لم تكن الهزيمة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية المغربي في الانتخابات الأخيرة هزيمة عادية، بل هي أقرب إلى الزلزال السياسي، مما أثار تساؤلات بشأن مستقبل الحزب نفسه.
فقبل الانتخابات التشريعية التي جرت الأربعاء 8 سبتمبر/أيلول، كان حزب العدالة والتنمية الإسلامي قائداً للائتلاف الحكومي في المملكة بـ125 مقعداً (من 395 مقعداً)، وكان من المتوقع أن يفقد بعضاً من مقاعده لأسباب متعددة، لكن أن يحل الحزب في المركز الثامن بحصوله على 13 مقعداً فقط، فهي نتيجة ترقى إلى وصف "الانتكاسة"، بحسب مراقبين.
وبعد أن تصدر حزب التجمع الوطني للأحرار بالمركز الأول في الانتخابات، كلف العاهل المغربي محمد السادس رئيس الحزب عزيز أخنوش، رجل الملك كما يطلق عليه، بتشكيل الحكومة، لتنتهي بذلك 10 سنوات من سيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامي على المشهد السياسي.
تغييرات جذرية في الحزب الإسلامي
وفي ظل هذه النتيجة الانتخابية "القاسية"، من المرتقب أن يخلف التراجع تداعيات مؤثرة داخل بيت الحزب الإسلامي، حيث يعيش صدمة من النتائج "المفاجئة" التي لم يكن يتوقعها أكثر المتشائمين، بعدما ظل الخبراء يرشحونه للمنافسة على الصدارة.
ويرى متابعون للمشهد السياسي أن نتائج الحزب (قائد ائتلاف الحكومة المنتهية ولايتها) أعادته للحجم الذي كان عليه قبل ربع قرن، حيث حصل في انتخابات العام 1997 على 12 مقعداً.
وذهبت آراء محللين في تصريحات متفرقة لوكالة الأناضول، إلى القول بأن "العدالة والتنمية" يملك من المقومات للتعافي من مخلفات الخسارة الانتخابية ولو بعد حين. وعقب التراجع بالانتخابات، أعلنت قيادة "العدالة والتنمية"، تقديم استقالتها من الأمانة العامة "تحملاً للمسؤولية"، وانتقال الحزب "إلى صفوف المعارضة".
وقالت أمانة الحزب في بيان، بعد اجتماع استثنائي الخميس الماضي بالعاصمة الرباط: "نتحمل كامل المسؤولية السياسية عن تدبير هذه المرحلة، وأعضاء الأمانة العامة وفي مقدمتهم الأخ الأمين العام (سعد الدين العثماني)، قرروا تقديم استقالتهم من الأمانة العامة".
وقال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة "الحسن الأول" (حكومية/شمال): "نحن أمام سلوك سياسي جديد بالحياة السياسية المغربية، وهو أن القيادة الحزبية حين خسرت الانتخابات، قدمت استقالتها".
وتابع المتحدث للأناضول: "يمكن أن نقرأ الاستقالة من زاويتين، الأولى، نحن أمام ممارسة ديمقراطية حقيقية، فيها تحمل المسؤولية من طرف قيادة حزبية خسرت الانتخابات"، مضيفاً: "القراءة الثانية، تقول إن الاستقالة مجرد هروب من تحمل المسؤولية"، وأردف: "أنا أنتصر إلى الرؤية الأولى، أي أننا أمام سلوك جديد يثبت أن حزب العدالة والتنمية حزب ديمقراطي بممارسته التنظيمية والسياسية".
ودعت أمانة الحزب، بعد ساعات من ظهور نتائج الانتخابات، إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني (برلمان الحزب)، في 18 سبتمبر/أيلول الجاري، "من أجل تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة". كما طالبت بـ"التعجيل في عقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب في أقرب وقت ممكن".
هل يعود بن كيران إلى قيادة الحزب؟
ودخل "العدالة والتنمية" دوامة لا متناهية منذ إعفاء أمينه العام السابق عبد الإله بن كيران من تشكيل الحكومة (عام 2016)، وتعيين سعد الدين العثماني (رئيس الحكومة المنتهية ولايتها) خلفاً له.
ويرى مراقبون أنه من أسباب تراجع الحزب غياب بن كيران عن المشهد القيادي، بسبب الخلاف مع العثماني، وفريق الأمانة العامة حول عدد من القضايا، بينها اعتماد اللغة الفرنسية في التدريس.
بحسب اليونسي: "من المؤكد أن حزب العدالة والتنمية لن يخرج من صدمة خسارة الانتخابات معافى إلا بعد مدة طويلة". ويرى أن "السيناريو الأكثر إيجابية بالنسبة للحزب من أجل التعافي، هو عودة عبد الإله بن كيران مرة أخرى لقيادة الحزب، بما يتمتع به من مصداقية، وبقدرته على بلورة خطاب وتصور سياسيين".
أما السيناريو الثاني، يضيف اليونسي: "أن تغادر القيادة الحالية بأكملها، وتترك الحزب لقيادة جديدة من أبناء الحركة الإسلامية، ومن الملتحقين الذين يؤمنون بمشروع الحزب، لقيادة المرحلة المقبلة". واستطرد: "أعتقد أننا سنكون أمام مرحلة انتقالية تحضر فيها القيادات القديمة، ولكن مع وجود قوي للجيل الثاني من قيادات الحزب".
بدوره، أفاد محمد بودن، المحلل السياسي، للأناضول: "نظراً لأن بن كيران له أفضال على الحزب الذي حقق في عهده الأمجاد، خاصة في انتخابات 2011 و2016 التشريعية، وانتخابات 2015 البلدية، يمكن أن يكون الرجل ملهماً لحزب العدالة والتنمية".
وتابع رئيس "مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية" (غير حكومي): "لكن يجب أن يبحث بن كيران عن الخلف، لأنه لن يبقى دائماً، والحزب لا يجب أن يرتكز على شخص واحد، فهو بناء مؤسساتي يتطلب وجود أكثر من بديل". وزاد موضحاً: "بن كيران نفسه يجب أن يقود الحزب خلال مرحلة انتقالية لا غير".
معارضة بلا أنياب حقيقية
ويؤكد بودن، أن المطلوب هو "بناء حزب عصري، بفكر يعتمد على الإنجاز والبحث عن الحلول، مع الابتعاد عن الخطاب السياسي الذي يجعل علاقته ببعض شركائه، فيها نوع من الاصطدام وعدم التفاهم أو سوف الفهم". ومباشرة بعد ظهور نتائج الانتخابات، سارع بن كيران، إلى دعوة أمينه العام الحالي العثماني، إلى الاستقالة إثر "الهزيمة المؤلمة" للحزب.
ففي رسالة تحمل توقيعه نشرها عبر "فيسبوك"، قال بن كيران: "بصفتي عضواً بالمجلس الوطني للحزب، وانطلاقاً من وضعي الاعتباري كأمين عام سابق للحزب، وبعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مُني بها حزبنا بالانتخابات، أرى أنه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب".
ويرى محمد بودن أن "حزب العدالة والتنمية انطلق بقوة في 2011، ووصل منهكاً إلى انتخابات 2021، عقب ممارسته للسلطة خلال ولايتين حكوميتين". وتابع: "الحزب تأثر بوضعه الداخلي، وذهب إلى الهيئة الناخبة بدون إنجاز كبير، يرتكز عليه ليقنع المواطنين".
وزاد: "فقدان 112 مقعداً بين 2016 و2021، يمثل تآكلاً كبيراً وغير مسبوق لوعائه الانتخابي، وبالتالي تقديم قيادة الحزب لاستقالتها سلوك ديمقراطي". واعتبر أن "حزب العدالة والتنمية دائماً سيكون له مستقبل في المغرب"، مبيناً بالقول: "هناك عدة اعتبارات، منها كونه مكوناً أساسياً في المشهد السياسي المغربي، ونظراً لأن المناخ السياسي في المغرب تعددي".
"بطبيعة الحال، من يمارس الأغلبية اليوم قد يمارس المعارضة غداً، ومن يمارس المعارضة اليوم قد يمارس الأغلبية غداً"، مضيفاً: "آلية التناوب والتداول على السلطة مهمة، وهي قاعدة أساسية في الحياة الديمقراطية المغربية، وفي الاختيار الديمقراطي، رغم الملاحظات المسجلة عند كل طرف سياسي".
واعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أن "حزب العدالة والتنمية انتقل إلى المعارضة بدون أنياب". وقال اليونسي: "الحزب أصبح عنده 13 نائباً برلمانياً، بينما الفريق (كتلة) البرلماني يتشكل من 20 نائباً، مما يعني أنه بدون فريق برلماني".
"أيضاً لن يتمكن الحزب من تسيير البلديات، بعدما كان يسير في الولاية المنتهية 169 بلدية"، وتابع: "كل هذا، يعني أن قدرة الحزب على الإنجاز وخدمة المواطنين ستكون ضعيفة".
"هذا يحتم عليه العودة من جديد إلى العمل الاجتماعي بالدرجة الأولى، ولا ندري هل ستسمح له الدولة بذلك أم لا، لكن المؤكد أنه سينتقل إلى المعارضة بدون أنياب".
وللمرة الأولى في تاريخ المملكة، ترأس "العدالة والتنمية" (مرجعية إسلامية) الحكومة منذ 2011، إثر فوزه في انتخابات ذلك العام، والتي تلتها عام 2016.
وكان بعض المحللين يرى في تراجع حزب العدالة والتنمية الكبير في الانتخابات المهنية التي جرت قبل الانتخابات التشريعية بأسابيع قليلة، مؤشراً على تراجع الحزب بالانتخابات التشريعية والبلدية.
عمر الشرقاوي، محلل سياسي، رأى أنه لأول مرة يشهد منحنى حزب العدالة والتنمية تراجعاً بعدما عرف صعوداً خلال الانتخابات (البرلمانية والبلدية) الماضية. وفي حديث للأناضول، عشية الانتخابات، أوضح الشرقاوي الأستاذ الجامعي بكلية العلوم القانونية والاجتماعية والاقتصادية بمدينة المحمدية، أن أول المؤشرات يتعلق بعدد الترشيحات التي عرفت تراجعاً بالنسبة للحزب مقابل ارتفاعها لدى أحزاب أخرى، خصوصاً حزب التجمع الوطني للأحرار.