

الانزعاج الإماراتي

ترى الإمارات العربية المتحدة في المشاريع الفرنسية السعودية ضرراً على مبادرات القوة الناعمة الثقافية التي تنخرط فيها أبوظبي مع فرنسا. ومن ثم تحاول إدراج بند حصري في عقدها مع الحكومة الفرنسية بخصوص مستقبل "متحف اللوفر أبوظبي". والذي يستمر حتى عام 2037، في خطوة من شأنها أن تحد من نطاق انخراط فرنسا في مشاريع ثقافية مع المملكة العربية السعودية.

محمد بن زايد/رويترز

وفي شهر مايو/أيار 2021، لم يكن تعيين "لورانس دي كار" بدلا من "جان لوك مارتينيز"، مدير متحف اللوفر في باريس، أمراً جيداً لأبوظبي. حيث إن مارتينيز محبوب في أبوظبي، بينما يُنظر إلى كار، المديرة العلمية السابقة لوكالة المتاحف الفرنسية، على أنها أقل تعاوناً مع الإمارات. لكن مارتينيز لم يذهب بعيداً، حيث لا يزال عضواً في اللجنة العلمية التابعة لمنظمة "التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألف، ALIPH)"، كما عُين سفيراً فرنسياً للتعاون الدولي في مجال التراث، ما يعني أنه يظل عامل طمأنة في المفاوضات الجارية بالإمارات. وبالتوازي مع ما سبق يكافح مانويل راباتجي، مدير متحف اللوفر أبوظبي، والذي ترأس سابقاً "وكالة متاحف فرنسا (AFM)"، من أجل إبعاد عالم المتاحف الفرنسية عن الإغراءات السعودية.

من وجهة نظر الرياض، لا تعتبر الاستراتيجية الدبلوماسية الثقافية الفرنسية واضحة بالشكل الكافي، وبالأخص في أعقاب قضية لوحة "سالفاتور موندي". التي اشتراها بدر بن عبد الله آل سعود لصالح محمد بن سلمان في مزاد عُقد في ديسمبر 2017 مقابل 450 مليون دولار، معتقداً أنها من أعمال ليوناردو دافنشي، لكن مارتينيز مدير متحف اللوفر في باريس آنذاك استعان بخبراء اللوفر لتحليل اللوحة. ورفض محمد بن سلمان لاحقاً إعارة اللوحة لمعرض اللوفر الكبير الذي أُقيم في الذكرى الخمسمئة لوفاة ليوناردو، ما أدى إلى تكميم أفواه خبراء المتحف، الذين لا يُسمح لهم بالتعليق علناً على عمل فني مستحوَذ عليه بشكل خاص من قبل أفراد. ومن ثم تلعب المشاريع الثقافية الهادفة للجذب السياحي دوراً في التنافس الإماراتي السعودي على اجتذاب الخبرات الفرنسية من أجل إنجاح المشاريع الجاري تأسيسها.

تحميل المزيد