تناول تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية الآثار التي تركتها الأزمة الاقتصادية- وخصوصاً أزمة الوقود- على المناطق الشيعية في لبنان والتي كانت ولا تزال المعاقل الثابتة لحزب الله اللبناني. وقالت الصحيفة إنه بالرغم من وعود حسن نصر الله الأمين العام للحزب، لم تسلم معاقل حزب الله من نقص الوقود على الصعيد الوطني في لبنان، وهو أحدث مظهرٍ من مظاهر الأزمة المالية الممتدة في البلاد، فيما تمثِّل الأزمة اختباراً للدعم المُقدَّم للجماعة المدعومة من إيران، والتي تُعتَبَر القوة المهيمنة في البلاد نظراً لقوة ميليشياتها وتماسك جناحها السياسي.
مناطق حزب الله في قلب الأزمة
وأجبَرَ النقص الشديد في الوقود في لبنان الخبَّاز علي مؤذن على خفض إنتاجه بمقدار الربع وتحديد حصص مبيعات الخبز. والآن تهدِّد الأزمة بوضع عمله برمته على شفا الانهيار.
وقال مؤذن لصحيفة Financial Times البريطانية: "هذا هو آخر يومٍ بالنسبة لي". وهو بحاجةٍ إلى وقود الديزل من أجل الخَبز في مدينة النبطية الجنوبية، التي لطالما كانت معقلاً لحزب الله. أضاف مؤذن: "إذا لم يكن هناك ديزل، فلن أفتح غداً". لم يكن لدى مؤذن بنزين أيضاً، وقال وهو غاضب إن سيارته متوقِّفة منذ خمسة أيام بسبب ذلك.
ومع تفاقم الأزمة، ألقى حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، اللوم على القوى الغربية في ما وصفه بـ"الحرب الاقتصادية". ومع تصاعد الاستياء العام في أواخر أغسطس/آب، وامتداد الطوابير في محطات الوقود، أعلن نصر الله أن الحزب قد دبَّر الأمر مع راعيته، إيران، لإرسال النفط إلى لبنان.
وقال نصر الله في خطابٍ مُتلفَز: "نحن لا نحل محل الدولة"، مشيراً إلى شحنة النفط التي قال عنها معارضون إنها تضع لبنان في خرقٍ للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران. وأضاف نصر الله: "الهدف هو مساعدة كلِّ اللبنانيين وليس فقط أنصار حزب الله أو الشيعة". وذكرت صحيفة الأخبار اللبنانية، الموالية لحزب الله، الأسبوع الماضي، أن ناقلةً واحدةً وصلت إلى سوريا، وأن محتوياتها ستُنقَل بالشاحنات إلى لبنان.
ليس من المُفاجِئ للمُحلِّلين أن يشعر الحزب بالحاجة إلى اتِّخاذ إجراء. يُقدَّر أن المناطق التي دعمت حزب الله تقليدياً هي من بين المناطق الأكثر تضرُّراً من الحرمان. وأشارت دراسةٌ أجرتها وكالةٌ اقتصادية تابعة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي إلى تضرُّر مناطق البقاع وبعلبك الهرمل في الشرق، والنبطية في الجنوب، بشكلٍ خاص.
"حزب الله يتعرَّض لضغوطٍ للوفاء بوعوده"
لا توجد بياناتٌ استطلاعية توضِّح ما إذا كانت الأزمة تؤثِّر على دعم حزب الله. ولا تزال منظمات الحزب الخيرية تقدِّم المساعدة للكثيرين بينما الدولة بطيئةٌ في مساعدتهم. لكن حنين غدار، الباحثة في معهد واشنطن، وهي مؤسسة فكرية أخذت خطاً متشدِّداً إزاء إيران، قالت إنه مع ضرب الأزمة القواعد المؤيِّدة لحزب الله، يعجز الحزب عن الاضطلاع بدور الحامي والمُزوِّد، مهدِّداً بذلك منبعاً مهماً لشرعيته داخل مجتمعه. وأضافت حنين أنه مع تأثُّر معاقل الحزب بأزمة الوقود، أصبح الوقود الإيراني "جزءاً من استراتيجيته لتهدئة الناس".
كما قال كريس أبو ناصف، مدير برنامج لبنان في معهد الشرق الأوسط: "الولاء لحزب الله واضحٌ للغاية، لكنه قد لا يكون دون شرط، وقد يكون هذا هو سبب محاولة حزب الله حل أزمة الوقود".
من جهتها، قالت رندا سليم، الزميلة البارزة في معهد الشرق الأوسط، إن حزب الله يتعرَّض لضغوطٍ للوفاء بوعوده برعاية مجتمعه. وأضافت: "إذا كانوا قادرين على الأقل على تقديم حل قصير المدى يوفِّر تحسُّناً ملموساً.. ستتحسَّن مصداقية وسمعة حزب الله".
في السنوات الأخيرة، زاد حزب الله، المُصنَّف كمنظمةٍ إرهابية من قِبَلِ الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية الكبرى، من نفوذه من خلال التحالفات، وأصبح لاعباً سياسياً مهيمناً، لكن "لعبة تقاسم السلطة نفسها لم تقُد البلاد إلى أيِّ مكان"، بحسب قول مهند الحاج علي، الزميل بمركز كارنيغي للشرق الأوسط والمقيم في بيروت. والآن يواجه حزب الله، المُتورِّط بعمقٍ في فشل الدولة اللبنانية من خلال مشاركته في الحكومات المتعاقبة، "تحدياتٍ صعبة تبدأ بمناطقه الخاصة"، حيث يواجه بشكلٍ متزايد أسئلةً حول دوره في الوضع السياسي المتعفِّن الراهن.
لكن وبعد طول انتظار استمر لأكثر من سنة، سيكون اللبنانيون على موعد مع التعرف على حكومتهم الجديدة، إثر محاولتين فاشلتين واعتذار رئيسين مكلفين في فترة تميزت بمشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية واجهها اللبنانيون بالخروج للشارع للاحتجاج.
فقد أُعلن الجمعة 10 سبتمبر/أيلول 2021، تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة إثر لقاء جمع الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وكشفت مصادر رسمية أنهما وقعا مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة في حضور رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وطوال عام مأزوم، ظل معارضو حزب الله يلقون باللائمة على الحزب في هذه الحالة من الشلل. وفي احتجاجاتٍ متفرِّقة في الشوارع، ردَّدَ المتظاهرون شعاراتٍ مناهضةً لحزب الله وأمينه العام، إلى جانب زعماء سياسيين آخرين وقوى آخرى يلقون عليها باللوم في تدهور لبنان.
"دولة حزب الله" في جنوب لبنان
ويُعتَقَد أن حزب الله يدير فعلياً دولةً في ضواحي جنوب لبنان ووادي البقاع الشرقي وجزء كبير من جنوب لبنان، حيث يقدِّم خدماتٍ اجتماعية؛ من التعليم إلى الرعاية الصحية. وكما هو الحال في أماكن أخرى في لبنان، أدَّى نقص الوقود في المناطق الواقعة تحت هيمنة حزب الله إلى تعطيل إمدادات كلِّ شيء؛ من الخبز إلى زجاجات المياه.
قالت منى أبو زيد، المديرة العامة لمستشفى النجدة الشعبية في النبطية، إن نقص البنزين حادٌّ إلى درجة أن المستشفى أرسلت سيارات الإسعاف لنقل الممرضات إلى المستشفى. وأدَّى نقص الموظَّفين إلى إجبار المستشفى على دمج أجنحة الأطفال والعناية المركَّزة معاً منذ يومين.
يحتاج المستشفى إلى وقود الديزل لتشغيل المولِّدات، لأن إمدادات الكهرباء التي تنتجها الدولة قد انهارت تقريباً. قالت منى: "لم أشتر الوقود من السوق السوداء حتى الآن. ولكن الآن أنا مضطرة لذلك".
تُزيَّن القرى المحيطة بالمستشفى بأعلامٍ سوداء من طقوس عاشوراء السنوية الأخيرة. وتظهر في الشوارع ملصقاتٌ لرجالٍ قُتِلوا وهم يقاتلون في صفوف حزب الله في سوريا. وانعكس ذلك الولاء في صناديق الاقتراع أيضاً، حيث فاز ممثِّل حزب الله في النبطية، محمد رعد، بأصواتٍ أكثر من أيِّ عضوٍ برلماني آخر في انتخابات 2018، قبل نشوب الأزمة.
ورغم هذه الكفاحات اليومية، يقبل الكثيرون في النبطية خط حزب الله، ويلقون باللوم على الآخرين في هذه المشكلات. قال حسن رامان، 67 عاماً، ويعمل في شركةٍ لتعبئة المياه تكافح مع ارتفاع الأسعار، إن "الأمريكيين يخنقوننا". وأضاف: "الأمريكيون لا يريدون أن يكون الإيرانيون في لبنان، لأن ذلك ليس في مصلحتهم". وعزا رامان الفضل في الحفاظ على أمن المنطقة إلى سيطرة حزب الله. وحمَّلَ "الحكومة والشعب اللبناني مسؤولية الأزمة".
بعد إعلان نصر الله عن شحنات النفط الإيراني، كشفت السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، النقاب عن خطةٍ تدعمها الولايات المتحدة لجلب الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا. اعتبر رامان هذه حيلةً ساخرة، متسائلاً: "لماذا لم يأتوا بالغاز من مصر من قبل؟".