بعد الخروج المهين للولايات المتحدة، يثار تساؤل ماذا لو تجنبت أمريكا غزو أفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 وحاولت اللجوء لوسائل أخرى لمطاردة تنظيم القاعدة، هل كانت ستحقق نتائج أفضل في الحرب على الإرهاب مما يجري حالياً؟
وبينما تؤكد التقارير التي تحلل الحرب في أفغانستان على أخطاء في التنفيذ خلال عقدين من الاحتلال، فإن تقريراً لموقع Responsible Statecraft الأمريكي، يتساءل لكن ماذا لو أن الخطأ الأكبر هو غزو أفغانستان نفسه؟
وإذا بحثت عن منشأ الفوضى الحالية التي يعاني منها العالم الإسلامي وتتخبط فيها أمريكا ستجد أنها تعود إلى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، رغم أنها كانت يمكن أن تشكل بداية جديدة لأمريكا.
فلقد أطلقت هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 موجة تعاطف غير مسبوق مع أمريكا، وولدت الفرصة لبداية جديدة من وسط حطام البرجين المنهارين في منطقة "غراوند زيرو" قبل 20 عاماً، حيث أعيد على نحو مفاجئ ترتيب الشؤون العالمية في صباح يوم 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 المليء بالرماد الأسود والنار والموت، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Independent البريطانية.
ولكن أمريكا حولت التعاطف معها إلى كارثة عليها وعلى العالم الإسلامي، كارثة استفاد منها خصوم أمريكا لاسيما الصين وروسيا، وكان غزو أفغانستان هو بداية هذه الفوضى.
بدائل غزو أفغانستان بالنسبة للولايات المتحدة
فعوضاً عن غزو أفغانستان وشن حرب كارثية، ربما كان الرد البديل على أحداث 11 سبتمبر/أيلول هو تكثيف عمليات الشرطة والاستخبارات والتعاون مع الحلفاء للضغط على طالبان، التي لا علاقة تذكر لها بأحداث 11 سبتمبر/أيلول، لتفكيك أوصال تنظيم القاعدة وتسليم أبرز أعضائها.
وقد توفّر عدد من الظروف المواتية لهذا النهج، حسب الموقع الأمريكي.
أولاً، لم يكن حكم طالبان في أفغانستان مضموناً أو يحظى بشعبية كبيرة. فبعد استيلائها على السلطة عام 1996، منحت أفغانستان القليل من السلام والحكومة المتماسكة بعد حرب أهلية مروعة. ولكن بحلول عام 2001، تراجعت شعبيتها بسبب حكمها الفوضوي والوحشي في بعض الأحيان.
والمفارقة أن أحد أسباب تراجع شعبيتها يرجع إلى جهودها الناجحة في إنهاء تجارة الأفيون المربحة في العام السابق 2000. وهذا الانعدام الكبير في الشعبية ربما يعود أيضاً إلى أن قواتها غير المدربة تدريباً جيداً، التي نجحت قبل سنوات قليلة في توحيد البلاد بهزيمة أو رشوة المليشيات التي كانت تمزق البلاد، كانت قد تفككت في أغلبها.
علاقة طالبان مع القاعدة لم تكُن مريحة
ثانياً، لم تكن العلاقة بين طالبان والقاعدة مريحة كثيراً في الغالب؛ فعام 1996، ظهر أسامة بن لادن، المنفي من السعودية، مع حاشيته. ورغم استعدادها التام لاستضافة زائرها الثري، أصرت طالبان على أن يقدم ما يضمن امتناعه عن توجيه رسائل تحريضية أو حتى عقد مؤتمرات صحفية والانخراط في أنشطة إرهابية.
وقد وافق بن لادن غير مرة لكنه حنث بوعده كثيراً. وفي بعض الأحيان، وضعت طالبان "ضيفها" المزعج قيد الإقامة الجبرية، وقد صُدم المراسل المخضرم أرنو دي بورشغريف بمدى العداء الذي أبداه كبار قادة طالبان لبن لادن حين أجرى مقابلات معهم منتصف عام 2001. وعلى حد تعبير المحلل فاديم براون، كانت العلاقات بينهما "خلافية، ومُهدَّدة بانعدام متبادل في الثقة وتباين الطموحات".
وتخلص دراسة نشرها موقع "إي للعلاقات الدولية" الأمريكي تحت عنوان "الفرق بين طالبان والقاعدة"، واطلع عليها موقع"إندبندنت عربية" إلى أن الفارق الجوهري الأبرز بين التنظيمين على الرغم من تلاقيهما في جوانب عدة، هو أن "طالبان سعت إلى إصلاح أفغانستان فقط من منظورها المحلي الصرف، أما محنة الفلسطينيين والكشميريين والشيشان والمسلمين في أماكن أخرى فلم تهم طالبان، وربما لم يكن لدى البعض أي معرفة بهذه النزاعات، لقد حصروا قتالهم في أفغانستان فقط، لم يتجاوز هدفهم قط إنشاء نسخة طالبان من المدينة الفاضلة داخل حدودهم".
على العكس من ذلك تماماً "القاعدة"، وفقاً لكاتب الدراسة جوش شوت، الذي رأى أن تنظيم بن لادن تشكّل "لمواصلة القتال بعد الحرب السوفييتية وتحويله إلى صراع عالمي. وعلى النقيض من طالبان كان لـ"القاعدة" منظور عالمي وآفاق واسعة وأهداف طويلة المدى، وكانت محن الفلسطينيين والكشميريين والشيشان والمسلمين في كل مكان مصدر قلق كبير لهم، في حين كان الهجوم على الإسلام في أفغانستان مجرد مثال واحد على اضطهاد المسلمين، لكن لم تكن لهم مصلحة في أفغانستان تتجاوز طرد الغزاة الملحدين"، بحسب منطق تنظيم القاعدة.
لكن على الرغم من ذلك فإن وضع التنظيمين في سلة واحدة من جانب الأمريكيين بعد الغزو كما تشير الدراسة، جعل الرأي العام العالمي، خصوصاً الأمريكي منه، ينظر إلى المجموعتين بعين واحدة، بيد أن الباحث اعتبر ذلك لا يخدم الأهداف التي تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها، وذلك لأن "الأهداف والعمليات والخلفيات العرقية والثقافية والجغرافية للقاعدة وطالبان مختلفة تماماً، وهما منظمتان مختلفتان تماماً، لذلك فمن الخطأ معاملة كل مجموعة كما لو كانت الكيان نفسه من خلال مزج وإخفاء الفروق بين المجموعات أو الأنظمة المختلفة التي لا تخضع نفسها من دون قيد أو شرط للهيمنة الأمريكية، وتجميعها في تهديد إرهابي ضخم غير متبلور، مما يخلق للولايات المتحدة أعداء أكثر مما تستطيع إخضاعه".
طالبان كانت معزولة والجميع كان مستعداً لمساعدة أمريكا
ثالثاً، لم تكن طالبان تتمتع بالكثير من الدعم في الخارج بسبب منهجها الإسلاموي المتطرف، حسب الموقع الأمريكي.
ويشير الخبير فواز جرجس إلى أنه أثناء غزو القوات السوفييتية لأفغانستان عام 1979، كانت دعوات الجهاد منتشرة في معظم الأراضي العربية والإسلامية، وتدفق عشرات الآلاف من الرجال المسلمين إلى البلاد للانضمام إلى المقاومة.
على أنه حين غزا الأمريكيون أفغانستان عام 2001 وهم عازمون على إسقاط نظام إسلامي، سمعنا "صمتاً يصم الآذان" من الزوايا والمساجد نفسها، ولم يذهب سوى عدد قليل من الجهاديين للقتال. وكان هذا جزئياً نتيجة عكسية لهجوم 11 سبتمبر/أيلول. إذ كان هؤلاء الإرهابيون يأملون أن تؤدي هذه المواجهة الدراماتيكية مع الولايات المتحدة إلى الحشد والتوحيد، لكن ما حدث هو أن جهاديين آخرين حمّلوا تنظيم القاعدة علناً مسؤولية مشاكلهم التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر/أيلول، واعتبروا أن هذه الهجمات لم تكن محسوبة جيداً وتنم عن قصر النظر.
ورابعاً، كانت جميع دول العالم تقريباً حريصة على التعاون مع الولايات المتحدة بعد صدمة 11 سبتمبر/أيلول، وكان من بين هذه الدول دولتان من الدول القليلة التي كانت تدعم طالبان في السابق: باكستان والسعودية. وفضلاً عن ذلك، حاول السعوديون لسنوات تسلم بن لادن المنشق السعودي. وبدا أنهم كانوا على وشك تحقيق ذلك عام 1998، لكن الاتفاق فشل بعد أن قصف الأمريكيون أفغانستان رداً على هجمات القاعدة على سفارتين من سفاراتها في إفريقيا. لكن السعوديين استمروا في جهودهم، وقبل أسبوعين من 11 سبتمبر/أيلول، أقال ولي العهد كبير المفاوضين السعوديين لأنه فشل حينها في الإمساك ببن لادن.
شروط طالبان لتسليم بن لادن
وفي ظل هذه الظروف، كان من الممكن أن يتعرض هذا النظام المضطرب في أفغانستان لضغوط دولية، وربما حتى إلى حد تحويل أسامة بن لادن وكبار مساعديه إلى العدالة الدولية، وهذا أكثر مما حققه الغزو، حسب موقع Responsible Statecraft.
ويقول تقرير الموقع: "إنه إذا لزم الأمر، كان يمكن تنفيذ بعض عمليات القصف وغارات الكوماندوز الانتقائية، بدلاً من ذلك الغزو المباشر، للتأكيد على هذه الرسالة.
ولكن، كما أشارت ماري إيلين أوكونيل، الخبيرة في القانون الدولي، حينها، كانت توجد إجراءات قانونية للتعامل مع الكيانات الفرعية الخارجة عن القانون مثل القراصنة وتجار العبيد، وكان يمكن تطبيق هذه الإجراءات بسهولة على مدبري أحداث 11 سبتمبر/أيلول. وكان يمكن أن يفر مقاتلو تنظيم القاعدة من أفغانستان، وهذا ما حدث على أي حال بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة".
وقالت طالبان في ذلك الوقت إنها تريد دليلاً على أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول كانت من تدبير تنظيم القاعدة، وربما كان هذا ليسعدها، حسب الموقع الأمريكي.
وكانت قد اقترحت طالبان أيضاً تسليم بن لادن إلى منظمة مكونة من 56 دولة إسلامية تضم بطبيعة الحال، العديد من الدول المقربة من الولايات المتحدة.
ومع ذلك، بعد بدء القصف، أفادت تقارير أن طالبان عرضت تسليم بن لادن لأي دولة أخرى غير الولايات المتحدة دون إثبات على ارتكابه الجرم، حسب الموقع الأمريكي.
بوش كان يريد قتل أي أحد
ولكن لم يكن أي من ذلك كافياً للرئيس جورج بوش الابن، الذي رفض أي "مفاوضات" مهما كانت وطالب بتسليم بن لادن وأصدقائه إلى الولايات المتحدة مباشرة.
وكان رد فعل إدارة بوش على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وفقاً لما ذكره روبرت كاغان مؤخراً، يجمع بين الذعر والارتباك والخوف والشعور بالذنب. وفضلاً عن ذلك "أراد بوش شخصياً الانتقام"، واستشهد بتصريح مسجل لوزير الخارجية كولن باول نُشر أوائل عام 2002: بوش "أراد أن يقتل أحداً".
وكان الرأي العام الأمريكي متأثراً كذلك، وربما كان تبني نهج أكثر سلمية محفوفاً بمخاطر سياسية.
ومع ذلك، كان الجمهور الأمريكي راضياً عن أن الغزو لم يدمر تنظيم القاعدة، وإنما جعلها في حالة من التشتت والفوضى. ولو أن "المفاوضات" أسفرت عن نتيجة مماثلة- وإذا أضيف إليها بالتأكيد القبض على بن لادن- لاعتبرت هذه الجهود ناجحة على الأرجح. وبالطبع، في النهج البديل، كانت طالبان لتظل في السلطة في أفغانستان. ولكن كان يمكن تخفيف هذا القلق بالإشارة إلى أن طالبان، رغم تصرفاتها التي تثير الاستهجان في بعض النواحي، لم تكن متواطئة فعلياً في هجمات 11 سبتمبر/أيلول.
وكان يمكن تفادي أطول حرب خاضتها أمريكا لو أن بوش أبدى بعض المرونة في موضوع "التفاوض"، لكن هذا الخيار لم يكن مطروحاً في أوراقه. وما حدث أن طالبان دُفعت للقتال لاستعادة البلاد بعد سنوات من الحرب التي أُنفقت خلالها تريليونات الدولارات وقتل فيها أكثر من مئة ألف شخص. وبعد 20 عاماً، تبدو الولايات المتحدة مستعدة الآن للتصالح مع هذه النتيجة.