تتطلع الأحزاب السياسية بالمغرب إلى استعادة ثقة المواطنين التي تزعزعت في أذهانهم بالسنوات الأخيرة، وتسعى لإصلاح ذلك في الانتخابات المغربية العامة المقررة في الثامن من سبتمبر/أيلول الجاري.
ويشكل شعور المواطنين بتراجع ثقتهم في السياسيين أحد العناوين الكبرى التي رصدها تقرير "اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" التي تشكلت بقرار من الملك محمد السادس في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقدمت خلاصتها في 27 مايو/أيار، وهو ما يدفع الأحزاب إلى البحث عن "الثقة".
شواهد انعدام الثقة الشعبية بالأحزاب المغربية
ويقول تقرير وكالة الأناضول إن من شواهد انعدام ثقة المواطنين بالأحزاب، بحسب تدوينات لنشطاء بمنصات التواصل الاجتماعي، الترحال السياسي، أي تغيير المرشحين لانتمائهم من حزب لآخر بين انتخابات وأخرى.
بالإضافة إلى استعمال المال الانتخابي، وعدم تحقيق ما وعدت به الأحزاب في برامجها، وتعيين وزراء من خارجها، واستمرار ترشيح عدد من الأسماء منذ سنوات لا تنتمي إليها، وفق ما يراه المواطنون.
ورأى خبير مختص أن "ضعف الخطاب والعرض السياسي" سبب لفقدان ثقة المواطن في الأحزاب، بينما اعتبر آخر أن "غياب الثقة يجعل الانتخابات دون رهانات ديمقراطية".
الانتخابات المغربية في أرقام
وزارة الداخلية المغربية أعلنت، يوم الجمعة الماضي، أن 1704 قوائم تتنافس بالانتخابات المرتقبة، تشتمل في المجموع على 6 آلاف و815 ترشيحاً، أي بمعدل يفوق 17 ترشيحاً عن كل مقعد.
الوزارة قالت إن ترشيحات النساء المسجلة برسم انتخاب أعضاء مجلس النواب بلغت في المجموع 2329 ترشيحاً، أي بنسبة 34.17 بالمئة من العدد الإجمالي للترشيحات.
وفيما يتعلق بانتخاب أعضاء مجالس البلديات، بلغ عدد الترشيحات المقدمة على الصعيد الوطني 157 ألفاً و569 تصريحاً بالترشيح. وبلغ عدد الهيئات السياسية التي شاركت فيها 31 حزباً، بما فيها تحالف أحزاب سياسية تم تأسيسه بمناسبة الانتخابات الجارية.
وتُجرى انتخابات المجالس البلدية وفق نمطين، هما: النظام اللائحي في الدوائر التي يسكنها أكثر من 50 ألف نسمة، أما الأقل سكاناً فيطبق فيها الاقتراع الفردي.
منافسة شديدة بين القوى والأحزاب المغربية
وتقول الأناضول إن المنافسة تشتد على تصدر نتائج الانتخابات التشريعية بين حزبي "العدالة والتنمية" (قائد الائتلاف الحكومي) و"التجمع الوطني للأحرار" الذي يقوده وزير الفلاحة رجل المال والأعمال عزيز أخنوش، الطامح إلى كسر هيمنة الأول على المشهد السياسي لولايتين متتاليتين.
كما يبرز في المشهد السياسي كقوة انتخابية، كلٌّ من حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال" (معارضان).
ويقول أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول (حكومية) في سطات (شمال البلاد) عبدالحفيظ اليونسي، إن "الانتخابات الحالية تبدو بدون رهانات ديمقراطية على مستوى تدبير سلطة اتخاذ القرار مركزياً (على مستوى العاصمة الرباط) وترابياً (بالمناطق الأخرى)".
وأضاف اليونسي: "ضعف الثقة في الأحزاب ساهمت فيه عناصر خارجية (من خارج الأحزاب لم يذكرها) مما يطرح سؤال جدوى العملية الانتخابية وما تفرزه من مؤسسات، والذي يصاحب عادة ظاهرة الشعبوية التي تنامت بالمغرب في بعض وسائل الإعلام".
والشعبوية ذاعت مؤخراً بالمغرب، سواء على صعيد السياسة من خلال بروز أشخاص يطلقون العنان لكل الخطابات بدون ضوابط، أو على صعيد الإعلام، عبر مواقع وصحف تروّج الإشاعات وتستهدف المواطنين وخصوصياتهم.
ولفت اليونسي إلى أن "تضمين خطاب يهاجم الديمقراطية التمثيلية والمؤسسات المنبثقة عنها في وسائل التواصل الاجتماعي يفاقم من المشكلة ويهز صورة الأحزاب الضعيفة أصلاً".
صعوبة استعادة الثقة ومخاوف المقاطعة
فيما يرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبدالله (حكومية) في فاس (شمال) سلمان بونعمان أنه "من الصعب أن تشكل انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول لحظة لاستعادة الثقة في الأحزاب السياسية".
ويعتبر بونعمان في حديث للأناضول أن "ضعف الخطاب والعرض السياسي خلال الحملة الانتخابية المشكل الرئيسي في فقدان الثقة". ويقول: "لا توجد لدى أي من الأحزاب المشاركة في الانتخابات أطروحة ملهمة يمكن أن تستقطب الناخبين".
ويضيف أن "العملية الانتخابية في الأصل تنافس وعرض للآراء والبرامج والأفكار للخروج من الأزمات واقتراح حلول وفق توجهات اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة، لكن الأحزاب عاجزة عن إعطائها هذا الزخم".
ويشير بونعمان إلى أن "الغضب الانتخابي يمكن أن يتحول إلى شكل من العزوف عن المشاركة في التصويت، خاصة في ظل جائحة كورونا، حيث هناك ضعف واضح للتواصل السياسي للأحزاب كما كان الشأن في الوضعية العادية".
محاصرة "العدالة والتنمية" الحاكم
في السياق، كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" الإثنين 30 أغسطس/آب، أن تحالفاً غير معلن بين ثلاثة أحزاب هي: الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، تفاهموا فيما بينهم على محاصرة حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى؛ للحيلولة دون عودته لرئاستها.
وتابعت المصادر ذاتها أن قيادات الأحزاب الثلاثة وجهت مسؤوليها الجهويين والإقليميين إلى القيام بما يلزم لإزاحة حزب العدالة والتنمية من رئاسة الجماعات المحلية الكبيرة، التي يفوق عدد سكانها 500 ألف نسمة، والتي سيطر عليها في انتخابات 2015.
وحقق حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة اختراقاً كبيراً، حيث تمكن من تحقيق أغلبية مطلقة في أكثر من 200 مدينة يتجاوز عدد سكانها 50 ألف نسمة، كما حسم بسهولة كبيرةٍ رئاسة أهم المدن الكبرى في المغرب.
وكانت الحملة الانتخابية بالمغرب قد انطلقت في 26 أغسطس/آب المنصرم، والتي ستستمر لمدة 13 يوماً وهي فرصة للأحزاب المتنافسة من أجل إقناع الناخبين بالتصويت لمرشحيها في الاستحقاقات المرتقبة.
ويبلغ عدد الناخبين 17 مليوناً و983 ألفاً و490 (من أصل نحو 36 مليون نسمة)، وفق بيانات رسمية.
وأعلن المغرب اعتماد أكثر من 4500 ملاحظ يمثلون 44 منظمة غير حكومية، لمراقبة الانتخابات المزمع تنظيمها في الثامن من سبتمبر/أيلول الحالي، بحسب المجلس الوطني لحقوق الإنسان (رسمي).