توصلت لجنة التفاوض في منطقة "درعا البلد"، في محافظة درعا، جنوب سوريا، إلى اتفاق جديد مع روسيا لوقف إطلاق النار، فما بنود الاتفاق؟ وهل يلتزم به النظام السوري بعد انتهاك الاتفاق الأول؟
كانت قوات النظام السوري قد شنت حملة قصف عنيف على درعا منذ مايو/أيار الماضي، تزامناً مع الانتخابات التي أقامها نظام بشار الأسد، واندلاع احتجاجات رافضة لها في مهد الثورة السورية، وتسبب القصف في مقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً، من بينهم 27 طفلاً. وبحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أجبر القتال 24 ألف شخص على الفرار من منازلهم هناك.
وكانت درعا تخضع بالفعل لاتفاقية سلام بين المعارضة والنظام السوري برعاية روسية منذ عام 2018، تخلّت بموجبها المعارضة المسلحة في المنطقة عن أسلحتها الثقيلة، لكن قوات النظام- المدعومة من روسيا وإيران وحزب الله اللبناني- انتهكت بنود تلك الاتفاقية سعياً للقضاء على المعارضة وفرض السيطرة بالكامل على محافظة درعا.
ما بنود الاتفاق الروسي الجديد في درعا؟
أفادت مصادر محلية في درعا لمراسل وكالة الأناضول التركية، بأنه وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار، فقد دخلت الشرطة العسكرية الروسية ولجنة أمنية تابعة للنظام السوري إلى المنطقة، بغرض تثبيت وقف إطلاق النار، وتسلم السلاح الخفيف من أشخاص حددهم النظام، وعددهم 34.
وتضمّن اتفاق وقف إطلاق النار عدم تهجير أي شخص خارج المنطقة، وتمركز قوات النظام وفرع الأمن العسكري التابع له في 4 نقاط من المنطقة كقوى أمنية، وعودة مخفر الشرطة وعناصره للمنطقة، بعد خروجهم منها جراء الأحداث الأخيرة. كما تضمن الاتفاق انسحاب الفرقتين الرابعة والتاسعة التابعتين للنظام من محيط منطقة درعا البلد، وفك الحصار عنها.
وأفادت قناة الإخبارية، التابعة للنظام السوري، أنه أقيم مركز يسلم من خلاله المعارضون أسلحتهم الخفيفة، أو يسجلون أسماءهم لمغادرة درعا. وسيتوجه أغلب من يختارون المغادرة إلى إدلب في الشمال، وهي المنطقة التي تخضع لسيطرة المعارضة، بموجب اتفاق بين تركيا وروسيا، بحسب تقرير لموقع ABC News.
وبحسب إعلام فرع حزب البعث الحاكم في درعا، نقلاً عن مصدر خاص، سيدخل الاتفاق حيز التنفيذ خلال اليومين القادمين.
ومنذ 25 يونيو/حزيران الماضي، فرضت قوات النظام السوري والميليشيات التابعة لها حصاراً على "درعا البلد"، بعد رفض المعارضة تسليم السلاح الخفيف، باعتباره مخالفاً لاتفاق تم بوساطة روسية عام 2018، ونص على تسليم السلاح الثقيل والمتوسط.
وبعد شهر من القصف المكثف والعنيف من جانب ميليشيات النظام على درعا، توصلت لجنة التفاوض بدرعا البلد وقوات النظام إلى اتفاق يقضي بسحب جزئي للأسلحة الخفيفة المتبقية بيد المعارضة، ووجود جزئي لقوات النظام، إلا أن الأخيرة أخلّت بالاتفاق وأصرّت على السيطرة الكاملة على المنطقة.
انتقادات أمريكية ودولية لقصف درعا
كان قصف النظام السوري لدرعا البلد وسقوط عشرات الضحايا بين المدنيين قد أثار موجة انتقاد عنيفة لنظام بشار الأسد وداعميه، وبصفة خاصة روسيا.
وأمس الأربعاء 1 سبتمبر/أيلول، أدانت السفارة الأمريكية في دمشق الهجوم "الوحشي" الذي يكثفه النظام السوري على محافظة درعا، وقالت السفارة، في تغريدة عبر تويتر، "ندين هجوم نظام الأسد الوحشي على درعا، الذي أدى إلى مقتل مدنيين، وتشريد الآلاف، ونقص في الغذاء والدواء".
وأضافت أن "الولايات المتحدة تدعو لوقف فوري لإطلاق النار، وحرية الدخول دون عوائق للأمم المتحدة والجهات الفاعلة الإنسانية"، وذلك قبيل الإعلان عن الاتفاق الجديد لوقف إطلاق النار.
وصدر الموقف نفسه عن الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، الذي دعا الثلاثاء إلى إنهاء فوري للعنف في محافظة درعا، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين.
وخلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول مستجدات الأزمة السورية، قال بيدرسون، إنه "يسعى حالياً إلى التوصل إلى اتفاق مستدام لإنهاء النزوح وضمان وصول المساعدات الإنسانية (إلى المحتاجين)".
وقال بيدرسون لأعضاء المجلس (15 دولة): "نكرر دعواتنا لجميع الأطراف لإنهاء العنف على الفور، والوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي لحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية"، مضيفاً: "أطلب من الدول الرئيسية أن تعمل معي في مناقشات استكشافية حول مجموعة من الخطوات الملموسة والمتبادلة، التي يتم تحديدها بدقة، وتنفيذها بالتوازي، ويمكن التحقق منها". وأردف: "كما نسعى إلى اتخاذ تدابير عملية وقابلة للقياس، يمكن أن تحقق الإجماع داخل مجلس الأمن وداخل سوريا".
وبالنسبة للوضع شمال غربي سوريا، قال: "شهدنا في الأشهر الماضية تكثيفاً في الضربات الجوية والقصف، ما أسفر عن مقتل عشرات المدنيين، بينهم أطفال ونساء، وإلحاق أضرار بالبنية التحتية المدنية".
ملك الأردن دخل على خط أزمة درعا
كانت درعا مهد الثورة التي اندلعت في مارس/آذار 2011، عبر احتجاجات شعبية تُطالب بإنهاء عشرات السنين من حكم أسرة الأسد، وبدء تداول سلمي للسلطة، لكن رئيس النظام بشار الأسد، الذي خلف والده حافظ الأسد في الرئاسة منذ عام 2000، استخدم الخيار العسكري لقمع المحتجين، ما دفع بالبلاد إلى حرب مدمرة.
وكانت التطورات الدامية التي تشهدها محافظة درعا قد دفعت الأردن -الجار الشمالي لسوريا- إلى إغلاق كامل حدوده مع سوريا، في 31 يوليو/تموز الماضي؛ جراء الأوضاع الأمنية هناك.
وفي الوقت نفسه، تدرك موسكو، الحاضرة بقوة وتدعم النظام السوري منذ بداية الأزمة عام 2011، أهمية الدور الأردني في حسم الملف السوري، وخاصة في القطاع الجنوبي، لذا فإن اتصالات القادة والمسؤولين من البلدين لم تنقطع طيلة السنوات الماضية.
وفي ظل هذه التطورات على الجبهة السورية، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني في الكرملين، الإثنين 23 أغسطس/آب، حيث كانت الأزمة السورية على رأس أجندة القمة بينهما.
ويرى بعض المراقبين أن الاتفاق الأخير في درعا قد جاء بالأساس بتحرك روسي، ولا شك أن قمة بوتين-عبدالله كان لها دور فاعل في تحرك موسكو نحو تهدئة الأوضاع ورعاية ذلك الاتفاق.
فالأردن، الذي يعاني من أوضاع اقتصادية صعبة للغاية بفعل جائحة كورونا، لن يتحمل موجة نزوح جديدة من السوريين في درعا، وبالتالي فإن هذا الاتفاق الذي يضمن عدم مغادرة سكان درعا لبيوتهم يعني تفادي عمان لأزمة لاجئين جديدة، لكن مدى التزام النظام السوري هذه المرة بالاتفاق يظل أمراً مشكوكاً فيه، بحسب معارضين سوريين.
لماذا تسعى روسيا لتهدئة الأوضاع في سوريا؟
مرة أخرى تسعى موسكو إلى تحقيق نوع من الاستقرار النسبي في سوريا، ولو بشكل مؤقت، حيث كان النظام السوري يريد أن يفرض سيطرته دون شروط في درعا، ولو أدى ذلك إلى مزيد من المذابح بحق المدنيين، بحسب ما يقوله معارضو نظام بشار الأسد.
وربما يكون المؤشر الأبرز على رغبة روسيا في رسم صورة محددة عن سوريا عنوانها الاستقرار وشرعية نظام بشار الأسد هو الإصرار على إقامة الانتخابات الرئاسية، التي فاز بها الأسد- كما هو متوقع- بنسبة أكثر 95%، رغم وصف أغلب السوريين والمجتمع الدولي لها "بالمسرحية".
إذ شهدت المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تظاهرات حاشدة رافضة "لمسرحية" الانتخابات، بدأت من درعا، حيث تجمّع العشرات في ساحة المسجد العمري الذي انطلقت منه شرارة الثورة السورية، في مارس/آذار 2011، رافعين شعار "لا مستقبل للسوريين مع القاتل".
وثمة شبه إجماع لدى السوريين، بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، بمن فيهم مؤيدو نظام الأسد، على أن انتخابات النظام كانت على الدوام مسرحية هزلية سيئة الإعداد والإخراج، حتى أصبحت مادة للتندر والسخرية، وقد تداول السوريون فيديوهات مسرّبة من مركز اقتراع، يظهر فيها مسؤول الصندوق وهو يملأ الاستمارة عن الناخب، ويضعها بالصندوق عنه، فيما تظهر علامات الرعب واضحة في وجوه المواطنين.
وهناك ما يشبه الإجماع بين المحللين أن روسيا أرادت أن يلتقي رئيسها فلاديمير بوتين مع نظيره الأمريكي جو بايدن في سويسرا، منتصف يونيو/حزيران الماضي، وبيده ورقة "الشرعية"، فيما يخص نظام الأسد، وكان هذا على الأرجح سر الإصرار على إقامة تلك المشاهد التي وصفها النظام وداعموه الروس بالانتخابات في ذلك التوقيت، رغم أن ذلك مثّل انتهاكاً مباشراً لمسار سياسي ترعاه الأمم المتحدة، وكان النظام نفسه قد قبل به.
والتحليل نفسه ينطبق على سعي روسيا لتهدئة الأوضاع في درعا، ورعاية اتفاق وقف إطلاق النار الجديد، والمشاركة بشرطتها العسكرية في تنفيذه، لكن يظل السؤال قائماً بشأن مدة التزام قوات النظام السوري بذلك الاتفاق الجديد في درعا.