بعد إحكام سيطرتها على أفغانستان وإخراجها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها بطريقة مذلة، تستعد حركة طالبان لإعلان حكومتها، فيما قد يكون إنعاش الاقتصاد الأفغاني المُدمَّر أكبر تحدٍّ تواجهه الحركة، فكيف ستفعل لإعادة إحيائه؟
ما هي حالة الاقتصاد الأفغاني؟
وسط أسوأ موجة جفاف تشهدها البلاد منذ عقود، وفي ظلِّ تدهور الأمن، كان الاقتصاد الأفغاني يكافح لسنواتٍ حتى قبل أحداث أغسطس/آب. وكان الصعود المفاجئ لطالبان وانهيار الدولة أقوى صدمة له حتى الآن، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
تأخذ تكلفة السلع التي يعتمد عليها الناس العاديون للبقاء على قيد الحياة، مثل الدقيق والزيت والأرز، في الارتفاع كلَّ يوم. وكذلك الأمر بالنسبة لسعر الوقود، مِمَّا يزيد من الضغوط على العائلات التي تعتمد على السيارات والمواصلات للوصول إلى العمل.
تمتد طوابير الانتظار لمئات الأمتار خارج البنوك التي لا تسمح إلا بعمليات سحبٍ محدودة، خوفاً من السحب الكبير منها، مِمَّا أدَّى إلى أزمةٍ نقدية تسبَّبَت في تجميد النشاط الاقتصادي في المدن الكبيرة.
يقول شهاب صديقي (اسم مستعار)، وهو موظَّف حكومي للصحيفة البريطانية: "لا تزال البنوك مُغلَقة في مدينة هرات. هناك جهازان فقط من أجهزة الصرف الآلي يعملان في المدينة بأكملها، وعليك الانتظار لساعات. لكن عندما يحين دورك، تنفد الأموال أو تنقطع الكهرباء".
أدَّى القلق والخوف إلى نزوح مئات الآلاف من الأفغان داخلياً وعبر الحدود إلى دولٍ مثل باكستان وإيران. بالنسبة للعديد من الأفغان، فإن القيود المفروضة على حرياتهم الشخصية أقل من القيود المفروضة على الاقتصاد.
قال صرَّافٌ في هرات، رفض ذِكر اسمه: "هذا هو السؤال الذي يطرحه الجميع. كيف ستتعامل طالبان مع المال؟ أصبح الدولار عند 86.3 "أفغاني" (العملة الأفغانية)، بينما كان حوالي 80 قبل سقوط الحكومة السابقة".
لماذا كانت الضربة الاقتصادية هذه المرة شديدةً جداً؟
أحد الأسباب الرئيسية هو أن الاقتصاد الأفغاني كان يعتمد بشكلٍ كبير على المانحين الأجانب الذين راهنوا على الحكومة السابقة، والذين ليس واضحاً كيف يتعاملون مع طالبان.
منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، تلقى الاقتصاد الأفغاني الدعم من خلال المساعدات الخارجية ومساعدات التنمية، والتي شكَّلَت أكثر من 42% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد العام الماضي، وموَّلَت ثلاثة أرباع الإنفاق العام.
كانت تلك المساعدة تتقلَّص خلال السنوات الأخيرة، وقليلٌ من الشركات الخاصة تبدي استعدادها للاستثمار في هذا البلد غير المستقر إلى حدٍّ كبير. ومع عودة طالبان للسلطة، كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي وألمانيا من بين المانحين الذين أوقفوا بالفعل أموال التنمية التي كانوا يعتزمون منحها لأفغانستان. قد يستمرون في تقديم المساعدات الإنسانية، ولكن من المُرجَّح أن تُوجَّه هذه المساعدات من خلال الجمعيات الخيرية وليس من خلال حكومة طالبان.
قال تحليل تشاتام هاوس: "إذا استمرَّ تجميد المساعدات لفترةٍ طويلة، فسوف يتسبَّب ذلك في انكماشٍ هائلٍ في التمويل الحكومي، مِمَّا يؤدِّي إلى تسريح موظَّفي الخدمة المدنية وموظَّفي المنظمات غير الحكومية، وانهيار الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، علاوة على خطر التضخُّم المفرِط".
لا يمكن لطالبان أن تمس الأصول الاحتياطية للبلاد لوقف انخفاض قيمة العملة الأفغانية. والجزء الأكبر- أكثر من 7 مليارات دولار من إجمالي يُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار- موجودٌ في حساباتٍ بنكية أمريكية جمَّدَتها واشنطن.
حذَّرَ برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن أفغانستان ستواجه نقصاً كبيراً في الغذاء هذا الشتاء، بسبب الجفاف الذي يؤثِّر على غلة المحاصيل، ولا يزال من غير الواضح على وجه التحديد إلى أيِّ مدى يبلغ هذا التأثير.
ماذا تعني هذه المشكلات الاقتصادية بالنسبة لطالبان؟
تدرك طالبان أن الحكم الفعَّال سيعني تلبية الاحتياجات الأساسية للناس، وتقديم الأمل في المستقبل في بلدٍ يبلغ فيه متوسِّط عمر المواطنين 18 عاماً.
حتى الآن، تقول الحركة إنها منفتحة على المجتمع الدولي والجوار لإعادة إعمار البلاد، وقد اعتبر مُحلِّلون ذلك بمثابة إشارة إلى أن قادة الجماعة يعتزمون الاندماج إلى حدٍّ ما في الاقتصاد العالمي، والوصول إلى المساعدات الخارجية وصناديق التنمية وجلب الاستثمارات للبلاد.
وقال فونغ سيو، الاقتصادي الرئيسي في الشأن الآسيوي في وحدة الاستخبارات الاقتصادية، وهي وحدة معنية بخدمات التنبؤ والاستشارات من خلال البحث والتحليل: "طالبان تدرك تماماً أنها بحاجةٍ إلى الوصول إلى النظام المالي العالمي. إنهم يعلمون أنهم بحاجةٍ إلى مساعدةٍ دولية لمنع الانهيار الكامل للاقتصاد، لأنه إذا انهار فسوف تعاني طالبان من اضطرابٍ اجتماعي قد لا تتمكَّن من السيطرة عليه"، بحسب تعبيره.
وأضاف سيو أن هناك بالفعل مؤشِّراتٍ على انفتاحٍ أكبر على المنظمات الدولية من جانب الجماعة. وقال: "قبل عشرين عاماً، كانت طالبان تعتمد بالفعل على مواردها الخاصة، ولم تطلب المساعدات الأجنبية. لكن منظمة الصحة العالمية تمكَّنَت من نقل الإمدادات جواً، وقد فعلوا ذلك من قطر باستخدام الخطوط الجوية الوطنية الباكستانية. لذا فهم ليسوا منغلقين تماماً بشأن المساعدات. كلُّ ما في الأمر أنهم سيحتاجون إلى القيام بذلك بطريقةٍ صعبة ومُعقَّدة للغاية".
وقد تمنح الرهانات الاقتصادية الغرب بعض النفوذ للتأثير على إدارة طالبان القادمة، وربما ربط إلغاء تجميد الأموال بإحراز تقدُّمٍ في مجال حقوق الإنسان أو حرمان الجماعة من هذه الأموال.